المياه في المنطقة العربية.. شح يضر بحقوق الإنسان واستنفار حكومي وحروب محتملة
المياه في المنطقة العربية.. شح يضر بحقوق الإنسان واستنفار حكومي وحروب محتملة
المياه في المنطقة العربية.. شحٌ يضر بحقوق الإنسان واستنفارٌ حكومي وحروبٌ محتملة
الدول العربية لا تحصل إلّا على نحو 0.6% من مياه العالم المتجددة سنويّاً
50 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى مياه الشرب الأساسية
متخصص في التنمية والتصرف في الموارد: البلاد العربية فقيرة مائيّاً ولا تتوفر إلا على 1% من مياه الجريان ونحو 2% من إجمالي التساقطات المطرية
خبير ومستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية: هناك علاقة وطيدة بين شح المياه والتمتع بحقوق الإنسان
أستاذ للجغرافيا الطبيعية: الحروب المستقبلية هي حروب التمكن في مجال الموارد الطبيعية
سامي جولال
أصبح شح المياه يمثل أزمة حقيقية لجميع الدول العربية، التي تعتبر فقيرة مائيّاً، إذ يعيش 390 مليون شخص في المنطقة، أي نحو 90% من إجمالي عدد السكان، في بلدان تعاني من ندرة المياه، ما يؤثر بشكل سلبي على عدد كبير من حقوق الإنسان، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحق في الماء، وتدهورها وعدم التمتع بها نتيجة حتمية لشحه أو غيابه، في الوقت الذي تعيش فيه الحكومات العربية حالة استنفار، واتجهت إلى القيام بمجموعة من الإجراءات والتحركات، من أجل استهلاك كميات المياه المتوفرة بشكل سليم والحفاظ عليها، وخلق مصادر جديدة للمياه، للاستجابة للحاجيات الحالية والمستقبلية، بينما تشهد العلاقات بين عدد من الدول العربية وجاراتها غير العربية توتراً حادّاً، بسبب المياه المشتركة العابرة للحدود، ما ينذر باندلاع حروب عسكرية مستقبلية بينها.
"جسور بوست" تسلط الضوء على مختلف جوانب وتفاصيل هذه الأزمة؛ وضع الموارد المائية في الدول العربية، وأسباب تناقص كميات المياه، ونصيب الفرد السنوي منها، والتحركات التي تقوم بها الحكومات العربية للتعامل مع هذه الأزمة، وتأثير شح المياه على حقوق الإنسان، والحروب المستقبلية المحتملة بين الدول والشعوب بسبب هذه المادة الحيوية.
المنطقة العربية.. أعلى نسبة ندرة مياه في العالم
تعتبر المنطقة العربية، بحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023، الذي نشره صندوق النقد العربي في الثاني من فبراير الجاري، من أكثر مناطق العالم شحّاً في المياه.
الدول العربية، التي تحتل نحو 9% من مساحة اليابسة، ويسكنها نحو 5.6% من سكان العالم، لا تحصل -وفق ما جاء في التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023، الذي اطلعت عليه "جسور بوست"- إلا على نحو 0.6% من مياه العالم المتجددة سنويّاً، فيما تعد 8 دول عربية من بين أفقر 10 دول في العالم من حيث حصة الفرد من المياه المتجددة، التي تقل فيها حصة الفرد عن 500 متر مكعب في السنة، وهي: الأردن، والبحرين، والكويت، وليبيا، وقطر، والسعودية، والإمارات، واليمن.
ويبلغ متوسط حجم المياه المتجددة، التي تحصل عليها الدول العربية سنويّاً، نحو 260 مليار متر مكعب، منها نحو 129 مليار متر مكعب تتدفق من خارج المنطقة عبر الأنهار والخزانات الجوفية المشتركة، في حين تأتي نحو 91 مليار متر مكعب من الأنهار الداخلية المنشأ، بينما نحو 40 مليار متر مكعب مصدرها المياه الجوفية المتجددة، بحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023، الذي أورد أن معدل حصة الفرد في الدول العربية لا يتجاوز 580 متراً مكعباً في السنة.
وتزيد نسبة المياه المستخدمة من المياه المتجددة سنويّاًعلى النسبة الآمنة المحددة بنحو 50% في 15 دولة من الدول العربية، منها 4 دول تستخدم ما يتراوح بين 50 و100% من مياهها المتجددة سنويّاً، وهي الجزائر، والعراق، والسودان، وتونس، وتتراوح النسبة بين 100 و200% في 4 دول عربية، وهي مصر، وسوريا، والأردن، وعمان، فيما تتجاوز النسبة 200% في 7 دول، وهي السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين، واليمن، وليبيا، أما الدول السبع، التي لا تزال نسبة استخدامها من المياه المتجددة سنويّاً في حدود نسبة الاستخدام الآمن، فهي لبنان، وفلسطين، وجيبوتي، والصومال، والمغرب، وموريتانيا، وجزر القمر، بحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023.
وخلال فعالية تحت عنوان "الالتزام المشترك للمنطقة العربية لتسريع تحقيق الأمن المائي"، نظمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، بالتعاون مع جامعة الدول العربية، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في نيويورك، في مارس 2023، أكدت الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، رولا عبدالله دشتي، أن نحو 50 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى مياه الشرب الأساسية، وأن 390 مليون شخص في المنطقة، أي نحو 90% من إجمالي عدد السكان، يعيشون في بلدان تعاني من ندرة المياه.
وقالت دشتي، في الفعالية التي شارك فيها عدد من الوزراء والمسؤولين والخبراء العرب، إن المنطقة العربية ليست على المسار الصحيح في ما يخص تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030.
وتعد المنطقة العربية الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، بحسب ما أفادت رئيسة قسم استدامة الموارد الطبيعية والشراكات والحد من مخاطر الكوارث بجامعة الدول العربية، السفيرة شهيرة وهبي، في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، موضحة أن 19 من بين 22 دولة عربية تقع في نطاق شح المياه، وأن 21 من بين 22 دولة عربية تحصل على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود.
وكشف تقرير لمعهد الموارد العالمية أن 25 دولة من دول العالم، يسكنها نحو 25% من سكان الكوكب، تعاني من نقص في الموارد المائية، وأن نحو 4 مليارات شخص، أي نصف سكان الكرة الأرضية، يعانون المشكلة نفسها لشهر واحد على الأقل على مدار السنة.
وأورد التقرير، الذي صدر في أغسطس 2023 أن البحرين، وقبرص، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، هي الدول الخمس الأكثر معاناة من قلة الموارد المائية، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسجل أعلى معدل استنفاد للمياه في العالم، وأنها الأكثر تأثراً، إذ قد يتعرض 83% من سكانها للنقص الحاد في الموارد المائية، تليها منطقة جنوب آسيا، التي قد يتعرض 74% من سكانها للأزمة نفسها.
وتعليقاً على وضعية الموارد المائية في الدول العربية، قال المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، حسين الرحيلي، في حديث مع"جسور بوست"، إن "البلاد العربية تعتبر فقيرة من المياه، وأنها رغم قلة مساحتها، لا تتوفر إلا على 1% من مياه الجريان، ونحو 2% من إجمالي التساقطات المطرية، الشيء الذي يؤثر بشكل مباشر على كمية المياه المتوفرة للفرد الواحد، والتي تقل عن 500 متر مكعب في السنة، وهو ما يجعل جلّ المواطنين العرب في الوطن العربي يعيشون تحت سقف الفقر المائي، إن لم نقل الشح المائي، باعتبار أن 19 دولة يعيش الفرد فيها بأقل من 900 متر مكعب في السنة، وبينها 14 دولة تعيش شحّاً مائيّاً.
ويبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه فيها أقل من 400 متر مكعب، وهذا لا يعني -بحسب الرحيلي- أن كمية المياه المتوفرة لا تكفي، بل إن هناك هدراً لنصف تلك المياه"، موضحاً أن "الموارد المائية العربية تتجاوز 340 مليار متر مكعب سنويّاً، لكن 50% منها يهدر لعدة أسباب، منها غياب الثقافة المائية، والاستغلال المجحف للمياه في الزراعة بدون حوكمة، وبدون استعمال التقنيات النظيفة، وأن هذا الهدر سيجعل الأمور أكثر صعوبة في المستقبل، خاصة أن التحولات المناخية ما زالت تتعمق، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام".
حسين الرحيلي
من جانبه، أفاد الخبير والمستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، سعيد شكري، في حديث مع "جسور بوست"، بأن "وضعية الموارد المائية في الدول العربية تختلف من دولة إلى أخرى، وأنه إذا كانت أغلبية الدول تعاني من شح المياه ونقص الموارد المائية، فإن بعض الدول لها ما يكفي من هذه الموارد، لكن المشترك هو أن كل الدول العربية تعيش نقصاً في المياه، بسبب عوامل متشابهة"، متابعاً أنه "صحيح أن الجفاف، والتصحر، والتغيرات المناخية، باعتبارها عوامل طبيعية، أصبحت اليوم ظاهرة، لكن هناك عوامل أخرى بشرية، منها النمو السكاني، والاستعمالات المفرطة، خاصة في ميدان الزراعة، وأن الدول العربية تعد من بين أكثر الدول استهلاكاً للماء، وأن الزراعة فيها تستهلك أكثر من 80% من الموارد المائية، وبالتالي أصبحت جميع الدول العربية مضطرة اليوم لإيجاد بدائل، خاصة ما يسمى بمصادر المياه غير الاعتيادية"، مردفاً أن "75% تقريباً من عمليات تحلية المياه حول العالم توجد في الدول العربية، وأن الوضعية المائية، سواء الحالية أو المستقبلية، هي وضعية مقلقة، لا سيما أن 50% من مصادر المياه ستكون قليلة جدّاً في أفق 2050، وبالتالي فإن الدول العربية تحتاج إلى اتخاذ إجراءات فعالة، لإدارة هذه الموارد المائية بشكل مستدام، وأيضاً العمل على تطوير بعض الاستراتيجيات، لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية".
ومن جهته، أبرز أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة ابن زهر بأكادير (المغرب)، والمتخصص في تدبير الموارد المائية والتنمية الترابية، الدكتور علي دادون، أن "المنطقة العربية بشكل عام تعيش منذ زمن وضعاً مائيّاً غير مريح، وأن موقع هذه المنطقة من حيث خطوط العرض والطول، يجعلها في وضع طبيعي لا يؤهلها لأن تكون لديها موارد مائية مهمة جدّاً، وأنه يمكن الاستدلال في هذا الجانب مثلاً بعدم وجود أنهار كبرى في الوطن العربي، وأن تقريبا 80% من مساحة الدول العربية هي مناطق صحراوية، ما يجعلها لا تعيش وضع الوفرة في الموارد المائية، وتصنف من بين أفقر دول العالم على هذا المستوى، بسبب الكمية المائية المتواضعة"، مردفاً أن "الوطن العربي لا يتوفر، بحسب مجموعة من المنصات الإحصائية، سوى على 340 مليار متر مكعب من المياه، منها موارد سطحية وأخرى باطنية، وهو ما يجعل نصيب الفرد من المياه في المنطقة العربية متواضعاً، ويتقلص مع مرور الزمن، إذ لا يتجاوز حاليّاً-بحسب دادون- 800 متر مكعب في السنة، وسيعرف تناقصاً مستقبلاً، بفعل تظافر مجموعة من العوامل، ومن المتوقع أن يصل في المتوسط إلى حدود 650 متراً مكعباً في السنة بحلول سنة 2025، وهو تراجع مهم مقارنة مع نصيب الفرد المسجل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كان يتجاوز 3000 متر مكعب في السنة".
أسباب الوضع الحالي
وعاماً بعد عام، تتفاقم مشكلة شح المياه في الدول العربية، وهو ما أكده التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023، وأرجع أسبابه إلى النمو السكاني من جهة، والنمو الحضري من جهة أخرى وما يصاحبه من تغير في أنماط العيش والغذاء، بالإضافة إلى تأثيرات التغير المناخي على درجات الحرارة وانتظام الأمطار، كما أفاد (التقرير) بأنه بمعدل نمو سكاني يبلغ نحو 2% في السنة، يقدر أن تهبط حصة الفرد من المياه إلى نحو 390 متراً مكعباً في السنة بحلول عام 2050.
وبالنسبة لأسباب تناقص كميات المياه المتوفرة في الدول العربية، ونصيب الفرد السنوي من المياه، والأطراف التي تتحمل مسؤولية ذلك، تحدث المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، حسين الرحيلي، عن الحرب المائية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، مبرزاً أن "سوريا، والعراق، ولبنان، ومصر، تعاني من هذه الحرب، من خلال ما تفعله تركيا على نهري دجلة والفرات من بناء سدود عملاقة، تؤثر بشكل واضح على إمدادات النهرين بمنطقتي سوريا والعراق، إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى قطع الموارد المائية المتاحة بالنسبة إلى لبنان، إضافة إلى قضية مصر وسد النهضة، التي قال إنها يمكن أن تتحول من حرب الحوار إلى حروب ميدانية بالسلاح، والتحولات المناخية، التي أوضح أنها ما زالت تفعل فعلها في ما يتعلق بتراجع التساقطات، التي لا يصل الوطن العربي منها، وفق الرحيلي، إلا 2% (من مجمل التساقطات العالمية)"، متابعاً أن "تأثر الأوضاع المناخية، خاصة بفعل الاحتباس الحراري، وفي ظل ظاهرة الجفاف، التي تضرب بقوة خلال الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة، خاصة في منطقة شمال إفريقيا، وفي اليمن، ومصر، والعراق، سيتسبب مستقبلاً، في حدود سنة 2035، في مزيد من التراجع على مستوى كمية المياه المتوفرة لكل مواطن، وسيؤثر بشكل واضح على الزراعات والإنتاج الزراعي، وبالتالي على الأمن الغذائي العربي".
وفي هذا الجانب، أكد الخبير والمستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، سعيد شكري، أن "هناك عدة أسباب، من بينها عامل التغيرات المناخية، لأن الموقع الاستراتيجي للدول العربية، سواء في الشرق الأوسط أو في شمال إفريقيا، يجعلها من المناطق الساخنة فيما يخص التغيرات المناخية، ما يجعل عامل المناخ أساسيّاً، ولكن لا يجب أن ننسىأن هناك أيضاً محدودية المصادر، لأن بعض الدول لديها مصادر مياه محدودة جدّاً، خاصة مثلاً اليمن أو الأردن، التي تصنف من بين أقل الدول من حيث نسبة الفرد من المياه، إذ لا تتجاوز تقريباً 200 متر مكعب في السنة، وهذا نصيب ضعيف جدّاً"، وفق شكري، الذي أوضح أنه "تقريباً ما بين 12 و14% من الدول العربية تعاني من شح المياه، بسبب بعض الصراعات، وأن النمو السكاني يعد أيضاً سبباً في تناقص كميات المياه المتوفرة في الدول العربية، ونصيب الفرد السنوي من المياه، وكذلك الاستعمال غير المعقلن لبعض الموارد، خاصة في المجال الزراعي، وأيضاً في المجال الصناعي".
سعيد شكري
وأوضح أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة ابن زهر بأكادير (المغرب)، والمتخصص في تدبير الموارد المائية والتنمية الترابية، الدكتور علي دادون، أن "هناك أسباباً كثيرة جدّاً، بينها أسباب طبيعية تتمثل في موقع الوطن العربي من حيث خطوط الطول والعرض، إذ إن 80% تقريباً من مساحته منطقة صحراوية، ما يتسبب في قلة التساقطات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة، التي ينتج عنها ارتفاع حدة التبخر، وغيرها من الأمور الأخرى، كما أن هناكالتحولات المناخية، التي يعيشها العالم الآن، ويعيش الوطن العربي بدوره تجلياتها بشكل كبير، بسبب الخصوصية الطبيعية، ما يجعل حجم التأثر مهمّاً جدّاً"، كما تحدث دادون عن أسباب بشرية متعلقة بالنمو الديمغرافي الكبير وعدد السكان المتزايد، ما ينقص من نصيب الفرد السنوي من المياه، وأيضاً السياسات الرسمية، التي كانت في مجملها، بحسب دادون، تتعامل مع كثير من البلدان العربية على أنها تعيش الوفرة المائية، مستدلاً بالقطاع الفلاحي، الذي قال إن برامجنا فيه مستهلكة للمياه، موضحاً أن "مسؤولية الوضع الحالي يتحملها الجميع، المواطنون والسياسات الرسمية، التي تقترح أنشطة لا تحترم الخصوصيات، في مجالات من بينها، الفلاحة، والصناعة، وغيرهما".
استنفار عربي
أدى شح المياه إلى حالة استنفار لدى الحكومات العربية، التي اتجهت، خلال السنوات الأخيرة، إلى القيام بمجموعة من الإجراءات والتحركات، من أجل استهلاك كميات المياه المتوفرة بشكل سليم والحفاظ عليها، وخلق مصادر جديدة للمياه، للاستجابة للحاجيات الحالية والمستقبلية، إذ ضخت استثمارات كبيرة في مجال تخزين المياه باستخدام السدود، وخلق مصادر غير تقليدية للمياه، من بينها تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير واستخدام المياه العادمة، واللجوء إلى طرق ري أقل استهلاكاً للمياه، من ضمنها تقنية الري بالتقطير بدل الغمر، وكذلك زيادة واردات ما يعرف بـ"المياه الافتراضية" من خارج المنطقة، التي تتمثل في استيراد الحبوب وغيرها من المنتجات، التي تتطلب زراعتها وإنتاجها كميات كبيرة من المياه، إلى جانب إقرار إجراءات تقشفية، من بينها قطع المياه عن المنازل خلال ساعات معينة في اليوم، وإلزام الحمامات التقليدية ومحلات غسل السيارات بالإغلاق خلال أيام معينة من الأسبوع، واعتماد شرطة للمياه لمراقبة الاستهلاك، وغيرها من الإجراءات الأخرى، التي تختلف من دولة عربية إلى أخرى.
وفي هذا السياق، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة، الخميس 29 فبراير "مبادرة محمد بن زايد للماء"، لمواجهة التحدي العالمي العاجل المتمثل في ندرة الماء.
وتهدف المبادرة إلى تعزيز الوعي بأهمية أزمة ندرة المياه وخطورتها على المستوى الدولي، بجانب تسريع تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة لمعالجتها، إضافة إلى اختبار فاعلية هذه الحلول لمواجهة هذا التحدي العالمي المتفاقم.
كما تستهدف المبادرة تعزيز التعاون مع الشركاء والأطراف المعنية في العالم، لتسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي للتعامل مع ندرة المياه وتوسيع نطاق التعاون الدولي، والسعي إلى زيادة الاستثمارات الهادفة إلى التغلب على هذا التحدي، لما فيه خير الأجيال الحالية والمستقبلية.
وأوضح تقرير للبنك الدولي، صدر في أبريل 2023، تحت عنوان "اقتصادات شح المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا-حلول مؤسساتية"، أنه مقارنة بالاستثمارات في مجال تخزين المياه عبر السدود وفي المياه الجوفية، فإن تكاليف الاستثمار في مصادر المياه غير التقليدية، مثل تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير واستخدام المياه المستعملة، تعد أعلى بكثير، وهو ما سيزيد من الضغوط على الموارد المالية للبلدان.
وقال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، خلال فعالية إصدار التقرير، بحسب ما نقله عنه موقع البنك الدولي، إن "نقص المياه يشكل تحديّاً خطيراً للحياة وسبل العيش، حيث يتنافس القطاع الزراعي والمراكز الحضرية على هذا المورد الطبيعي الثمين وأنظمة توزيعه"، مضيفاً أن "هناك حاجة إلى نهج جديد لمواجهة هذا التحدي، بما في ذلك تفويض المزيد من التحكم للسلطات المحلية في كيفية إدارة توزيع المياه".
وفي ما يخص التحركات، التي تقوم بها الحكومات العربية في الوقت الحالي، من أجل استهلاك كميات المياه المتوفرة بشكل سليم والحفاظ عليها، وخلق مصادر جديدة للمياه، للاستجابة للحاجيات الحالية والمستقبلية، قال المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، حسين الرحيلي، إن "السياسات المائية العمومية، التي طبقت من طرف جل الدول العربية في الفترات السابقة، أي الستين سنة الأخيرة، يمكن أن تكون سبباً من أسباب هذا الهدر المائي، وإنه اليوم، في الوقت الذي يوجد فيه كل الناس تحت تأثير الضغط والشح المائي، وتراجع التساقطات، وتواتر سنوات الجفاف، بدأت كل الحكومات تقريباً في الوطن العربي تتحسس المشكلة المائية، خاصة عندما يتراجع الإنتاج الفلاحي، ويثقل الميزان التجاري الغذائي ميزان الدفوعات المالية العمومية العربية، لذلك نجد -بحسب الرحيلي- أن العديد من الدول بدأت تفكر في تنويع مصادر المياه، خاصة عبر تحلية مياه البحر"، مردفاً أن "المغرب، والجزائر، ومصر، والسعودية، والكويت، وغيرها، بدأت تفكر بجدية في تطوير تقنيات تحلية مياه البحر، خاصة لتأمين مياه الشرب، التي تعتبر أساسية، ولكن لا يجب -وفق الرحيلي- أن نهرول كثيراً نحو تحلية ماء البحر، خاصة بالنسبة للدول، التي تعاني شحّاً طاقيّاً، لأن التكلفة ستكون عالية، نظراً لأن تحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي يتطلب الكثير من الطاقة، وبالتالي يمكن أن يكون الأمر أسهل وأقل تكلفة بالنسبة للدول الغنية بالطاقة، لكن يجب على بقية الدول أن تنوع من مصادر المياه، وأن ترشد استهلاكها، وتعيد السياسة العامة للإنتاج الفلاحي، وكذلك النظر في سلوك المواطن في ما يخص الهدر المتواصل للموارد المائية في المستقبل".
ومن جانبه، أفاد الخبير والمستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، سعيد شكري، بأنه "أمام هذه الوضعية المقلقة، سواء من حيث المصادر أو من حيث الاستعمالات، فإن الدول العربية، وخاصة الحكومات، قامت بعدة مبادرات، من أجل ترشيد استهلاك المياه بشكل مستدام وسليم، وقامت بعدة إجراءات، وأن أغلبية الدول لديها برامج للتوعية، والتثقيف، والتربية على البيئة، من أجل تفادي الإشكالات الكبرى، التي تعرفها الاستهلاكات غير المعقلنة، لأن الإشكال الكبير هو الاستهلاك غير المقنن لهذه الموارد المائية، واستخدامها في غير مكانها"، متابعاً أن "جميع الدول اليوم، في إطار البحث عن موارد مياه جديدة، خاصة غير اعتيادية، لجأت إلى تحلية المياه، وإعادة استعمال مياه الصرف الصحي، وهي كلها -وفق شكري- آليات جديدة للخروج من هذا الوضع الصعب".
ومن جهته، صرح أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة ابن زهر بأكادير (المغرب)، والمتخصص في تدبير الموارد المائية والتنمية الترابية، الدكتور علي دادون، بأن "هناك مجموعة من الإجراءات، التي قامت بها الدول العربية في هذا المجال، تخص المدى البعيد، والمتوسط، والقريب، وتتمثل على المستوى البعيد في توجه بعض الدول العربية نحو تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة، في حين تتجلى على المستوى المتوسط مثلاً في اللجوء إلى نقل المياه من الأحواض المائية، التي تعرف وفرة، إلى الأحواض المائية، التي تعرف خصاصاً أو عجزاً، بينما على المدى القصير هناك التوعية والتحسيس، لكن في الوضع الحالي، الذي أصبح فيه معطى العجز محسوساً حتى في الدول الأوروبية، فإن العمل بهذه الاستراتيجيات لم يعد مجدياً على المدى المتوسط والبعيد والقصير، ويجب أن ننتقل إلى استراتيجيات سريعة"، وفق دادون الذي أبرز أن "من الإجراءات، التي يجب البدء بها، هي تقنين الولوج للماء في بعض القطاعات المستهلكة، وإعطاء الأولوية للاستعمال المنزلي البشري، لأنه في نهاية المطاف هو الذي يهمنا في هذه المنظومة الإيكولوجية، التي تتسم الآن بالعجز والخصاص".
كما قال دادون إنه "يجب أن نسائل أنفسنا هل نتوفر في الدول العربية على استراتيجية موحدة، لمواجهة هذا العجز، أو التخفيف منه، أو حتى التكيف معه"، مبرزاً أننا "لا نتوفر على سياسات متجانسة بين دول الوطن العربي، وأن الكل يتحرك وفق إمكانياته المادية، وبرامجه، ودرجة الخصاص، التي وصل إليها، وأن الدول العربية ليست على المستوى نفسه، إذ هناك دول تعرف وفرة مائية، وهي قليلة جدّاً، من بينها موريتانيا، والعراق إلى حد ما، والسودان، وهناك دول تعيش خصاصاً مائيّاً، وهناك دول وصلت إلى مستوى العجز"، مشدداً على أن "الكل يجب أن يتحرك بخطة واحدة، لأن من لم يصل إلى العجز فسوف يصل إليه، بحكم مجموعة من المؤشرات، التي توحي بذلك".
علي دادون
تأثير شح المياه على حقوق الإنسان
يرتبط الحق في الماء ارتباطاً وثيقاً بعدد كبير من حقوق الإنسان الأخرى، من بينها الحق في الحياة، وفي الصحة، والغذاء، والبيئة الصحية، ومستوى معيشي لائق، والتنمية، والثقافة، وحقوق الطفل، وسواها، ما يجعل تدهور تلك الحقوق وعدم التمتع بها نتيجة حتمية لشح الماء أو غيابه.
وفي هذا الجانب، قال خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة، ديفيد بويد، خلال رفعه تقريراً له إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف بسويسرا، في مارس 2022، إن "المياه هي شريان الحياة لكل كائن بشري، وكل شكل من أشكال الحياة على الأرض، وإن أكثر من ملياري شخص يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى مياه الشرب المدارة بأمان، في حين يفتقر أكثر من 4 مليارات شخص إلى إمكانية الوصول إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، وإن النقص في المياه يؤثر حاليّاً في أكثر من 3 مليارات شخص".
وأوضح بويد أنه "يتم تصريف 80% من مياه الصرف الصحي في البيئة بدون أية معالجة، ما يؤدي إلى تلويث المياه السطحية، والمياه الجوفية، والتربة، والمحيطات، وأن ذلك يسبب سنويّاً الأمراض المنقولة بالمياه، ونحو مليوني حالة وفاة عالميّاً يمكن الوقاية منها، وأن معظم الوفيات من الأطفال دون الخمس سنوات".
كما أفاد بويد بأن "آثار أزمة المياه العالمية تقع بشكل غير متناسب على كاهل الفئات الضعيفة أو المهمشة، بمن في ذلك النساء، والشعوب الأصلية، والأقليات، واللاجئون، والأشخاص ذوو الإعاقة، وكبار السن، والأشخاص الذين يعيشون في الفقر، كما أنها تتفاقم بفعل عوامل مثل العمر، والنوع الاجتماعي، والفقر، والإعاقة، والخلفية الثقافية أو العرقية".
وردّاً على سؤال: هل يؤثر شح المياه بشكل سلبي على التمتع بحقوق الإنسان؟ بيَّن المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، حسين الرحيلي، أن "شح المياه يؤثر بشكل كبير على الحقوق الأساسية للإنسان، باعتبار أن الماء هو الحياة، والمصدر الحقيقي لإنتاج الغذاء السليم، وهو الذي يمكن أن يوفر إطار عيش سليم من الأمراض والأوبئة، ويؤثر كذلك على حق الإنسان في مسكن آمن، وإطار بيئي واجتماعي سليم، وبالتالي فإن الإنسان المحروم من أبسط حقوقه الغذائية المتمثلة في غذاء سليم وماء صالح للشرب، لا يمكن له أن يكون إلا فاقداً لهذه الكرامة"، متابعاً أننا "نرى اليوم الشح الكبير في المياه في اليمن، ومعاناة تونس من القطع الدوري للمياه، وتأثيره على الصحة العامة، وتسببه في تراجع الإنتاج الفلاحي، وتقليص المواد الأساسية الضرورية للحياة، ما أنتج طوابير للمواطنين أمام المخابز، ونقصاً كبيراً في الغذاء، الأمر الذي يهدد بالضرورة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويجعل منه فاقداً لكرامته بشكل تدريجي، لأنه لا كرامة للإنسان بدون ماء، وبدون غذاء، وبدون إطار عيش سليم اجتماعي وصحي".
وفي هذا الجانب، قال الخبير والمستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، سعيد شكري، إن "هناك علاقة وطيدة بين شح المياه والتمتع بحقوق الإنسان، لأنه عندما نتحدث عن الماء، فإننا نتحدث عن الحق في الحياة، والماء حق من حقوق الإنسان، والبيئة ككل حق من حقوق الإنسان، وإن جميع دساتير الدول العربية أكدتالحق في الماء، والحقفي التنمية المستدامة، وفي البيئة السليمة، وفي الصحة، لأنه عندما لا تكون هناك مياه تنتشر الأمراض والأوبئة، وتهدَّد سلامة الإنسان، وإن الحق في الماء مرتبط أيضاً بالحق في الغذاء، لأن شح المياه يؤثر على المنتوجات الفلاحية وعلى الغذاء بشكل عام، وبالتالي فإن أثر شح المياه يكون سلبيّاً على الحياة، وأيضاً على الحق في العمل، لأن مجموعة من المعامل والمصانع، وأيضاً قطاعات أخرى، من بينها السياحة، تحتاج إلى المياه، وستواجه إشكالاً في حالة شحها"، مردفاً أن "هذا كله يؤكد أن شح المياه له تأثيرات سلبية على حقوق الإنسان، ولذلك فالحكومات، والمجتمع الدولي، يجب أن تلتزمبإيصال المياه لجميع المواطنين والمواطنات بشكل متساوٍ".
من جانبه، أوضح أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة ابن زهر بأكادير (المغرب)، والمتخصص في تدبير الموارد المائية والتنمية الترابية، الدكتور علي دادون، أن “الماء حق من حقوق الإنسان، ومرتبط بالحياة، وشحه يؤثر على حقوق الإنسان، وعلى حقوق بعض الفئات الهشة والمهمشة، خصوصاً الفئات الفقيرة، التي لا تتوفر على بدائل، ولا تستطيع اقتناء قنينات الماء”.
وأوضح أنه "إذا قلنا الفئات الهشة أو ذات الحساسية المرتفعة، فإننا نجد أن تأثير هذا الشح يذهب مباشرة إلى فئة الأطفال، خصوصاً في العالم القروي، حيث يعني شح المياه اللجوء إلى مصادر مياه بعيدة عن السكن، ما يتطلب مجهوداً عضليّاً، وغالبا يتم تسخير الأطفال في سن الدراسة للقيام بذلك، وخصوصاً الفتيات، ما يؤثر على حقوقهن في الدراسة، وكذلك الشيوخ، الذين يحتاجون إلى الراحة"، بحسب دادون، الذي قال إن "شح المياه يؤثر أيضاً بشكل سلبي على النساء بشكل عام، لأنهن هن اللاتي يتعاملن بشكل مباشر مع هذا الخصاص، من خلال التدبير المنزلي اليومي، وغيره من الجوانب الأخرى".
المياه المشتركة والحروب المحتملة
أغلب أنهار البلدان العربية ذات أحواض مائية مشتركة، وتوجد منابعها في دول غير عربية، وتمر من أكثر من دولة، وأبرزها نهر النيل، الذي يعد أطول أنهار العالم، وينبع من عدد من البلدان الإفريقية، ونهر دجلة، الذي ينبع من تركيا وإيران، ونهر الفرات، الذي ينبع من تركيا، ونهر الأردن، الذي تخضع منابعه لسيطرة إسرائيل.
وتتسبب هذه المياه المشتركة العابرة للحدود في توترات مستمرة بين الدول، التي تمر منها تلك الأنهار، بسبب بناء دول المنبع سدوداً عليها، ما يتسبب في تقليص حصة باقي الدول، كما هي الحال بالنسبة لسد النهضة، الذي شيدته إثيوبيا على نهر النيل، وتسبب في أزمة حادة بينها وبين السودان ومصر، في وقت تنذر فيه هذه التوترات باحتمال نشوب حروب عسكرية مستقبلية بين الدول، التي تتشارك تلك الأنهار.
وفي ما يتعلق بإمكانية اندلاع حروب عسكرية مستقبلية تكون دولٌ عربيةٌ طرفاً فيها، بسبب المياه المشتركة العابرة للحدود، أو حروب أهلية داخل بلدان عربية بسبب شح المياه، أبرز المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، حسين الرحيلي، أن "شح المياه سيؤدي بالضرورة إلى صراعات داخلية، وصراعات بين الدول"، موضحاً أن "هناك اليوم صراعاً قائماً بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة، وأن الأمم المتحدة تتدخل بثقلها، وكذلك الدول الكبرى، لمنع أي صدام عسكري، وأن هناك أيضاً صراعاً اليوم بين العراق وسوريا، وبين العديد من الدول، وأن شح المياه يمكن أن يؤدي إلى قلاقل ونزاعات يصعب التنبؤ بها، نظراً لأن الماء ضروري للحياة والزراعات، وكل دولة تبحث عن مصالحها المباشرة في تأمين قوت عيش سكانها"، مردفاً أنه "حتى داخليّاً، نرى اليوم حروباً بين الأقاليم في السودان على مواقع المياه، وأن هذا يدل بالضرورة على أن أزمة المياه عندما تنفجر لن تكون عواقبها سليمة، آملاً أن تدخل جل الحكومات العربية في حوارات جدية ونقاشات، لتأمين المياه، ولإيجاد حلول للمياه المشتركة، بشكل يضمن حقوق كل الأطراف، وبالتالي نزع فتيل أي صراع ممكن في المراحل القادمة، خاصة أن التحولات المناخية، وتراجع التساقطات، وتواتر سنوات الجفاف، يمكن أن يكون أكثر دورية في السنوات القادمة".
وتعليقاً على هذا الأمر، أفاد الخبير والمستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، سعيد شكري، بأنه "أمامنا مجموعة من النماذج، التي أكدت أنه عندما يكون الماء مشتركاً بين الدول، تكون هناك نزاعات، خاصة في حالة التغيرات المناخية عندما تنقص كمية الماء، كما هي الحال مثلاً بالنسبة لمصر وإثيوبيا وقضية النيل، وكذلك الفرات، وأيضاً بعض الفرشات المائية المشتركة"، مبرزاً أن "هذه الإشكالات، بالإضافة إلى النمو السكاني، والضغط على هذه الموارد المائية، يزيد من شح المياه وتناقصها، وبالتالي فإن العديد من الدول، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعاني من كونها معرضة للنزاعات المتعلقة بالمياه"، بحسب شكري، الذي أضاف أنه "اليوم بفضل الرؤية المتبصرة لبعض الدول، من خلال التفاوض والتعاون الدولي بدل اللجوء إلى الصراع السياسي، ربما يمكن أن تتغلب على هذه الإشكالات، وأن تخلق مشاريع مشتركة، من أجل ضمان السلام والأمن المائي، وبالتالي تعزيز الحوار والتعاون الإقليمي والدولي، الذي أصبح شيئاً مهمّاً جدّاً، من أجل إدارة هذه الموارد المائية، وتطوير آليات فعالة لحل النزاعات المتعلقة بالماء، وتعزيز الإدارة المستدامة، خاصة الموارد المائية، من أجل التقليل من مخاطر الصراعات"، مبيِّناً أن "هذه أمور تحتاج إلى أن يكون هناك توحيد للرؤية، ووضع هدف واحد، لأن الإنسان في نهاية المطاف هو العنصر الأساسي، الذي يحاول العالم كله أن يجد له ظروف عيش سليمة وصحية، وظروفاً مائية مستدامة".
من جهته، قال أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة ابن زهر بأكادير (المغرب)، والمتخصص في تدبير الموارد المائية والتنمية الترابية، الدكتور علي دادون، إن "الحروب المستقبلية هي حروب التمكن في مجال الموارد الطبيعية، ومن سوف تكون لديه حظوظ العيش الكريم مستقبلاً هو من سوف يتوفر على إمكانيات مائية مهمة"، مبرزاً أنه “حتى الاستثمارات الآن لا يمكن ضخها في بلدان تعيش عجزاً مائيّاً، لأن الضامن للاستقرار هو توفر الماء، وأنه يمكن أن نصبر على أي شيء، بما في ذلك غياب البترول، لكن إذا لم تتوفر المادة المائية، فلا يمكننا العيش”.
وتابع، أنه "عندما يهَّدد الوطن، أو يهدد الإنسان في حياته وعيشه، سوف تكون هناك مقاومات اجتماعية، ولذلك فإن الخصاص المائي سيؤدي إلى نشوب حروب وصراعات، ليس فقط داخل الوطن العربي، ولكن أيضاً حتى في باقي الدول غير العربية، لكن خصوصاً في الدول العربية، التي تتقاسم منابع المياه، ومرور الأنهار والأودية"، وفق دادون، الذي أشار أيضاً إلى أن "هناك دولاً تتقاسم حتى الموارد المائية الباطنية، لأن الفرشة المائية الباطنية ليست لها حدود إدارية، وبالتالي يمكن أن تقوم دولة بالتحكم في المورد الطبيعي الباطني، وتقلص إمكانيات وجود الفرشات في الدولة المجاورة"، مضيفاً أن "الصراع موجود ومعلن ما بين بعض الدول، من بينها مصر، والسودان، وإثيوبيا، وغيرها، وأيضاً في الشرق الأوسط، وأن الدافع الأساسي هو الخصاص المائي، وأنه لا يمكن أن يتوقع نشوب حروب بين دول عربية تتقاسم مواردها المائية، لكن مع التراكم، ومع مرور السنين، وتزايد الخصاص، سوف تكون هناك صراعات ما بين الدول العربية، من أجل التحكم في الموارد المائية، ضماناً لاستقرارها الاجتماعي".