«فايننشال تايمز»: عمال مناجم الذهب في جنوب إفريقيا ضحايا انتهاكات العصابات
يتعرضون للجوع والتعذيب
كشفت صحيفة "فايننشال تايمز"، عن معاناة إنسانية خطيرة يواجهها عمال مناجم الذهب في جنوب إفريقيا، حيث يتعرضون للجوع والتعذيب على يد عصابات إجرامية تسيطر على المناجم المهجورة.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، اليوم الخميس، أن هؤلاء العمال، الذين يُعرفون محليًا باسم "زاما زاماس"، يعيشون في ظروف قاسية تحت الأرض، وسط محاولات السلطات لفك الحصار عن آلاف المحاصرين وإيقاف نزيف الاقتصاد الذي تتسبب فيه هذه الأنشطة غير القانونية.
وذكرت أن عصابات الجريمة نظمت أنشطة التنقيب عن الذهب في مناجم مهجورة في جنوب إفريقيا، مستغلة البطالة لجذب عمالة مهاجرة فقيرة، في منطقة ستيلفونتين، على بعد 160 كيلومتراً غرب جوهانسبرغ، فيما أنقذ رجال الإنقاذ مؤخراً عاملاً موزمبيقياً بعد أن علق في منجم بوفيلسفونتين المهجور لأيام طويلة.
أزمات التعدين وتورط العصابات
كشفت المواجهة بين الشرطة والعصابات عن عمق تسلل الجريمة إلى قطاع التعدين، الذي يعتبر ركيزة أساسية في اقتصاد جنوب إفريقيا، وقد تراجع إنتاج الذهب في البلاد، التي كانت يوماً أكبر منتج عالمي، بسبب تقادم البنية التحتية وسوء السياسات الاقتصادية، مما أدى إلى إغلاق 6000 منجم بحسب الصحيفة.
وأوضحت أنه مع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية هذا العام، أصبحت هذه المناجم ساحة معارك بين عصابات مسلحة تتنافس على تهريب المعدن الثمين.
وأطلق الرئيس سيريل رامافوزا حملة قمع ضد الأنشطة غير القانونية ضمن خطة لإنعاش الاستثمار في التعدين، الذي يمثل 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن التحديات الاقتصادية، ومنها معدل بطالة يصل إلى 33%، عرقلت الجهود لتطهير هذا القطاع الحيوي.
مجازفة محفوفة بالمخاطر
وقالت الصحيفة إن التعدين غير القانوني، جذب آلاف العمال المهاجرين من دول مجاورة مثل ليسوتو وزامبيا وموزمبيق، تعتمد العصابات على تجنيد هؤلاء العمال أو إجبارهم على العمل في مناجم مهجورة، حيث يقضون أسابيع أو حتى شهوراً تحت الأرض قبل أن يُسمح لهم بالخروج.
وقد أفادت تقارير مجلس الذهب العالمي بأن نحو 25 طناً من الذهب تُهرّب سنوياً من جنوب إفريقيا، مما يُكبّد الاقتصاد خسائر تصل إلى مليار دولار سنوياً.
استراتيجية الحصار تثير جدلاً
وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات فرضت طوقاً أمنياً حول منجم بوفيلسفونتين، حيث عملت العصابات منذ سنوات، قام أفراد الشرطة المدججون بالسلاح بقطع الحبال التي تُستخدم لنقل الطعام والماء إلى المنقبين.
وأطلق المسؤولون على العملية اسم "فالا أومغودي"، أو "إغلاق الحفر"، وهدفها إجبار قادة العصابات على السماح للعمال بالخروج.
وأسفرت هذه الجهود عن إنقاذ أكثر من 850 عاملاً من هذا المنجم، لكن السلطات اعتقلت معظم الناجين فور خروجهم، ومن المقرر أن يواجه مئات منهم تهماً قضائية.
وأثارت أساليب الحصار غضب منظمات حقوق الإنسان، التي طالبت بالسماح بإدخال إمدادات طارئة للعمال المحاصرين، وذكر خبراء أمنيون أن قادة العصابات يستخدمون أسلحة رشاشة وعبوات ناسفة، مما يجعل أي محاولة للإنقاذ دون إذنهم أمراً بالغ الخطورة.
وصرّح لويس نيل، وهو مستشار أمني في مجال التعدين، بأن العصابات تتحكم في وتيرة خروج العمال لتأجيج التعاطف العام، وقال: "يقضي العمال شهوراً تحت الأرض ويعرفون تضاريس المكان جيداً، السماح بخروج عامل واحد في كل مرة هو تكتيك متعمد لكسب الدعم الشعبي".
أشار الباحث الرئيسي في مؤسسة "بنش ماركس" الحقوقية، ديفيد فان ويك، إلى تورط مسؤولين كبار في جنوب إفريقيا ودول مجاورة في شبكات التهريب، كما كشف أن "زاما زاماس" يتعاونون أحياناً مع شركات قانونية ومصافي ذهب لتسهيل التهرب الضريبي.
المجتمع المحلي
وفي بلدة ستيلفونتين، تساءل السكان عن جدوى التدخلات الأمنية الأخيرة، قال صاحب متجر محلي: "كنا نشاهد زعماء العصابات يتجولون بسيارات فاخرة، لماذا كل هذه الضجة الآن؟ ربما توقف أحد المسؤولين عن الحصول على نصيبه".
واختتمت الصحيفة بأن هذه القصة تُظهر تعقيد الأزمات المرتبطة بالتعدين في جنوب إفريقيا، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع الجريمة المنظمة والتحديات الاجتماعية، ورغم الجهود الرسمية للقضاء على الظاهرة، يبدو أن المعركة ضد هذه العصابات ستستمر لفترة طويلة قبل أن تتحقق نتائج ملموسة.