"الإيكونوميست": هل ينجح سوبيانتو في حكم ثالث أكبر ديمقراطية في العالم؟

"الإيكونوميست": هل ينجح سوبيانتو في حكم ثالث أكبر ديمقراطية في العالم؟

للوهلة الأولى، لم يبدُ الأمر مثيرًا للقلق في المؤتمر الأمني الرائد في آسيا العام الماضي، الذي انعقد في سنغافورة، حين اقترح وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبيانتو خطة سلام لأوكرانيا، حيث دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح، على أن تنسحب كل من روسيا وأوكرانيا مسافة 15 كيلومتراً من مواقعهما الأمامية، وسترسل الأمم المتحدة قوات حفظ سلام وتنظم استفتاء لتحديد الدولة التي تملك الأراضي المتنازع عليها.

أشادت الصين، وهي مستثمر كبير في إندونيسيا في السنوات الأخيرة، برؤية سوبيانتو، ووصفها وزير الدفاع الأوكراني بأنها "خطة روسية غريبة".

ووفقا لمجلة "الإيكونوميست"، كان الجزء الأكثر غرابة في خطاب سوبيانتو أنه بدا وكأنه يشكل دعما مرتجلا لفلاديمير بوتين، بل كان ذلك يتناقض مع السياسة الرسمية لإندونيسيا، التي صوتت لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة.

يعد سوبيانتو المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها اليوم 14 فبراير، لم يتشاور مع الرئيس الحالي، جوكو ويدودو "جوكوي" ولا مع وزارة الخارجية الإندونيسية.. وبالنسبة لبعض الاستراتيجيين في آسيا، كان فورة غضبة بمثابة وعد بقيادة جديدة متقلبة في رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.

ويعد سجل الجنرال السابق مثير للقلق، حيث كان صهراً سابقاً لسوهارتو، الديكتاتور الذي أطيح به في عام 1998، وهو متهم بارتكاب فظائع خلال العقود التي قضاها في الجيش، بما في ذلك على رأس قواته الخاصة في إقليم تيمور الشرقية الإندونيسي السابق.. ويُزعم أيضاً أنه أمر باختطاف أكثر من 20 ناشطاً مؤيداً للديمقراطية في عام 1998، ولا يزال 13 منهم في عداد المفقودين، وهو ينفي ارتكاب أي مخالفات)، ومُنع في وقت من الأوقات من دخول أمريكا وأستراليا بسبب هذه الادعاءات.

بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام “جوكوي” ادعى سوبيانتو أن الأصوات قد سُرقت، وفي عام 2019، قُتل ثمانية أشخاص بعد أن حث أنصاره على الاحتجاج على نتيجة الانتخابات، وحاول أيضًا إلغاء الانتخاب المباشر لزعماء المنطقة وقال إن إندونيسيا بحاجة إلى زعيم استبدادي، وهذا يثير سؤالاً أكثر إثارة للقلق حول مستقبل إندونيسيا في ظل رئاسة سوبيانتو المحتملة، فهل تستمر ثالث أكبر ديمقراطية في العالم في صعودها الناجح على نطاق واسع كما شهدته فترة ما بعد سوهارتو، أم ستعود إلى الاستبداد؟

يدين سوبيانتو بمكانته القوية في السباق لدعم "جوكوي"، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، الابن الأكبر للرئيس، جبران راكابومينغ، هو نائب سوبيانتو، وهناك شائعات عن صفقة بين سوبيانتو و"جوكوي" من شأنها أن تسمح للرئيس المنتهية ولايته بممارسة النفوذ خلف الكواليس بعد انتهاء فترة ولايته في أكتوبر.

وتعتمد شعبية "جوكوي" جزئيا على سجله الاقتصادي القوي، فخلال العقد الذي قضاه في السلطة، أشرف على نمو سنوي بلغ 5%، وقام بتحرير الإصلاحات وانتهاج سياسة تأميم الموارد التي ساعدت في تطوير صناعة تعدين النيكل المسؤولة عما يقرب من نصف الإنتاج العالمي، وفي الوقت نفسه، عمل على إضعاف المؤسسات الديمقراطية الوليدة في إندونيسيا.

في أكتوبر الماضي، أصدرت المحكمة الدستورية في البلاد، التي يرأسها صهر "جوكوي"، حكمًا يجعل نجل الرئيس البالغ من العمر 36 عامًا استثناءً من القاعدة التي تمنع أي شخص يقل عمره عن 40 عامًا من الترشح للرئاسة، أو نائب الرئيس، ويُزعم أيضًا أن "جوكوي" قد استعان بلجنة مكافحة الفساد التي كانت مستقلة ذات يوم، وهو يواجه الآن انتقادات متزايدة بأنه يتدخل في الانتخابات.

وتتهم فرق الحملات المتنافسة وكالات الدولة بإلغاء مسيراتها بشكل تعسفي وترهيب منتقدي "جوكوي"، ويقول أكاديميون إندونيسيون بارزون إن الرئيس يظهر تجاهلًا للديمقراطية.

وإذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50% من الأصوات في 14 فبراير، فسيتم إجراء جولة إعادة في أواخر يونيو، وهذا من شأنه أن يسمح للأصوات المناهضة لـسوبيانتو بالتوحد، ما يقلل من فرصة الجنرال في الفوز.

ويعد المنافسان الرئيسيان لـسوبيانتو، أنيس باسويدان، وزير التعليم السابق وحاكم جاكرتا، وجانجار برانوو، الحاكم السابق لمقاطعة جاوة الوسطى، كلاهما أفضل تأهيلاً وأكثر كفاءة منه، لكن حملاتهما الباهتة فشلت في إقناع الكثيرين بأن رئاسة سوبيانتو، ستكون خطيرة.

ووفقاً لإجمالي استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها مجلة الإيكونوميست، حصل سوبيانتو، حالياً على نحو 53% من الأصوات، وحصل "باسويدان" الذي أقيل من حكومة "جوكوي"، على 20%، و"برانوو"، مرشح أكبر حزب سياسي في إندونيسيا، على 19%.

سياسة تيك توك

تميل الانتخابات الإندونيسية إلى أن يتم تحديدها حسب الشخصية، وليس السياسة، ومن المؤكد أن فريق سوبيانتو قام بتجديد صورته من خلال نشر مقاطع فيديو قصيرة للجنرال السابق وهو يرقص بشكل أبله على تطبيق تيك توك، الذي يضم عدد مشتركين في إندونيسيا أكبر من أي دولة باستثناء أمريكا، ساعدت مثل هذه الحيل في صرف انتباه الناخبين الشباب، الذين يفضلون في الغالب سوبيانتو، عن ماضيه البغيض، فيما يعتبر الكثيرون سجله العسكري ميزة إضافية، حيث تشير الدراسات الاستقصائية إلى أن الجيش الإندونيسي هو المؤسسة العامة الأكثر ثقة.

ومن غير الواضح ما الذي سيفعله “سوبيانتو” بالسلطة التي سعى إليها منذ فترة طويلة، وقد تعهد بالحفاظ على تدابير "جوكوي"، بما في ذلك السياسة الصناعية التي تركز على النيكل وخطة لنقل العاصمة من جاكرتا إلى موقع في غابات بورنيو، لكن نظراً لمزاجه المتفجر وسلوكه غير المنتظم، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن سوبيانتو، سوف يذعن لـ"جوكوي" إذا تم انتخابه.

يقول سوبيانتو، إن النمو برقم مزدوج أمر ممكن، ويقول فريقه إنه يهدف إلى تحقيق نمو سنوي بنسبة 6% إلى 7%، من أجل منع وقوع إندونيسيا في فخ الدخل المتوسط، ومع ذلك، لم يَنمُ اقتصادها بنسبة 7% منذ عام 1996، قبل الأزمة المالية الآسيوية.

وقدم “سوبيانتو” القليل من التفاصيل حول كيفية جعلها تنمو بشكل أسرع، وخطبه المليئة بالقومية النارية؛ "البعض يريد منا أن نبيع المواد الخام للأجانب بأسعار رخيصة.. أقول: كل ثرواتنا يجب أن تخضع للمعالجة النهائية المحلية".

ويقول “سوبيانتو” أيضًا إنه يريد تقليل اعتماد إندونيسيا على الأغذية المستوردة، وبصفته وزيراً للدفاع، أشرف على تدمير آلاف الأفدنة من الغابات في محاولة فاشلة لتعزيز إنتاج الأرز، ويقول إنه سيقدم الحليب والغداء مجاناً لجميع تلاميذ المدارس الإندونيسية للحد من سوء التغذية الذي يصيب واحداً من كل خمسة. سيتكلف هذا البرنامج حوالي 83 مليون دولار يوميا، وفقا لتقديرات المتحدث باسم سوبيانتو، برهان الدين عبدالله، المحافظ السابق للبنك المركزي الإندونيسي. 

ويجادل منافسو سوبيانتو بأن سياسات الحد من التقزم يجب أن تستهدف الأمهات الحوامل والأطفال حديثي الولادة، وليس الأطفال في سن المدرسة.

ولم يقل أي مرشح أي شيء ذي أهمية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، باستثناء محاولة جذب الناخبين الإندونيسيين الذين يبلغ عددهم تسعة ملايين والذين يعملون في الخارج، والعديد منهم كخادمات ومربيات وعمال في مواقع البناء.

وشهدت الانتخابات بعض الإيجابيات، حيث شاهد نحو 100 مليون شخص خمس مناظرات تلفزيونية للمرشحين، ومن المتوقع أن يكون فرز الأصوات ذا مصداقية، وفي جميع أنحاء أكبر أرخبيل في العالم، يبدو أن الناخبين يعتزون بحقهم في التصويت.

في أحد الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، سافر عشرات الآلاف، أحيانًا لساعات، سيرًا على الأقدام، على دراجة نارية أو شاحنة لإلقاء نظرة على أحد المرشحين وهو يحشد الدعم في جزيرة مادورا في شرق جاوة، عقد أكثر من 20 منتدى مفتوحًا في جميع أنحاء إندونيسيا، يُعرف باسم "تحدي أنيس"، حيث تتم دعوة الناخبين لتوجيه أسئلة مرتجلة إليه.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية