"فورين بوليسي": الأيام الماضية أثارت ذكريات تاريخية مؤلمة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين
"فورين بوليسي": الأيام الماضية أثارت ذكريات تاريخية مؤلمة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين
تتمثل إحدى طرق فهم الجولة الأخيرة من القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لتمييزها عن الجولات السابقة، في رؤيتها من خلال عدسة "الصدمة التاريخية"، وبالنسبة للجانبين، أثارت أحداث الأيام الـ10 الماضية ذكريات أسوأ معاناتهما الوطنية، وأظهرت هذه الحرب مخاوف كامنة دائما من أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، وفقا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
يقول دانيال سيدمان، من"فورين بوليسي"، وهو محام مقيم في القدس وخبير في شؤون القدس، ومؤسس ومدير منظمة "Terrestrial Jerusalem" (القدس الدنيوية)، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية تدعو لحل قضية القدس في إطار مفهوم حل الدولتين: "لنبدأ بالإسرائيليين، وأنا واحد منهم، بالنسبة للكثيرين منا، جاءت التقارير الأولى عن الأحداث التي وقعت بالقرب من حدود غزة صباح يوم 7 أكتوبر من الإسرائيليين المتحصنين في غرفهم.. اتصلت إحدى الأمهات بمذيع تلفزيوني وطلبت المساعدة في بث مباشر.. ووجه آخرون نداءات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي، تم تشغيل العديد من هذه المحادثات وإعادة بثها على التلفزيون والإذاعة في الساعات والأيام التالية، حيث ارتفع عدد القتلى، أولا إلى عشرات ثم المئات".
وسرعان ما أطلق النقاد على هجوم حماس اسم 11/ 9 في إسرائيل، وصل العدد الإجمالي للقتلى، أكثر من 1300.
ويقول "سيدمان": "لدى الإسرائيليين مكتبتنا الخاصة من الصدمات: المعارك بالقرب من نفس الكيبوتسات حول غزة خلال حرب عام 1948.. الأسابيع المتوترة التي سبقت حرب 1967.. الهجوم المفاجئ في حرب 1973".
ويضيف: "بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، أثار هجوم حماس الذكرى الأكثر التي تقشعر لها الأبدان: "المحرقة".. جزء من قصة إنشاء إسرائيل هو فكرة أن اليهود لن يجدوا أنفسهم بعد الآن بلا حماية، وأن الدولة الحديثة والجيش القوي سيكونان بمثابة ضمان ضد المزيد من الإبادة.. لساعات طويلة في 7 أكتوبر، بدا أن الضامن مفقود في العمل".
ويتابع "سيدمان": "لا شك أن المقارنات التاريخية محفوفة بالمخاطر.. لقد تذرع الكثير من القادة الإسرائيليين بالهولوكوست لتبرير أهداف سياسية في غير محلها، ما يقلل من أهميتها، لكن الإسرائيليين لم يكونوا الوحيدين الذين رأوا أوجه تشابه".
بعد أيام قليلة من هجوم حماس، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "لقد أعاد هذا الهجوم إلى السطح ذكريات مؤلمة وندوبا خلفتها آلاف السنين من معاداة السامية والإبادة الجماعية للشعب اليهودي".
وأوضح "سيدمان": "للفلسطينيين صدمتهم الخاصة، بدءا من النكبة -الكارثة التي تزامنت مع تأسيس إسرائيل في عام 1948 وكانت متشابكة معها- تم تهجير ما يقرب من 700 ألف فلسطيني من منازلهم وأصبحوا لاجئين، وهجر العديد منهم قسرا من قبل الجيش الإسرائيلي الوليد.. ومعظم الفلسطينيين في غزة اليوم هم أحفاد هؤلاء اللاجئين".
وتابع: "في الأسبوع الماضي، عندما أمرت إسرائيل أكثر من مليون فلسطيني بالانتقال إلى الجزء الجنوبي من غزة قبل الغزو الإسرائيلي، ما شهده العالم كان أزمة إنسانية في طور التكوين.. لكن بالنسبة للفلسطينيين، كان ذلك أيضا صدى لتلك الصدمة التاريخية، وربما نذيرا بنكبة جديدة".
تعهدت إسرائيل بالسماح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم بمجرد أن تهزم القوات حماس في الشمال (وبالفعل، قتل حوالي 3 آلاف فلسطيني في القصف)، لكن من المؤكد أن الوعد كان سيصبح كاذبا لأي شخص غارق في ذاكرة عام 1948.
ويقول "سيدمان": "لقد شاهدت الطريقة التي أصبحت بها النكبة قضية حية في الوعي الفلسطيني -وليس مجرد حدث تاريخي- بينما كنت أعمل لسنوات لمنع طرد عائلات اللاجئين الفلسطينيين من الشيخ جراح وأحياء أخرى في القدس الشرقية، من قبل المستوطنين المدعومين من الحكومة.. في البداية، تم استهداف العائلات الفردية.. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت مجتمعات بأكملها تضم مئات العائلات معرضة لخطر النزوح".
وأوضح "سيدمان": "وصلت القضية إلى ذروتها في عام 2021، بعد أن افتتح إيتمار بن غفير، الذي كان آنذاك مشرعا من اليمين المتطرف في إسرائيل (ووزير الأمن القومي حاليا)، مكتبا برلمانيا في الحي.. في شهر مايو من ذلك العام، اندلع العنف بين إسرائيل وغزة، وامتد إلى القدس الشرقية والضفة الغربية وإسرائيل نفسها، حيث اشتبك المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل مع جيرانهم اليهود في عدة مدن وبلدات".
ويتابع: "لقد فاجأتني قوة رد الفعل الفلسطيني، ولم يحدث من قبل أن أدت عمليات الإخلاء المعلقة في القدس الشرقية إلى اندلاع أعمال عنف.. لماذا أصبحت قضية الشيخ جراح فجأة محورية للغاية؟".
يجيب "سيدمان": "سرعان ما أصبح الجواب واضحا، عندما استهدفت فرادى الأسر الفلسطينية بالإخلاء، اعتبر ذلك انتهاكا للقانون الدولي واعتداء إنسانيا، ولكن عندما تم استهداف مجتمع فلسطيني بأكمله، كما في حالة الشيخ جراح، أعاد فتح الجراح الأكثر إيلاما في الوعي الفلسطيني.. الشيخ جراح ليس حالة معزولة.. يواجه الفلسطينيون التهجير القسري في أجزاء أخرى من القدس الشرقية وفي عدد متزايد من المجتمعات في الضفة الغربية المحتلة.. لسنوات أخبرني زملائي الفلسطينيون أن النكبة ليست مجرد حدث بل عملية مستمرة".
ويضيف: "لقد تطلب الأمر العنف المتشنج في عام 2021، وعمليات الطرد الصارخة بشكل متزايد في الضفة الغربية، لكي أدرك مدى قربها من السطح بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، النكبة ليست الصدمة الوحيدة للاجئي عام 1948 وذريتهم، مثل المحرقة بالنسبة لليهود، فهي الميراث العاطفي لجميع الفلسطينيين".
في صباح يوم 7 أكتوبر، واجه العديد من الإسرائيليين، لفترة وجيزة ولكن بقوة، الفظائع التي لا توصف التي عانى منها آباؤهم وأجدادهم في المحرقة، وبعد أيام، حزم الفلسطينيون في غزة أغلى ممتلكاتهم وفروا من منازلهم، مثلما فر جيل سابق من حرب عام 1948.
هل يستطيع أي من الجانبين التعرف على الصدمة التاريخية للطرف الآخر؟ وحتى في الأوقات العادية، وجد الإسرائيليون والفلسطينيون صعوبة بالغة في ذلك.
ويقول المحامي الإسرائيلي: "لسنوات، كان هناك إجماع تقريبا في إسرائيل على أن النكبة لم تحدث أبدا، واتهم الإسرائيليون الفلسطينيين بتسليح هذا الخيال من أجل نزع الشرعية عن إسرائيل، في الآونة الأخيرة فقط بدأت إسرائيل السائدة في الاعتراف بالحقائق التي لا جدال فيها عن النكبة، ومن المؤكد أن هذه الحرب الأخيرة ستؤدي إلى انتكاسة في هذا الجهد".
ويضيف: "بين بعض الفلسطينيين، هناك اتجاه لإنكار تاريخية المحرقة، والادعاء بأنها لم تحدث أبدا، وبالنسبة لأولئك الفلسطينيين الذين يعترفون بالجرائم المروعة التي ارتكبها النازيون، يشعر الكثيرون أن إنشاء إسرائيل كان محاولة لمعالجة تلك الجرائم على حسابهم، ينظر الإسرائيليون إلى هذه الادعاءات إلى حد كبير على أنها بناء جدلي يهدف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل ومظهر من مظاهر معاداة السامية الفلسطينية".
ويختتم "سيدمان" تحليله قائلا: "هذا هو المكان الذي يوجد فيه الإسرائيليون والفلسطينيون مع دخول هذه الحرب أسبوعا آخر، بسبب صدماتنا الخاصة وترددنا في التعرف على الجانب الآخر.. عندما تنتهي هذه الحرب، ستكون هوة الإنكار المتبادل بيننا أوسع من أي وقت مضى".