العنف الاستيطاني والفراغ القانوني.. مخاطر تصاعد التهجير والفقـر المنظَّم في الضفة الغربية

العنف الاستيطاني والفراغ القانوني.. مخاطر تصاعد التهجير والفقـر المنظَّم في الضفة الغربية
اعتداءات المستوطنين على أراضي المزارعين الفلسطينيين في الضفة

 

في قرى الأغوار وشمال الضفة الغربية تتكرر مشاهد الاقتحام اليومي للمستوطنين الإسرائيليين تتمثل في قطعان أبقار مستوطنة ترعى داخل الحقول الفلسطينية، وشبكات ري مقطوعة، ومحاصيل محترقة أو مسروقة، ومزارعين يواجهون تهديدات مستمرة تطول مصدر دخلهم ووجودهم على الأرض، لا يقتصر هذا النمط من الاعتداءات، الذي توثقه منظمات حقوقية ومحلية، على أفعال فردية بل يتناغم مع سياسة أمنية وإدارية أدت إلى تفاقم هشاشة المجتمعات الريفية الفلسطينية ورفع منسوب الخطر نحو الفقر والتهجير.

ما الذي يحدث ميدانياً؟

شهادات سكان قاعون قرب بردلة في الأغوار الشمالية، كما وثقتها منظمات محلية، تصف نمطاً متكرراً من الاعتداءات والاقتحامات: دخول أبقار المستوطنين إلى الأراضي المروية، تخريب شبكات الري، وإتلاف الممتلكات الزراعية، ما يُحوّل حقول الخضراوات الخصبة إلى مساحات غير منتجة ويعرض العائلات التي تعتمد على الزراعة إلى خطر فقدان رزقها والنزوح، وهذه الوقائع ليست معزولة؛ مؤسسات توثيقية تسجل تصاعداً في هجمات المستوطنين التي تتراوح بين اعتداءات جسدية وسرقة ومضايقات تتسبب بأضرار مادية كبيرة للأفراد والمجتمعات الزراعية، وفق منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية

بيانات توثق تصاعد الاعتداءات والتهجير

تظهر البيانات الرسمية للأمم المتحدة توثيقاً واسع النطاق لحوادث العنف والانتهاكات المرتبطة بالمستوطنين، حيث سجلت تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) نحو 1,580 حادثة اعتداء نفّذها مستوطنون بين يناير 2024 ويناير 2025، مع توثيق حالات نزوح بسبب قيود الوصول والعنف الاستيطاني، وتشير أوتشا إلى أن آلاف الفلسطينيين تعرضوا للتشريد المباشر نتيجة هذه الممارسات، هذه الأرقام تصطدم بتقديرات أخرى صادرة عن جهات أممية وإعلامية تشير إلى نطاق أكبر من النزوح خلال موجات العنف المتصاعدة منذ أكتوبر 2023، ما يعكس اختلاف الأطر الزمنية ومنهجيات التوثيق لكنه يشير بلا ريب إلى تصاعد حاد في التداعيات الإنسانية، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

أسباب متداخلة

تسهم عوامل متداخلة في تمكين هذا العنف وتحويله إلى ناقل فعّال للفقر والتهجير منها توسع البؤر الاستيطانية والبنى التحتية الداعمة لها، إلى جانب سياسات إدارية تقيد وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم (منطقة C وقيود التصاريح)، يخلق بيئة تسهّل عمل المهاجمين ويقوّض قدرة الضحايا على مواجهة الاعتداءات، وأكدت تقارير حقوقية أيضاً دور سياسات الأمن والإنفاذ في الضفة في عدم ردع المستوطنين، بل في بعض الحالات تساهلت أو لم تحقق في الشكاوى بجدية، ما عزز من مناخ الإفلات من العقاب الذي يشجّع أعمال العنف، وفق هيومن رايتس ووتش".

تداعيات إنسانية واقتصادية عميقة

أكثر المتضررين هم الأسر الفقيرة، حيث يعني سقوط المحصول نتيجة تخريب المستوطنين شبكات الري أو اقتلاع الأشجار المثمرة فقدان دخل موسم كامل؛ تكاليف إعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية تفوق قدرة المزارع الصغيرة؛ وانحسار مصادر الدخل يؤدي إلى تراجع في الأمن الغذائي وارتفاع منسوب الفقر، آثار هذه الخسائر تتجاوز النطاق الاقتصادي لتطال البنية الاجتماعية مجسدة في هجرة أفراد العائلة بحثاً عن عمل، وتفكيك مدارس وبيئات محلية، وتدهور الصحة النفسية والجسدية لدى السكان نتيجة الخوف المستمر والتعرّض للعنف، كما تحوّل بعض التجمعات إلى ما يشبه قرى أشباح، إذ يهاجر الشباب تاركين كبار السن والعائلات الأضعف، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

من التوثيق إلى المساءلة

جميع الشواهد والوثائق الحقوقية تؤكد أن هذه الاعتداءات تنطوي على مسؤوليات واضحة للسلطات القائمة بالاحتلال وفق القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك واجب الحماية ومنع أعمال عنف السكان المدنيين وتوجّه منظمات حقوقية دولية ودولية مستقلة أصابع الاتهام إلى التهاون الرسمي وغياب التحقيقات الرادعة، وتدعو إلى آليات قضائية ووضع حدٍّ لنهج الإفلات من العقاب، كما دعت هيئات أممية إلى وقف تدمير سبل العيش وفرض حماية فورية للمجتمعات الريفية المعرضة للاقتلاع. 

لماذا تظل المعالجات محدودة؟

تتباين استجابات الجهات الرسمية والدولية لأسباب متعددة منها القيود السياسية والدبلوماسية تحول دون إجراءات عقابية واضحة، الانقسام الدولي بشأن السياسات الإسرائيلية يحدّ من قدرة المنتديات الدولية على فرض إجراءات فورية، وغياب بيانات متسقة وشاملة يزيد من صعوبة إنشاء مسارات محاسبة دولية فاعلة، وفي الوقت نفسه، فإن الضحية الفلسطينية غالباً ما تواجه عقبات في الوصول إلى وسائل إنفاذ القانون المحلية أو الدولية، ما يجعل اللجوء إلى التوثيق والضغط الحقوقي أمراً حيوياً لكنه بطيئ النتائج. 

توصيات حقوقية لحماية سبل العيش ومنع التهجير

الحل لا يمرّ عبر عبارات إدانة فحسب؛ بل يتطلب إجراءات عملية ومتصاعدة وفق توصيات حقوقية منها: إنهاء حالات الإفلات من العقاب عبر تحقيقات مستقلة وشفافة في حوادث الاعتداء؛ توفير حماية مؤقتة للمجتمعات المعرّضة عبر نقاط تواجد مدنية أو آليات حماية دولية معترف بها؛ استثمارات عاجلة في إصلاح شبكات الري وتعويض المحاصيل؛ وإطلاق برامج استباقية لدعم بدائل رزق مؤقتة، كما أن ربط التبادل التجاري والدبلوماسي بشروط احترام حقوق الإنسان يمكن أن يكون أداة ضغط فعالة إذا ما طبّقها الشركاء الدوليون.

الاعتداءات الاستيطانية في الضفة الغربية التي تستهدف الحقول والأشجار وشبكات الري ليست مجرد اعتداءات على ممتلكات؛ إنها هجوم منهجي على سبل العيش والوجود الفلسطيني في الضفة إن استمرارها بلا مساءلة لا يغيّر الواقع على الأرض فحسب، بل يحتّم على المجتمع الدولي وقوى حقوق الإنسان أن يحملا مسؤولياتهما في حماية المدنيين وإعادة بناء مسارات عادلة للحياة في الأراضي المحتلة قبل أن يصبح الحديث عن تهجير آلاف العائلات وقحط مواردها حقيقة لا يمكن تداركها، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية