آفة الانتحار ما زالت تضرب دولنا العربية
آفة الانتحار ما زالت تضرب دولنا العربية
لا يكاد يمر يوم أو يومان وإلا نجد أنفسنا أمام حالة انتحار جديدة في أي من الدول العربية، فقد انتشرت ظاهرة الانتحار خلال العقد الماضي بشكل مضطرد، وكأنه آفة أو عدوى تنتقل من بلد عربي لبلد عربي آخر، فكلما فتحنا قنوات الأخبار أو تصفحنا الصحف وجدنا حادث انتحار لإحدى الشباب.
آخر هذه الحوادث صباح اليوم، فقد صُدمنا بانتحار شابة في مصر قفزاً من الطابق الثامن في منطقة شبرا الخيمة شمال العاصمة القاهرة، وقد كشف تقرير مفتش الصحة أن الضحية البالغة من العمر 24 عاماً أصيبت بنزيف حاد وكسر في الجمجمة وأنحاء متفرقة من الجسم، كما أظهرت تحريات المباحث أنها انتحرت بسبب خلافات عائلية كبيرة وتعرضها لضغوط نفسية شديدة، لافتين إلى أنها غافلت الجميع وألقت بنفسها من الطابق الثامن لتسقط على الفور جثة هامدة.
وفي الأشهر القليلة الماضية شاهدنا مقطعا مصورا لطالبة في كلية طب الأسنان تنتحر داخل مركز تجاري بمصر، ثم قرأنا عن شابين جامعيين ينتحران داخل فندق في الإسكندرية شمال البلاد، كذلك تابعنا أخبار من ألقى بنفسه في النيل بعد ترك رسالة غامضة لأبيه، فضلا عمّن ألقى بنفسه تحت عجلات القطار.
مثيل تلك الأخبار في الأردن أيضاً فقد تداولت المواقع الإلكترونية أخبار حوادث مشابهة، ففي يوم واحد من شهر سبتمبر الماضي، راح خمسة من الشباب ضحية الانتحار، نوعية الأخبار نفسها يمكن متابعتها في المغرب ولبنان والعراق وغيرها، والقاسم المشترك بين كل هذه الأخبار هو عمر المقبلين على الانتحار ومعظمهم بين 18-25 عاما.
نظرة سريعة على إحصاءات الانتحار:
تحصر إحصاءات منظمة الصحة العالمية فقط عدد من انتحروا بالفعل، في حين يتجاوز عدد المحاولات الفاشلة هذا الرقم بكثير، وبحسب المنظمة، يعد الانتحار رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية بين 15- 19 عاما.
وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، يموت شخص كل 40 ثانية منتحراً، ومقابل كل شخص منتحر يوجد أكثر من 20 شخصاً حاولوا الانتحار، ويبلغ عدد المنتحرين سنوياً 800 ألف منتحر، مع ملاحظة عدم تسجيل كثير من حالات الانتحار، لأسباب تتعلق بالثقافة المجتمعية وعدم إفصاح الأهل بأن الوفاة كانت انتحاراً.
وقال المدير العام للمنظمة، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس: هناك شخص يفقد حياته كل 40 ثانية جراء الانتحار، وتمثل كل حالة وفاة مأساة لأسرة الفقيد وأصدقائه وزملائه، وتكشف أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية، أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، علماً أن عدد سكان مصر يبلغ أكثر من 100 مليون نسمة، وهناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام، لا تعترف الحكومة المصرية بهذه الأرقام وتصفها بغير الدقيقة كونها قائمة على تقديرات.
في حين أصدر مركز البحوث الاجتماعية والجنائية تقريرا في عام 2020 أشار فيه إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29 شخص لكل 100 ألف نسمة خلال عام 2018.
وتشير أرقام غير رسمية إلى ارتفاع معدلات الانتحار في الوطن العربي وبخاصة مصر خلال السنوات القليلة الماضية، وبينما لا إحصاءات رسمية عن الانتحار بمصر، كشفت دراسة لوزارة الصحة في القاهرة، أن 21.7% من طلبة الثانوية العامة يفكرون في الانتحار.
أما الأردن وبحسب إدارة المعلومات الجنائية في الأردن، فارتفع معدل الانتحار فيه خلال العام الماضي، ويشهد الأردن حالة انتحار كل يومين، وهي النسبة الأعلى منذ 10 سنوات في البلاد، وفي عام 2020 وحده انتحر نحو 169 شخصا، بزيادة تقدر 45.7 % مقارنة مع معدلات الانتحار في عام 2019.
بعض أسباب الانتحار:
1) الاتصال الإلكتروني الواسع
تتنامى ظاهرة الانتحار بين الشباب المصريين والعرب عموما نظراً إلى اطلاع الجيل الأصغر من الشباب على مواقع وألعاب إلكترونية تشجعهم على التفكير في الانتحار وتقدم لهم معلومات وتجارب لأقرانهم في دول أخرى.
2) الضغوط الأسرية
الضغوط التي تضعها الأسر على المراهقين لتحصيل درجات دراسية أفضل للحصول على وظائف مرموقة في المستقبل والضغوط التي تضعها الأسرة في حال واجهت أبناءهم مشاكل خصوصاً لو كانت مشاكل تتعلق بالشرف الذي تقع ضحيته الفتيات أكثر من الفتيان. فضلا عن الخوف المبالغ فيه عليهم في تلك المرحلة العمرية ما يجعلهم يشعرون بأنهم محاصرون ويريدون التخلص من هذه القيود.
كما أن العنف الأسري يلعب دوراً كبير في تصاعد وتيرة الانتحار في الوطن العربي، فالمورثات الثقافية للمجتمع الأبوي وضرب الأب والأهل عموماً للأبناء كسبيل للعقاب للتربية، يدفع الأبناء إلى الانتحار للتخلص من العنف والإهانة القائمة عليهم.
3) الاكتئاب
في العادة يصاب الشباب منذ بدء سن المراهقة بالعديد من نوبات الاكتئاب جراء العديد من الأسباب منها السببان السابق ذكرهما، لكن المثير للأسف هنا هو أن بعض الأسر لا تنتبه عادة لإصابة أبنائها بالاكتئاب باعتبار أنهم لا يزالون صغارا وليست لديهم مسؤوليات أو أعباء وضغوط، في حين أن الاكتئاب والمرض النفسي عموما لا سن له، ويصيب المراهقين بل والأطفال كما يصيب كبار السن، كما أن الوصم المجتمعي المرتبط بالعلاج النفسي يحول دون علاج الكثيرين، مما يعرقل جهود إنقاذهم وينتحرون في النهاية.
4) الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
تُأثر الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية في المطلق على تصاعد عمليات الانتحار، وبخاصة في دول الصراع مثل سوريا واليمن نظراً لتدهور الأوضاع وحالة الحرب الدائمة وتدني مستويات المعيشة يجعل الشباب فاقداً للأمل كارهاً للحياة فيقدم على الانتحار لإنهاء هذه المعاناة.
إجمالا.. مصر والأردن مجرد دولتين في قائمة طويلة من الدول العربية التي تعاني من ارتفاع معدلات الانتحار بين شبابها، في ظل تعتيم أو قلة المعلومات حول أعداد المنتحرين وأسباب الانتحار، لذلك ستظل الأرقام المتاحة موضعا للشك بين الجهات التي تصدرها والحكومات المعنية.
لكن في العموم المطلق، نحن بحاجة للمزيد من الخطط والإستراتيجيات، فهناك دول عديدة لديها إستراتيجيات وطنية لمنع الانتحار، ازداد عددها خلال السنوات الخمس المنقضية منذ صدور تقرير منظمة الصحة العالمي الأول بشأن الانتحار، إلا أن العدد الإجمالي للبلدان صاحبة الإستراتيجيات، ما زال لا يتجاوز 38 بلداً، ولا يزال ضئيلاً للغاية، وامتثالاً بهذه الدول يجب على جميع بلداننا العربية أن تقوم بشكل مستدام بإدراج إستراتيجيات مثبتة لمنع الانتحار ضمن برامجها الوطنية في مجال الصحة والتعليم.