التغيرات المناخية في الجزائر ومسعى COP28 لترسيخ الأمل والتغيير
أمل العرب"3"
تعتبر الطبيعة مسرحًا تتراقص عليه العوامل المناخية بأناقة متناغمة، ولكن اليوم، يتعرض هذا الرقص الساحر لتحديات قوية تهدد توازنه وسلامته.
في الجزائر، تتراكم التغيرات المناخية كالألحان المتلاحقة، تؤثر في كل معاني الحياة وتحيل الآمال إلى قفص الوهم، ومع ذلك، يحمل المؤتمر العالمي للتغير المناخي (COP28) في جعبته لحنًا جديدًا، يحمل في طياته الأمل والحلول الجذرية للتصدي لهذه التحديات المتنامية.
ومن أجل الجزائر وغيرها من الدول العربية، خصصت "جسور بوست"، حلقات مسلسلة حملت عنوان "أمل العرب"، تستطلع فيه على حدة رأي خبراء كل دولة عن آمالهم وما يمكن أن يحمله لهم مؤتمر الأطراف COP28 لمواجهة التغيرات المناخية.
في الجزائر ارتفعت درجات الحرارة بشكل ملحوظ، حيث وصلت إلى 1.5 درجة مئوية فوق المستويات الطبيعية في العقود الأخيرة، وقد أدى ذلك إلى تزايد تكرار الجفاف وتقلص حجم الأمطار، مع تأثيرات سلبية واضحة على القطاعات الزراعية والمائية.
تشبه هذه التغيرات الراقصة عاصفة عاتية تتلاطم بقوة على سواحل الجزائر، حيث تجتاحها فيضانات مدمرة تتسبب في خسائر هائلة للأرواح والممتلكات، وكأنها أوتار مشدودة في مقام مأساوي، تستنزف البنية التحتية وتهدد بالعزلة القسرية للمجتمعات المحلية.
ويتجلى تأثير الارتفاع الحراري في تكرار حالات الجفاف المتزايدة وتقلص حجم الأمطار، ووفقًا للبيانات العلمية، فإن نسبة الأمطار في الجزائر انخفضت بنسبة 20% في العقود الأخيرة، ما يؤثر سلبًا على القطاعات الزراعية والمائية ويهدد الأمن الغذائي.
علاوة على ذلك، تتعرض الجزائر لظواهر مناخية متطرفة أخرى، مثل الفيضانات المدمرة، فقد شهدت البلاد ازديادًا في حدوث الفيضانات خلال السنوات الأخيرة، حيث تسببت في خسائر فادحة للأرواح والممتلكات، وتهدد استقرار المجتمعات المحلية، إضافة إلى ذلك، يعاني الساحل الجزائري من تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر.
ووفقًا للتقديرات، من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر حوالي 20 سنتيمترًا بحلول عام 2050، ما يهدد المناطق الساحلية الكثيرة بالغرق، وتتطلب هذه التحديات التنويع في استراتيجيات التكيف والحد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي، على أن تستثمر الجزائر في تطوير الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة.
بالإضافة إلى تعزيز الزراعة المستدامة وإدارة الموارد المائية بشكل أفضل.
وفي ظل هذا السياق المقلق، تتجه أنظارنا إلى COP28 ونتساءل عن الأمل والتغيير الذي يمكن أن يحمله هذا المؤتمر العالمي، كأمشاطٍ سحرية، يحمل المؤتمر في أجنحته فرصًا للتخفيف من وطأة الألحان المناخية العابثة وإعادة النغمة الجميلة للطبيعة في الجزائر.
ومن المتوقع أن يدعو COP28 الدول المشاركة إلى التزامات أكثر تحديدًا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.. يجب أن تكون هذه الالتزامات قوية وملزمة لتحقيق تغيير حقيقي في المناخ، وأن ينص على تعزيز الاستدامة في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والنقل، يمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع التكنولوجيا النظيفة والاستثمار في البنية التحتية المستدامة، وأن يكون منبرًا لتشجيع الابتكار وتبادل التكنولوجيا الخضراء.
ويرى محللون أن الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة يمكن أن يساهم في تخفيض الانبعاثات وتعزيز الاستدامة، ومن المتوقع أن يلعب COP28 دورًا محوريًا في دعم تعزيز التكيف مع التغير المناخي في الجزائر، من خلال توفير التمويل والموارد اللازمة لبناء قدرات المجتمعات المحلية في مواجهة التحديات المناخية.
كما يُعد فرصة لتضافر الجهود الدولية في مكافحة التغير المناخي، وأن تعمل الدول والمنظمات الدولية معًا لتبادل المعرفة والخبرات وتوفير الدعم المشترك للدول النامية.
دور COP28 في مجال الصحة
قال المختص في الطب الداخلي والباطنة الدكتور فتحي شريف من الجزائر، إن التغيرات المناخية تعد تحديًا كبيرًا للصحة العامة في الجزائر، ويؤثر التغير المناخي على عدة جوانب من الصحة، بما في ذلك انتشار الأمراض المعدية، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وتأثيرات الظواهر الطبيعية المتطرفة على الصحة النفسية والجسدية، وفهم تأثيرات هذه التغيرات وتطوير استراتيجيات للتكيف معها يعد أمرًا حيويًا لتعزيز الصحة والعافية في المجتمع، ويؤدي التغير المناخي إلى تغير في انتشار الأمراض المعدية في الجزائر، وارتفع عدد حالات الإصابة بالأمراض المعدية مثل الحمى التيبية والملاريا في البلاد، ويرجع هذا التزايد إلى زيادة درجات الحرارة وتغيرات في نمط الأمطار، ما يؤدي إلى توسع نطاق انتشار البعوض المسبب للملاريا وتزايد انتشار الجراثيم المسببة للأمراض.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يعتبر الارتفاع المستمر في درجات الحرارة والتغيرات في نمط الأمطار عوامل مساهمة في زيادة معدلات السمنة وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتة الدماغية، ويعاني حوالي 35% من البالغين في الجزائر من السمنة ومشاكل صحية مرتبطة بها، وتتعرض الجزائر للعديد من الظواهر الطبيعية المتطرفة مثل الفيضانات والسيول والجفاف بسبب التغير المناخي، هذه الظواهر تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية للسكان، فقد تؤدي الفيضانات إلى تلوث مصادر المياه وانتشار الأمراض المائية، بينما تؤدي فترات الجفاف إلى نقص في المياه الجوفية وارتفاع مستويات الغبار في الجو، ما يؤدي إلى زيادة حالات التنفس الصعب والحساسية والأمراض التنفسية.
واستطرد، يجب أن يركز COP28 على تعزيز استراتيجيات التكيف والمرونة للتغيرات المناخية في الجزائر، من حيث القدرة على مواجهة انتشار الأمراض المعدية، من خلال تحسين نظم الرصد والاستجابة السريعة وتعزيز التوعية الصحية للجمهور، ويتضمن ذلك تعزيز برامج التطعيم، وتوفير الرعاية الصحية الأساسية، وتعزيز الوعي بأهمية النظافة الشخصية والصحة العامة، كذلك بناء وتحديث المستشفيات والمراكز الصحية وتوفير المعدات الطبية الحديثة.
الدكتور فتحي شريف
وأتم، يعتبر COP28 فرصة حاسمة لتسليط الضوء على تأثيرات التغير المناخي على الصحة في الجزائر وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة هذه التحديات، ويجب أن تتبنى COP28 إجراءات واستراتيجيات قوية لتعزيز الصحة العامة والوقاية وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية الصحية وتعزيز البحث العلمي والتكنولوجيا.
دور COP28 في مجال التعليم
في ذات السياق أبرز الخبير المستشار في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، يونس قرار، تأثير التغيرات المناخية على التعليم بقوله، إن البنية التحتية التعليمية في الجزائر تأثرت تأثرًا شديدًا بالتغيرات المناخية، يشمل ذلك تأثير الفيضانات والعواصف على المدارس والجامعات، ما يتسبب في تلف المباني التعليمية وتعطيل عملية التعليم، ووفقًا للإحصائيات، تأثرت أكثر من 200 مدرسة في الجزائر بالفيضانات خلال السنوات الأخيرة، كما تزيد التغيرات في درجات الحرارة ونمط الأمطار من انقطاع الكهرباء وتعطيل الدروس، هذا يؤثر سلبًا على جودة التعليم وقدرة الطلاب على استيعاب المواد الدراسية بشكل فعال.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، تؤثر التغيرات المناخية على الوصول إلى التعليم في الجزائر، حيث يعاني العديد من الطلاب من صعوبة الوصول إلى المدارس بسبب الفيضانات والجفاف والظواهر الطبيعية الأخرى المتطرفة، ويتأثر ما يقرب من 10% من الأطفال في الجزائر بتأثيرات التغير المناخي على الوصول إلى التعليم.
يونس قرار
وعن دور COP28 في مجال التعليم في الجزائر، أشار إلى أنه له دور مهم في دعم التعليم في الجزائر وتعزيز الاستدامة التعليمية في ظل التحديات المناخية، فيمكنه دعم الجزائر في تحسين البنية التحتية التعليمية لتجاوز تأثيرات التغيرات المناخية، ويمكن ذلك من خلال توفير التمويل والموارد اللازمة لإعادة بناء وتحسين المدارس والجامعات المتضررة من الكوارث الطبيعية، أيضًا تبادل الخبرات وتطوير برامج تعليمية وتدريبية تركز على التوعية بالتغير المناخي وتعزيز قدرات الطلاب والمعلمين على التكيف، إلى جانب تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم، وتوفير المواد الدراسية المتعلقة بالتغير المناخي، وتنمية المناهج التعليمية التي تعزز الوعي البيئي والاستدامة.
COP28: تعزيز الأمل والتغيير
بدوره علق الخبير السياسي والباحث الجزائري، توفيق قويدر بقوله، إنه من الممكن أن يحمل COP28 الأمل والتغيير للجزائر، إذا تم تنفيذ التزامات قوية وتعزيز الاستدامة ودعم الابتكار وتعزيز التكيف وتضافر الجهود الدولية، يمكننا أن نجد طريقًا للحفاظ على بيئتنا صحية بحيث نتلافى التأثيرات التي شملت كل القطاعات، نعم لنتشبث بأمل COP28 ونعمل معًا لبناء مستقبل أخضر ومستدام للأجيال القادمة، خاصة أنه على مدى العقود الأخيرة، شهدت البلاد تأثيرات سلبية عديدة ناجمة عن التغير المناخي، وهذا يستدعي تبني استراتيجيات جديدة ومبتكرة لتحقيق التنمية المستدامة، أحد التأثيرات الرئيسية للتغير المناخي هو تقلبات في موارد المياه وتراجع التوافر المائي في الجزائر.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، وفقًا للبيانات الأخيرة، يواجه 70% من السكان الجزائريين نقصًا في المياه في فصول الصيف، ما يعرض القطاع الزراعي والصناعي وحتى الاستخدام المنزلي للمياه لتحديات كبيرة، هذا التحدي يستدعي استثمارات كبيرة في تحسين بنية التحلية وتخزين المياه وإدارة الموارد المائية، بالإضافة إلى ذلك، تزايد التطرفات المناخية مثل الجفاف والفيضانات يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي ويهدد الأمن الغذائي.
واستطرد، تكبدت الجزائر خسائر اقتصادية تقدر بنحو 1.5 مليار دولار سنويًا بسبب التغير المناخي في القطاع الزراعي، كما أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يمثل فرصة كبيرة للجزائر لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستثمارات البيئية، وتحتل الجزائر موقعًا متميزًا لتوليد الطاقة الشمسية والرياح، وتمتلك إمكانات هائلة في هذا الصدد، ووفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تسهم الاستثمارات في الطاقة المتجددة في إنشاء فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي.
وعن دور COP28 قال، إن المؤتمر جاء كمناسبة هامة للجزائر لتعزيز جهودها في مجال التغير المناخي وللعب دور فاعل في وضع الحلول والآمال، ويمكن للجزائر أن تستفيد من COP28 لتحقيق عدة فوائد وتحقيق تقدم في مجالات متعددة، فيمكن أن يساهم في إعطاء فرصة للدول للتعاون وتبادل الخبرات والتكنولوجيا لمواجهة التحديات المشتركة، ويمكن للجزائر الاستفادة من هذه الفرصة لتبادل المعرفة والتجارب مع الدول الأخرى واستيعاب أفضل الممارسات في مجال التكيف والحد من الانبعاثات.
توفيق قويدر
الأمن الغذائي في الجزائر ودور COP28
وعلق الإعلامي والمخرج الجزائري، محمد شرشال على ما يمكن أن يضيفه مؤتمر الأطراف في نسخته الحالية للجزائر من حلول، قائلا، إن التغيرات المناخية تُعد تحديًا كبيرًا للوضع الأمني الغذائي في الجزائر، يعتمد القطاع الزراعي في البلاد بشكل كبير على الأمطار وتوافر المياه لضمان إنتاج مستدام للمحاصيل الغذائية، ومع زيادة التطرفات المناخية وتقلبات الطقس، يزداد تأثير التغير المناخي على الإنتاج الزراعي ويهدد الأمن الغذائي، وقد شهدت الجزائر تراجعًا في الإنتاج الزراعي بسبب التغير المناخي، تأثرت المحاصيل الرئيسية مثل الحبوب والخضراوات والفواكه بشكل سلبي، ما أدى إلى نقص في المعروض المحلي للأغذية وارتفاع في الأسعار، كما أن هناك 5 ملايين شخص في الجزائر يعانون من الجوع المزمن ونقص التغذية.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، في عام 2021، تأثرت الجزائر بجفاف حاد، حيث تراجع إنتاج الحبوب بنسبة 40% مقارنة بالعام السابق، وللتصدي لتحديات الأمن الغذائي المتعلقة بالتغير المناخي، يأتي COP28 كفرصة هامة للجزائر لتقديم حلول وآمال، ويمكن أن يلعب المؤتمر دورًا حاسمًا من حيث التمويل والدعم المالي للجزائر لتنفيذ مشاريع تكييف الزراعة وتطوير البنية التحتية الزراعية، ويمكن أن يشمل ذلك استثمارات في نظم الري الحديثة، وتحسين بنية التخزين والتوزيع، وتعزيز قدرات المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية.
محمد شرشال
واستطرد، من المهم أن يشجع المؤتمر الدول على تعزيز التزاماتها باتفاقية باريس للمناخ وتقديم الدعم اللازم للدول النامية، بما في ذلك الجزائر، للتكيف مع التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي.. بالفعل المؤتمر مناسبة هامة للجزائر وكل دول المنطقة.