أوكرانيا وفلسطين.. اختبار يفضح الازدواجية في معايير حقوق الإنسان لدى الغرب
رغم الاحتفال باليوم العالمي
بازدواجية إنسانية متوحشة، كشف الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، والذي تجاوز 45 يوما متواصلة، اختلال الموازين والكيل بمكيالين في تعامل القوى الغربية مع الحروب والصراعات المسلحة.
وظهر التناقض الفج بين موقف الدول الغربية، خاصة حلف الناتو، المعارض للغزو الروسي لأوكرانيا من جانب، مقابل موقفه الداعم للجرائم الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة من الجانب الآخر.
ومنذ السابع من أكتوبر، ما زال قصف الجيش الإسرائيلي مستمرا على مناطق عدة جوا وبحرا وبرا، وأوقعت الغارات آلاف القتلى والمصابين في شمال ووسط وجنوب القطاع المحاصر، لتتجاوز الحصيلة 17 آلف قتيل وأكثر من 48 ألف جريح، وفق إحصاءات رسمية.
وعاب خبراء ومراقبون دوليون ما اعتبروه، احتضان الغرب للمقاومة الأوكرانية ضد الاجتياح الروسي، مقابل شيطنة المقاومة الفلسطينية ضد القصف والاجتياح الإسرائيلي".
ويُعتبر القانون الدولي معيارًا يمكن من خلاله الحكم على سلوك الدول والجهات الفاعلة من غير الدول على قدم المساواة، غير أن العديد من الدول الغربية عادة ما تستخدم معايير القانون الدولي لتعزيز مصالحها وغاياتها.
خسارة التأييد الدولي
وذكر تقرير نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن دول جنوب العالم ترى ازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع الوضع في قطاع غزة وأوكرانيا، ما يضر بمحاولات الغرب بقيادة الولايات المتحدة لاستعداء العالم ضد روسيا.
وأوضحت الصحيفة أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت تنتقد روسيا خلال الأشهر الـ20 الماضية بسبب عمليتها الخاصة في أوكرانيا، لكن دعم واشنطن الثابت لإسرائيل في قصف قطاع غزة، أدى إلى إجهاض جهودها في كسب الرأي العام العالمي.
ونقلت الصحيفة عن رئيس مؤسسة "Eurasia Group" التحليلية كليفورد كوبتشان: "إن الحرب في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى دق إسفين متزايد بين الغرب ودول أخرى مثل البرازيل أو إندونيسيا، أي الدول المتأرجحة الرئيسية في الجنوب العالمي، كما سيزيد ذلك من تعقيد التعاون الدولي بشأن أوكرانيا، فضلا عن تنفيذ العقوبات المفروضة على روسيا".
وذكرت الصحيفة أن رئيس إندونيسيا جوكو فيدودو أدان "الظلم المستمر بحق الشعب الفلسطيني"، في حين أعرب مندوب البرازيل لدى الأمم المتحدة عن خيبة أمله من الفيتو الأمريكي على مشروع قرارها في مجلس الأمن الدولي.
ونقلت الصحيفة عن المحللة في مركز الأبحاث الاستراتيجية والدولية، هانا نوتيه، قولها إنه يوجد هناك في بلدان الجنوب العالمي موقف قائل إن الغرب يهتم باللاجئين الأوكرانيين أكثر من السكان في اليمن وغزة والسودان وسوريا.
وخلصت الصحيفة للقول: "يساعد ذلك في توضيح سبب فشل الغرب في إقناع دول مثل الهند وتركيا بدعم العقوبات ضد روسيا، وبالنظر إلى الوضع في قطاع غزة، فلا يمكن أن تنجح هذه الجهود في المستقبل القريب".
وفي 21 أكتوبر الماضي، انتقد رؤساء وزعماء الدول المشاركة في مؤتمر القاهرة للسلام، المعايير المزدوجة للغرب في التعامل مع الحرب على قطاع غزة.
كما أدى تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى تأجيج الاستياء في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من أن الغرب ينظر إلى أوكرانيا باعتبارها حالة خاصة لأنها تقع في أوروبا، ما يعكس ازدواجية القيم والمعايير الإنسانية والحقوقية.
اختبار للإنسانية
وما بين الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، تتعدد أوجه ازدواجية التعامل الغربي، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا التي وضعت في حرج عالمي بسبب استخدام القانون الدولي وفق مصالحها.
ودافعت الولايات المتحدة وأوروبا عن حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد الاجتياح الروسي قبل نحو عامين، فيما أيدت تصرفات إسرائيل غير المشروعة ضد غزة، واعتبرت دفاع حركات المقاومة عن القطاع نوعا من الإرهاب.
ومرارا حذرت قيادات فلسطينية من أن هذه الازدواجية في المعايير هي التي تشجع إسرائيل على التمادي في ارتكاب المزيد من الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتنفيذ المزيد من مشاريعها الاستعمارية العنصرية، وتوفر لها الغطاء والوقت اللازمَين لحسم مستقبل قضايا الحل النهائي التفاوضية من جانب واحد.
وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان، إن الشعب الفلسطيني ليس ضحية الممارسات الإسرائيلية فقط، وإنما أيضًا ازدواجية المعايير الدولية التي سقطت سقوطًا مدوّيا أمام اختبار الإنسانية، وأمام حماية المدنيين الفلسطينيين.
وأدانت الوزارة القصف المتواصل بالطائرات الحربية الإسرائيلية وتدمير المنازل والأبراج والمنشآت السكنية في عموم قطاع غزة فوق رؤوس المواطنين، منددة باستهداف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والدفاع المدني وطواقمها جميعا.
اعتبرت أن استهتار إسرائيل المتواصل بالقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يؤدي إلى تعميق دائرة النزوح القسري في صفوف المواطنين وتوسيعها، ودفعهم إلى مربعات أخرى مليئة بمخاطر الموت والقتل، في محاولة مستمرة لتفريغ قطاع غزة من سكانه.
ازدواجية فاضحة
بدوره، قال الخبير الحقوقي، ومدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان في لبنان الدكتور محمود الحنفي، إن هناك ازدواجية فاضحة تمارسها الدول الغربية ضد الشرق الأوسط بشكل عام، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.
وأوضح الحنفي في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية احتشدت في مواجهة روسيا أثناء الحرب مع أوكرانيا، وقامت بإمداد كييف بالغطاء السياسي والإعلامي والدعم العسكري غير المحدود، بينما ساهمت هذه الدول في حصار غير أخلاقي وغير إنساني لقطاع غزة ورفضت دخول المساعدات الإغاثية إلى الشعب الأعزل، رغم أنها تتشدق بمبادئ حقوق الإنسان.
وأضاف: "رغم أن إسرائيل دولة احتلال تمارس كافة الجرائم أمام العالم، وتضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط، لكنها تتلقى كافة أشكال الرعاية السياسية والدعم العسكري، مقابل رفع غطاء الرعاية السياسية عن الفلسطينيين تماما".
الدكتور محمود الحنفي
وانطلاقا من التعاطف مع جميع اللاجئين في العالم، أكد الحنفي التعاطف الدولي الكبير مع اللاجئين الأوكرانيين، والذي تجسد في ضخ مليارات الدولارات من خلال تقديم المساعدات الإغاثية والاستقبال الدافئ، يأتي ذلك في حين تستقبل منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فتات الدعم ويتم حجب التمويل عنها، كما يعاني اللاجئون الفلسطينيون من معاملة قاسية ولا يرحب بهم في الدول الأجنبية رغم معاناتهم الممتدة منذ 75 عاما.
ومضى قائلا: "كذلك الازدواجية الإعلامية، حيث أطلقت وسائل الإعلام الغربية على العملية الروسية لقب (غزو) بينما وضعت إسرائيل في موضع الدفاع عن النفس، ولقبت المقاومة الفلسطينية بـ(الإرهاب) في تناقض فاضح يتنافى مع جميع المبادئ والمعايير الأخلاقية أو المهنية".
وعن الازدواجية الدبلوماسية للدول الغربية، قال محمود الحنفي: "السفراء الأمريكان والأوربيون يتبنون الرواية الأوكرانية ويعتبرون روسيا متورطة في ارتكاب جرائم الحرب، فيما لا يتحدثون عن إسرائيل كدولة احتلال تستهدف المدنيين وتطلق القذائف لقتل الأطفال، رغم توثيق جميع جرائمها أمام العالم".
وبشأن الملاحقات الجنائية الدولية، أشار الخبير والحقوقي الفلسطيني إلى مساعي الولايات المتحدة لإجهاض أي فرصة لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فيما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال عام واحد من الحرب، قائلا: "فلسطين تسعى طوال عقود لإقناع المحكمة الجنائية الدولية باتخاذ موقف واحد ضد جرائم إسرائيل دون نتيجة".
وفي فجر 7 أكتوبر الماضي، أطلقت حركة حماس، عملية مباغتة ضد إسرائيل بإطلاق دفعات مكثفة من الصواريخ على مناطق إسرائيلية عدة، وتنفيذ عمليات تسلل في محيط قطاع غزة، في ما اعتبرته السلطات الإسرائيلية حربا ضد دولتها تستدعي الرد بغارات جوية على القطاع.
ورد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي موسع على قطاع غزة في عملية أسماها بـ"السيوف الحديدية" تسبب في تدمير واسع للبنية التحتية والمباني المدنية والحكومية.