الفن وسيلة للتغيير.. نجاة الذهبي تعبر عن حقوق الإنسان وتدافع عنها
الفن وسيلة للتغيير.. نجاة الذهبي تعبر عن حقوق الإنسان وتدافع عنها
نجاة الذهبي.. فرشاة تُحرّر مشاعر الإنسان وترسم أحلامه في لوحات
نجاة الذهبي.. حوار صامت بين الألوان والأحاسيس
إبداعات نجاة الذهبي لا تقتصر على الجمال الفني فقط، بل تعكس التزاماً عميقاً بقضايا الإنسان
من رحم تونس الخضراء، ينبثق إبداع فريد يحمل هموم الإنسان وأحلامه، ويجسدها على ألوان لوحة صامتة تنطق بمشاعر جياشة وحكايات عميقة.
إنها الفنانة التشكيلية التونسية، نجاة الذهبي، التي استطاعت بريشتها الساحرة أن تلامس وجداننا، وتعبّر عن قضايا الإنسان بأسلوب فريد يمزج بين الواقع والخيال، بين الأمل والألم، بين الفرح والحزن.
لوحات نجاة الذهبي لا تحتاج إلى كلمات لفهم معناها، فكل لوحة هي حكاية تُروى، وقصة تُعاش، بأدواتها البسيطة، تجسد مشاعر معقدة وأفكارا عميقة، وتلامس بألوانها المتناغمة أوتار القلوب، من خلال مزيج من الألوان والأشكال، تروي نجاة قصصاً إنسانية تعبر عن صراع الإنسان مع الحياة، وعن لحظات الانتصار والانكسار، مما يجعل لوحاتها تتحدث بلغة عالمية مفهومة للجميع.
نجاة الذهبي ليست مجرد فنانة ترسم لوحات جميلة، بل هي رمز للإبداع والالتزام.. بفنها، تجسد قيم الإنسانية والعدالة، وتلهمنا بأمل في مستقبل أفضل.
من خلال أعمالها، تدعونا إلى تأمل العالم من زاوية جديدة، زاوية ترى الجمال في الألم، وتبحث عن الأمل في وسط المعاناة، في كل ضربة فرشاة، تنبض حياة، وفي كل لون، تنعكس قصة. هكذا، تظل نجاة الذهبي نجمة مضيئة في سماء الفن التشكيلي، ورمزًا لإبداع ينبع من القلب ليصل إلى القلوب في كل مكان.
إبداعات نجاة لا تقتصر على الجمال الفني فقط، بل تعكس التزامًا عميقًا بقضايا الإنسان. تدافع عن حقوق الإنسان وتعبّر عن آلامه وآماله، مما يظهر بوضوح في لوحاتها التي تتناول مواضيع مثل الحرب والفقر والظلم.
تضفي هذه الالتزامية على فنها بعدًا إنسانيًا عميقًا، حيث تساهم لوحاتها في فتح النقاش حول قضايا إنسانية هامة وتحفيز المجتمع على التفكير والتفاعل.
إنجازات نجاة الذهبي لم تقتصر على الساحة المحلية فقط، بل حصدت إعجاب النقاد والجمهور على المستوى الدولي أيضًا.
حصدت الجائزة الأولى لملتقى الفن التشكيلي في جمهورية النمسا، ما يعد إنجازًا هامًا يسطر اسم تونس في المحافل الدولية ويؤكد مكانة الفن التونسي المتميز.
هذا التقدير العالمي يعكس عمق وقوة أعمالها، ويبرز قدرتها على التواصل مع جمهور عالمي من خلال لغة الفن، نجاة الذهبي ليست مجرد فنانة، بل هي أداة تعبير عن الأحلام والآمال، وأداة تجسيد للمعاناة والآلام. بإبداعها، تبني جسورًا من الفهم والتواصل بين القلوب والعقول، وتجعل من كل لوحة نافذة تطل منها على عالم مليء بالتعقيدات والتناقضات. هكذا، تظل أعمالها شعلة مضيئة تضيء الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا وإنسانية.
بهذا الإبداع، تظل نجاة الذهبي قدوة للفنانين والناس على حد سواء، تذكّرنا بأن الفن ليس مجرد تجسيد للجمال، بل هو رسالة سامية يمكنها تغيير العالم وتحقيق العدالة والسلام.

ريشة تروي حكايات الإنسان
الدخول إلى ورشة نجاة الذهبي هو بمثابة التجول في روحها، عالمها الخاص والسري الذي يشبه التجول في شرايين قلبها، لا يمكن للسير بين الغيوم، سواء التي نراها في السماء أو التي نرسمها بألوان مختلفة على جدران غرفنا، أن يكون بهذه الحيوية والجاذبية كما هو الحال في لوحات نجاة.
وفقًا لأحاديث إعلامية ولقاءات تلفزيونية وبعد مطالعة ما عزفته، فإنها في ورشتها الصغيرة، لا مكان للجدران الفارغة، حيث تشعر برغبة في اختراق النافذة التي تترك مجالًا لأشعة الشمس لتنعكس على الأجساد السابحة في الألوان، تتملّكك رغبة في أن تكون جزءًا من هذا العالم، تشعر بتلك النظرات التائهة، الراغبة، والغاضبة دومًا، تتجلى هنا رغبة في التعبير عن الجسد الأنثوي بكل ما يحمله من معانٍ وما وراءه من قصص.
في تصريح شهير، قال فان غوغ: "الرسم هو شكل آخر لكتابة اليوميات"، وهذا ما تعكسه أعمال نجاة الذهبي التي تتناول مواضيع مثل الحرب والفقر والظلم، مضيفة بُعدًا إنسانيًا عميقًا لفنها.
بجرأة لوحاتها، تخفي نجاة وجهها الخجول وصوتها الخافت، لتقدم لنا رؤية فنية فريدة تعبّر عن تجاربها الشخصية ومعاناتها. قصتها بدأت منذ الطفولة في قرية مزونة، حيث حملت ثقل الرفض الدائم لتسير به نحو حياتها. على الرغم من تعرّضها للعنف المجتمعي، نمّت بساطة والديها وحبهم للحياة فيها حساسية مفرطة للألوان والجمال.
اختارت نجاة طريق العاصمة تونس لدراسة الفنون الجميلة، محققة حلم الطفولة ومتحررة من قيود المجتمع. تقول نجاة لوسائل إعلامية: "اشتغلت لفترة طويلة على الجسد الأنثويّ"، مضيفةً أن الأجساد التي ترسمها هي نماذج حية تختارها بعفوية دون سابق إنذار.
ليست أعمالها معادلة صعبة، بل هي محاولة لرسم نفسها في الآخرين، لتروي أحداثًا لا يعرفها غيرها والشخص المرسوم. التجربة المسرحية التي عاشتها نجاة خلال سنوات الجامعة وبعدها، ساهمت في تعريتها أمام نفسها، وجعلت من العري في فنها روحًا عارية تعبّر عن جوهر الإنسان بعد كسر كل الحدود المجتمعية والمدنية.
بفضل المسرح، اكتشفت نجاة مرونة جسدها، ما ساعدها في تلوين الجدران بثقة ودون تردد. حصلت نجاة مؤخرًا على الجائزة الثانية للمعرض السنوي للفنانين التشكيليين بتونس، بعد حصولها على الجائزة الأولى بصفاقس في عام 2005، ما يشكّل اعترافًا بعملها وتقدمها الفني.
كما تقول نجاة: "لا أرسم أحلامًا أو كوابيس، بل أرسم واقعي"، موضحة أن الرسم هو وسيلة للتعبير عن تجربتها الذاتية وما تعايشه من حولها. تظل نجاة الذهبي رمزًا للإبداع والالتزام، فرسمها هو طريقة لرواية قصص الواقع وتسليط الضوء على قضايا الإنسان، مُلهِمةً بفنها أملًا في مستقبل أفضل.

تاريخ العلاقة بين الفن وحقوق الإنسان
علاقة تاريخية عميقة، الفن وحقوق الإنسان هما مجالان مترابطان بعمق، حيث يعبر الفن عن الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة منذ العصور القديمة وحتى اليوم، يمكن تتبع العلاقة بين الفن وحقوق الإنسان عبر التاريخ لرؤية كيف استخدم الفن لتحدي الظلم، وتحفيز التغيير، وإلهام المجتمعات.
منذ العصور القديمة، استخدم الفن كوسيلة للتعبير عن القيم الإنسانية والحقوق الأساسية، وكانت الأعمال الفنية الدينية تمثل قيم المحبة والرحمة، خلال عصر النهضة، ركز الفنانون مثل ليوناردو دا فينشي ومايكل أنجلو على الجمال الإنساني وكرامة الفرد، مما يعكس تطور مفهوم حقوق الإنسان.
وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع بروز الحركات الاجتماعية والسياسية الكبرى، استخدم الفنانون أعمالهم للتعبير عن الأفكار الجديدة حول الحرية والمساواة. خلال الثورة الفرنسية، كانت الأعمال الفنية وسيلة قوية لنقل الأفكار الثورية والمطالبة بحقوق الإنسان.
وفي القرن العشرين، أصبح الفن وسيلة للتغيير الاجتماعي، وشهد العالم استخدامًا مكثفًا للفن كوسيلة للتغيير الاجتماعي والنضال من أجل حقوق الإنسان، خلال حركات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، استخدم الفنانون موسيقى الجاز والبلوز والراب للتعبير عن الظلم العنصري والمطالبة بالمساواة.
وفي جنوب إفريقيا، كانت الأعمال الفنية جزءًا من النضال ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد).
الفن الحديث والمعاصر مستمر في لعب دور مهم في التوعية بقضايا حقوق الإنسان، الفنانون مثل بانكسي يستخدمون الجرافيتي لتسليط الضوء على قضايا اللاجئين، والفنانة آي ويويو تخلق أعمالاً فنية تعبر عن القمع السياسي.

من كتبوا عن الفن وحقوق الإنسان
العديد من الكتاب والنقاد الفنيين تناولوا العلاقة بين الفن وحقوق الإنسان، من بينهم:
-جون بيرغر: في كتابه "Ways of Seeing" (طرق الرؤية)، يناقش بيرغر كيف يمكن للفن أن يعكس ويؤثر على المفاهيم الاجتماعية والسياسية.
-سوزان سونتاغ: في كتابها "Regarding the Pain of Others" (حول ألم الآخرين)، تتناول سونتاغ كيف يمكن للفن أن ينقل معاناة البشر ويثير التعاطف والتفكير.
-مارثا نوسباوم: في أعمالها، تناقش الفيلسوفة نوسباوم دور الأدب والفن في تعزيز التعاطف والفهم المتبادل، وهو أساس حقوق الإنسان.
تأثير الفن على حقوق الإنسان
يمكن للفن أن يكون أداة قوية في نشر الوعي بحقوق الإنسان وتحفيز التغيير الاجتماعي، من خلال تحفيز العواطف، يمكن للأعمال الفنية أن تخلق روابط عميقة بين الناس وتجعلهم أكثر إدراكًا للظلم والقضايا الاجتماعية.
ويمكن للفن أن يعمل كوثيقة تاريخية تسجل الأحداث والانتهاكات، وتكون شاهدة على الأوقات الصعبة والتحولات الكبرى، الفن وحقوق الإنسان هما شريكان طبيعيان في السعي نحو عالم أكثر عدالة وإنسانية، من خلال تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية وإلهام التغيير، يظل الفن قوة مؤثرة في تعزيز حقوق الإنسان عبر العصور.