تزامناً مع اليوم العالمي.. تغير المناخ عدو شرس لـ"حقوق الإنسان"

تزامناً مع اليوم العالمي.. تغير المناخ عدو شرس لـ"حقوق الإنسان"

بالتزامن مع الاحتفال باليوم الدولي لحقوق الإنسان والذكرى الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي، تتكشف مخاوف وتحذيرات أممية ودولية من تعرض منظومة حقوق الإنسان والتنمية المستدامة إلى تهديدات ومخاطر حقيقية من تأثيرات ظاهرة تغير المناخ الناجم عن الاحتباس الحراري.

وتصيب الكوارث الطبيعية كالفيضانات وموجات الجفاف والتصحر وحرائق الغابات، حقوق إنسانية أسياسية، لا سيما في الدول الفقيرة والنامية، أبرزها الحق في الحياة والحق في الحصول على الغذاء والماء، وخدمات الصحة والسكن وغيرها.

وترتبط الظواهر المناخية المتطرفة بعلاقة عكسية مع تحقيق التنمية المستدامة في الدول، أي كلما تزايدت وتيرة الكوارث الطبيعية تراجعت أو تعطلت مسيرة التنمية الشاملة في البلدان.

وتتطلب تلك الظاهرة التي طالت جميع دول العالم، استجابة عالمية قائمة على الحقوق والعدالة، من خلال الأخذ بنهج قائم على حقوق الإنسان إزاء تغير المناخ.

وتضمنت مقدمة اتفاق باريس في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن "من واجب كل الدول عند اتخاذها الإجراءات الهادفة إلى التصدي لتغير المناخ، احترام التزامات كل منها بشأن حقوق الإنسان وتعزيزها ومراعاتها".

وكما أوصى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بـ"تطبيق نهج قائم على حقوق الإنسان من أجل توجيه السياسات والتدابير العالمية الموضوعة من أجل التصدي لتغير المناخ".

تعطيل التنمية

وتقول المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إن من يتكبد الآثار السلبية لتغير المناخ هم أشخاص ومجتمعات محلية يعيشون أصلاً في أوضاع سيئة بسبب عوامل منها الموقع الجغرافي أو الفقر أو نوع الجنس أو السن أو الإعاقة أو الخلفية الإثنية أو الثقافية، ولم يسهموا على مر التاريخ إلا بأقل قدر في انبعاثات غازات الدفيئة.

وتسعى المفوضية السامية، وفقًا لخطة عام 2030 واتفاق باريس بشأن تغير المناخ، إلى تعزيز نهج قائم على حقوق الإنسان في الإجراءات المتعلقة بالمناخ، ما يتطلب اتّخاذ الدول تدابير طموحة للتكيف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره، تكون شاملة وتحترم المجتمعات المتضررة.

ويواجه الأشخاص والمجتمعات المحلية في الأراضي الساحلية المنخفضة والجليد القطبي الشمالي والأراضي القاحلة وغيرها من النظم الإيكولوجية الهشة والأقاليم المعرضة للخطر، والذين يعتمدون على هذه الأراضي من أجل السكن والمعيشة، مخاطر كبيرة جراء تغير المناخ.

وينعكس تأثير عدم الحد من الانبعاثات الكربونية بشكل أساسي على المجتمعات التي تواجه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بمن في ذلك الشعوب الأصلية وكبار السن وذوو الإعاقة والمثليون ومزدوجو التوجه الجنسي، ومتغيرو النوع الاجتماعي (مجتمع الميم)، والنساء والأطفال والفقراء.

وقد تتعرض قدرة الدول على الالتزام بمسار التنمية المستدامة وحماية السكان الأكثر عرضة للخطر، ما يتطلب تفعيلا متزايدا وتحرّكا فعالا من أجل التكيف المناخي واحترام حقوق الإنسان، لا سيما أن ظاهرة الاحترار تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي والمائي، والاختلال الاقتصادي، والنزاعات والإرهاب وغيرها.

وتعتبر الأمم المتحدة أن تغير المناخ يعد السبب الرئيسي لتنامي النزاعات والصراعات في العالم، بحكم تأثير ندرة الموارد، مثل الأراضي والغذاء والمياه، وهو ما يؤدي إلى زيادة التنافس والنزاع عليها.

مساعٍ إيجابية

وفي سبتمبر الماضي، انطلقت في مدينة ستراسبورغ الفرنسية مداولات أكبر قضية مناخية نظرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على الإطلاق، إذ قد تجبر هذه القضية الحكومات على تسريع جهودها في مجال تغير المناخ.

رفع ستة شباب من البرتغال دعوى قضائية ضد 32 حكومة أوروبية، بدعوى أن فشلها في التحرك بسرعة كافية بشأن تغير المناخ ينتهك حقوقهم الإنسانية.

وتعتبر الإجراءات، التي بدأت في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، أكبر قضية تتعلق بتغير المناخ تنظر فيها المحكمة على الإطلاق، ومن المتوقع صدور الحكم في النصف الأول من عام 2024.

في خطوة إيجابية لتخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب، قام مؤتمر كوب 28 والمنعقد حاليا في المدينة الإماراتية دبي، بتبني قرار إطلاق صندوق "الخسائر والأضرار" المناخية لتعويض الدول الأكثر تضررا من تغيّر المناخ.

والقرار التاريخي حيّاه مندوبو نحو مئتَي دولة مشاركة، بالتصفيق وقوفا، وقال رئيس قمة المناخ الإماراتي الدكتور سلطان الجابر بعد اعتماد قرار "تشغيل" الصندوق: "أهنئ الأطراف على هذا القرار التاريخي.. إنه يبعث إشارة زخم إيجابية للعالم ولعملنا".

وعقب عام من التجاذب، توصلت دول الشمال ودول الجنوب في نوفمبر الماضي خلال اجتماع وزاري تمهيدي لكوب 28 في أبوظبي، إلى تسوية بشأن قواعد تشغيل الصندوق الذي يتوقع أن يتمّ إطلاقه بشكل فعلي عام 2024.

الحق في المعرفة

وقال الخبير المصري في السياسات المناخية ورئيس مركز إفريقيا للتخطيط الاستراتيجي، حسام الدين محمود، إن القضايا المناخية واحدة من أكثر القضايا الكونية التي تهدد حياة الإنسان وتسهم بشكل مباشر في تقويض الحقوق الأساسية مثل الحق في الرعاية الصحية والحصول على المياه والسكن المناسب وغيرها.

وأوضح محمود في تصريح لـ"جسور بوست" أن الحديث عن تأثيرات تغير المناخ تجاوز الـ50 عاما، ورغم ذلك لم يأت بنتائج حاسمة أو ناجزة تتناسب مع مستوى كارثية الظاهرة العالمية.

وأضاف: "إحدى الإشكاليات الكبرى هي عدم إدماج معايير ومبادئ حقوق الإنسان في قوانين وسياسات البيئة العالمية، والتي ينصب تركيزها فقط على خفض الانبعاثات الكربونية والتكيف المناخي".

وتابع: "لا بد أن تكون منظمات المجتمع المدني جزءا من صناعة القرارات البيئية، ولا يقتصر دورها على المطالبة بحقوق عادلة أو تعويضات مناسبة لضحايا الكوارث الطبيعية فحسب".

وبمناسبة انعقاد قمة المناخ بالمدينة الإماراتية دبي، دعا حسام الدين محمود إلى ضرورة إقرار حق شعوب الدول النامية في المعرفة وامتلاك تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

ومضى قائلا: "أحد أهم حقوق الإنسان في الوقت الحالي والذي يجب على قمة المناخ التركيز عليه هو تمويل الدول بالمعرفة والمشروعات التكنولوجية وكيفية التحول إلى الطاقة النظيفة".

وتستضيف الإمارات مؤتمر كوب 28 بين 30 نوفمبر و12 ديسمبر 2023 في دبي في مدينة إكسبو دبي، بعد أن تعهدت بتوفير 100 مليار دولار دعما للبلدان النامية لمواجهة التأثيرات المناخية القاسية على هذه البلاد.

ويحيي العالم، اليوم الدولي لحقوق الإنسان، في 10 ديسمبر من كل عام، تزامنا مع ذكرى اليوم الذي اعتمدَت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948.

وتحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي لعام 2023 تحت شعار "الكرامة والحرية والعدالة للجميع"، إذ تأمل في تعزيز المعرفة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره مخططًا أساسيًا تسترشد به الإجراءات العملية الرامية إلى الدفاع عن حقوق الإنسان ومعالجة القضايا العالمية الملحّة في عالمنا اليوم.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية