الإهانات الساخطة.. إسرائيل تتجاوز الحدود وتهين شرعية المجتمع الدولي

الإهانات الساخطة.. إسرائيل تتجاوز الحدود وتهين شرعية المجتمع الدولي
مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان

في عالم يتسم بالتواصل المتزايد والتكنولوجيا المتقدمة، يبدو أن الإنسانية قد فقدت مقدرتها على التفاعل مع الظلم والظروف القاسية التي يتعرض لها الكثيرون، وفي قلب هذه الظلمة تقف إسرائيل، تتجاوز حدودها وتهين المجتمع الدولي بصورة مستمرة وقاسية. 

فمن بين الأمور المروعة التي تقوم بها إسرائيل، إعاقة جهود الأمم المتحدة لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ما يثير غضب واستياء المنظمات الدولية. 

ومؤخرا، ما قام به السفير الإسرائيلي من تمزيق تقرير يوثق الانتهاكات المستمرة ضد الفلسطينيين والذي كان يجب أن يُقدم إلى الأمم المتحدة، في عمل استفزازي يعكس استخفافًا بقواعد العدالة الدولية ويهين شرعية المجتمع الدولي نفسه. 

ولم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، بل أعلنت بفجاجة أنها لن تسمح بدخول أي من أعضاء الأمم المتحدة إلى أراضيها. 

هذا الإجراء الاستبدادي يعكس انعدام الاحترام الذي تحظى به المنظمة الدولية، ويعتبر إهانة جديدة للمجتمع الدولي الذي يجب أن يكون صوت الضمير والعدالة. 

ورفضت إسرائيل أيضًا دخول المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة نيكولاس غريفيث، فقد تم تعيينه لتقييم الوضع في الأراضي الفلسطينية وتقديم توصيات للحفاظ على السلام واحترام حقوق الإنسان. 

ولكن بلا مفاجأة، رفضت إسرائيل دخوله له وهذا يعكس تصعيدًا مروعًا في سياسة الإهانة التي تتبعها تجاه المجتمع الدولي. 

وما يثير الدهشة هو الرد الباهت من المجتمع الدولي على هذه الإهانات الصارخة، فقد يتساءل المرء، هل فقدت قيم العدالة وحقوق الإنسان وأخلاقيات الحكمة معناها بالنسبة للعالم اليوم، وهل أصبحت القيم الأخلاقية وحقوق الإنسان مجرد كلمات فارغة تُردد بلا فائدة، وهل أصبح المجتمع الدولي عاجزًا عن التصدي لهذه الإهانات والظلم؟ 

حقوقيون هاتفتهم "جسور بوست"، أرجعوا أسباب ردود الفعل الباهتة للمجتمع الدولي على إهانات إسرائيل إلى عدة عوامل، قد يكون التراجع في استجابة المجتمع الدولي نتيجة للتحالفات السياسية والاقتصادية المعقدة التي تؤثر على القرارات الدولية، وقد يخشى البعض من تبعات سياسية أو اقتصادية قد تنجم عن انتقاد إسرائيل بصوت عالٍ، ما يجعلهم يترددون في اتخاذ إجراءات قوية. 

علاوة على ذلك، قد يلعب العدم الموحد في التفاعل مع الإهانات دورًا في استمرار إسرائيل في انتهاك القوانين الدولية بلا عواقب، فقد تنظر بعض الدول إلى المسألة بمنظور سياسي، حيث تفضل الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل بدلاً من مواجهتها بشكل فعال، ما يؤدي إلى ضعف الردود الملموسة على هذه الإهانات. 

ويرى الخبراء أنه على المجتمع الدولي الوقوف بثبات واتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة هذه الإهانات المستمرة، يجب أن يُذكِّر إسرائيل بأنها ليست فوق القانون وأن العالم لن يقبل المزيد من الظلم والاستبداد. 

السياج الحدودي الإسرائيلي مع مصر الذي تجاوزه الجندي المصري إلى إسرائيل ...  مدى فعاليته وتكاليفه

عقوبات رادعة

وعلق أستاذ القانون الدولي، الدكتور رأفت فودة على الأمر قائلا، إنه على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في تفاعله مع الإهانات التي توجهها إسرائيل، لا يمكن أن يستمر العالم في الصمت أمام هذه الانتهاكات المروعة، بل يجب أن يتحد ويتخذ إجراءات فورية وفعالة للحفاظ على العدالة وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وعدم الاستجابة لهذه الإهانات يعني السماح بمواصلة الظلم والتجاوز على القيم الإنسانية التي يجب أن تكون الأساس للعالم الحديث، ويجب تطبيق بعض الخطوات التي يمكن أن يتخذها المجتمع الدولي، ومنها تشجيع الدول الأعضاء في المجتمع الدولي على التواصل الدبلوماسي مع إسرائيل للتحدث بشأن القضايا المثيرة للجدل والمطالبة بتحسين الوضع، أيضًا يمكن استخدام الحوار والمفاوضات لتوعية إسرائيل بأثر سياساتها على الآخرين وتشجيعها على تغيير سلوكها. 

وأضاف “فودة”، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، يمكن للمجتمع الدولي فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل للضغط عليها لتغيير سلوكها، على أن تشمل هذه العقوبات حظر التجارة أو الاستثمار أو تجميد الأصول أو تقييد العلاقات الدبلوماسية، كذلك يجب أن تتخذ هذه العقوبات بعناية لتجنب تأثيرها السلبي على المدنيين الأبرياء، من تلك الخطوات أيضًا دعم وتعزيز المنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على مراقبة وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل. 

الدكتور رأفت فودة

واستطرد، يمكن لهذه المنظمات أن تقدم تقارير وشهادات توثق الانتهاكات وتضغط لإحالة المسؤولين إلى العدالة، أيضًا التحرك عبر المنظمات الدولية والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لإلقاء الضوء على الانتهاكات وتحقيق العدالة، واستخدام القرارات والتوصيات الصادرة عن هذه المنظمات للضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها، ويجب تشجيع جميع الأطراف على التفاوض والتوصل إلى اتفاق يحقق العدالة والأمن والاستقرار في المنطقة. 

وأتم، من المهم أن يتم تطبيق هذه الخطوات بشكل منسق ومتوازن، وأن تستند إلى قوانين ومبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول، يجب أيضًا أن تتم هذه الخطوات بمشاركة جميع الأطراف المعنية والتركيز على التعاون والحوار لتحقيق التغيير المطلوب.

منظمات يمكن العمل من خلالها

وأوضح أستاذ القانون الدولي رأفت فودة، أن هناك عدة منظمات وهيئات دولية يمكن للمجتمع الدولي العمل عبرها لإلقاء الضوء على الانتهاكات في إسرائيل وتحقيق العدالة، بعض هذه المنظمات والهيئات تشمل الأمم المتحدة (United Nations)، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في مناقشة القضايا الدولية وحقوق الإنسان، ويمكن للدول الأعضاء استخدام الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان لرفع القضايا المرتبطة بالانتهاكات في إسرائيل والضغط على تحقيق التغيير، كذلك المحكمة الجنائية الدولية المعنية بمحاكمة الجرائم الشديدة التي تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويمكن للمجتمع الدولي التعاون مع المحكمة وتقديم المعلومات والأدلة للتحقيق في الانتهاكات التي ترتكب في إسرائيل. 

وأضاف، تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حماية الضحايا المدنيين وتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، ويمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر أن توثق الانتهاكات وتقدم توصيات للمجتمع الدولي بشأن الإجراءات التي يجب اتخاذها، من الجهات المعنية أيضًا اللجنة الدولية لحقوق الإنسان والتي تعمل على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، ويمكن للجنة أن تصدر تقارير وتوصيات وتعمل على تعزيز الوعي الدولي بالقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في إسرائيل، ومن المهم أن يتم التعاون والتنسيق بين هذه المنظمات والهيئات لتحقيق التأثير الفعال وتحقيق العدالة وحقوق الإنسان.

اسرائيل تحرق غزة ودم الشهداء يصبغ العيد

وأتم، مع الأخذ في الاعتبار أن المنظمات والهيئات الدولية التي ذكرتها ليس لديها سلطة مباشرة لفرض عقوبات على الدول الأعضاء، بما في ذلك إسرائيل ومع ذلك، فإن هذه المنظمات قد تتخذ بعض الإجراءات أو توصي بتطبيق عقوبات على الدول التي ترتكب انتهاكات.

على سبيل المثال، في إطار الأمم المتحدة، مجلس الأمن يملك صلاحية فرض عقوبات على الدول التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ولكن هذا يتطلب موافقة أغلبية أعضاء المجلس البالغ عددهم 15 عضوًا، مع تصويت أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض (فيتو) مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، وبالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فإنها يمكنها فتح تحقيقات ومحاكمة الأفراد المشتبه فيهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن جنسيتهم، وعلى الرغم من ذلك، يمكن للمنظمات والهيئات الدولية أن تستخدم سلطتها وتأثيرها للضغط على الدول لتغيير سلوكها.

يمكن أن تصدر تقارير وتوصيات وتدين الانتهاكات، ويمكن للدول الأعضاء استخدام هذه التوصيات لفرض ضغط سياسي واقتصادي على الدول المعنية.

بشكل عام، فإن فرض العقوبات على دولة معينة يعتمد على التوافق الدولي والإجراءات المتاحة في إطار القانون الدولي

إجراءات ضرورية

من جانبه، انتقد خبير القانون الدولي، الدكتور مفيد شهاب، ما تفعله إسرائيل واصفًا إياها بـ"المدللة" التي تفعل ما يحلو لها بغض النظر عن العقوبات بسبب أنها مؤمَّنة وتعلم أنه لا مساس بها، وهذا أمر لا يجب السكوت عليه، وهناك إجراءات اتخاذها.

فعن طريق المنظمات الحقوقية الدولية يمكن إصدار تقارير مفصلة حول الانتهاكات المزعومة في إسرائيل ونشرها للعلن، ويمكن أن تحتوي هذه التقارير على توصيات للتحسين والتغيير، ويمكن استخدامها كأدلة قوية للضغط على الحكومة الإسرائيلية، أيضًا يمكن للمنظمات الدولية التحقيق في الانتهاكات المزعومة وجمع الأدلة والشهادات من الضحايا والشهود، هذه الأدلة يمكن أن تستخدم لدعم القضايا القانونية أو التقارير المعنية. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يمكن للمنظمات الدولية التفكير في فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية على الدولة المعنية، هذه العقوبات يمكن أن تشمل فرض حظر تجاري، قيود على التعاون الدولي، أو تجميد الأصول المالية، كذلك القيام بحملات إعلامية وحملات توعية ونشر الأخبار للتأثير على الرأي العام والضغط على الحكومات والمؤسسات للتحرك. 

وشدد “شهاب”، على أن القرارات والإجراءات التي تتخذها المنظمات الدولية تتطلب التوافق والدعم من قبل الدول الأعضاء وقد تتأثر بالتوترات السياسية والمصالح المختلفة. 

الدكتور مفيد شهاب

عقوبات نالتها إسرائيل

هناك بعض الأمثلة على العقوبات التي فرضتها المنظمات الدولية على إسرائيل في الماضي منها:

-الحظر الدولي على الأسلحة: في عام 1973، بعد حرب أكتوبر (حرب رمضان) بين إسرائيل ودول عربية، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا (القرار رقم 338) يدعو إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات السلام. 

وفي العام التالي، صدر قرار آخر (القرار رقم 339) يفرض حظرًا على توريد الأسلحة إلى المنطقة، وذلك في إطار الجهود الدولية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

-فرض العقوبات الاقتصادية: في عام 2004، صدرت قرارات من مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) تدعو إلى فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل بسبب بناء جدار الفصل العازل في الضفة الغربية. 

وتشمل هذه العقوبات تجميد الاتصالات الحكومية وتعليق الدعم المالي.

-استبعاد إسرائيل من منظمات وجمعيات: في الماضي، قامت بعض المنظمات والجمعيات بعزل إسرائيل أو استبعادها من أنشطتها وفعالياتها. 

على سبيل المثال، في عام 2005، قامت الاتحاد العام للطلبة العرب في إسرائيل بدعوة لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية وعزلها عن المؤسسات الأكاديمية العالمية. 

يذكر أن العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي على إسرائيل تختلف في حجمها وطبيعتها، وتعتمد على التوافق والقرارات المشتركة بين الدول الأعضاء.

 


 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية