تحديات حقيقية.. التغيرات المناخية تعيق جهود التنمية في المنطقة العربية
تحديات حقيقية.. التغيرات المناخية تعيق جهود التنمية في المنطقة العربية
تشهد المنطقة العربية تحديات هائلة تتعلق بالتغيرات المناخية، حيث تتعرض لتبعات سلبية تؤثر على البيئة والمجتمعات المحلية، يتطلب ذلك تفهم الوضع الراهن وتحديد الحلول الملائمة لمواجهة هذه التحديات، للحفاظ على مستقبل مستدام للمنطقة.
وتشمل التأثيرات الرئيسية للتغيرات المناخية ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وزيادة التصحر وغيرها من التأثيرات.
ووفقًا لتقرير لجنة الأمم المتحدة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بنسبة 1.5- 2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.
ويؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة الجفاف وتدهور جودة الهواء وانتشار الصحاري.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي، يعاني أكثر من 60% من سكان المنطقة من نقص في المياه، ما يؤثر على الزراعة والصحة والمياه الصالحة للشرب.
ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، تتأثر السعودية والعراق وسوريا والأردن بشكل خاص بتقلص المساحات الخضراء وزيادة التصحر.
وتأتي هذه التغيرات بتداعيات مستقبلية تهدد الأمن الغذائي، ويعد نقص المياه وتدهور البيئة من أبرز التحديات التي تواجه الأمن الغذائي في المنطقة العربية.
كذلك تتضرر الزراعة وتنخفض كفاءة إنتاج الغذاء، ما يزيد من اعتماد الدول على واردات الغذاء ويعرضها للتبعات الاقتصادية والسياسية.
وأشار تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014 تحت عنوان "مواجهة الواقع المناخي الجديد"، إلى أن المنطقة العربية ستشهد تبخراً للموارد المائية الشحيحة خاصةً في نهري دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية وانخفاض غلة المحاصيل بنسبة 30% في مصر والأردن وليبيا، كما يؤكد تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية إلى أن 12% من أراضي مصر الزراعية ستتعرض لمخاطر متعددة.
وفقاً لدراسة "جون وتربري"، "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" في عام 2013، أدت موجات الجفاف السابقة على عام 2011 إلى تدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي ينتفع منها ما لا يقل عن 800 ألف شخص وتسببت في نفوق ما لا يقل عن 85% من الثروة الحيوانية الخاصة، وتسبب ذلك في نزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص للعمل في المدن الكبرى وقاموا بتأسيس حزام من التجمعات العشوائية الطرفية التي تحيط بالمدن الكبرى مثل حماة وحمص ودرعا وهو ما أسهم في تفجر الصراع في سوريا عقب استخدام نظام الأسد للقوة العسكرية ضدهم.
ينطبق ذات الأمر على الصراع في درافور بالسودان، حيث انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30% وتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 70% وارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوي بمعدل 1.5 درجة، ما أدى لتفجر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة بالزراعة نتيجة الصراع على مراعى الماشية.
الاحتجاج البيئي
اتجهت دراسات متعددة للربط بين التغيرات المناخية وتفجر الثورات العربية، وهو ما تؤكده دراسة "الربيع العربي والتغير المناخي" الصادرة عن مركز المناخ والأمن في واشنطن في عام 2013، حيث إن إخفاق بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتصدي لموجات الجفاف والتصحر ونقص إمدادات الطاقة دفعتهم للمشاركة في الاحتجاجات السياسية.
في المقابل، ووفقًا لتقارير متخصصة، تصاعد نمط آخر من الاحتجاجات البيئية في دول المنطقة على مدار السنوات الماضية، على غرار العصيان المدني، مثل الاحتجاجات على استخراج الغاز الصخري في مدن ورقلة وعين الصالح بالجزائر في مارس 2015، وهو ذات الاتجاه الذي ساد في إسرائيل في عام 2013، حيث قادت الاحتجاجات البيئية في منطقة "أدولام" منظمات مثل "اتحاد إسرائيل للدفاع عن البيئة" و"تجمع حماية الطبيعة في إسرائيل" و"التحالف الصهيوني للخضر".
وشهدت مصر بين عامي 2011 و2012 تكراراً للاحتجاجات البيئية مثل الاحتجاجات ضد مصنع أسمدة موبكو بدمياط واحتجاجات سكان قريبة فارس قرب أسوان على عمليات التنقيب عن الغاز.. وفي مطلع عام 2014، تأسست حملة "مصريون ضد الفحم" في الإسكندرية بهدف التصدي للتلوث الناجم عن استخدام شركة "لافارج للإسمنت" الفحم في عملياتها الإنتاجية.
وفي مارس 2015، هددت بعض الجماعات البيئية بالاعتصام عقب تصريحات حكومية بالسماح باستخدام الفحم في مصانع الأسمنت.
فض النزاعات بداية جيدة
وقالت وزيرة حقوق الإنسان السابقة باليمن، حورية مشهور، إن ما يحدث من تغيرات مناخية في المنطقة العربية وخاصة اليمن والعراق ومصر وتونس والأردن هو ضد حقوق الإنسان لما في ذلك من مخالفة صريحة لقوانين الأمم المتحدة التي تفرض حماية الإنسان وحياته وكل ما يتعلق بها ومنها الغذاء والهواء وغيرهما، ولا سبيل غير التصدي لهذه المشكلة، وعلى الدول العربية الاجتماع على كلمة واحدة ووضع استراتيجيات وأهداف واضحة لزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، كذلك يمكن تحديد نسبة محددة من الكهرباء أو الطاقة الإجمالية التي يجب أن تأتي من مصادر متجددة في فترة زمنية محددة، وتعزيز تحديث وتوسيع البنية التحتية اللازمة لدعم هذه المصادر.
وأضافت في تصريحات ل"جسور بوست"، على الحكومات أن تبني تشريعات ضريبية ومالية تشجع على استخدام الطاقة المتجددة وتخفيض تكاليفها، وللدول التعلم من بعضها البعض قد تتضمن هذه التشريعات إعفاءات ضريبية للمعدات والتقنيات المتعلقة بالطاقة المتجددة، وتوفير تمويل ودعم مالي للمشاريع المتجددة. واستطردت، سيكون فض النزاعات أثر جيد في التصدي للمشكلة بتوفر الأموال المهدرة على الأسلحة والنزاعات للاستثمار في الطاقة الجديدة والقضاء على البطالة والفقر، يمكن تخصيص ميزانية الحروب لدعم الأبحاث والابتكارات في هذا المجال، وتشجيع التعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثية وقطاع الصناعة.
وأتمت، اليمن كغيرها من الدول المتأثرة متضررة للغاية وتعاني للغاية فمن المستفيد الآن من الحرب الدائرة بين جميع أطيافها، ربما كان لفض النزاعات فضل في التصدي للتغيرات المناخية.
دق ناقوس الخطر
بدورها علقت الكاتبة مريم حمودة من تونس على الأمر بقولها، إن من بين الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية كانت المنطقة العربية وعلى رأسها تونس، وعلى المجتمع العربي الأفاقة من ثباته وأخذ إجراءات حاسمة وفورية لمواجهة الأزمة، وهذا في رأيي يحدث بأكثر من طريقة وفي نفس الوقت، أولًا يجب محاسبة المتسبيين في المشكلة من دول صناعي كبرى ومساعدة الدول الأكثر تأثرًا من الدول النامية، إلى جانب التوعية بشأن التغيرات المناخية في المنطقة، ويمكن تنظيم حملات توعية وتثقيف للجمهور والمجتمعات المحلية والقطاعات المختلفة لزيادة الوعي بأثر التغير المناخي وأهميته، وكذلك يمكن تبادل المعرفة والخبرات وتعزيز التعاون في مجالات مثل تكنولوجيا الطاقة المتجددة وإدارة المياه والزراعة المستدامة.
وأضافت في تصريحات ل" جسور بوست"، نحن في المنطقة العربية بالطبع مهتمون بتلك الأزمة، ففي العام الماضي نظمت جمهورية مصر العربية COP28 وهذا العام تنظمه الإمارات العربية المتحدة، هذا بخلاف المؤتمرات الأخرى وكثير منا أيضًا لجأ إلى الطاقة المتجددة والاستثمار الأخضر كبديل، حيث تلعب الطاقة المتجددة دورًا هامًا في تقليل الانبعاثات الكربونية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ولذا يجب دعم تطوير ونشر التكنولوجيا النظيفة في المنطقة العربية، حتى أن كثير من دول المنطقة لجأت إلى استخدام التكنولوجيا الخضراء في الصناعات المختلفة وتعزيز الابتكار المستدام وتبادل التكنولوجيا بين الدول.
تدهور بيئي
علق عميد كلية التجارة جامعة الأزهر، محمد يونس بقوله: إن للتغيرات المناخية على المنطقة العربية تأثيرات سلبية كبيرة وعلى مجالات عدة وعلى حسب كل دولة، وعلى الرغم من أن المتسبب في الأزمة الدول الصناعية الكبرى، يتراجع التنوع البيولوجي في المنطقة العربية بشكل مقلق بسبب التصحر وتدهور البيئة، وتتأثر النظم الإيكولوجية والحياة البرية، ما يؤثر على التوازن البيئي واستدامة الموارد الطبيعية.
وأضاف “يونس”، في تصريحات لـ"جسور بوست": قد تزداد حالات الهجرة والنزاعات في المنطقة العربية نتيجة لتأثير التغيرات المناخية، فتفقد المجتمعات المحلية مصادر العيش والموارد الطبيعية، ما يعزز التوترات والصراعات على الموارد المتاحة ويزيد من الهجرة غير النظامية.
واستطرد: تواجه المنطقة العربية تحديات جمة نتيجة للتغيرات المناخية، وهي تحتاج إلى تعاون دولي وجهود مشتركة لمواجهة هذه التحديات.. يجب على الحكومات والمجتمعات المحلية اتخاذ إجراءات فورية للحد من الانبعاثات الضارة وتعزيز الاستدامة في جميع القطاعات، ويجب تعزيز الجهود لحماية البيئة والحفاظ على التواصل مع البيئة الطبيعية في المنطقة العربية، ويشمل ذلك الحفاظ على الموارد المائية، وتحسين إدارة النفايات، والقضاء على التلوث.
وأتم: نحن في مصر نولي رعاية خاصة بالزراعة المستدامة والتقنيات الفلاحية المبتكرة، مثل الزراعة المائية والزراعة العضوية، لتحسين إنتاجية المحاصيل وتقليل استهلاك المياه.
محمد يونس
التكيف مع التغير المناخي
وعلق الخبير المناخي، البيلي حطب بقوله: يجب على الدول العربية تطوير استراتيجيات للتكيف مع التغير المناخي، بما في ذلك تحسين نظم الري وإدارة الموارد المائية، وتعزيز البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتنمية الزراعة المناخية المتكيفة، كذلك التعاون الإقليمي وتبادل المعرفة والتجارب بين الدول العربية في مجال مكافحة التغير المناخي، يمكن تنسيق الجهود المشتركة لحماية الموارد المائية المشتركة وتنفيذ مشاريع بيئية مستدامة، أيضًا من الضروري الوعي البيئي وتثقيف الجمهور حول التحديات التي تواجه المنطقة العربية نتيجة للتغير المناخي.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": هناك معتقد أن تأثير التغير المناخي في المدن أقل من تأثيره في المناطق الريفية، لأن سبل كسب العيش في المناطق الحضرية أقل اعتمادًا نسبيًا على البيئة الطبيعية، لكن المدن العربية لم تعد معزولة عن تغيرات المناخ وارتفاع معدلات درجات الحرارة، وحدث ذلك في أعوام عدة، فقد كان عام 2010 الأشد حرارة منذ أواخر ثمانينيات القرن الـ19، حيث سجلت 19 دولة مستويات جديدة لارتفاع درجات الحرارة خلال ذلك العام، من بينها خمس دول عربية منها الكويت التي سجلت رقما قياسيا في ارتفاع درجة الحرارة بلغ 52%، وتلاه ارتفاع آخر في عام 2011 حين ارتفعت درجة الحرارة بنسبة 53%.
وأتم: التوعية مهمة وضرورية ويمكن تنفيذ حملات توعية وتعليم في المدارس ووسائل الإعلام لزيادة الوعي بأهمية حماية البيئة، خاصة أن التقارير الصادرة عن منظمات دولية مرموقة ترصد تأثير التغيرات المناخية القاتلة على المنطقة العربية، حيث تحذر من تداعياتها المدمرة على البيئة والاقتصاد والحياة الإنسانية.
تحذيرات مهمة
كثيرة هي التقارير التي تحذر من خطورة التغيرات المناخية على المنطقة العربية، حيث يحذر تقرير الأمم المتحدة حول التغير المناخي من أن المنطقة العربية تواجه تحديات هائلة تتعلق بالتغير المناخي.
ويشدد التقرير على أن التصعيد الحالي للتغيرات المناخية يهدد استدامة البيئة والمجتمعات في المنطقة، فيجب أن يكون هناك تحرك فوري وعمل مشترك لمواجهة هذا التحدي العالمي.
ويسلط تقرير البنك الدولي حول التغير المناخي الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة العربية والفرص الاستثمارية المحتملة في مجال مكافحة التغير المناخي.
ويؤكد التقرير أن التخفيض من انبعاثات الكربون وتعزيز الاستدامة يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية والاستثمار في المنطقة.
و يسلط تقرير الهيئة الدولية للطاقة المتجددة الضوء على الفرص الكبيرة والتحديات التي تواجه المنطقة العربية في الانتقال إلى الطاقة المتجددة.
ويشدد التقرير على أهمية استغلال الطاقة الشمسية والرياح والطاقة البحرية كمصادر مستدامة مستقبلية ونظيفة للطاقة في المنطقة، ما يسهم في تقليل الانبعاثات الضارة وتعزيز الاستدامة البيئية.