بهجة باهتة.. الأزمات الاقتصادية والاضطرابات تطفئ فرحة العيد لدى العرب
بهجة باهتة.. الأزمات الاقتصادية والاضطرابات تطفئ فرحة العيد لدى العرب
س
"في لبنان، باتت الأيام تجري كأنها مقطع من فيلم درامي مليء بالتحديات والصعوبات، وكل يوم يبدأ بتساؤلات حول كيفية التكيف مع الأوضاع القاسية التي أحاطت بنا.
الانهيار الاقتصادي ألقى بظلاله الثقيلة على حياتنا، محولًا كل شيء إلى معركة يومية من أجل البقاء والتكيف، الأعياد التي كانت في الماضي فرصة للفرح والتجمعات العائلية، أصبحت هذه السنة تحديا جديدًا لنا، إنها ليست مجرد أيام احتفال بل تحمل في طياتها تحديات اقتصادية صعبة ومشاعر من الحزن والإحباط.
هكذا وصف فادي نور -لبناني- حاله وحال السواد الأعظم اللبناني الذي بات يخيم على الأجواء.
وفي حديثه لـ"جسور بوست"، يستكمل فادي روايته قائلًا، إن الأسعار المرتفعة أصبحت عائقًا كبيرًا، تجعل من الصعب علينا توفير حتى أبسط احتياجاتنا، فكيف بالأعياد التي كنا نتطلع إليها لتقديم الهدايا والتمتع بأجواء الفرح؟
وعلى الرغم من كل هذه الظروف القاسية، أحاول أن أكون الركيزة القوية التي تسعى لجلب البهجة إلى عائلتي، أحاول أن أخفف عنهم من وطأة الحياة اليومية بتوفير بعض اللحظات السعيدة والذكريات الجميلة، نحاول أن نحافظ على روح الأعياد من خلال الاجتماعات البسيطة في المنزل، وتحضير الأطعمة التي نستطيع تقديمها، وتبادل الضحكات والقصص التي تجمعنا.
في هذه الأوقات، يكون التركيز على اللحظات البسيطة التي تجمعنا كأسرة هو ما يعطينا القوة للمضي قدمًا، لا يمكننا تغيير الأوضاع الاقتصادية بمفردنا، ولكن يمكننا أن نحدث فرقًا بطريقة صغيرة عندما نجلس معًا ونحتفل بالأعياد بالطريقة التي تلامس قلوبنا.
الحياة أصبحت درسًا يوميًا في الصمود والتكيف مع التحديات.
تجربة فادي ليست فردية، وإنما هي واقع يعيشه كل العرب، ففي زمن الأزمات الاقتصادية العصيبة، تتحول بهجة الأعياد لدى الكثير من العرب إلى ظل باهت لذكريات الماضي.
فبدلاً من أن تكون فترة الأعياد موسماً للاحتفال والاستمتاع، باتت تمثل تحدياً قاسياً لملايين الأسر في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية.
في مصر، على سبيل المثال، تشير إحصاءات حكومية إلى أن نسبة الفقر وصلت إلى 32.5% في عام 2023، مقابل 27.8% في عام 2019. وبالتالي، لم يعد بإمكان الكثير من المصريين تحمل نفقات شراء ملابس جديدة أو تزيين المنازل أو إعداد الوجبات التقليدية في العيد، كما كانوا معتادين.
وفي اليمن، تشير تقارير إنسانية إلى أن نصف السكان يعيشون في فقر مدقع، مما يجعل من المستحيل عليهم الاحتفال بالأعياد على الطريقة المعتادة. فبدلاً من تناول وجبات احتفالية، باتوا يكتفون بوجبات بسيطة من الخضراوات والحبوب.
وفي سوريا، حيث دمرت الحرب البنية التحتية، لم يعد بإمكان الكثير من السكان الحصول على الكهرباء أو المياه بشكل موثوق وبالتالي، أصبح من الصعب عليهم إضاءة المنازل أو الاستمتاع بالأجواء الاحتفالية في العيد.
هذه المشاهد المؤلمة تتكرر في العديد من البلدان العربية الأخرى مثل العراق وليبيا وفلسطين والسودان، حيث تحوَّل الاحتفال بالأعياد إلى نضال من أجل البقاء. وبدلاً من أن يكون موسم البهجة والفرح، باتت هذه المناسبات تذكّر الناس بمدى هشاشة أوضاعهم المعيشية.
في ظل هذه الأزمات المتفاقمة، يدعو الخبراء إلى ضرورة تكثيف الجهود الإنسانية لدعم هذه الأسر، من خلال توفير المساعدات الغذائية والإغاثية، وتوفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه. فقط بهذه الطريقة يمكن إعادة البهجة والسرور إلى قلوب هؤلاء المواطنين في هذه الأوقات العصيبة.

العيد في السودان على قائمة الغياب
بصوت يكاد يكون مسموعا يسرد محمد منصور سوداني ماذا يعني العيد له هذا العام، فيقول متأثرًا: في السنوات الماضية كان العيد في السودان يوماً مميزاً نترقبه طوال العام، تملأ أنفاسنا فرحة تغمر قلوبنا وتنير وجوهنا بالابتسامات العريضة أما هذا العام فقد كان الأمر مختلفاً تماماً، فالحرب التي ضرَبت بلادنا كالبرق الخاطف قد حَوَّلت ذلك اليوم المبارك إلى جُرح نازف في قلوبنا، تذكرت كيف كنا نستعد للعيد في السنوات الماضية، فأمي تبدأ بإعداد الحلويات المميزة منذ أسابيع، وأخواتي يشترين الملابس الجديدة التي ستُرتدى في هذا اليوم السعيد.
ويتابع منصور لـ"جسور بوست"، كان جدي يحضر الهدايا التي سيوزعها على الأحفاد، وجدتي تعد المُشْبِك والمرق الشهي الذي كان ينتظره الجميع بشغف، أما اليوم فقد كانت دموعنا تنهمر كالأمطار الغزيرة، وأشواقنا إلى وطننا الجميل تَعْصِر قلوبنا بقوة، نحن الآن لاجئون في مصر، نكابد ضيق العيش وارتفاع الأسعار، ولا نملك سوى الحنين إلى حياتنا البسيطة التي افتقدناها.
ويضف، كم تمنيت لو أستطيع استنشاق رائحة البخور والعود في بيتنا القديم، وأن أسمع أصوات ضحكات أحبتي وهم يتبادلون التهاني والهدايا، لكن رغم كل ما مررنا به من آلام وخيبات، لا أزال أحمل في قلبي أملاً بأن هذه الظروف لن تدوم، وأن عيدنا القادم سيكون أكثر بهجة وسعادة، فالفرح لا بد أن يأتي بعد كل هذا الحزن، والأمل لا بد أن ينبثق من رماد المحن والشدائد، نحن سنعود إلى وطننا الحبيب، وسنحتفل بالعيد كما كنا دائماً، مرفوعي الرأس، فخورين بانتمائنا إلى هذه البلاد العربية العريقة.
ويسترسل، في خضم هذه الأوضاع الصعبة، أحاول قدر المستطاع الحفاظ على بعض التقاليد السودانية العزيزة على قلبي، فرغم ما نواجهه من تحديات يومية في هذه البلاد الغريبة، فإننا نُصر على المحافظة على روح وطننا داخل أنفسنا، أهم هذه التقاليد هي طقوس الاحتفال بالعيد، فحتى وإن لم نتمكن من إعداد كامل الأطباق التقليدية، إلا أننا لا نزال نعد بعض الحلويات البسيطة كالقطايف والكنافة.
وفي صباح العيد، أنا وأفراد أسرتي نرتدي الملابس البيضاء، ونتوجه إلى المسجد للصلاة والدعاء، كما كنا نفعل دائماً في السودان، كما أننا ننظم لقاءات عائلية بسيطة، حيث نتبادل التهاني والهدايا الرمزية في ما بيننا، وما أن تنتهي هذه اللقاءات حتى نستمع إلى الأناشيد والأغاني الشعبية السودانية المفعمة بالفرح والبهجة، إنها طريقتنا للاحتفال بهذا اليوم المبارك، والتذكير بأننا ما زلنا أبناء السودان رغم كل ما نمر به.
وأحياناً، نستضيف أصدقاء سودانيين آخرين لقضاء هذا اليوم معاً، ففي هذه اللحظات نشعر وكأننا في وطننا الأم، وننسى للحظات معاناتنا وآلامنا، إنها طريقتنا البسيطة للتعبير عن انتمائنا وهويتنا، وللحفاظ على تراث أجدادنا الثري رغم المحن والشدائد.

محمد منصور
في مصر العيد حاضر رغم غلاء الأسعار
ومن مصر يتحدث سباعي عبدالخالق موظف، عن تجربة العيد فيقول" أستقبل عيد الأضحى هذا العام بمشاعر متناقضة، فرغم التحديات الاقتصادية التي تواجهنا، فإننا نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نستمتع بهذه المناسبة المباركة.
تبدو أسواق عيد الأضحى هذا العام مختلفة تماماً عن الأعوام الماضية، فقد حل علينا العيد وكأنه ضيف ثقيل، فلا نستطيع استقباله كما ينبغي بسبب ضيق ذات اليد، ولكن رغم ذلك، فقد اختار أن ينزل في قلوبنا، فيملؤها بالفرح والبهجة.
يحاول المصريون غرس بذور التفاؤل والأمل في أنفسهم، لكي تنمو وتخرج إلينا في هذا اليوم المبارك، نحاول أن نشارك أبناءنا فرحة العيد بقدر ما نستطيع، فنوزع عليهم الحلوى والهدايا البسيطة.
تحتفل عائلتي بعيد الأضحى في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، فرغم ضيق ذات اليد، فإننا نبحث عن كل السبل الممكنة للاحتفال بهذه المناسبة المباركة.
يبدأ احتفالنا بالاستيقاظ مبكرًا في صباح عيد الأضحى، لأداء صلاة العيد في المسجد المجاور، فكما يتطلع النبات إلى الشمس في الصباح الباكر، هكذا نتطلع نحن إلى الله عز وجل طالبين منه أن يمن علينا برزقه الوفير.
بعد الصلاة، نعود إلى المنزل لنتناول وجبة الإفطار البسيطة، ففي ظل ارتفاع الأسعار، اضطررنا إلى الاكتفاء ببعض المأكولات كالبيض والجبن ولكن رغم بساطتها، فإنها تمنحنا شعورًا بالرضا والامتنان.
بعد الإفطار، ننطلق إلى ذبح الأضحية والتي في الغالب نشتريها قبيل العيد بأيام، فرغم أن الأسعار قد أصابتنا بالدوار، فإننا نحاول أن نقتني ما نستطيع بأقل التكاليف الممكنة.
ونقوم بذبح الأضحية بأنفسنا، كما فعل إبراهيم عليه السلام، ثم نقوم بتوزيع اللحوم على الأقارب والجيران والفقراء، فنشعر وكأننا نشارك في نشر البركة والسعادة في هذا اليوم المبارك.

سباعي عبدالخالق
بعد ذلك، نجتمع كعائلة لتناول وجبة الغداء والتي تمنحنا شعورًا بالانتماء والترابط والبهجة والسلام، ونقضي الساعات الباقية من اليوم في زيارة الأقارب والأصدقاء، وفي اللعب والترفيه مع الأطفال.
وفي المساء، نتجمع من جديد لتناول وجبة العشاء، ثم ننصرف إلى النوم، شاكرين الله على ما منحنا من نعم، وآملين أن يعيد علينا هذه المناسبة المباركة في ظل ظروف أفضل".