العنف الأسري في 2023.. صرخات تبحث عن الأمن والحماية والسلام
العنف الأسري في 2023.. صرخات تبحث عن الأمن والحماية والسلام
في عام 2023، يظل العنف الأسري مشكلة عالمية مستعصية تستمر في زحفها المدمر عبر الثقافات والأنظمة الاجتماعية، هذا الوباء المخفي يستهدف الضعفاء والمحرومين، ويشوه حياة النساء والأطفال، مع تأثيراته العاطفية والجسدية المدمرة.
ويُعرف التعنيف على أنه أي تصرف يتسبب في الإيذاء الجسدي أو النفسي أو الجنسي لشخص آخر، ويشمل الضرب والتهديد والإيذاء العاطفي أو الاقتصادي، وتشمل أشكال التعنيف المختلفة التعنيف الأسري والتعنيف في العلاقات الشخصية والتعنيف الجنسي والتعنيف في مجال العمل.
ويُعَدّ العنف الأسري تهديداً كبيراً للسلام والاستقرار الأسري، حيث تنتج عنه معاناة غير مبررة وإصابات بدنية وعاطفية تدمر حياة الضحايا.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تتعرض نحو واحدة من كل ثلاث نساء في العالم للعنف الجسدي أو الجنسي في إطار العلاقة الزوجية خلال فترة حياتهن، هذه الإحصائيات المروعة تكشف عن واقع صادم يستدعي تحركاً فورياً لمكافحة هذه الآفة الاجتماعية.
عندما نتحدث عن الأطفال، فإن الأرقام تعبر عن مأساة يصعب تصورها، فوفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يُعَدّ 1.2 مليار طفل حول العالم عرضة للعنف، وهذا يعني أنه يتم انتهاك حقوق الطفولة الأساسية لأكثر من نصف سكان الأطفال في العالم.
وفقاً للتقارير، تتعرض امرأة واحدة على الأقل للعنف كل سبعة ثوانٍ في العالم، ما يعني أن نحو 3.7 مليار امرأة تعيش تحت تهديد العنف الأسري، ومع ذلك، تبقى تلك الأرقام الباردة والإحصائيات مجرد أرقام حتى نلقي نظرة أعمق على تأثيراتها الحقيقية على الضحايا.
صور الأطفال الجرحى والمرعوبين تجعلنا نشعر بالعجز والحزن، وتذكرنا بأنه لا يمكننا الصمت أمام هذا الجرم الشنيع، حيث ترتبط الأرقام المروعة بحالات العنف الأسري بعواقب عميقة ومدمرة على المجتمعات.
العنف الأسري ليس مجرد انتهاك لحقوق الفرد، بل يؤثر أيضاً على الاقتصاد والتنمية، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بنحو 5.8 تريليون دولار أمريكي سنوياً نتيجة للعنف.
ورغم الجهود المبذولة لمكافحة العنف الأسري، فإن التحديات لا تزال كبيرة، وتتراوح العوامل المسببة للعنف الأسري من التمييز الجنسي والتحيزات الثقافية إلى الفقر والبطالة وعدم التوعية.
ويتطلب مكافحة العنف الأسري تعاوناً مشتركاً بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والأفراد لتعزيز الوعي وتوفير الدعم والحماية للضحايا.
في عام 2023، لا يزال العنف الأسري يشكل تحدياً كبيراً يهدد حقوق الإنسان ويخل بالسلام الأسري، ويوصي حقوقيون بضرورة أن نتحرك بقوة وعزيمة لمكافحة هذه الآفة الاجتماعية، وتعزيز الوعي وتوفير الدعم للضحايا، وتشديد القوانين وتنفيذها بفعالية، وتعزيز التربية والتعليم للتغلب على الأفكار التي تسهم في تبرير العنف.

كارثة صامتة
بدوره، علق عضو البرلمان البحريني السابق، حسن بو خماس بقوله، إن الوقت قد حان لنضع حداً لهذه الكارثة ونبني عالماً يسوده السلام والعدل والاحترام لجميع أفراد المجتمع، عندما ننظر إلى الواقع المرير للعنف الأسري في عام 2023، نجد أن الأرقام تعكس مأساة حقيقية تستحق أن نلقي الضوء عليها، واحدة من أبرز الإحصائيات التي تدمي القلب، تروي أن النساء والأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري يعانون من تأثيرات عميقة تتراوح بين الإصابات الجسدية والنفسية والاجتماعية، يحملون آثار الخوف المستمر والاستغلال والإهانة والتهديدات، ويعيشون في بيئة غير آمنة ومشوشة تحطم حلم الحياة الكريمة.
وأضاف بو خماس في تصريحاته لـ"جسور بوست": من الأمور المروعة أيضاً أن الأطفال يعانون بشكل كبير من العنف الأسري، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نحو 275 مليون طفل حول العالم يشهدون العنف داخل أسرهم، وهذا يعني أنهم يعيشون في جحيم ينتج عنه انعدام الأمان والاستقرار والحب وهي أمور لازمة لتكوين شخصيات قوية ومتزنة، بالإضافة إلى ذلك لا يقتصر العنف الأسري على الأضرار النفسية والجسدية الفورية، بل يمتد أيضاً إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية، فالضحايا يجدون صعوبة في الوصول إلى فرص التعليم والعمل، ويعانون صعوبات في التكيف مع المجتمع والبناء العاطفي السليم.
واستطرد: هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى دوران دائرة العنف والفقر والتهميش، ومن المهم أن ندرك أن العنف الأسري ليس مجرد قضية فردية أو اجتماعية فحسب، بل هو تحدٍ يتطلب استجابة شاملة ومتعددة الجوانب، ويجب أن تتضافر الجهود لتشديد القوانين وتنفيذها بشكل فعال، وتعزيز الوعي والتثقيف حول حقوق الإنسان والمساواة، ينبغي أيضاً توفير دعم وحماية للضحايا وتوفير خدمات الاستشارة والعلاج والإسكان الآمن والفرص الاقتصادية.
حسن بو خماس
كيف يواجه القانون الدولي العنف الأسري؟
بدوه، ندد الأكاديمي والخبير القانوني، نبيل حلمي بازدياد العنف الأسري في عام 2023 لتأثيراته العنيفة على الأسرة، قائلاً: يُعتبر العنف الأسري أمراً ذا تأثير سلبي كبير على الأفراد والمجتمعات، ويعد انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، وينبغي أن يكون القانون الدولي آلية فعالة لمواجهة العنف الأسري والحماية منه، ويُعرف العنف الأسري على أنه أي تصرف يتسبب في الإيذاء الجسدي، أو النفسي أو الجنسي، أو التهديد بارتكاب هذه الأفعال داخل الأسرة، سواء كان ذلك بواسطة شريك الحياة، أو الوالد، أو أي فرد آخر ذي صلة عائلية، وهناك المعاهدات الدولية مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) واتفاقية حقوق الطفل (CRC)، تحظران العنف الأسري وتلتزمان بحماية الأفراد منه.
وأوضح في تصريحاته لـ"جسور بوست"، وجود العديد من الجهات الدولية لمواجهة العنف الأسرى، وعلى رأسها اللجان والمقررات الخاصة بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والتي تقوم بمراقبة وتقييم تنفيذ الاتفاقيات الدولية والتدابير المتخذة للحد من العنف الأسري، وينص القانون الدولي الإنساني على حماية السكان المدنيين في حالات النزاعات المسلحة، ويُعتبر العنف الأسري جزءاً من الجرائم التي يجب محاسبة المرتكبين عليها، وهناك العديد من الدول والمنظمات الإقليمية لديها تشريعات وآليات خاصة لمكافحة العنف الأسري وحماية الضحايا، مثل تشريعات حماية الأسرة ومحاكم الأسرة والإجراءات الجنائية المتعلقة بالعنف الأسري.
واستطرد: قد يواجه القانون الدولي تحديات في التنفيذ بسبب العوائق القانونية والثقافية والاجتماعية التي تواجهها الدول في تحقيق الالتزامات الدولية لمكافحة العنف الأسري، ويتطلب مكافحة العنف الأسري توعية الناس بحقوقهم وواجباتهم، وتعزيز الوعي بأشكال العنف الأسري وكيفية التبليغ عنه والحصول على الدعم اللازم، كذلك ضرورة أن تتعاون الدول في مجال تبادل المعلومات والخبرات لمكافحة العنف الأسري، وتبني استراتيجيات مشتركة للتعامل مع هذه القضية على المستوى الدولي.

نبيل حلمي
وأتم: يواجه القانون الدولي تحديات كبيرة في مكافحة العنف الأسري، ومن المهم تعزيز التعاون والتوعية وتبادل المعلومات لتعزيز الحماية وتطبيق القوانين المتعلقة بذلك، يجب أن تتخذ الدول إجراءات قوية لتعزيز الوعي بحقوق الإنسان والمحاسبة الفعالة للمرتكبين وتقديم الدعم اللازم للضحايا من أجل تحقيق عالم خالٍ من العنف الأسري.
كيف نتصدى للعنف الأسري؟
وعن كيفية التصدي للعنف الأسري قالت الإعلامية التونسية مريم حمودة، إن الأمر اختلف عن ذي قبل، قديماً كان يمكن التكتم على مثل هذه الأمور، كما كان يعد الإبلاغ عنها عاراً، لكن الوضع اختلف الآن، ويمكن للضحايا اللجوء إلى المسؤولين لحمايتهم بطرق عدة، وتعتبر التكنولوجيا أيضاً وسيلة مهمة للتصدي للعنف الأسري، فيمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتوفير خطوط دعم ومساعدة عبر الإنترنت، وتطبيقات الهاتف المحمول للإبلاغ عن حالات العنف والوصول إلى الموارد والمعلومات المفيدة، كما يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي والتثقيف حول العنف الأسري وتشجيع النقاش والتغيير.
وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست": على المستوى العالمي، تعمل العديد من المنظمات والهيئات الحكومية وغير الحكومية على مكافحة العنف الأسري وحماية الضحايا، وتتضمن هذه الجهود تطوير السياسات والبرامج الشاملة، وتوفير التمويل والدعم للمشاريع المحلية، وتبادل المعرفة والخبرات بين الدول، مع ذلك لا يزال هناك الكثير من العمل المطلوب للقضاء على العنف الأسري وإحداث تغيير حقيقي ومستدام، يتطلب ذلك التزاماً قوياً من الحكومات والمجتمعات والأفراد للعمل معاً من أجل إيجاد بيئة آمنة وصحية للجميع، حيث يتمتعون بحقوقهم الأساسية ويحظون بالاحترام والحب والرعاية.

مريم حمودة
ما يجب على المعنف فعله
قال الحقوقي الأردني نضال منصور، إن التعنيف ظاهرة خطيرة وغير مقبولة قانوناً، وتحتاج إلى تدخل فوري لوقفه ومعاقبة المعتدي، وللتصدي للتعنيف يجب على المعتدي اتخاذ الإجراءات التالية: يجب على المعتدي الوفاء بالتزامات القوانين الجنائية والتعاون مع السلطات في التحقيق وتقديم المعلومات اللازمة، على المعتدي احترام حقوق الضحية وعدم القيام بأي إجراء يمكن أن يتسبب في المزيد من الضرر، والامتناع عن التواصل أو التهديد بالانتقام، وتقديم الإسعافات الأولية للضحية في حالة وجود إصابات جسدية، والبحث عن المساعدة الطبية عند الضرورة.
وأضاف في تصريحاته لـ"جسور بوست": قد يكون الاعتذار والاعتراف بالخطأ خطوة أولى مهمة للمعتدي، والسعي للمصالحة وتصحيح السلوك المسبب للتعنيف، ثم يأتي دور البحث عن برامج العلاج والدعم النفسي لعلاج أسباب التعنيف والتغلب عليه، ويواجه المعتدي عواقب قانونية جادة مثل الاعتقال والمحاكمة والعقوبة الجنائية، حسب قوانين الدولة، ولكن لا بد أن يكون المعتدي على علم بالآثار السلبية لسلوك التعنيف وضرورة التثقيف بأنماط السلوك الصحيحة والعلاقات السليمة.

نضال منصور
ويوصي نضال ضحايا التعنيف بوجوب البحث عن مأوى آمن يمكنهم الاحتماء فيه ثم الاتصال بالجهات المختصة مثل الشرطة أو المنظمات غير الحكومية التي تقدم دعماً للضحايا، وقد يكون من المفيد الحصول على الدعم النفسي من خلال الاستشارة مع متخصصين في المجال النفسي، ويمكن أن يساعد المستشارون أو الأخصائيون في التعامل مع الصدمة وتأثيراتها النفسية، وأيضا اتخاذ إجراءات للحماية من أي خطر جسدي، أيضاً البقاء في أماكن آمنة والابتعاد عن المواقف المحتملة أو المسببة للعنف، وقد يكون من الضروري قطع الاتصال بالشخص المعتدي والابتعاد عنه تماماً، وإذا كان الضحية في حاجة إلى المشورة القانونية أو يرغب في معرفة الحقوق القانونية كضحية للتعنيف فيمكنه التواصل مع محامٍ مختص في قضايا العنف والحماية، ومن الضروري جمع الأدلة والوثائق المتعلقة بالتعنيف، مثل الصور أو التسجيلات الصوتية أو الرسائل النصية.
وأتم: قد تكون هذه الأدلة مفيدة في حالة تقديم شكوى قانونية أو تقرير عن التعنيف، في كل الأحوال لا يجب أبدا الصمت على التعنيف، بل يجب إبلاغ السلطات.