جدل في العراق بعد منع النساء من المشاركة في "ماراثون البصرة"

الحكومة المحلية ترى أنه جاء تماشياً مع "الأعراف العشائرية"

جدل في العراق بعد منع النساء من المشاركة في "ماراثون البصرة"

تسبب إلغاء مشاركة النساء في ماراثون البصرة جنوب العراق -الذي جرى تنظيمه أمس الأول الجمعة- في إثارة الجدل بين المناهضين لوجود النساء في هذا النشاط ومدافعين عن المساواة، في حين ترى حكومة البصرة المحلية أن منع النساء جاء تماشياً مع "الأعراف العشائرية".

وقالت حكومة البصرة، إن منع النساء من المشاركة في الماراثون "هو لاحترام كينونة المرأة ووضعها وشخصيتها، لهذا صدر توجيه من الحكومة المحلية بأن يكون الماراثون خاصاً بالرجال، وجرى الماراثون ونجح ولم يفشل"، وفقا لوكالة شفق نيوز.

أعراف عشائرية وتقاليد شرقية

وأوضح معاون محافظ البصرة، حسن النجار، أن "الحكومة المحلية والمجتمع البصري والإسلام أيضاً يشجع على الرياضة بشكل عام لا سيما (السباحة والرماية وركوب الخيل)، لكنّ هناك أعرافا عشائرية وتقاليد اجتماعية في البصرة وعموم العراق تختلف عن الدول الأخرى، وخاصة في ما يتعلق باحترام العادات والتقاليد المعنية بالمرأة".

ويشير إلى أنه "في البصرة الكثير من النوادي الخاصة بالنساء، سواء في كرة القدم أو التنس أو المصارعة وغيرها، كما هناك فرق لهن، وحتى لأصحاب الاحتياجات الخاصة، لكن داخل قاعات مغلقة".

وفي الموقف ذاته، تعد عضو مجلس محافظة البصرة، زهراء عبدالرضا السلمي، "الماراثون من الرياضات الغربية التي تنافي الطابع الشرقي للنساء، وما يتضمن من عادات وتقاليد يجب التمسك بها".

وتوضح السلمي أن "المرأة الشرقية تختلف عن نظيرتها الغربية من حيث العادات والتقاليد وعرف الشريعة الإسلامية، لذلك رفضنا مشاركة المرأة في هذا الماراثون لأنه يناقض أعرافنا وتقاليدنا، وحتى رجال الدين أعلنوا اعتراضهم لأنه ينافي العادات والتقاليد".

وتؤكد أن "أي رياضات وأي موضوع فيه تطور للبلد نحن ندعمه، ولكن يجب الرجوع أولاً إلى العادات والتقاليد والعرف الإسلامي المتبع في البلاد".

حكم ديني

وكان أستاذ الحوزة العلمية في النجف، رشيد الحسيني كتب في صفحته رداً على سؤال: ما حكم المشاركة بمهرجانات رياضية أو فنية مختلطة بين الشباب والبنات؟، قائلاً: "لا يجوز إذا كان منافياً للاحتشام والحجاب وكذا إذا كان مثيراً كما هو الغالب".

يُذكر أنّ العراق شهد في الأعوام الماضية منع مهرجانات وفعاليات عدّة بداعي مخالفتها تعاليم الدين أو الأعراف العشائرية، لا سيّما أنّ الجهات المعنية تستخدم لغة التهديد والوعيد.

وكان قد جاء في إعلان نشرته الجهة المنظمة لماراثون البصرة، "بناء على توجيهات محافظ البصرة العراقية محمد طاهر التميمي وحفاظاً على سلامة الجميع، سيكون ماراثون البصرة والذي سيقام الجمعة للذكور فقط"، وذلك بعد أن هدد رجال دين باتخاذ موقف آخر في حال عدم إلغاء مشاركة الإناث بـ"السرعة الممكنة".

وقال صالح الجيزاني، في بيان، ألقاه بالنيابة عن رجال دين ومواكب حسينية، إنه "بعد سماعنا بأن هناك ماراثوناً للنساء في البصرة وهذه طامة أخرى يراد إقامتها لجعل نساء البصرة تخرج من عفتها وشرفها إلى الابتلاء والسقوط في مكائد الفاسدين بحجج الرياضة والانفتاح المنحرف".

وطالب بـ"إلغاء هكذا مشروع وبالسرعة الممكنة وإلا سيرون منا موقفاً آخر". 

إثر ذلك، أصدر القائمون على الماراثون بياناً أكدوا فيه أن إدارة الماراثون "تلتزم وبشدة بالحفاظ على قيم ديننا الحنيف والأعراف الاجتماعية وتلزم بها المشاركين من شبابنا وعوائلنا البصرية الكريمة، ولا تقبل بأي تجاوز على تلك القيم والأعراف".

كما أكدوا أن ماراثون البصرة الرياضي يهدف إلى "تسليط الضوء على المدينة والسياحة فيها ويعد نشاطاً رياضياً يعزز اللياقة البدنية كذلك، ولن تسمح إدارة الماراثون بأي سلوك يخالف النظام والآداب العامة".

لكن إدارة المهرجان قررت لاحقاً أن تقتصر المشاركة على الذكور بناءً على توجيهات محافظ البصرة.

وترى جهات عراقية أنّ إلغاء مشاركة النساء في الماراثون المذكور يعّد مؤشّراً سيئاً على واقع الرياضة النسائية في العراق.

وفي هذا السياق، تقول رئيسة مؤسسة أميرة البصرة للثقافة والإعلام، أسماء الحسان، إن "ما حصل هو أن مجموعة من الناشطات والرياضيات رغبن بالخروج بماراثون، وهو حق لكل مواطن ومواطنة، ومن المؤكد خروجهن بلبس محتشم ومستور".

وتابعت، "لكن ما حصل يعد سلباً لحرية المرأة وحقوقها بإبعادها عن هكذا ممارسة، صحيح أننا في مجتمع شرقي ودولة عربية مسلمة، وتحمل تقاليد ومبادئ، لكن المرأة لن تقوم بشيء بل مجرد رياضة".

وأشارت إلى أن "هذه الحالة ليست الأولى في البصرة، فقد حصلت ضجة أيضاً على عرض للأزياء جرى تنظيمه في المحافظة قبل أيام، وهذا يدق جرس الخطر على المرأة في البصرة والعراق ككل"، داعية النساء والمنظمات المعنية بحقوق المرأة في البصرة إلى ضرورة "التعبير عن رأيها وحريتها وفكرها لمواجهة الطرف المقابل".

انتهاك حقوق المرأة

وهذا ما تذهب إليه أيضاً ناشطة من البصرة رفضت الكشف عن اسمها، حيث تؤكد أن "منع النساء من رياضة الماراثون يشير إلى أن البلاد تسير على خطى الدول التي تمنع المرأة من ممارسة هواياتها وعملها ونشاطاتها".

وتضيف "يلاحظ أن البصرة بدأت بالانغلاق على المرأة وتتعدى على حريتها"، منوّهة بأن "المحافظة ليست مقدسة، بل هي متعددة الثقافات والفنون والهوايات وتقام فيها بطولات رياضية، لذلك من المفترض أن يحصل فيها انفتاح أكثر وليس العكس".

وحذرت من أن "تقييد حرية النساء قد يؤثر على استقطاب الوفود الرياضية وخاصة النسوية إلى البصرة، بعد مشاهدة هذا المنع، وقد يؤثر على الجانب السياحي والاقتصادي للمحافظة في المستقبل".

يذكر أن للرياضة النسائية في العراق تاريخا طويلا يعود إلى السبعينيات والثمانينيات، وعلى الرغم من القيود العديدة التي لا تزال قائمة، فإن فرقاً نسائية عراقية ورياضيات عراقيات عاودن المشاركة في بطولات عربية في كرة القدم والملاكمة ورفع الأثقال والكرة الطائرة وقيادة الدراجات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية