المفوضية السامية تناقش خطر "تجنيد المرتزقة" في النزاعات على حقوق الإنسان
في إطار الدورة الـ54 بجنيف
استعرض المنتدى الدولي لتعزيز حقوق الإنسان تقريره أمام الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023.
وقدمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريراً يتناول التجنيد، بما في ذلك التجنيد القسري للمرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة، وقد ازداد التجنيد في سياقات النزاع وما بعد النزاع والسياقات المتأثرة بالنزاع، ما زاد من خطر انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
ووفقًا للتقرير، تقوم بتجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة طائفة متنوعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك الجهات الفاعلة التابعة للدولة وغير التابعة لها، والتي تتراوح بين الكيانات التجارية والجماعات المعارضة وحركات المقاومة المحلية والمنظمات الإجرامية.
ويشير التقرير إلى أن هناك انعداماً متأصلاً للشفافية يحيط بالتجنيد، ولكن الحظر المفروض على التجنيد موجود في الأطر القانونية الدولية والإقليمية والوطنية.
ومن شأن دراسة الآليات التي يتم من خلالها تجنيد المرتزقة، والكيانات الضالعة في هذا التجنيد، ومواصفات الأفراد المجندين، والسياقات التي يجندون فيها، والجوانب الأخرى ذات الصلة المحيطة بهذه الممارسة، أن تؤدي إلى فهم أفضل لعناصر الارتزاق الأساسية.
ويركز التقرير على بناء المعرفة بدوافع التجنيد كعنصر رئيسي في التصدي للارتزاق ومكافحته ومنع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي يرتكبها المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة.
ولاحظ الفريق العامل بقلق اتجاها نحو ترسيخ ظاهرة (التجنيد الافتراسي)، وهو ما ألمح إليه لأول مرة في تقريره إلى الجمعية العامة في عام 2020.
فالتجنيد الافتراسي هو الممارسة التي يتم بموجبها تجنيد الأفراد كمرتزقة بطرق تستغل ضعفهم، ويقترن باستهداف السكان المتضررين من النزاع والمهجرين والمشردين داخلياً والأطفال والأفراد المسجونين.
وقد يستغل هذا النوع من التجنيد أيضاً الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد ونقاط الضعف الأخرى وقد ينطوي على الإكراه أو الاحتيال.
وكثيراً ما تكون العقود المبرمة بين الشركات والمجندين غير متاحة للعموم، ما يحد من المعلومات المتاحة في هذا الصدد، على الرغم من أن العقود المبرمة بين الشركات والحكومات تكون -في بعض الحالات- متاحة على الإنترنت.. ومن التي يمكن فيها اعتبار المتعاقدين المجندين مرتزقة كما حدث في عام 1993، عندما تعاقدت حكومة أنغولا مع شركة Executive Outcomes لتدريب القوات المسلحة الأنغولية وتوجيه العمليات ضد حركة تمرد، وفي عام 1997 أبرمت حكومة بابوا غينيا الجديدة عقداً مع هيئة ساند لاين الدولية لإلحاق الهزيمة بجيش بوغانفيل الثوري.
وفي مثال آخر أصدر الفريق الأممي العامل في عام 2020 رسالة بشأن المشاركة المباشرة المزعومة لأفراد الشركة العسكرية والأمنية الخاصة كيني ميني المحدودة في الأعمال العدائية خلال النزاع المسلح في سريلانكا بين عامي 1984 و1988.
وأعرب الفريق العامل عن قلقه لأنه ثم تجرِ فيما يبدو تحقيقات في أنشطة الشركة وفي الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبها المتعاقدون الخاصون في ذلك السياق.
السياقات التي يعمل فيها المرتزقة
وفقًا للتقرير، تسلم الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم بأن المرتزقة يعملون في إطار سيناريوهين اثنين: النزاعات المسلحة وأعمال العنف التي تهدف إلى الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما أو تقويض السلامة الإقليمية للدولة.
وقد تم تحديد النزاع الدولي والنزاع الداخلي باعتبارهما عاملين رئيسيين يجتذبان المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة إلى بلد أو منطقة معينة، وتشمل العناصر الأخرى ذات الأهمية الخاصة فيما يتعلق بتجنيدهم انتشار الجهات المسلحة غير التابعة للدول، وضلوع أطراف ثالثة في دعم أطراف النزاع، والفوارق غير المتناسبة في أساليب ووسائل الحرب التي تستخدمها أطراف النزاع.
وذكر التقرير، أنه في كثير من الحالات يؤدي وجود هذه الجهات الفاعلة إلى إطالة أمد النزاع، ويشكل عاملاً مزعزعاً للاستقرار، ويقوض جهود السلام وعلاوة على ذلك، فإن تجنيد وإرسال المرتزقة إلى مناطق النزاع يؤدي إلى تفاقم خطر انتشار النزاعات في مناطق أخرى، فبيع القوة العسكرية كسلعة في السوق والفائدة الاقتصادية التي تمثلها للضالعين في أنشطة المرتزقة والأنشطة ذات الصلة بهم عاملان قد يفضيان إلى إطالة أمد النزاعات وتفاقمها.
وتزيد عمليات المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة من خطر تجاوزات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، وكثيراً ما تشارك هذه الجهات الفاعلة في انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري والاغتصاب والعنف الجنسي والجنساني والاحتجاز التعسفي والتعذيب، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وفي سياق النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية يعزى الطلب على خدمات المرتزقة إلى عدد من الجهات الفاعلة. ففي سياق النزاعات بين الدول، تقوم الدول أساساً بتجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة. وفي أحدث النزاعات المسلحة غير الدولية، التي كثيراً ما تشارك فيها دولة ضد جهة مسلحة أو جهتان أو أكثر من الجهات المسلحة غير التابعة للدول ضد بعضها البعض مثل جماعات المعارضة أو حركات المقاومة المحلية أو المنظمات الإجرامية، يقوم كلا النوعين من المتحاربين بتجنيد المرتزقة.
ويتمثل أحد الجوانب الرئيسية للنزاعات المسلحة المعاصرة في زيادة مشاركة أطراف ثالثة تسعى إلى التأثير على نزاع ما، مثل دولة معينة أو تحالف من الدول أو بعثات تنشرها منظمات دولية وإقليمية.
وقد ينطوي هذا التدخل من طرف ثالث أو بالوكالة على قيام الطرف الثالث بتجنيد وتوفير المرتزقة والأفراد المرتبطين بالمرتزقة لأحد أطراف النزاع بعرض المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية وإضعاف القدرات العسكرية للطرف الآخر.
وقد تلقى الفريق العامل معلومات تتعلق بنزاعات مسلحة حديثة العهد تشير إلى أن هذا الشكل من أشكال التدخل يستخدم، لا سيما من جانب الدول، ويؤدي إلى زيادة في تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة.
الأسباب الجذرية للتجنيد الافتراسي
أشار التقرير إلى أن كثيراً ما ينتمي الأفراد الذين يقعون فريسة للتجنيد الافتراسي إلى فئات أقل حظاً ويواجهون عقبات شتى تحول دون إعمال أبسط حقوق الإنسان الأساسية الواجبة لهم، بما في ذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والممارسة التجنيد الافتراسي، على غرار الظواهر الإشكالية الأخرى، بما في ذلك التطرف العنيف والقرصنة، وأسباب جذرية تعزى، في جملة عوامل أخرى، إلى أوجه عدم المساواة القائمة التي تؤثر على البلدان ككل، والتي تتجسد في التمييز، واستمرار الفقر، ونقص فرص العمل، والحرمان من التعليم، وعدم الحصول على الرعاية الصحية، وبالتالي، فإن فهم ظاهرة التجنيد الافتراسي يتطلب النظر في السياقات الخاصة التي تزدهر فيها والطرق التي يرتبط بها انتشارها بالتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية أنحاء العالم، ما يجعل مجموعات معينة من الأفراد عرضة للوقوع فريسة لهذه الممارسة.
ويمكن اعتبار التجنيد الافتراسي، في بعض الحالات ممارسة تنتهك في حد ذاتها حقوق الإنسان الواجبة للمجندين، وقد تلقى الفريق العامل معلومات تفيد بأن عملية التجنيد تشكل، في بعض الحالات المرحلة الأولى لمختلف أشكال الاستغلال التي تشمل عبودية الدين، والسخرة والاتجار بالأشخاص.
وكثيراً ما يكون النزاع المسلح وغيره من حالات القلاقل الاجتماعية نتيجة لشدة عدم المساواة وتدهور أو انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد كما يتجلى في البطانة وانخفاض مستويات المعيشة وعدم المساواة في الحصول على الخدمات الاجتماعية.
ومن أمثلة ذلك تزايد احتمال النزاع الداخلي بسبب التفاوت الاقتصادي بين المجموعات العرقية وترتبط الأسباب الجذرية لأوجه عدم المساواة هذه بأنماط التمييز العميقة والمستندة، في جملة عوامل أخرى، إلى عوامل شتى، منها العرق ونوع الجنس والدين والوضع من حيث الهجرة والسن والإعاقة والميل الجنسي، فالحرمان المستمر أو المزمن من الموارد والقدرات والخيارات والأمن والقدرة اللازمة للتمتع بمستوى معيشي لائق وغيره من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية يدفع بالأفراد إلى حالة من النفور والفرار.
وكثيراً ما تكون المجتمعات التي يتفشى فيها الفقر والتي تتسم بصفة خاصة بالإقصاء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتعليمي أرضاً خصبة للتجنيد الذي تقوم به الكيانات الضالعة في تنظيم أنشطة المرتزقة.
كما أن حالة الفقر التي تؤثر على قدرة الأفراد على التمتع بمجموعة واسعة من الحقوق، بما في ذلك حقوقهم في العمل والتعليم والغذاء والصحة تعرضهم لخطر الوقوع ضحايا للاستغلال أو الوقوع فريسة لممارسات من قبيل التجديد الافتراسي.
ويتفاقم ضعف أكثر الفئات تهميشاً في حالات النزاع وما بعد النزاع، بمن فيهم اللاجئون والمشردون داخلياً والمهاجرون والأقليات وغيرهم من السكان المتأثرين مباشرة بالنزاع، ما يسهم في زيادة خطر انتهاكات حقوق الإنسان.
أيضًا من الأسباب، عدم المساواة الاقتصادية عدد من الآثار الضارة بحقوق الإنسان، حيث يديم الإقصاء الاجتماعي ويضع عقبات أمام الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأخرى الضرورية للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويسهم انعدام فرص الحصول على عمل لائق، ولا سيما بالنسبة للأفراد المنتمين إلى الفئات الضعيفة، في هذه الفوارق ويزيد من قابلية هؤلاء الأفراد للعمل في الاقتصاد غير الرسمي وللتعرض لمختلف أشكال الاستغلال، بما في ذلك السخرة.
وفي الوقت الراهن، لا يلتحق عدد كبير من الشباب في مختلف البلدان بالتعليم أو العمل أو يضطرون إلى العمل في ظروف نقل عن المستوى الأمثل، ما يجعلهم أكثر عرضة للفقر والتهميش.
ويمكن أن تؤدي بهم هذه الحالات إلى الانخراط في شتى الأنشطة التي يمكن أن تعرضهم لخطر الاستغلال وعلاوة على ذلك، كان لحالة الطوارئ الصحية لمرض فيروس كورونا (كوفيد-19) أثر اقتصادي كان له تأثير شديد على الحق في العمل وكانت له عواقب على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأدى ذلك إلى مستوى لم يسبق له مثيل من فقدان الوظائف على الصعيد العالمي، ما أثر بشكل خاص على أولئك الذين كانوا في حالة ضعف قبل الجائحة ودفعهم إلى البحث عن مصادر أخرى للدخل، بما في ذلك مصادر تتصل بأنشطة المرتزقة والأنشطة ذات الصلة بالمرتزقة، ففي إحدى الحالات حديثة العهد، على سبيل المثال، أدين بتهمة الارتزاق شخص هاجر إلى بلد آخر وأصبح عاطلاً عن العمل هناك في أعقاب جائحة كوفيد-19 وعاد إلى بلده الأصلي، وكانت المحكمة قد خلصت إلى أنه تم تجنيده للقتال لدعم القوات المسلحة لبلد أجنبي مقابل كسب مالي والحصول على الجنسية.
التجنيد القسري
تلقى الفريق العامل معلومات تفيد بأن تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة كثيراً ما ينطوي على ممارسات قسرية تستهدف على وجه الخصوص، الرجال، الذين غالباً ما يكونون شباباً، من خلفيات اجتماعية-اقتصادية متدنية ومتأثرة بالنزاعات، ويرون في المشاركة في هذه الأنشطة وسيلة للإفلات من الفقر المدقع.
وغالباً ما يكون هذا النوع من التجنيد استغلاليا وترهيباً ويحدث بشكل غير رسمي، دون عقود مكتوبة، باتفاق شفهي فقط بين المجيد والمجند، وغالباً ما يغرى هؤلاء الأفراد بالتجنيد بوعود كاذبة بالاستقرار الاقتصادي وحصولهم على الجنسية، وفي بعض الحالات، حصول أسرهم عليها.. وكثيراً ما يتم تجنيدهم بأساليب خادعة ودون وضوح في ما يتعلق بنوع الأنشطة التي سيشاركون فيها.
وفي بعض الحالات، يجدون أنفسهم مخدوعين للمشاركة المباشرة في الأعمال العدائية بمجرد وصولهم إلى البلد الذي سيؤدون فيه مهامهم، ولدى وصولهم إلى بلد المقصد كثيراً ما يتقاضون أجوراً أقل بكثير مما وعدوا به، وقد يدفع أو يدفع التعويض الموعود لهم أو لأسرهم في حالة وفاتهم أو إصابتهم على النحو المتفق عليه.
والتجنيد تحت الإكراه أو خوفاً من الانتقام من أسرهم، وخاصة الانتقام من النساء والفتيات، هو تكتيك شائع يستخدمه المجندون وقد يجد المجندون أنفسهم في حالة من عبودية الدين مضطرين إلى العمل مقابل أجر ضئيل، يستخدمونه ليسددوا لمن جندوهم التكاليف المرتبطة بتوفير الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والماء والسكن والإمدادات.
وقد يخضعون أيضا لقيود شديدة على حريتهم في التنقل بمجرد وصولهم إلى البلد الذي يشاركون فيه في أنشطة المرتزقة أو الأنشطة ذات الصلة.
وذكر التقرير أنه كثيراً ما يعاني الأفراد المجندون تجنيداً افتراسياً من جوانب إيذاء متعددة الطبقات وقد ينتمون إلى فئات ضعيفة في بلدانهم أو البلدان التي يجدون أنفسهم فيها وقت التجنيد.
وغالباً ما تزداد هشاشة أوضاعهم خلال عملية التجنيد وتتفاقم عند نشرهم في الأعمال العدائية الجارية في بلدان أجنبية، أو عند مشاركتهم في قمع قلاقل اجتماعية محلية، ما يعرض حياتهم وحريتهم وسلامتهم البدنية للخطر.
ومن بين الأفراد الأكثر تضرراً من التجنيد الافتراسي أو المعرضون له أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع والشباب الأقل حظاً الذين يجدون أنفسهم أمام فرص محدودة داخل مجتمعاتهم بسبب التمييز والتهميش، والشباب الذين شاركوا سابقاً في النزاعات المسلحة، واللاجئون والمشردون داخلياً، ولا سيما أولئك الذين استقروا في المخيمات.
وقد تلقى الفريق العامل معلومات عن قيام متعاقدين عسكريين خاصين بتجنيد سجناء يقضون أحكاماً بالسجن في بلدان ليسوا من رعاياها، وفي هذا السياق، ادُعي أن المتعاقدين العسكريين والأمنيين الخاصين يقومون بحملات تجنيد داخل السجون ويقنعون السجناء بالتجنيد من أجل المشاركة في النزاع المسلح.
وقد يمنح هؤلاء الأفراد عفواً عاماً أو عفواً خاصاً من أحكام السجن الصادرة في حقهم وتعويضاً لهم ولأسرهم، وهناك أيضاً حالات عرض فيها على المجندين، ولا سيما الشباب، شطب سجلاتهم الجنائية ومنحهم عفوا عن التهرب من التجنيد الإلزامي مقابل التجنيد لدى مقاولين عسكريين وأمنيين خاصين.
وتلقى الفريق العامل معلومات تفيد بأنه في بعض الحالات، عندما يعود المجرمون المجندون للقيام بأنشطة المرتزقة أو الأنشطة ذات الصلة بالمرتزقة إلى مجتمعاتهم المحلية، يرتكبون جرائم عنيفة.
وأفيد أيضاً بأن المجندين من نزلاء السجون السابقين يشجعون على تعاطي المخدرات لتحسين أدائهم وتحريك الرغبة في العدوان، ويبدو أيضاً أن لديهم أعراض الانسحاب.. وقد يسهم ذلك في الجرائم التي أبلغ عن ارتكاب المجندين لها عند عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.
منع التجنيد وحماية الضحايا
لفت التقرير إلى أن تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة، يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الارتزاق. ويوفر التركيز على عنصر التجنيد فهما للعوامل المتعددة المحيطة بظاهرة الارتزاق، بما في ذلك الدوافع المختلفة للتجنيد والجهات الفاعلة المتعددة المشاركة فيه، والسياقات المحيطة بالمجندين المحتملين والأسباب الجذرية المرتبطة بضلوع مجموعات معينة من الأفراد في الارتزاق، والأهم من ذلك أن التركيز على التجنيد يمكن أن يشكل أساساً لنهج قائم على حقوق الإنسان في منع الارتزاق.
وتفرض الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنب المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم التزاماً على الدول بتجريم تجنيد المرتزقة وفرض عقوبات مناسبة تعكس طبيعته الخطيرة.
واعتبر اعتماد تشريع يجرم الارتزاق على الصعيد الوطني من بين الخطوات الأولى اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة، وكذلك اعتماد تشريع يحظر الأنشطة ذات الصلة بالارتزاق، بما في ذلك التجنيد.
وعلى الصعيد الوطني، اعتمدت نهج مختلفة إزاء التجنيد، بما في ذلك ما يلي: تجريم التجنيد في سباق التجريم العام للارتزاق والتجريم القائم بذاته للتجنيد في الخدمة العسكرية الأجنبية وتجريم فعل الارتزاق، دون تجريم الأنشطة ذات الصلة بالضرورة وأحكام مكافحة الإرهاب التي تتناول التجنيد.
وعلى الرغم من أن هذه النهج المختلفة تهدف إلى التصدي لتجنيد المرتزقة، فإنها غير كافية. واتباع نهج شمولي يركز على تجريم الارتزاق وتجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية، أمر أساسي للتصدي لظاهرة الارتزاق.
وينبغي أن تكفل الدول أيضاً بمقتضى التشريعات المعمول بها إمكانية ملاحقة من يجندون المرتزقة ويلزم إنفاذ هذه التشريعات بفعالية وتخصيص الموارد اللازمة لضمان التنفيذ الكامل للقانون على جميع مستويات الحكومة. وعلاوة على ذلك، فإن التعاون بين الدول في منع هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها، بما في ذلك من خلال تبادل المعلومات، أمر أساسي.
وبموجب الاتفاقية، تلتزم الدول أيضاً بالامتناع عن تجنيد المرتزقة، ولا يزال تجنيد الدول للمرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة أمراً سائداً، لا سيما في سياق ما يسمى بالحروب بالوكالة، ويؤدي وجود هذه الجهات الفاعلة في سياقات منقلبة إلى تفاقم حالات النزاع. ولذلك، فإن الامتناع عن تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة للمشاركة في مثل هذه السباقات من شأنه أن يسهم في قيام مجتمعات أكثر سلاماً.
وعلاوة على ذلك، فإنه في سياق قيام الدول بتجنيد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ونشر متعاقدين عسكريين وأمنيين خاصين، ينبغي أن تتخذ الدول التدابير اللازمة لضمان عدم ضلوع هؤلاء المتعاقدين في أنشطة المرتزقة أو الأنشطة ذات الصلة بالمرتزقة، والحفاظ على المستوى العام لسيطرة الدولة على استخدام القوة وتنظيمها تنظيماً جيداً.
وينشأ عن وجود المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة في النزاعات المسلحة خطر ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل العشوائي والعنف الجنسي والعنف الجنساني والاحتجاز التعسفي والقتل الجماعي.
وعلاوة على ذلك، فإنه في سياق التجنيد الافتراسي، كثيراً ما يكون الأفراد الذين يقعون فريسة لهذه الممارسة ضحايا لمختلف أشكال الاستغلال، بما في ذلك الاتجار بالأشخاص والسخرة وعبودية الدين.
والدول ملزمة، بموجب معيار بذل العناية الواجبة، ببذل قدر من الحرص لمنع أفعال الأفراد أو الكيانات الخاصة التي تتدخل في حقوق الأفراد والتصدي لها.
وفي هذا الصدد، ينبغي أن تتخذ الدول خطوات معقولة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان في السياقات التي يعمل فيها المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة، وأن تتخذ التدابير اللازمة للتحقيق في تلك الانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها، وفرض العقوبة المناسبة، وتوفير سبل انتصاف فعالة للضحايا.
ويتوقف ضمان إمكانية لجوء الضحايا إلى العدالة وتوفير سبل الانتصاف على تقديم الخدمات العامة على نحو فعال ومنصف، بما في ذلك العدالة الجنائية والمدنية، والمساعدة القانونية، والمساعدة الفورية والطويلة الأجل، ويلزم اتخاذ هذه الخطوات على الصعيد الوطني لضمان توفير هذه الخدمات بطريقة عادلة وفعالة وغير تمييزية، وتيسير وصول الفئات الضعيفة إليها.
وخلص الفريق العامل في تقريره لعام 2022 إلى مجلس حقوق الإنسان بشأن الوصول إلى العدالة والمساءلة وسبل الانتصاف لضحايا المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى أنه في حين أن الاستجابات من قبيل التعويض المائي أو معاقبة الجناة يمكن أن تكون عناصر مهمة ومتكاملة في العدالة، فإن النهج المتعدد الجوانب الذي يركز على الضحايا يتطلب تدابير أكثر شمولية تعالج أيضا الثغرات التنظيمية لمنع الانتهاكات في المستقبل وإيجاد سبل انتصاف تلبي حقاً احتياجات الضحايا.
التوصيات
وفي ختام التقرير جاءت التوصيات كالتالي:
ضرورة معالجة الثغرات في الحوكمة المتعلقة بالارتزاق عن طريق اعتماد تشريعات تجرم الارتزاق وتجنيد المرتزقة وتدريبهم وتمويلهم واستخدامهم، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان إنفاذ هذه التشريعات وضمان أن يعاقب التشريع المعتمد شركاء المجندين، مع مراعاة الطريقة التي يتم بها التجنيد والجهات الفاعلة الضالعة فيه.
الامتناع عن تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة واتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم تجنيد الأفراد في أراضيها.
إنشاء الآليات اللازمة لضمان الرقابة الكافية بغرض منع تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة، واعتماد تشريعات تنظم أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ولا سيما في مجال منح التراخيص والتسجيل والتدقيق في سوابق الأفراد، واستخدام القوة، ونطاق الأنشطة الجائزة والمحظورة، والمساءلة عن الانتهاكات وإتاحة سبل الانتصاف، مع مراعاة طبيعة بعض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وأنشطتها وضمان خضوع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفيها للمسؤولية المدنية والمساءلة الجنائية عن انتهاكات حقوق الإنسان وأن تكون هذه المساءلة المدنية والجنائية قابلة للإنفاذ قضائياً وغير خاضعة لحصانات الدولة أو غيرها من الحصانات.
تجديد ولاية الفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية المعني بصياغة مضمون إطار تنظيمي دولي بشأن تنظيم أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ورصدها والرقابة عليها في الدورة الرابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان والمشاركة البناءة في الفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية في المستقبل.
اعتماد وإنفاذ صك دولي ملزم قانوناً بشأن أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لضمان تنظيمها بشكل منشق على المستوى الوطني، بما في ذلك ما يتعلق بتجنيد الأفراد، وإجراءات التدقيق في سوابقهم ووضع معايير توفر وقاية كافية من انتهاكات حقوق الإنسان، وحماية للضحايا، ووسائل للمساءلة.
التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سياق التجنيد الافتراسي، من قبيل الاتجار بالأشخاص لأغراض السخرة في سياق أنشطة المرتزقة والأنشطة ذات الصلة بالمرتزقة ومقاضاة مرتكبيها ومعاقبتهم، وضمان الوصول الفعال إلى العدالة والانتصاف.
النظر في التعاون المتبادل لتيسير التحقيقات وملاحقة المتورطين في تجنيد المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة، بما في ذلك من خلال اتفاقات المساعدة القانونية وتسليم المجرمين.
اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة عدم المساواة والتمييز والتصدي للأسباب الجذرية للتجنيد، بما في ذلك التجنيد الافتراسي، وضمان الحماية اللازمة للأفراد الذين يعيشون أوضاعاً هشة والذين يمكن أن يقعوا فريسة للتجنيد الافتراسي، بمن فيهم الرجال، الذين غالباً ما يكونون شباباً من خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية ومتأثرة بالنزاعات، والأطفال والمهاجرون والمشردون داخلياً.
مجلس حقوق الإنسان
ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).
يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان