تحذيرات من "مخاطر" الذكاء الاصطناعي على النظم الاجتماعية

تحذيرات من "مخاطر" الذكاء الاصطناعي على النظم الاجتماعية

دعت أكبر شركة اتصالات يابانية وأكبر صحيفة في البلاد إلى تشريع سريع لتقييد الذكاء الاصطناعي، قائلتين إن الديمقراطية والنظام الاجتماعي قد ينهاران إذا ترك الذكاء الاصطناعي دون رادع.

وقدمت شركة "نيبون تلغراف أند تليفون" (NTT) والمجموعة الإعلامية "يوميوري شيمبون" الاقتراح في بيان، وفق صحيفة "واشنطن بوست". 

ويشير البيان -إلى جانب القانون الذي أقره البرلمان الأوروبي في مارس الماضي والذي يقيد بعض استخدامات الذكاء الاصطناعي- إلى القلق المتزايد بشأن برامج الذكاء الاصطناعي التي كانت الشركات والتي يوجد مقرها في الولايات المتحدة في طليعة الدول التي تطورها.

وفي حين أشار بيان الشركات اليابانية إلى الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية، اتخذ نظرة ناقدة بشكل عام لهذه التكنولوجيا. 

ودون تقديم تفاصيل، أشار البيان إلى أن الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل في الإضرار بالأخلاق الإنسانية لأن أدواته مصممة -في بعض الأحيان- لجذب انتباه المستخدمين دون النظر إلى الأخلاق أو الدقة.

وقال البيان إنه ما لم يتم تقييد الذكاء الاصطناعي، "في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن تنهار الديمقراطية والنظم الاجتماعية، ما يؤدي إلى نشوب حروب".

وطلب البيان من اليابان أن تتخذ إجراءات فورية، بما في ذلك قوانين حماية الانتخابات والأمن القومي من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي.

وتجري الآن حملة عالمية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ويأتي الاتحاد الأوروبي في المقدمة. 

ويدعو قانون الاتحاد الأوروبي الجديد صانعي أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي إلى إخضاعها لتقييمات السلامة وإخطار المنظمين بالحوادث الخطيرة. 

ومن المقرر أيضا حظر استخدام الذكاء الاصطناعي للتعرف على المشاعر في المدارس وأماكن العمل.

إعادة هيكلة النظام الاجتماعي

يقول الباحث في السياسة العامة والابتكار التكنولوجي دانييل أرايا، إن الذكاء الاصطناعي يتطور باستمرار ويمتلك القدرة على إعادة هيكلة النظام الاجتماعي بأكمله في مجتمعنا.

وتابع وفق ما نقل عنه موقع جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا "لن أقلل من شأن المدى الذي سيصل إليه هذا الأمر، إنه مثل تدريب طفل.. هذا طفل رضيع يبدأ في الوقوف، وفي النهاية سيكون شخصًا بالغًا".

ولفت إلى أن البشرية شهدت عصرين، الأول عرف الثورة الصناعية، أعقبها عصر ثورة معلوماتية تقنية. لكن الفرق بين العصرين صارخ من حيث أنواع التكنولوجيات المنتجة. 

وأردف قائلا إن الثورة الحاسوبية تفعل كثيرا من الأشياء التي لم تتمكن الثورة الصناعية من القيام بها. "إنها تصنع تقنيات يمكنها الأتمتة والتعلم".

في عام 2016، تغلب جهاز ذكاء اصطناعي يُدعى AlphaGo على بطل العالم البشري، Lee Sedol، في لعبة Go. 

وفي ذلك الوقت، كان الخبراء يعتقدون أن التكنولوجيا لم تكن قادرة بعد على إتقان مثل هذه اللعبة المعقدة. 

و"غو" هي لعبة لوحة إستراتيجية بين لاعبين اثنين، حيث يكون الهدف هو الاستيلاء على مساحة أكبر من الخصم من خلال تسييج المساحة الفارغة.

قال أرايا معلقا على ذلك "كانت عواقب تلك اللحظة هي الاعتراف بأننا ندخل عصرا جديدا من الذكاء الاصطناعي".

وفي الآونة الأخيرة، أظهر إصدار "شات جي بي تي" Chat GPT التقدم الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي وشهد ظهور الذكاء الاصطناعي العملي.

ويرمز "شات جي بي تي" إلى "المحول التوليدي المُدرب مسبقًا"، وهو نموذج لغوي كبير يمكنه معالجة المهام وتقليد عمليات اللغة البشرية. "كان هذا النهج واحدًا من العديد من المنهجيات.. كان هذا النهج عبارة عن خلق شيء مثل الدماغ".

ومن أجل إنشاء ذكاء اصطناعي، يتم استخدام التعلم العميق، وإنشاء نظام إشارة يسمح بتحويل البيانات إلى نموذج نهائي. 

تتضمن هذه العملية إدخال البيانات، وتدريب النموذج باستخدام الخوارزميات، والانتهاء بالحل. "وقد أتاح لنا ذلك العمل مع جهاز كمبيوتر كما لو كنت تعمل مع إنسان"، وفق أرايا.

تهديد محتمل

مع التطور السريع والملفت للذكاء الاصطناعي العملي المتقدم، هناك قلق بشأن ما سيحدث عندما تصبح هذه المعرفة وفيرة على نطاق أوسع مع مرور السنين. 

يُظهر التهديد المحتمل الذي قد يشكله الذكاء الاصطناعي على أنظمتنا المجتمعية الحالية، من خلال تكرار العمل البشري في قطاعات متنوعة. 

قال أرايا في الصدد "إذا تمكنت من إنشاء آلة تتمتع بخبرة درجة الدكتوراه، فإن قيمة الدكتوراه تنخفض". منوها بأن البشر يمكنهم التكيف للعمل مع التكنولوجيا لكن ليس استبدالهم بها. 

وفي حين أن الذكاء الاصطناعي سوف يتطور لجعل بعض الوظائف أسهل أو غير ضرورية، فإنه قد يفتح أيضًا مزيدا من الفرص للأشخاص للعمل جنبًا إلى جنب معه. 

ووفق عدة خبراء، لن يؤثر الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة والاقتصاد فحسب، بل سيؤثر أيضًا على نظامنا الاجتماعي. "هذه التقنيات ستغير هياكلنا، ستغير مجتمعنا، وكيفية بنائه، والبنية الطبقية" حسب ما يؤكد أرايا.

ويُعتقد أن هياكلنا الاجتماعية الحالية جامدة للغاية بحيث لا يمكنها التكيف بسرعة مع التغييرات التي سيبدؤها الذكاء الاصطناعي، "لكن هذا قد يوفر فرصة للتقدم، إذ من المحتمل أن ينكسر شيء ما، وسيضطرون نتيجة للأزمة، إلى محاولة الإصلاح" يجادل أرايا.

وتعد صحيفة "يوميوري شيمبون"، التي يبلغ توزيعها الصباحي حوالي 6 ملايين نسخة، هي الصحيفة الأكثر قراءة في اليابان. 

وفي عهد رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي وخلفائه، كان للخط التحريري المحافظ للصحيفة تأثيره في دفع الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم إلى توسيع الإنفاق العسكري وتعميق تحالف البلاد مع الولايات المتحدة.

وقالت الشركتان إن مديرِيهما التنفيذيين كانوا يدرسون تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي منذ العام الماضي في مجموعة دراسة يشرف عليها باحثون من جامعة كيو.

وكثيرا ما تسلط الصفحات الإخبارية والافتتاحيات في صحيفة يوميوري الضوء على المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي. 

وفي مقالة افتتاحية في ديسمبر الماضي، أشارت إلى اندفاع منتجات الذكاء الاصطناعي الجديدة القادمة من شركات التكنولوجيا الأميركية، وقالت إن "نماذج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تعلم الناس كيفية صنع الأسلحة أو نشر الأفكار التمييزية". 

وأشارت أيضا إلى المخاطر الناجمة عن مقاطع الفيديو المزيفة المتطورة التي يُزعم أنها تظهر السياسيين وهم يتحدثون.

من جانبها، تنشط شركة NTT في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتقدم وحداتها منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدية لعملاء الأعمال. 

وفي شهر مارس، بدأت في تقديم نموذج كبير الحجم لهؤلاء العملاء أطلقت عليه اسم "تسوزومي" الذي يشبه ChatGPT ولكنه مصمم لاستخدام قوة حاسوبية أقل والعمل بشكل أفضل في سياقات اللغة اليابانية.

وقال متحدث باسم NTT، إن الشركة تعمل مع عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين وتعتقد أن الذكاء الاصطناعي التوليدي له استخدامات قيمة، لكنه قال إن الشركة تعتقد أيضا أن التكنولوجيا لها مخاطر خاصة إذا تم استخدامها بشكل ضار للتلاعب بالرأي العام.

وسبق أن حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطرا على السلم والأمن على المستويين المحلي والدولي، داعيا الدول الأعضاء إلى وضع ضوابط لإبقاء التقنية تحت السيطرة.

وقال غوتيريش في جلسة هي الأولى التي يخصّصها مجلس الأمن في يوليو 2023 للبحث في مسألة الذكاء الاصطناعي: "من الجلي أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير على جميع مناحي الحياة".

وتابع: "الذكاء الاصطناعي التوليدي لديه إمكانيات هائلة للخير والشر"، مشيرا إلى أن التقنية قادرة على المساعدة في تعظيم الإنتاج وتطويره ووضع حد للفقر أو علاج السرطان، لكن قد تكون لها "عواقب خطيرة جدا على السلام والأمن الدوليين".

ومن جهة أخرى "الاستخدامات الضارة لأنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض إرهابية أو إجرامية أو لصالح دولة، يمكن أن تتسبب في مستويات مرعبة من الموت والدمار وتفشي الصدمات والضرر النفسي العميق على نطاق يفوق التصور"، بحسب غوتيريش.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية