الصومال على طريق أزمة جديدة

الصومال على طريق أزمة جديدة

باسم ثروت

 

مشهد لا نراه كل يوم في عالم السياسة، أو قد نراه لكن في الأفلام والمسلسلات السينمائية، مشهد يتصارع فيه رئيس منتهية ولايته مع رئيس وزرائه، بين إيقاف وتجميد صلاحيات وتبادل للتهم حول اختفاء موظفة وغيره، المثير هنا عزيزي القارئ أن هذا المشهد ليس سينمائياً إنما واقع معاش يحدث في الصومال بالفعل بين الرئيس فورماجو المنتهية ولايته ورئيس وزرائه روبلي.

 

فقد تصاعدت الأزمة بينهما في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعدما أقال رئيس الوزراء روبلي رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطنية فهد ياسين المقرب من الرئيس، على خلفية إدارته التحقيق في اختفاء الموظفة في جهاز المخابرات إكرام تهليل.

 

الأمر الذي لم يسكت عنه الرئيس فرماجو فقد ألغى في البداية قرار رئيس الوزراء ووصفه بـغير الشرعي وغير الدستوري، وعين لجهاز المخابرات مديراً آخر من اختياره، لكنه اضطر لاحقاً إلى قبول إطاحة ياسين من المخابرات وقام بتعيينه مستشاراً لشؤون الأمن القومي.

 

كما أعلن الرئيس فرماجو أنه قام بتعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد روبلي، لا سيما الإقالات والتعيينات، إلى حين الانتهاء من الانتخابات الفيدرالية التي كلفت اللجان المستقلة بالإشراف عليها، بينما رفض رئيس الحكومة روبلي قرار الرئيس فرماجو، ووصفه بـالباطل وغير القانوني والمخالف لدستور البلاد.

 

كانت العلاقة جيدة بينهما من قبل هذه التصعيدات، حيث إن الرئيس فرماجو الذي تم انتخابه عام 2017 رئيساً للبلاد، هو الذي اختار روبلي العام الماضي ليكون رئيساً للوزراء بعد شهرين من إعفاء رئيس الوزراء السابق له حسن علي خيري.

 

وقد أسند فرماجو إلى رئيس الوزراء روبلي مهمة إيجاد حل توافقي لأزمة الانتخابات، التي تعد واحدة من أكبر الأزمات السياسية في الصومال خلال السنوات الأخيرة، التي حدثت بسبب قرار الرئيس بتمديد ولايته الرئاسية في أبريل الماضي.

 

نجح روبلي في جمع كل الأطراف حول طاولة المفاوضات بالفعل، واتفقوا على جدول زمني للانتخابات، وشكل هذا الحدث إنجازاً كبيراً يحسب له، جعله يحظى بشعبية كبيرة وسط المواطنين الصوماليين، فقد كادت الأزمة الدستورية وانسداد الأفق السياسي أن يدمرا الاستقرار النسبي الذي يشهده الصومال، وقضى الاتفاق الذي تم أواخر مايو من هذا العام بإجراء الانتخابات التشريعية في غضون 60 يوماً، ولم يتم تنفيذه حتى الآن.

 

تٌرى ما الذي جعل الأمور تتعقد بين الرئيس الصومالي ورئيس وزرائه إلى هذا الحد؟

 

ظهر الخلاف بينهما في يوليو الماضي، عندما أقال روبلي مسؤولين أمنيين بارزين، هما عبدالله كلني جيس، مدير شؤون الموظفين في جهاز المخابرات، ومساعده الأيمن عبدالوهاب شيخ علي، مدير وحدة المخابرات في مطار مقديشو، عقب اعتراضهما على مغادرة مواطنين صوماليين، من بينهم عثمان نور حاج معلّمو، المحافظ السابق لمحافظة غيدو التابعة لولاية جوبالاند، كانوا متّجهين إلى مدينة غربهاري بمحافظة غيدو، في خطوة اعتبرها مكتب رئيس الوزراء مخالفة لقراره الأخير إزاء حرية الحركة والتنقل للمواطنين داخل البلاد وخارجها.

 

عطفاً على هذا، زاد توتر العلاقات بين الرئيس الصومالي ورئيس وزرائه عندما قام رئيس الوزراء بزيارة إلى العاصمة الكينية نيروبي في أغسطس ، لتوطيد العلاقات بين البلدين رغم أن الرئيس حظر إبرام اتفاقات مع كيانات أجنبية قبل الانتخابات.

 

وقبل هذه الزيارة بيوم واحد، أمر رئيس الوزراء الصومالي روبلي بإعطاء مؤسسات الحكومة صلاحيات كاملة فيما يخص حماية المصالح القومية والدستورية، إلى جانب الاتفاقيات الدولية بما فيها إبرام تفاهمات دبلوماسية واتفاقيات تجارية مع دول العالم، مخالفاً بذلك قرار الرئيس فرماجو الذي يمنع المؤسسات الحكومية من إبرام اتفاقيات مع جهات دولية خلال فترة الانتخابات.

 

وصرح روبلي في بيان الحكومة هي أعلى سلطة تنفيذية في البلاد وفق البند 97 من الدستور المؤقت، وأشار البيان إلى أنه يعتزم مواصلة جهوده المحلية لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، كما سيعمل على تحسين علاقة بلاده مع الخارج لضمان وتحقيق مصالح الشعب الصومالي.

 

لكن ما زاد الطين بلة بشكل اوسع، هي قضية اختفاء موظفة جهاز الاستخبارات الصومالي إكرام تهليل ، فقد انتشرت أخبار في مطلع سبتمبر ، تفيد بأن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة اختطفتها منذ يونيو وقتلتها، وهي رواية لم تقنع أهل المجني عليها .

 

ومن ثم في تصريح غير متوقع أعلنت حركة الشباب خلو طرفها من خطف وقتل هذه الموظفة، فنشرت بياناً في اليوم التالي تتهم الحكومة بقتلها، وتنفي فيه تورُّطها في اختفاء الموظفة، حيث صرحت “لا نعلم شيئاً عن مقتل إكرام تهليل الموظفة في جهاز المخابرات والأمن الوطني، وقد صدمنا بإلصاق جهاز المخابرات، جريمة قتلها بنا كما صُدم بذلك الشعب الصومالي أيضاً.

 

وبعد صدور ذلك البيان، حدثت اضطرابات أمنية في مدينة بلدوين أدت إلى اختطاف شباب تربطهم قرابة برئيس جهاز المخابرات، فهد ياسين، كنوع من أنواع الثأر بين أبناء عشيرة الموظفة ورئيس جهاز المخابرات، وهو الأمر الذي استنكرته القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ألمحت إلى أن هذه الخطوة قد تحرف القضية عن مسارها الصحيح.

 

وهنا خرج رئيس الوزراء روبلي في يوم 4 سبتمبر وأمهل رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني مهلة 48 ساعة يقدم خلالها تقريراً وافياً ومقنعاً حول هذه القضية، فرد عليه رئيس جهاز المخابرات في اليوم التالي 5 سبتمبر، يطالبه بانعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي ليوافيه بحقيقة قضية إكرام تهليل.

 

لكن روبلي قرر إقالة فهد ياسين رئيس جهاز المخابرات، وعين بدلاً منه الجنرال بشير غوبي كرئيس مؤقت للجهاز، فكانت هذه الخطوة السبب المباشر لتصاعد وتيرة الخلافات بين روبلي وفرماجو.

 

لم يتوقف الصراع بينهما عند هذا الحد، فقد قام رئيس الوزراء روبلي بإقالة وزير الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعين مكانه عبدالله محمد نور المعارض للرئيس، فرفض فرماجو هذا القرار، معتبره باطلاً دستورياً.

 

لاحقاً يوم 27 ديسمبر من هذا العام قام الرئيس فورماجو بوقف رئيس الوزراء محمد حسين روبلي عن العمل وتعليق جميع الأدوار التنفيذية اليومية له، مشيراً إلى الفساد وإساءة استغلال السلطة واتهمه بالاستيلاء على أراضٍ تابعة للجيش الوطني الصومالي.

 

اجمالاً، يثير هذا الصراع تصعيداٍ في التوتر في مقديشو، حيث طوق الحرس الرئاسي صباح يوم 27 ديسمبر، مكتب رئيس الوزراء في العاصمة مقديشو، ويعتبر قرار وقف روبلي وتعليق جميع أدواره التنفيذية قراراً خاطئاً للغاية نظراً للشعبية الكبيرة التي اكتسبها روبلي بعد نجاحه في إيجاد حل توافقي لأزمة الانتخابات، ولقراراته الأخيرة المتعلقة بقضية موظفة المخابرات، الأمر الذي جعل الشعب يلتف حوله، وقد يشكل هذا القرار ما يخشاه الجميع وهو تجدد المواجهات المسلحة في العاصمة وأجزاء أخرى من الصومال، ما يؤدي إلى عودة القتال الى الشارع الصومالي، الأمر الذي قد تستفيد منه حركة الشباب الإرهابية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية