أزمة أوكرانيا وحرب "الرجل الأبيض"

أزمة أوكرانيا وحرب "الرجل الأبيض"

خلال الفترة الأخيرة، ركَّزت وسائل الإعلام العالمية بشكل كبير، على الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تبارت في وصف حكايات الأوكرانيين البؤساء، الذين باتوا تحت رحمة الآلة العسكرية الروسية الجبارة، و امتلأت الأخبار التي نقلها المراسلون والصحفيون بالألم والمعاناة، وهم يصفون تفاصيل الحرب وآثارها المروعة.

وفي منطقتنا العربية، اندهش الكثيرون بسبب المشاعر الجياشة التي أظهرها القادة السياسيون الغربيون ووسائل إعلامهم تجاه الصراع الدائر، خاصة أننا قد شهدنا حروبًا في منطقتنا شاركت فيها أطراف أخرى، ولم تحدث أبدا أي استجابة إنسانية مشابهة لما نراه اليوم تجاه تلك الحرب، فقد كانوا دوما ينظرون إلى حروبنا، على أنها نزاعات يتصارع فيها أناس أصحاب بشرة سمراء، يحتاجون إلى تدخل الغرب من أجل تقويمهم، بل وصفوا صراعاتنا بأنها "نزاعات العالم الثالث"، وقد لقي ملايين الأبرياء مصرعهم في منطقتنا، و أصيب آخرون بسبب القصف الأمريكي للعراق وتطبيق عقيدة "الصدمة والرعب"، تماما كما هو الحال في ليبيا وسوريا وفلسطين وأفغانستان وميانمار وفي أماكن أخرى.

 ولا نستطيع نسيان الآلاف الذين لقو حتفهم غرقا، خلال هروبهم من أفريقيا عبر البحر، وغير ذلك من النقاط والوقائع الساخنة في "العالم الثالث"، ولكن مهلا، يبدو أن هؤلاء الضحايا كانوا مجرد مواطنين "غير متحضرين" يعيشون في العالم الثالث، ولا يستحقون أن يتكبد المرء أي عناء لإظهار حقيقة مشاعره تجاههم، أو يشفق على الأرواح التي فقدت بسبب تلك الحروب، لكن هذا الصراع الروسي الأوكراني يبدو مختلفا، لأن من يتعرضون للهجوم هم من ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الزرقاء، ومن الواضح أن وسائل الإعلام الغربية، قد وصفت المآسي الشخصية التي تحدث لهم بتفاصيلها الدقيقة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، كما يبدو أن الساسة والصحفيين قد اتفقوا جميعًا على التعبير عن تعاطفهم وتحالفهم مع أوكرانيا بطريقة لم نشهدها في الآونة الأخيرة.

 جميع الحروب مأساوية

صحيح أن جميع الحروب مأساوية، لكن الحرب الروسية الأوكرانية تم نقل أحداثها وتغطية فعالياتها بطرقة لاقت ردود فعل ساخرة، وسعيا وراء تكوين فكرة عن رد فعل الشارع السعودي، سألت بعض الناس هناك عن آرائهم حيث قال خميس، وهو تاجر، إنه يشعر بالأسى، فقد كان يقضي أجازة الصيف الماضي مع عائلته في أوكرانيا، وأذهله جمال بعض مدنها. وأضاف أنه استمتع هو وعائلته بوقتهم هناك، وعندما سمعوا عن الدمار الذي يحدث فيها الآن تمنوا السلام للأوكرانيين.

 أما عرفان، وهو رجل أعمال، فقد تحدث بطريقة  أكثر وضوحا، وألقى باللائمة على الغرب في سياساته التي أثارت حفيظة الروس وأقلقتهم، كما أدت إلى تفجر الصراع.

 وأضاف: "عليك أن تعود إلى التاريخ قبل عقود لكي تفهم أنه كان هناك نوع من اتفاق الشرف الذي لم يلتزم به الغرب، ففي عام 1962، وبناءً على طلب الرئيس الكوبي الراحل، فيدل كاسترو، أرسل الاتحاد السوفيتي بعض الصواريخ ليتم نصبها على الأراضي الكوبية، ومع قُرب كوبا الجغرافي من الولايات المتحدة، هدد الرئيس الأمريكي آنذاك جون  كينيدي، الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، طالبا منه سحب الصواريخ، أو المخاطرة بتدميرها، هي والسفن التي تحملها، وهو عمل كان من الممكن أن يؤدي إلى نشوب حرب نووية تقضي على العالم.

ولذا اتخذ خروتشوف قرارا بسحب الصواريخ، مقابل أن يسحب الغرب صواريخه الموجودة في شرق تركيا القريبة من الحدود السوفيتية، وتمت تسوية الأمر بهدوء، حتى حدثت مضايقات من الغرب تجاه روسيا مؤخرا، ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للرد بطريقة اعتبرها ضرورية لأمن روسيا.

 أما سمير، وهو أستاذ في التاريخ، فيرى أنه في الأيام الأخيرة للاتحاد السوفيتي، كان هناك إتفاق غير مكتوب بين الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الأمريكي رونالد ريغان، على أنه لن يكون هناك أي نوع من التجاوز، أو التمدد، من جانب حلف شمال الأطلسي "الناتو" باتجاه الجمهوريات السوفيتية السابقة، بعد حل الاتحاد السوفيتي، ومرة أخرى، ذهب هذا الاتفاق أدراج الرياح، ما تسبب في توتر الروس أكثر من أي وقت مضى.

 طبيعة تغطية الحرب 

 واندهش جعفر، وهو رجل أعمال متقاعد من طبيعة تغطية هذا الصراع، وتساءل: أين كانت جميع وسائل الإعلام عندما كان الغرب يقصف إخواننا وأخواتنا؟ وأين كانوا عندما تم استهداف النساء والأطفال وقتلهم بلا رحمة؟ هل حدث ذلك لأن الضحايا كانوا من ذوي البشرة السمراء والقتلة من ذوي البشرة البيضاء؟ ومن تحدث نيابة عن الضحايا، أو حكى عن معاناتهم الإنسانية؟ وتابع إنه لم يشهد مثل هذا النفاق من قبل، في الوقت الذي أبدى فيه شعوره بالأسف تجاه جميع الضحايا في الصراع الحالي، وقال:"لا يمكنني أبدًا أن أنسى معاناة شعبنا التي لم يرويها أحد".

 وشعرت مها، وهي معلمة، بالاشمئزاز من المحاولات الرسمية الأوكرانية لمنع الأفارقة والهنود من الفرار من مناطق الحرب، ومنح الأولوية للأوكرانيين البيض، وقالت "أين ردود الأفعال الغاضبة، في مثل هذه المواقف، عندما يتم معاملة البشر كدرجة ثانية بسبب لونهم؟ وأين موقف الإعلام عندما تحدث مثل هذه الأشياء؟ إنها حرب الرجل الأبيض".

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب ومعلق سياسي واجتماعي سعودي، يعيش في جدة بالمملكة العربية السعودية.

 

ترجمة محمد البيلاسي.. نقلا عن جلف نيوز

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية