رقصة الحياة.. رحلة تحسين إدارة الموارد المائية في سبيل النجاة والاستدامة

رقصة الحياة.. رحلة تحسين إدارة الموارد المائية في سبيل النجاة والاستدامة

في عيون الأرض ومن بطنها تنبت الثمار والحياة هزيلة، فالموارد المائية تنزف ببطء وتتراجع بصمت تحت وطأة الجفاف القاتل وانعدام المياه، تندفع البشرية نحو مستقبلٍ مجهول.

وهنا تظهر الحاجة الماسة لتحسين إدارة الموارد المائية، حيث يتعين تخفيض استنزاف المياه الجوفية وتعزيز الإدارة المستدامة للمياه العذبة والمحيطات. 

وتواجه البشرية تحديات هائلة تتعلق بالمياه، فالأرقام والبيانات تعكس واقعًا مريرًا يتسلل إلى حياتنا اليومية، فبحسب الإحصاءات الحديثة، يعاني أكثر من 2.2 مليار شخص حول العالم من نقص المياه النظيفة، هذا يعني أن أكثر من 1/3 من سكان العالم يعيشون في ظروف صحية غير ملائمة ويواجهون تحديًا يهدد حياتهم، إنها مأساة حقيقية تستدعي تدخلاً عاجلاً. 

ونبه قسم استدامة الموارد الطبيعية والشراكات والحد من مخاطر الكوارث بجامعة الدول العربية، إلى أن المنطقة العربية هي الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، حيث تقع 19 من بين 22 دولة عربية في نطاق شح المياه، وتعتمد 21 منها على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود. 

وتشير تقارير الهيئة الدولية لتغير المناخ إلى أن المنطقة العربية هي الأكثر تأثرًا بتغير المناخ في العالم، وأن التغيرات تحدث بوتيرة متسارعة. 

ويؤكد الخبراء أنه لن يزداد توافر المياه في المنطقة العربية من المصادر التقليدية،  ويتمثل الحل في استخدام الموارد المائية غير التقليدية في المنطقة العربية، مثل تحلية المياه واستخدام المياه العادمة ومياه الصرف الصحي والزراعي، والاستفادة الآمنة من المياه الجوفية والمياه القليلة الملوحة، بالإضافة إلى حصاد مياه الأمطار. 

وتستخدم العديد من البلدان المياه الجوفية بنسبة تفوق معدلات التجديد الطبيعية، مما يؤدي إلى استنزافها المفرط، مثل منطقة الشرق الأوسط، حيث يعتمد ما يقرب من 60٪ من إجمالي استهلاك المياه على الموارد الجوفية، بينما تعتبر نسبة التجديد الطبيعية للمياه في تلك المنطقة ضئيلة جدًا. 

وتتعرض البيئة البحرية لتهديدات خطيرة بسبب التلوث والاحتباس الحراري، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من 90٪ من التغيرات الحرارية الناتجة عن الاحتباس الحراري تتراكم في المحيطات. هذا يؤثر على توازن المحيطات والحياة البحرية، وبالتالي يهدد الأنظمة البيئية الهامة للكوكب.

وفي ظل تناقص الموارد المائية العذبة، تبرز الحاجة للتحول نحو إدارة مستدامة ومسؤولة للمياه واتخاذ إجراءات جادة، ويتطلب ذلك تعزيز جهود تحلية المياه المالحة وإعادة تدوير المياه المستخدمة، إضافة إلى تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة والصناعة. 

جسور بوست” تناقش الأزمة في ظل عام جديد والتحديات التي تواجهها والحلول المطروحة.

ما هي الموارد المائية - موضوع

نقص الموارد وخطورته على الحياة

قال الأكاديمي ورئيس قسم التغيرات المناخية بوزارة الزراعة المصرية، الدكتور محمد فهيم، إن الكوكب يواجه تحديات عدة من بينها ضعف الموارد المائية، ووجود مشاكل في الموارد المائية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الحياة بعدة طرق، فإذا كانت مناطق بعينها تعانى من نقص في المياه العذبة، فقد يكون من الصعب تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان فيما يتعلق بالشرب ومتطلبات النظافة الشخصية والصحة، ويمكن أن يؤدي هذا النقص إلى انتشار الأمراض وتدهور الأوضاع الصحية، والمياه العذبة ضرورية للزراعة وإنتاج الغذاء، وإذا كان هناك نقص في الموارد المائية فسيترتب على ذلك تأثير سلبي على القدرة على زراعة المحاصيل وتربية الماشية وقد يؤدي ذلك إلى نقص في إمدادات الغذاء وارتفاع أسعاره، وبالتالي يهدد الأمن الغذائي في المناطق المتضررة.

وأضاف “فهيم”، في تصريحات لـ"جسور بوست": المياه تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية، وإذا تعرضت الموارد المائية للتلوث أو النقص، فقد يتأثر النبات والحيوان والأحياء المائية والنظم البيئية بشكل سلبي، ويؤدي ذلك إلى انقراض الأنواع وتدهور المناظر الطبيعية وتعرض النظم البيئية للخطر، وقد يؤدي نقص المياه إلى تراجع الإنتاجية الزراعية وتراجع الصناعات التي تعتمد على المياه بشكل كبير مثل الطاقة والتصنيع، وقد تتسبب مشاكل المياه أيضًا في نزاعات وصراعات على الموارد وتهجير السكان. 

وأضاف: ومن أجل التصدي لهذه المشاكل يجب تبني ممارسات استدامة المياه وتحسين إدارة الموارد المائية وتعزيز الوعي بأهمية حفظ المياه وتوفيرها، وهناك العديد من الأساليب الفعالة التي يمكن اتباعها للتحكم في استهلاك المياه وتشجيع الممارسات المستدامة، فيمكن تحقيق التغيير عن طريق زيادة الوعي بأهمية ترشيد استهلاك المياه وتعزيز الممارسات المستدامة، وتوفير المعلومات والتثقيف للجمهور من خلال حملات التوعية العامة والتعليم في المدارس ووسائل الإعلام المختلفة، ويمثل الري الزراعي نسبة كبيرة من استهلاك المياه، وتحقيق توفير المياه من خلال استخدام تقنيات الري الفعالة مثل الري بالتنقيط والري الجزئي واستخدام أنظمة التحكم في الري المتقدمة لضبط كمية المياه المستخدمة وتوزيعها بشكل أكثر دقة. 

وزير الزراعة يجدد تكليف الدكتور محمد فهيم مستشارا للوزير

الدكتور محمد فهيم

وأتم: يجب تحسين البنية التحتية للمياه لتقليل فاقد المياه وتسربها، وذلك من خلال تحديث وصيانة شبكات المياه والحد من التسربات والتلوث، كما يمكن تطوير أنظمة تجميع وتخزين المياه المطرية للاستفادة منها في الري والاستخدامات الأخرى، ويمكن تبني سياسات تحفيزية مثل تقديم مكافآت مالية أو تخفيضات في الرسوم للأفراد والشركات التي تتبنى ممارسات حفظ المياه، كما يمكن فرض قيود على استخدام المياه غير الضرورية مثل الري الزائد للحدائق والأنشطة الترفيهية.

تنمية تكنولوجيا المياه

بدوره، علق الأكاديمي والخبير الزراعي، وعضو منظمة الفاو، الدكتور نادر نور الدين، قائلا إن تحسين إدارة الموارد المائية في المجتمعات المتضررة يتطلب اتخاذ إجراءات مستدامة ومتكاملة لتعزيز توفر المياه وتحسين الكفاءة في استخدامها ومن الضروري جدًا توفير المعلومات والتثقيف للمجتمعات المتضررة حول تقنيات الحفاظ على المياه وأفضل الممارسات في استخدامها، كذلك تحسين البنية التحتية للمياه لتعزيز إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة وتحسين إدارة الموارد المائية يشمل بناء وصيانة شبكات المياه والصرف الصحي والأنظمة الهيدروليكية والتحكم في التسربات والفاقد، ويمكن استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل أنظمة الري الذكية والمراقبة عن بُعد وتكنولوجيا تحلية المياه واستخلاص المياه من الهواء لتحسين الكفاءة وتوفير المياه.

وأضاف "نور الدين"، في تصريحات لـ"جسور بوست": الزراعة تستهلك كمية كبيرة من المياه، لذا يجب تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة في المجتمعات المتضررة، يشمل ذلك التقليل من استخدام المبيدات الزراعية التي يمكن أن تلوث المياه، من المهم أيضًا التعاون والشراكات بين الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والمجتمعات المحلية لتحسين إدارة المياه، ويمكن أن تسهم هذه الشراكات في توفير الموارد والمعرفة والدعم التقني مما يسهم في تحسين استدامة الموارد المائية وحياة المجتمعات المتضررة.

واستطرد: تكنولوجيا تحلية المياه تشير إلى استخدام عمليات وتقنيات مختلفة لإزالة الملوثات والملح والشوائب من المياه المالحة أو الملوثة لجعلها صالحة للاستخدام وتوفير مصادر مياه نظيفة ومأمونة للاستخدام المنزلي والصناعي والزراعي، وهناك عدة تقنيات شائعة لتحلية المياه، ومن بينها تحلية المياه بالتناضح العكسي والتبخير والتكثيف.

الدكتور نادر نور الدين

وأتم: وهكذا تستخدم تكنولوجيا تحلية المياه في المجتمعات المتضررة لتحسين إمدادات المياه وتوفير المياه النقية، وتنفيذ هذه التقنيات على مستوى صغير في المنازل أو المجتمعات الصغيرة باستخدام أنظمة تحلية المياه المحمولة، بالإضافة إلى ذلك يمكن استخدام نظم تحلية المياه على مستوى أكبر لتأمين إمدادات المياه للمدن والمناطق المتضررة. 

تحلية المياه المالحة

وعن تحلية المياه كحل، قال الخبير في المناخ الزراعي وموارد المياه، الدكتور أيمن حماده، إن ما يجب أخذه في الاعتبار أن تحلية المياه تحتاج إلى مصادر طاقة وموارد مالية وصيانة مستمرة للأنظمة، لذلك يجب أن يتم تقديم الدعم الفني والمالي والتدريب المناسب للمجتمعات المتضررة لضمان استخدام فعال ومستدام.

وأضاف "حمادة"، في تصريحات لـ"جسور بوست": في بعض المناطق، قد تكون مصادر المياه الجوفية ملوثة بالملوثات الطبيعية أو الناجمة عن الأنشطة البشرية، ولذا تستخدم تكنولوجيا تحلية المياه لمعالجة وتنقية المياه الجوفية وجعلها صالحة للشرب والاستخدام، ويُمكن استخدام تكنولوجيا تحلية المياه لمعالجة مياه الصرف الصحي وإزالة الملوثات منها، وتاليًا يمكن استخدام المياه المعالجة في الري أو الاستخدامات غير الشرب.

واستطرد: تنفيذ تكنولوجيا تحلية المياه في المجتمعات المتضررة يواجه عددًا من التحديات، ومن بين هذه التحديات أن تكنولوجيا تحلية المياه غالباً ما تكون مكلفة في التنفيذ والتشغيل، وقد يكون من الصعب على المجتمعات المتضررة تحمل التكاليف اللازمة لإقامة وصيانة أنظمة تحلية المياه، وخاصة في المناطق ذات الموارد المالية المحدودة، كما قد تواجه المجتمعات المتضررة صعوبة في توفير مصادر الطاقة المستدامة والموثوقة لتشغيل هذه الأنظمة، وقد يكون من الصعب توفير الكهرباء المستقرة في بعض المناطق النائية أو المنكوبة، أيضًا يحتاج تنفيذ وصيانة أنظمة تحلية المياه إلى الخبرة التقنية المتخصصة، كذلك الصيانة الدورية ورصد مستمر للتأكد من أن الأنظمة تعمل بكفاءة.

الدكتور أيمن حماده

وأتم: من التحديات أيضًا التوعية وقبول المجتمعات المتضررة للحلول، فقد يكون من الصعب على المجتمعات تغيير سلوكياتها وتبني تقنيات جديدة للحصول على المياه، وقد تكون هناك مخاوف أو مقاومة من قبل السكان، بجانب أن تكنولوجيا تحلية المياه غالبًا ما تكون مكلفة في مراحل التنفيذ والتشغيل. 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية