100 يوم حرب.. إسرائيل تغتال الحق في السكن لـ70% من أهالي غزة

100 يوم حرب.. إسرائيل تغتال الحق في السكن لـ70% من أهالي غزة
الحرب في غزة

100 يوم مرت وكأنها 100 عام على الحرب في قطاع غزة، والتي قضت على الأخضر واليابس، وأودت بحياة أكثر من 23 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، بحسب تقديرات رسمية فلسطينية. 

وبدأت إسرائيل حملة عسكرية على غزة بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023، إذ ركزت قوات الجيش الإسرائيلي معظم عملياتها منذ البداية على شمالي القطاع، غير أنها قصفت مؤخرا خان يونس في جنوبي القطاع.

وبحسب تقديرات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فإن ما يزيد على 1.9 مليون شخص نزحوا في أنحاء غزة منذ بداية الحرب، أي ما يعادل حوالي 85 بالمئة من سكان القطاع.

ويعيش معظم النازحين من غزة في العراء والملاجئ ومراكز الإيواء، بعد أن دمر القصف الجوي والاجتياح البري الإسرائيلي نحو 75 بالمئة من القطاع بشكل كامل، وفق تقديرات شبه رسمية.

وتعرضت أكثر من 310 آلاف وحدة سكنية في قطاع غزة إلى تدمير كامل، إضافة إلى تدمير نحو 400 ألف منشأة بشكل جزئي، كما خرجت نحو 60 بالمئة من المستشفيات خارج نطاق الخدمة، جراء نقص الوقود والمياه والإمدادات الطبية الحيوية أو تعرضها للتدمير بسبب القصف.

ويواجه قطاع غزة معاناة شاقة تتمثل في إعادة البناء بعد انتهاء الحرب الضروس بين حماس وإسرائيل، إذ تشير التقديرات إلى أن التكلفة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.

وبشكل عام، يعاني قطاع غزة من أزمة سكن متفاقمة، في ظل تزايد الكثافة السكانية، وانخفاض عدد المساكن، حيث تبلغ الحاجة السنوية من المساكن لمقابلة الزيادة السكانية الطبيعية حوالي 14 ألف وحدة سكنية.

وتتفاقم أزمة السكن في ظل الأزمات التي تعصف بالقطاع، جراء الحصار الذي تفرضه قوات الجيش الإسرائيلي على غزة، لا سيما مع استمرار استهداف المساكن، والقيود المفروضة على إعادة الإعمار.

الحق في السكن

ووفق القانون الدولي، فإن الحصول على سكن لائق يعني ضمان الحيازة، بمنأىً عن الخوف من الإخلاء أو الحرمان من المنزل أو الأرض، كما يُقصد بذلك العيش في مكان يتوافق مع ثقافة الفرد، ويُمَكنه من الوصول إلى ما هو ملائم من خدمات ومدارس وفرص عمل.

وغالبا ما تترافق انتهاكات الحق في السكن مع الإفلات من العقاب، ومن أسباب ذلك أن السكن قلما يُعتبر، على المستوى المحلي، حقا أساسيا من حقوق الإنسان.

وجرى الاعتراف بالسكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وبحسب تقديرات المراقبون والخبراء، تصل تكلفة إعادة إعمار غزة المنكوبة ما يزيد على 50 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع زيادة هذه التكلفة مع استمرار العمليات العسكرية، لا سيما في ظل عدم وجود مؤشرات تبشر بقرب انتهاء الحرب.

وكشفت ورقة بحثية خلال المنتدى الاستراتيجي العربي 2024، المنعقد في دبي، أن التكاليف المباشرة للصراع بين إسرائيل وفلسطين تقدر بأكثر من تريليون دولار منذ بدء الصراع عام 1948، كما بلغت الخسائر الاقتصادية والاستثمارية غير المباشرة للصراع مبلغاً مماثلا خلال الفترة ذاتها.

وجرى تدمير البنية التحتية في قطاع غزة، والذي يبلغ طوله 41 كيلومتراً وعرضه 10 كيلومترات، كما تم تدمير البنية الخاصة بالكهرباء ومحطات تحلية المياه ومحطات الصرف، كذلك كثير من الشوارع والمساكن والمباني الحكومية.

ومع تزايد الحديث عن إعادة إعمار غزة، تواترت التوقعات بتحمل بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول خليجية على رأسها السعودية والإمارات، فاتورة عودة الحياة إلى القطاع المُدمر.

فاتورة باهظة 

غير أن عددا من المحللين والمسؤولين الأوروبيين استبعدوا تحمل الاتحاد الأوروبي هذه التكلفة الضخمة لإعادة الإعمار، لا سيما في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية واحتياج العاصمة كييف إلى مزيد من الأموال والمساعدات والإعانات.

ومنذ نحو 70 عاما، تواجه المنطقة العربية عددا من التحديات، لا سيما الاقتصادية والأمنية، إذ تتجاوز تكاليف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تقديرات الإنفاق على الدفاع والدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، والتي تصل إلى تريليون دولار أميركي بالأسعار الرسمية الفعلية وليست التقديرية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ثلثي سكان غزة -حتى الآن- أي حوالي مليون و300 ألف شخص، لن يكون لديهم منازل يعودون إليها بمجرد توقف العمليات العسكرية المدمرة للقطاع.

ويقول الخبراء إن تقديرات إعادة الإعمار للقطاع لا يمكن حصرها في المرحلة الراهنة، نظرا لاتساع وتواصل نطاق القصف الإسرائيلي، والذي تجاوز جميع الصراعات السابقة في غزة.

وخلال الفترات السابقة على الحرب التي اندلعت قبل 100 يوم، كانت جهود إعادة الإعمار في غزة يشوبها القصور والإخفاق رغم تعهدات الدول المانحة بتقديم المساعدات بمليارات الدولارات، وعزا المحللون أسباب ذلك إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على الواردات، وبالتالي فإن الحصول على المواد اللازمة لإعادة الإعمار في غزة أمر صعب ويستغرق وقتا طويلا.

وبحسب التقديرات الدولية، تشهد أسواق السكن والعقارات في جميع أنحاء العالم تغييرات فارقة، بسبب تقلبات أسواق رأس المال العالمية والإفراط في التمويل، كما تتبلور الظاهرة المعروفة بـ"أمولة السكن" عندما يعتبر السكن سلعةً، أي آلية لتكديس الثروات والاستثمار بدلاً من أن يشكل منفعة اجتماعية.

خطط الإعمار

بدوره، قال الخبير والمحلل الاقتصادي وعضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، الدكتور ثابت أبوالروس، إن تقديرات تكلفة إعادة الإعمار لقطاع غزة المدمر لا تزال غير واضحة، لأن الحرب لم تنته بعد حتى الآن، وبالتالي فإن أي تكلفة تعد تقديرية وليست حقيقة. 

وأوضح أبوالروس في تصريح لـ"جسور بوست" أن مساحة قطاع غزة تبلغ 375 كيلومترا، جرى تدمير ما يتراوح بين 75% و90%، وبالتالي فإن التكلفة الحقيقية لإعادة الإعمار تفوق هذه التقديرات بكثير.

وأضاف: "عادة ما كانت تتولى تكلفة إعادة الإعمار عدة دول مجتمعة، وذلك بالعمل على ثلاثة محاور، أولها قيام الدولة نفسها بإعادة بناء المدن وإعادة بناء وتعمير البنية التحتية، والثاني من خلال تمويل بعض المؤسسات الخارجية لبعض المنظمات الإنسانية العاملة في قطاع غزة، أما الثالث فيكون من خلال المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية التي تعمل من خلال مؤسسات السلطة الفلسطينية".

ومضى قائلا: "هناك ثلاث أو أربع تجارب سابقة لإعادة إعمار قطاع غزة، وجميعها كانت تشوبها أوجه القصور والإخفاق، وذلك جراء عدة أسباب أبرزها تعدد المرجعيات المسؤولة عن إعادة الإعمار، وعدم وضع أولويات الإعمار حيث عادة ما كانت تبدأ بالمباني والمنشآت دون الاهتمام بجاهزية البنية التحتية، إضافة إلى عدم توحيد صناديق إعادة الإعمار وعدم التنسيق بين الجهات المنوط بها أعمال الإعمار".

الدكتور ثابت أبوالروس

وتابع أبوالروس: "يجب أن يكون هناك خطة زمنية قصيرة المدى لإعادة الإعمار، بحيث تشمل تسكين أهالي غزة في مبان مؤقتة، وذلك لحين وضع خطط هيكلية متوسطة وطويلة المدى في مسألة إعادة الإعمار، على أن تكون تحت مظلة واحدة لتوحيد الجهود ودراسة الأولويات بصورة تكاملية".

ووفق دراسة أعدتها مؤسسة راند للبحوث والتحليل (أمريكية غير ربحية)، فإنه يمكن للتسوية الدائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن تؤدي إلى تحقيق مكاسب مالية بقيمة 219 مليار دولار، من خلال تطوير قطاعي السياحة والتمويل، وتعزيز التبادلات التجارية الثنائية، فضلا عن تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية واستقطابها بشكل أكبر.

وأشارت الدراسة إلى أن السلام بين الجانبين من شأنه أن يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي على نحو أسرع، ووصول الفوائد الاقتصادية إلى 1.5 تريليون دولار، بحسب أسعار 2023، خلال العشر سنوات المقبلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية