لبنان.. مواطنون يتعايشون مع الظلام وعاداتهم في العمل والحياة تتبدل

لبنان.. مواطنون يتعايشون مع الظلام وعاداتهم في العمل والحياة تتبدل

كان لانقطاع الكهرباء المتكرر تأثير بالغ على مختلف مناحي الحياة بلبنان، ومن بين تلك المظاهر اختفاء عادة تخزين الخضروات والفواكه الموسمية الصيفية وتوضيبها وحفظها في الثلاجات لفصل الشتاء فيما يعرف باسم (المونة)، إلى تكثيف ساعات عمل المكاتب والشركات في العاصمة بيروت.

وتتعايش جانيت داغر (65 عاما) مع الظلام وانقطاع التيار الكهربي المتكرر الذي بدّل أسلوب حياتها وعائلتها، وفقا لوكالة أنباء العالم العربي (AWP).

توقفت جانيت عن تخزين (المونة) المجمدة التي ستفسد قطعا إن هي داومت على تخزينها، وانتهت من حياتها عادة اجتماعية كانت تتشارك فيها العديد من العائلات من حولها.

وقالت: "يصل التيار الكهربائي إلى منزلنا إما عبر مؤسسة الكهرباء الرسمية أو اشتراكنا مع مولد للكهرباء يملكه أفراد، وفي كلتا الحالتين لا نحصل على تيار متواصل للكهرباء".

وتابعت: "حصتنا من كهرباء الدولة في اليوم مدتها بين ساعتين وثلاث ساعات، وهي ضعيفة بحيث لا تستطيع تشغيل ثلاجة وغسالة في الوقت نفسه، وإذا اعتمدنا على كهرباء المولدات، فزيادة الاستهلاك تعني ارتفاع الفاتورة في نهاية الشهر، ولهذا يتم قطاع المولد من الثانية عشرة ليلا حتى السابعة صباحا".

تكثيف ساعات العمل

أما فارس جعفر، وهو موظف في شركة خاصة بمنطقة وسط بيروت التجارية، فبات عمله ينتهي في السادسة مساء بدلا من الخامسة، مع تكثيف ساعات العمل بسبب انقطاعات الكهرباء المتكررة.

يقول جعفر إن تداعيات الأزمة الاقتصادية مقترنة بآثار انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 أثّرت على النشاط في منطقة المفترض ألا تنقطع عنها الكهرباء، حيث بات الظلام يلف الكثير من أبنيتها ومكاتبها بعد السادسة.

ويضيف: "كانت الكهرباء لا تنقطع مطلقا في هذه المنطقة التي كان يُعتبر المالكون والمستأجرون فيها من المتمكنين ماديا" نظرا لارتفاع أسعار العقارات فيها، "حيث يصل إيجار الشقة السكنية متوسطة المساحة نحو 80 ألف دولار في السنة، في حين لا يتجاوز إيجار شقة في الأحياء الشعبية 400 دولار شهريا، أي 4800 دولار سنويا".

ويكمل جعفر، قائلا: "بدأ أصحاب الشركات بضبط مصاريف الكهرباء كون تكلفتها مرتفعة نسبة لتراجع أعمالهم خلال الفترة الحالية.. سابقا، كان مولد الكهرباء في البناء يُترك يعمل طوال الليل رغم عدم وجود الموظفين، أما في السنة الماضية فظهرت مشكلات بين أصحاب الشركات".

وأوضح أن بعض الشركات تضطر لإبقاء موظفيها لساعات متأخرة وهو ما يتطلب إبقاء عمل المولدات الكهربائية، في حين ترفض هذا شركات أخرى لا تعمل لساعات متأخرة وترى أن تكلفة الكهرباء ستشملها وهي لا تستفيد منها.

كانت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية قد أعلنت الشهر الماضي عن تعريفة المولدات الكهربائية الخاصة بقيمة تبلغ نحو 32 ليرة لبنانية عن كل كيلو وات/ ساعة.

وبالنسبة لفاتورة مؤسسة الكهرباء، صدر تعميم في شهر مايو الماضي زادت بموجبه رسوم وبدلات الاشتراك بعشرة أمثالها، لُتحتسب على أساس قيمة 15 ألف ليرة للدولار بعد أن كانت تُحتسب على أساس أن الدولار الواحد يساوي 1500 ليرة لبنانية.

أزمة سيولة

وتعاني مؤسسة كهرباء لبنان من أزمة سيولة حادة، وهي الشركة المسؤولة عن إنتاج 90 بالمئة من كهرباء البلاد.

وفي تفاصيل فاتورة استهلاك الكهرباء لأحد المنازل في محافظة جبل لبنان عن الشهر الماضي، بلغ رسم الاشتراك الشهري 640 ألف ليرة لبنانية (7.3 دولار) واستهلاك العداد نحو 300 كيلو وات للساعة، لتكون قيمة استهلاكه قرابة تسعة ملايين ليرة (102.3 دولار). وتجاوز إجمالي الفاتورة الشهرية عشرة ملايين ليرة بعد إضافة الرسوم، بينما يبلغ متوسط راتب موظف القطاع العام نحو 250 دولارا شهريا.

وبالمقارنة مع الأسعار السابقة، كانت تكلفة استهلاك الكهرباء بين 100 و300 كيلو وات للساعة تبلغ 80 ألف ليرة شهريا خلال الفترة من عام 1994 حتى عام 2021.

حلول بديلة

دفع ذلك اللبنانيين إلى البحث عن حلول بديلة للحصول على الكهرباء من خلال المؤسسة الرسمية أو المولدات الخاصة، فوجدوا ضالتهم في تركيب ألواح الطاقة الشمسية على المباني السكنية والتي ازداد استخدامها كثيرا في الآونة الأخيرة.

ومن هؤلاء مايكل خوري (40 عاما) من سكان حي الأشرفية الراقي بشرق بيروت، فمنذ نحو السنة تخلى عن اشتراك المولد الكهربائي واستعاض عنه بالطاقة الشمسية.

يقول: "حتى أستطيع تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية ركّبت ألواح تولد 10 أمبير، وكانت التكلفة ستة آلاف دولار.. المبلغ قد يبدو كبيرا لكنه يدفع لمرة واحدة ولا أكون تحت رحمة أصحاب المولدات في التسعير وفي الإطفاء حينما يرغبون".

وفي مايو 2022، قرّر مجلس الوزراء اللبناني الموافقة على منح 11 ترخيصا لإنتاج الكهرباء حصرا من الطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 165 ميغاوات، على أن يبدأ الإنتاج في غضون ثلاثة أعوام.

غير أنه قبل أيام قليلة، حذرت مؤسسة كهرباء لبنان من العتمة الشاملة في البلاد.

ولم يكن هذا التحذير الأول من نوعه، ففي عام 2021 أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان عن احتمال أن يؤدي نفاد مخزون المحروقات بحلول نهاية سبتمبر أيلول من ذلك العام إلى انقطاع التيار الكهربائي في البلاد.

وفي 16 أغسطس الحالي، أعلنت المؤسسة انقطاع التغذية الكهربائية من محطتي دير عمار والزهراني جراء توقف شركة (برايم ساوث) المشغلة لهما عن العمل بسبب عدم حصولها على مستحقاتها المالية البالغة عشرة ملايين دولار، لتفيد في الشركة في اليوم التالي بأنها تلقت تعهدا شفهيا من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتأمين مبلغ سبعة ملايين دولار.

ورقة ضغط سياسي

يوضح مصدر سياسي أن أزمة الكهرباء بدأت قبل عام 2019 ولكن سكان عدد من المناطق وخاصة في المدن شعروا بها خلال السنتين الماضيتين لأنها وصلت إلى منازلهم، في حين أن هناك لبنانيين يعانون منها منذ سنوات عديدة.

ويشير المصدر إلى "عدم عدالة" في تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الملف على مر عقود، وهو ما تجسد في تنمية غير متوازنة بين المناطق، مضيفا: "العديد من مناطق شمال لبنان (قبل 2019)، كانت تغذية الكهرباء تنقطع لمدة تزيد على 15 ساعة في اليوم، في حين كانت في بيروت تنقطع أقل من 10 ساعات".

وأعرب المصدر عن عدم ثقته بوجود من يرغب في إيجاد حل لأزمة الكهرباء في لبنان، قائلا إنها تدخل ضمن أدوات الضغط السياسي بين الأحزاب.

وأضاف: "أصحاب المولدات في كل منطقة من أحياء بيروت أو طرابلس تابعون لقوى سياسية وطائفية في الحي السكني، فهناك اتفاق ضمني وغير معلن بين أصحاب المولدات على أنه إذا طلب مواطن يسكن في منطقة معينة ببيروت مد خط مولد من منطقة أخرى إليه، يُواجه طلبه بالرفض من صاحب المولد تحت ذريعة أن المنطقتين من مذهبين مختلفين".

وتابع: "بعد الحرب الأهلية توالى على وزارة الطاقة والمياه أفراد من مختلف القوى السياسية، بعضهم من حركة أمل وبعضهم من التيار الوطني الحر، ولم نصل إلى حل نهائي نتيجة الصراعات التي وصلت إلى اتهام كل طرف للآخر بمنعه من تنفيذ خطته لتحسين وضع الكهرباء".

ويوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن التيار الوطني يعتبر أن حركة أمل عرقلت خطته لأن الجهة المسؤولة عن إعطاء الموافقة بصرف الأموال هي وزارة المالية والتي يتولاها وزير تابع للحركة، بينما الطرف المقابل يعتبر أن التيار يعمل على تمرير صفقات لحسابه الخاص من خلال المناقصات.

ولا ينفي المصدر انعكاس الصراعات الإقليمية على الداخل اللبناني كما حدث مع اتفاق استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا سنة 2022، والذي واجهته عقبة مرور هذه الإمدادات في الأراضي السورية كون الولايات المتحدة تفرض عقوبات (قانون قيصر) على كل شركة تتعامل مع الحكومة في دمشق، وهو ما دفع حكومتي القاهرة وعمان إلى طلب توضيح من واشنطن يؤكد أن البلدين لن تطولهما هذه العقوبات.

واختتم المصدر حديثه، قائلا: "الأزمة المحيطة لا تُبعد المسؤولية عن الحكومة في هدر الأموال، فالبنك الدولي تعهد بتقديم قرض بنحو 240 مليون دولار لتأمين الكهرباء من الأردن ومصر، ولكنه ربط القرض بتنفيذ إصلاحات اقتصادية لم تنفذ حتى الآن".


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية