أنطونيو غوتيريش.. رجل المواقف الواضحة
أنطونيو غوتيريش.. رجل المواقف الواضحة
قضيت نسبة كبيرة من رحلتي الدبلوماسية والسياسية ممارساً ومتابعاً للتطورات الدولية، مؤمناً بأن منظومة الأمم المتحدة وميثاقها ومؤسساتها التي أنشئت أساساً بعد الحرب العالمية الثانية من أجل منع تكرار الحروب العظمى، هي أفضل السبل المتاحة وأكثرها مراعاة للمصلحة العامة للمجتمع الدولي، ومقتنعاً بأن العلاقات والترتيبات متعددة الأطراف هي الأكثر عدالة مقارنة بالعلاقات الثنائية لأنها تراعي مصالح كثير من الدول، وتوفر للدول المتوسطة والصغيرة ساحة أكثر توازناً لأنها تجمع أكثر من دولة، وتستند إلى إطار وقواعد وقوانين عامة، مما يعالج جزئياً التوازنات المخلة لمصلحة الدول الكبرى والأكثر ثراء في التعاملات الثنائية، لذا فضلتها على رغم ما يصاحبها من صعوبات إدارية مرتبطة بكثرة المشاركين وتنوع المصالح.
وكنت على يقين دائماً أن أعمال تلك المؤسسات متعددة الأطراف تتأثر بتنامي أو تدهور وتوتر العلاقات بين الدول، وإن كنت أختلف جوهرياً مع الذين يرون في هذه التوترات مبرراً مقبولاً لتباطؤ أو تعثر المنظمات متعددة الأطراف في التعامل مع الأحداث الجسام وذريعة لعدم المبادرة والتحرك، بل العكس هو الصحيح، ومهمات ومسؤوليات تلك المنظمات أو المؤسسات تزداد وتتضاعف أهمية كلما اشتدت الأزمات والصدامات.
وأؤمن بأن رؤساء المنظمات متعددة الأطراف يتحملون مسؤولية جسيمة وسامية في رفع راية المنظمة والتمسك بأهدافها في أفضل الظروف وأصعبها، منطلقاً من أن مواثيق المنظمات وقواعد عمل المنظمة الأم الحاكمة وهي الأمم المتحدة تحدد القواعد العامة للعلاقات الدولية وتعطي لرئيسها وهو الأمين العام للأمم المتحدة مساحة للحركة والمبادرة.
وشهدنا كثيراً من الاقتراحات تقدم ممن تولوا هذا المنصب في بداية كل دورة سنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى قبل اتفاق الدول حولها وإصدار قرارات من هيئات المنظمة في شأنها، علماً أن الأمين العام يتابع هذه المبادرات بجهود دبلوماسية بعد ذلك سعياً إلى تبني أكبر عدد من الدول مبادراته ليتسنى إصدار قرارات تنفيذية من المؤسسات في شأنها.
ويتجاوز دور الأمين العام مجرد طرح هذه المبادرات ليشمل القضايا والأحداث السياسية الحساسة والخطرة، إذ ترخص له المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة طرح القضايا التي يرى أنها تحمل أخطاراً على الأمن والسلم الدوليين على مجلس الأمن.
أي إن الأمين العام ورؤساء المنظمات المماثلة من حقهم، بل من واجبهم، المبادرة وتقديم الاقتراحات بحسب تقديرهم أهمية وخطورة الأمور باعتبارهم مفوضين من الأعضاء في تحقيق أهداف المنظمات، ويجب أن تكون لتلك القيادات الشجاعة والحكمة للتصدي للأحداث والتحرك منفردين حتى قبل التشاور مع الأعضاء إذا لزم الأمر.
وأتذكر أنني تابعت عمل الأمين العام للأمم المتحدة الحالي أنطونيو في مناصبه السابقة بالمنظمة، واهتممت بما قاله لي شخصياً خلال حملته الانتخابية لولايته الأولى، بخاصة ما شرحه عن الأولوية التي يعطيها لتفعيل دور الأمم المتحدة السياسي لحل المنازعات واهتمامه بتطوير المنظومة الدولية لتكون أكثر عدالة ومراعاة لمصالح دول العالم كافة.
كاتب المقال:
نبيل فهمي
وزير الخارجية المصري السابق