"الإيكونوميست": ذوبان جليد "أنتاركتيكا" يرفع مستوى سطح البحر 60 متراً

"الإيكونوميست": ذوبان جليد "أنتاركتيكا" يرفع مستوى سطح البحر 60 متراً

يختلف القطب الشمالي عن القطب الجنوبي بشكل كبير؛ فالأول محيط محاط بالقارات، والثاني قارة محاطة بمحيط، في الأول مجتمعات السكان الأصليين والمستوطنين، وفي الآخر مجرد عابرين هناك لموسم أو اثنين.

ووفقا لمجلة "الإيكونوميست"، منذ الحرب الباردة شهد الصراع نفسه إنشاء نظام للتعاون العلمي السلمي في القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا"، وهو أكثر طوباوية (بعيدا عن الواقع) في مفهومه من أي اتفاق آخر في سجلات الدبلوماسية.

ويتحد القطبان في مواجهة الاضطرابات العميقة الناجمة عن الانحباس الحراري العالمي، ولكن بالمقارنة مع التغيرات التي تؤثر على القطب الشمالي، فإن تلك التي تهدد القطب الجنوبي لا تحظى بالتقدير إلى حد كبير.

ويرجع هذا الافتقار إلى الاهتمام جزئيًا ببُعد القارة القطبية الجنوبية، فأكبر قاعدة هناك، قاعدة ماكموردو الأمريكية، تبعد حوالي 4000 كيلومتر عن أقرب مدينة (كرايستشيرش، في نيوزيلندا)، وتتم الزيارات فيها فقط من قبل العلماء والمغامرين.

ويبدو التغيير في القارة القطبية الجنوبية ليس مثل ذلك الذي حدث في ألاسكا، حيث يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى تآكل الطرق وسقوط المباني، في الواقع، كان العلماء لفترة طويلة يميلون إلى اعتبار القارة القطبية الجنوبية مستقرة نسبيًا، على الأقل على المدى القصير إلى المتوسط، فرغم أن صفائحها الجليدية تحتوي على ما يكفي من المياه لرفع مستوى سطح البحر بمقدار 60 مترًا، لكن أي انهيار قد يستغرق قرونًا.

وتظهر "أكبر ثلاجة" على الأرض، كما وصفها قسم العلوم والتكنولوجيا في "الإيكونوميست"، علامات تنذر بالخطر لذوبان الجليد الكبير، والذي سيكون له عواقب كبيرة على بقية الكوكب.

وتعد الأحداث المتطرفة مثل اختفاء منطقة من الجليد البحري بحجم جرينلاند خلال فصل الشتاء الأسترالي في العام الماضي هي من أعراض عدم الاستقرار الأساسي المتسارع، ويتحدث علماء الجليد عن "تحول في النظام"، حيث تنزلق أجزاء من إحدى الصفائح الجليدية الهائلة التي تغطي 98% من القارة نحو البحار.

وساهم تحول المياه من القاعدة الصخرية القارية للقارة القطبية الجنوبية إلى المحيط الجنوبي بنسبة 4% فقط في ارتفاع مستوى سطح البحر على مستوى العالم قبل عشرين عاما، واليوم تبلغ حصتها 12%، وسوف ترتفع بلا هوادة في العقود المقبلة.

وهذا التأثير له نتيجة طبيعية لا تحظى بالتقدير، فمع ذوبان القارة القطبية الجنوبية، تضعف الجاذبية التي يمارسها جليدها المتقلص على البحار المجاورة، وهذا يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر في أماكن أخرى بشكل أسرع، سيؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر الناشئ من القارة القطبية الجنوبية على أستراليا وأوقيانوسيا، لكنه سيؤثر أيضًا بشكل غير متناسب على أمريكا الشمالية.

ويفعل ذوبان الصفائح الجليدية أكثر من مجرد رفع مستويات سطح البحر، أنها تسبب تغيرات في الدورة الجوية التي تمتد إلى خط الاستواء وما وراءه، ما يؤدي إلى تغير الطقس في منطقة الساحل والأمازون.

ويُعَد المحيط الجنوبي أحد أكبر مصارف الكربون على مستوى العالم، فهو مسؤول عن امتصاص 40% من إجمالي ثاني أكسيد الكربون المتغير للمناخ والذي تمتصه المحيطات ككل كل عام، فإذا ارتفعت درجة حرارته، فسوف يمتص كمية أقل، وهو التأثير الذي قد يتفاقم عندما تنطلق تريليونات الأطنان من المياه العذبة من الجنوب المتجمد الكبير وتغير تيارات المحيط.

وعلى الرغم من كل هذا، تقوم بعض الدول بتخفيض ميزانياتها المخصصة لأبحاث القطب الجنوبي، وهذا يتعارض مع العقل، وإذا أردنا تقدير الآثار المترتبة على تفاقم الوضع والتخطيط لها بشكل صحيح، فإن هذا يحتاج إلى إصلاح سريع.

وينبغي أن تعمل المناقشات حول ما يجب القيام به بشكل عاجل، وأفضل السبل للتعاون من أجل إنجازه، على تحفيز الدول الـ56 الموقعة على معاهدة "أنتاركتيكا"، قد لا يكون بمقدورهم حماية بيئة القارة القطبية الجنوبية، وهو الواجب الذي يلزمهم به البروتوكول البيئي للمعاهدة، لكن بوسعهم على الأقل أن يكثفوا جهودهم للتعرف على ما تعنيه التغييرات المفروضة على القارة الفارغة التي تقع تحت مسؤوليتهم بالنسبة لبقية العالم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية