أكد حقوقيون أنها مخالفة لكل القوانين والشرائع الدولية ودعوا لمعاقبة إسرائيل

جريمة حرب في صورة.. هل توقظ الاعتقالات الجماعية في غزة ضمير العالم؟

جريمة حرب في صورة.. هل توقظ الاعتقالات الجماعية في غزة ضمير العالم؟

كأحلك الأحلام السوداء تتسلل إلى وجداننا، تم تداول صور مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تروي وتكشف عن جانب مظلم وحقيقة مؤلمة في قطاع غزة، فقد أظهرت هذه الصور الصادمة اعتقالًا جماعيًا لرجال بوحشية غير مسبوقة من قبل الجيش الإسرائيلي. 

في لحظات اليأس والخوف، أجبر رجال فلسطينيون على خلع ملابسهم، باستثناء ملابسهم الداخلية، وكأنهم أشلاء بشرية يتعرضون للعار والاستهانة، وقد أُجْبِرُوا على ارتداء عصابات الأعين ليفقدوا الرؤية ويفقدوا الأمل أيضًا، ثم تم إجبارهم على ركوب ناقلة عسكرية، كأنهم مجرد أدوات يتم تجميعها ونقلها دون أدنى اعتبار لكرامتهم الإنسانية. 

الظروف الدقيقة وتواريخ الاعتقالات غير واضحة، لكن تم تأكيد هويات بعض المعتقلين من قبل زملاء أو أفراد الأسرة، وبعض الرجال على الأقل هم مدنيون ليس لهم أي انتماء معروف للجماعات المسلحة، وفقًا لمحادثة أجرتها شبكة CNN مع أحد أقاربهم وبيان صادر عن إحدى الشركات الموظّفة وهي شبكة إخبارية. 

ونشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، صورة لأحد المعتقلين، وقال في بيان على موقعه الإلكتروني، الخميس، إن "الجيش الإسرائيلي اعتقل وأساء إلى عشرات المدنيين الفلسطينيين وأساء إليهم بشدة"، مضيفا: "تلقى المرصد الأورومتوسطي تقارير تفيد بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت حملات اعتقال عشوائية وتعسفية ضد النازحين، بينهم أطباء وأكاديميون وصحفيون وكبار السن". 

ولم يستجب الجيش الإسرائيلي لطلب CNN للتعليق على الصور، في حين حددت شبكتهم الموقع الجغرافي لبعض الصور في بيت لاهيا، شمال مدينة غزة. 

وتداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية، دون ذكر مصدر، الصور على أنها استسلام لعناصر من حماس. 

وتُعَدُّ هذه الأفعال البشعة انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان التي تنص على احترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. 

فبموجب المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُحَظرُ أي تعذيب أو معاملة قاسية أو إهانة للكرامة الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 7 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يُعَرَّضُ أي شخص للتعذيب أو للعقوبات أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". 

وتكشف هذه القوانين الدولية بوضوح أن الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة تشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتعتبر تعذيبًا ومعاملة قاسية وإهانة للكرامة الإنسانية.

وتحمي عدة مواثيق دولية وآليات حقوقية حقوق الأسرى في حالات النزاعات المسلحة وتعتبر نزع ملابسهم جريمة، منها معاهدة جنيف الرابعة عام 1949، والتي تعد أحد أهم المواثيق الدولية التي تحمي حقوق الأشخاص الذين تم القبض عليهم خلال النزاعات المسلحة، بما في ذلك أسرى الحرب، وتنص المعاهدة على أن الأسرى يجب أن يعاملوا بإنسانية ويتمتعوا بحقوق وضمانات أساسية، بما في ذلك حقوقهم الشخصية والكرامة، وحظر أي معاملة تشكل تهديدًا لحياتهم أو صحتهم البدنية والنفسية.

كذلك البروتوكولان الإضافيان لمعاهدة جنيف، ويوجد بروتوكول إضافي للمعاهدة الثالثة لجنيف (عام 1949) المتعلقة بمعاملة الأسرى في حالات النزاعات المسلحة غير الدولية، ويحظر هذا البروتوكول أيضًا نزع ملابس الأسرى ويعزز حمايتهم ويكفل حقوقهم.

وتتعامل المحكمة الجنائية الدولية، وهي آلية قضائية دولية مستقلة مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتعتبر محكمة جنيف الرابعة وبروتوكولاتها إحدى القواعد الأساسية التي تستند إليها المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الأسرى. 

وتعكس هذه المواثيق والآليات التزام المجتمع الدولي بحماية حقوق الأسرى ومنع الانتهاكات الصارخة بحقهم، بما في ذلك نزع ملابسهم، ولكن هل تُطبق هذه القوانين والآليات بشكل صارم ويحاسب المسؤولون عن انتهاكات حقوق الأسرى في غزة؟

"جسور بوست"، تناقش مع خبراء وحقوقيين دوليين الأزمة وتبعاتها وتأثيراتها الحقوقية والسياسية وما يجب على المجتمع الدولي فعله تجاه الأمر.

جنود إسرائيليون يجبرون فلسطينيين على خلع ملابسهم بالكامل

جرائم خطيرة ومنافية للقانون الدولي الإنساني

عن العقوبات المترتبة على هذه الجرائم قال خبير القانون الدولي مصطفى سعداوي، إنه ووفقًا للآليات القانونية المختلفة في العديد من البلدان، ينص القانون على أنه يجب محاسبة المسؤولين عن انتهاك حقوق الأسرى وجرائم الحرب أمام المحاكم المحلية، وقد تتراوح العقوبات في هذه الحالات من السجن إلى العقوبات المالية أو عقوبات أخرى ينص عليها القانون، وفي الحالات التي تنطوي على جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب خطيرة، يمكن أن تتم محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية التي تتعامل مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وقد تفرض المجتمعات الدولية عقوبات اقتصادية وسياسية على الدول أو الأفراد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الأسرى، ويمكن أن تشمل هذه العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول والعقوبات التجارية والاقتصادية الأخرى. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه من المهم أن يتم تنفيذ هذه العقوبات بشكل فعال وعادل وأن يتم تحقيق العدالة للضحايا وتأمين حقوق الأسرى، على أن تعتمد العقوبات على القانون الدولي وتكون متسقة مع مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الدولية، وتعتبر المحكمة الجنائية الدولية (ICC) آلية قضائية دولية مستقلة تتعامل مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك انتهاكات حقوق الأسرى، وتستند المحكمة الجنائية الدولية إلى مبادئ معاهدات جنيف والقانون الدولي الإنساني الأخرى، وتحقق في الجرائم الخطيرة وتقدم المساءلة للأفراد المسؤولين.

وأتم، ما حدث جريمة حرب، لأن هذا الاعتقال الجماعي القاسي يترك آثارًا نفسية واجتماعية مدمرة على الضحايا، حيث إن التعرض لمثل هذه الإهانات والتعذيب يترك ندوبًا عميقة في نفوس الأشخاص، ما يؤثر على حالتهم النفسية والعاطفية بشكل دائم، وقد يعاني الضحايا من اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب وحتى انعدام الثقة في الآخرين بالإضافة إلى ذلك، يعاني المجتمع ككل من تأثيرات سلبية، حيث يزداد التوتر والانقسام والعداء في المنطقة. 

بوابة الثورة | الدكتور مصطفى السعداوي يصدر أول مؤلف في شرح قانون الإجراءات  الجزائية الاماراتي

ما حدث في غزة لم يحدث في الحروب العالمية

وبدورها علقت البرلمانية التونسية السابقة، ليلى حداد بقولها، إنه وفي ظل هذه الأحداث المروعة، ينبغي الدعوة إلى العدالة والمحاسبة، فيجب على المجتمع الدولي أن يتصدى لهذه الانتهاكات الصارخة ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، كما ينبغي تشكيل لجان تحقيق مستقلة وشفافة للتحقيق في هذه الأحداث وتقديم المسؤولين إلى العدالة، على أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في حماية حقوق الإنسان وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "الصور التي تم الترويج لها لمواطنين في غزة تعكس حقيقة إسرائيل والتي تذكرنا بسجن "بوغريب" في العراق وما وقع من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لأهالينا هناك"، الصور صادمة وانتهاك لاتفاقيات حقوق الإنسان، منها اتفاق روما وجنيف وتعتبر إبادة وجريمة حرب، ويجب محاكمة إسرائيل عليها، وعلى كل المحامين رفع قضايا ضدها لممارستها انتهاكات إنسانية لم نشاهدها فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وأتمت، في خضم المعاناة والألم الذي يشهده الشعب الفلسطيني في غزة، تظل هذه الصور الصادمة تذكرنا بالظلم والقهر الذي يعانيه الأبرياء، “إنها تذكرنا أن حقوق الإنسان ليست مجرد ورقة مكتوبة، بل هي قيمة إنسانية عميقة يجب على الجميع احترامها والعمل على حمايتها، وعلينا أن نعمل بكل قوتنا لإنهاء هذا الجحيم وتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة، حيث لا مكان للاضطهاد والقمع والظلم”.

النائب ليلى الحداد الصفحة الرسمية

الأحداث المروعة في غزة وآثارها على العلاقات الدولية 

وعلق السياسي الجزائري، توفيق قويدر على الأمر بقوله، إن هذه الانتهاكات المروعة قد تؤدي إلى زيادة التوتر والاحتقان في العلاقات الدبلوماسية بين الدول المعنية، وقد يتم استدعاء السفراء أو تقليص العلاقات الدبلوماسية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الثنائية أو حتى التوتر الإقليمي، وأتوقع أن تثير هذه الانتهاكات الصارخة انتقادات واسعة النطاق من المجتمع الدولي، وقد تؤدي إلى إدانات دولية ومطالب باتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات، وينبغي تصعيد القضية إلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه قد تؤثر هذه الانتهاكات الصارخة أيضًا على العلاقات الاقتصادية بين الدول، وقد تقوم بعض الدول بفرض عقوبات اقتصادية على الدولة التي ترتكب هذه الانتهاكات، مثل فرض عقوبات تجارية أو تجميد الاستثمارات أو تقليص التعاون الاقتصادي، وقد يتسبب هذا النوع من الانتهاكات في تدهور صورة الدولة التي ترتكبها في المجتمع الدولي.. قد يتم تشويه سمعة الدولة والنظام السياسي الذي يسمح بحدوث هذه الانتهاكات، وهذا يمكن أن يؤثر على العلاقات التجارية والسياسية والثقة بين الدول. 

د. توفيق قويدر شيشي: اشتباكات بين محتجين أكراد وقوى الأمن في باريس - Now  الشرق

وأتم، ربما ظن البعض أن الموقف العربي متخاذل، إلا أن الموقف الشعبي العربي قوي وأثبت تأثيره، وقد يزيد ما حدث من إصرار العرب على المقاطعة مثلًا، وقد لا يرغب الأشخاص والمؤسسات في التعاون مع الكيان الصهيوني المرتكب لهذه الانتهاكات. 

إجراءات يمكن اتخاذها 

وعلق الحقوقي الفلسطيني، محمود الحنفي على الأمر بقوله، إن ما تم ترويجه يثبت كيف يتعامل الكيان مع الأسرى بطرق مشينة لا تستند لقواعد قانونية ولا أخلاقية، ما تم تصويره امتهان للكرامة الإنسانية ويُعبر عن حالة ضعف وفقر أخلاقي، لأن الأسير سواء كان مدنيًا أو مقاتلًا، يكون قد فقد القدرة على القتال ولم يعد قادرًا على حماية نفسه وأصبح تحت رعاية وحماية الجهة المحتجزة، ولكن إسرائيل لا تعترف بأسرى الحرب وإنما تعتبرهم مقاتلين غير شرعيين، وهو مصطلح غريب شكلًا ومضمونًا، فمن يتم القبض عليهم لا يخرجون عن كونهم إما أسرى حرب أو معتقلين مدنيين بموجب اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة، عدا ذلك لا يوجد، ويجب أن يحظوا برعاية إنسانية وقانونية.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يمكن للدول والمنظمات الدولية استخدام الضغط الدبلوماسي على الدولة التي ترتكب الانتهاكات للتأثير على سلوكها، ويمكن أن تشمل هذه الخطوة استدعاء السفراء، وإصدار بيانات رسمية تدين الانتهاكات، وتهديدا بفرض عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية، كما يجب فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية على الدولة التي ترتكب الانتهاكات، ويمكن للمجتمع الدولي المطالبة بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة للكشف عن الانتهاكات، ويمكن أيضًا تشكيل لجان تحقيق دولية أو توجيه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة الجنائية للمسؤولين.

وأتم، يجب أن تعمل الدول والمنظمات الدولية على تعزيز التعاون والتنسيق لمواجهة الانتهاكات الصارخة، كذلك تبادل المعلومات والخبرات وتقديم الدعم للدول التي تحاول تعزيز حقوق الإنسان وتحقيق العدالة، مؤكدا أن هذه مجرد بعض الإجراءات الممكنة، ويتطلب التصدي للانتهاكات الصارخة تحركًا جماعيًا ومنسقًا من قبل المجتمع الدولي للحفاظ على القيم الإنسانية وحقوق الإنسان. 

د. محمود الحنفي | مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) الدكتور

حالات نجحت فيها المجتمعات الدولية في وقف الانتهاكات الصارخة وتحقيق تغيير إيجابي

-جنوب إفريقيا ونظام الفصل العنصري

نجح المجتمع الدولي في الضغط على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وتحقيق نهايته، ومن خلال فرض عقوبات دولية وحظر رياضي وحملات دعم للمعارضة الداخلية، تم تحقيق تغيير سياسي وانتقال إلى نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان. 

 -البوسنة والهرسك: خلال حرب البوسنة في التسعينيات، تعرضت البوسنة والهرسك لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بما في ذلك الإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي، وبالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا، تم توجيه الاتهامات ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم وتحقيق العدالة. 

-ميانمار (بورما): 

تعتبر حالة ميانمار واحدة من الأمثلة الحالية حيث تستمر الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ومع ذلك، قامت المجتمعات الدولية بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الحكومة العسكرية في ميانمار ورفعت القضية إلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتستمر الجهود الدولية للضغط على الحكومة وتحقيق تغيير إيجابي. 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية