اللاجئون الجدد في معتقلات الداخل.. ضحايا خطاب الكراهية والسياسات الأمريكية المتشددة
اللاجئون الجدد في معتقلات الداخل.. ضحايا خطاب الكراهية والسياسات الأمريكية المتشددة
في مشهد يعكس تحولًا خطيرًا في طريقة تعاطي الإدارة الأمريكية مع قضية الهجرة، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبناء أكبر منشأة احتجاز اتحادية للمهاجرين في تاريخ الولايات المتحدة، داخل قاعدة عسكرية بولاية تكساس، ويمثل الإجراء الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع الأمريكية الخميس حلقة جديدة في سلسلة سياسات تنطوي على تشديد متصاعد ضد المهاجرين، وسط تنديدات واسعة من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، وخشية من أن تتحول هذه السياسات إلى نموذج تتبعه أنظمة أخرى حول العالم.
توظيف الجيش الأمريكي في معركة الهجرة
وفق تصريحات المتحدث باسم البنتاغون، كينغسلي ويلسون، فإن قاعدة "فورت بليس" العسكرية الواقعة في مدينة إل باسو بتكساس ستتحول إلى منشأة ضخمة لاحتجاز المهاجرين، ستضم خمسة آلاف سرير، ومن المتوقع أن تحتجز ألف شخص مع نهاية أغسطس الجاري، تمهيدًا لتوسعتها خلال الأشهر القادمة، هذه الخطوة تمثل استخدامًا غير مسبوق للموارد العسكرية لأغراض تنفيذية مدنية، وهي ترحيل المهاجرين.
وتشير تقارير إعلامية وحقوقية إلى أن هذا التوجه يعكس نية إدارة ترامب دمج الأمن القومي في قضية الهجرة، وربط المهاجرين غير النظاميين بالتهديدات الأمنية، ما يفتح الباب لتبرير إجراءات استثنائية تفتقر إلى المبررات القانونية والإنسانية.
منشآت احتجاز ضخمة على الأراضي العسكرية
رغم أن احتجاز المهاجرين في قواعد عسكرية ليس جديدًا في تاريخ الولايات المتحدة، فإن الطابع الكثيف والممنهج لما يجري الآن يثير مخاوف حقوقية، حتى في عهد الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، وافق البنتاغون على استخدام منشآت عسكرية لإيواء أطفال مهاجرين غير مصحوبين بذويهم، غير أن الفارق يكمن في النوايا والتوجهات، فبينما بررت إدارة بايدن تلك الخطوة بضرورة التعامل مع أزمة إنسانية طارئة، تمضي إدارة ترامب في تنفيذ خطة احتجاز جماعية تتسم بالقسوة.
كما تنشئ الإدارة الحالية منشأة جديدة في ولاية إنديانا بسعة ألف سرير، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة إنسانية حقيقية على حدودها الجنوبية.
عنصرية مقنّعة تحت غطاء القانون
تزامنًا مع ذلك، لجأت وزارة العدل الأمريكية إلى المحكمة العليا للطعن في قرار قاضية اتحادية بلوس أنجلوس، منعت بموجبه مسؤولي إنفاذ القانون من إيقاف أو اعتقال الأشخاص بناءً على مظهرهم أو لغتهم أو لهجتهم، ويمنع قرار القاضية احتجاز الأفراد فقط لأنهم يتحدثون الإسبانية أو لأن ملامحهم توحي بانتمائهم إلى أصول لاتينية، ما اعتبرته وزارة العدل قيدًا على فاعلية حملاتها الأمنية.
لكن في نظر منظمات حقوق الإنسان، يُعد هذا الإجراء دفاعًا عن التمييز العرقي المقنن، ويعيد إلى الأذهان ممارسات أُدينت بشدة في فترات سابقة من التاريخ الأمريكي، كعمليات الاعتقال الجماعي لليابانيين الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية.
انتقادات حقوقية وقلق أممي متزايد
وعبرت منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، بالإضافة إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، عن قلقها من أن السياسات الأمريكية الحالية تنتهك مبادئ القانون الدولي، لا سيما المادة 31 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تحظر معاقبة اللاجئين بسبب دخولهم غير القانوني إذا كانوا يفرون من الخطر.
كما اتهمت عدة منظمات الولايات المتحدة بخرق اتفاقية حقوق الطفل، نظرًا لاحتجاز الأطفال ضمن هذه المنشآت، وبعضهم في ظروف صحية ونفسية سيئة، وفي بيان شديد اللهجة، قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن "الولايات المتحدة تخاطر بتحويل سياساتها تجاه المهاجرين إلى آلة عقاب جماعي"، داعيةً إلى مراجعة عاجلة لهذه الإجراءات.
إحصاءات تعكس تصعيدًا غير مسبوق
تشير بيانات صادرة عن "مركز بيو للأبحاث" إلى أن عدد عمليات الترحيل زاد بنسبة 23 بالمئة خلال العام الأول من رئاسة ترامب مقارنة بالعام السابق له، كما أن هناك نحو 11 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة، يعاني كثير منهم من التهديد المستمر بالاعتقال والترحيل، حتى إن كانت إقامتهم طويلة الأمد أو لديهم أطفال أمريكيون.
وفي تقرير صدر عن منظمة "أمريكيون من أجل الحريات المدنية"، وُثقت حالات فصل أطفال عن ذويهم، واحتجاز نساء حوامل في ظروف قاسية، ومنع محامين من الوصول إلى المحتجزين، وهي ممارسات تخالف المبادئ الأساسية للدستور الأمريكي.
إرث سياسات الهجرة في الولايات المتحدة
قضية الهجرة ليست جديدة في المشهد السياسي الأمريكي، لكنها لطالما كانت ساحة صراع بين قيم الانفتاح والتعددية من جهة، وموجات التشدد القومي من جهة أخرى، وقد شهدت البلاد موجات طرد جماعي في مراحل مختلفة، أبرزها في الثلاثينات والخمسينات، لكن عهد ترامب يمثل منعطفًا أكثر حدة، حيث توظف فيها الآلة العسكرية والبنية الفيدرالية لتحقيق أجندة تقوم على "صفر تسامح"، وهي سياسة تُعرّف المهاجر غير النظامي باعتباره مجرمًا بشكل تلقائي.
أصوات معارضة داخل المجتمع الأمريكي
رغم الصمت النسبي للكونغرس، شهد الشارع الأمريكي حراكًا لافتًا، حيث نظّمت عدة ولايات ومدن "ملاذات آمنة" ترفض التعاون مع السلطات الفيدرالية في تنفيذ أوامر الترحيل، كما وقّع أكثر من 250 رئيس بلدية على بيانات تعارض الإجراءات الأخيرة، مؤكدين أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن تبني أمنها القومي على حساب إنسانية الأفراد".
مستقبل معلق
في ظل هذه التطورات، تزداد التساؤلات الحقوقية حول مستقبل المهاجرين في الولايات المتحدة. هل تتحول البلاد إلى نموذج عالمي في تجريم الهجرة؟ أم يعود المجتمع الأمريكي إلى تاريخه الطويل كملاذ للباحثين عن الأمان والفرص؟