قانون "ليهي".. جدلية التطبيق والانتقائية في ظل الدعم الأمريكي لإسرائيل وتأثيره على المنطقة العربية
قانون "ليهي".. جدلية التطبيق والانتقائية في ظل الدعم الأمريكي لإسرائيل وتأثيره على المنطقة العربية
في عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا، تظل سياسات حقوق الإنسان وحمايتها محورًا أساسيًا في العلاقات الدولية، ويمثل قانون "ليهي" الذي يفرض على الحكومة الأمريكية عدم تمويل أي قوات أجنبية يتأكد تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان، أداة هامة في السياسة الخارجية الأمريكية.
إلا أن هذا القانون، رغم نواياه النبيلة، يواجه انتقادات عديدة، خاصة في ظل استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين وتأثير هذا الدعم على المنطقة العربية بأسرها.
تمت تسمية قانون "ليهي" تيمنًا بالسيناتور باتريك ليهي، ويتضمن القانون بنودًا تلزم وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكية بإجراء تحقيقات شاملة في تقارير انتهاكات حقوق الإنسان المقدمة من مصادر موثوقة مثل منظمات حقوق الإنسان والتقارير الإعلامية. في حال التأكد من صحة هذه التقارير، يتم وقف جميع أشكال المساعدات العسكرية للوحدات المتورطة، مع اشتراط تنفيذ إجراءات إصلاحية لاستئناف الدعم مستقبلاً. ومع ذلك، يظل تطبيق هذا القانون محل جدل واسع، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تشير الأرقام والبيانات إلى أن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل مساعدات عسكرية تتجاوز 3.8 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الأخيرة، ورغم التقارير المتعددة من منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في هذا النزاع، لم يتأثر الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل بنفس القدر.
هذا يثير تساؤلات جدية حول انتقائية تطبيق القانون وتأثير العلاقات السياسية والاستراتيجية على قرارات التمويل العسكري، على سبيل المثال، تقارير منظمات مثل بتسيلم والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان توثق انتهاكات مستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك عمليات الإخلاء القسري وهدم المنازل والاستخدام المفرط للقوة. ومع ذلك، لم نشهد تطبيقًا ملموسًا لقانون "ليهي" لوقف أو حتى تقليص المساعدات العسكرية لإسرائيل، مما يعكس ازدواجية المعايير في تطبيق القانون ويضعف مصداقيته.
في المقابل، نجد تطبيقًا أكثر صرامة لقانون "ليهي" في مناطق أخرى مثل الفلبين ونيجيريا، حيث تم تعليق المساعدات العسكرية بسبب تقارير موثوقة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
هذه الانتقائية في التطبيق تضعف من فعالية القانون وتثير الشكوك حول نزاهة الالتزام الأمريكي بحقوق الإنسان، وتتجاوز تداعيات تطبيق قانون "ليهي" الجانب الإنساني لتشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية في دول مثل العراق واليمن، حيث تتلقى القوات المحلية دعمًا أمريكيًا، يمكن أن يؤدي وقف هذا الدعم إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية، مما يزيد من معاناة السكان المدنيين.
في هذه الحالات، يصبح القانون سلاحًا ذا حدين، حيث إن تطبيقه الصارم قد يؤدي إلى تدهور أمني يزيد من انتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من تقليلها.
وتطبيق قانون "ليهي" في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على وجه الخصوص، يبقى محلاً للجدل، فعلى الرغم من الأدلة القوية على انتهاكات حقوق الإنسان، يستمر الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل بلا هوادة.
هذا الوضع يثير تساؤلات حول مدى تأثير السياسة والضغط اللوبي على قرارات التمويل العسكري الأمريكي.
وفي المنطقة العربية، وبالأخص في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يبقى هذا القانون أقرب إلى ورقة ضغط دبلوماسية غير مفعّلة بشكل حقيقي.
ويرى خبراء أن قانون "ليهي"، رغم أهميته النظرية كأداة لضمان احترام حقوق الإنسان، يعاني من تطبيق انتقائي يؤثر سلبًا على فعاليته، وأن الوضع الحالي يتطلب تقييما جادا لكيفية تطبيق قانون "ليهي"، بما يضمن تحقيق أهدافه الإنسانية بعيدًا عن الاعتبارات السياسية الضيقة.
ويجب أن تشمل هذه المراجعة ضرورة مراجعة العلاقات العسكرية والدعم المقدم لدول متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان أن تكون حقوق الإنسان هي الأولوية في أي قرار يتعلق بالتمويل العسكري. فقط من خلال هذا النهج، يمكن أن يحقق قانون "ليهي" أهدافه الحقيقية في تعزيز حقوق الإنسان ومنع الانتهاكات على مستوى عالمي.
قانون "ليهي" بحاجة إلى إصلاحات وتعديلات تضمن تطبيقه بشكل عادل وشامل، بعيدًا عن الانتقائية، هذا يتطلب شجاعة سياسية ورؤية استراتيجية تضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية، مما يسهم في تعزيز السلام والاستقرار في مناطق الصراع، وحماية حقوق الإنسان بشكل فعّال وحقيقي.
الدعم الأمريكي لإسرائيل في صراعها مع فلسطين
بدوره علق الحقوقي الفلسطيني محمود الحنفي بقوله: يستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل في صراعها مع فلسطين، بكل الأوجه وفي كل الأوقات خاصة في الحرب الأخيرة، تمثل الدعم في الأسلحة الثقيلة والمتفجرات والأموال التي تقتل آلاف الأبرياء، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى فعالية وشفافية تطبيق القانون" ليهي" في هذه الحالة، فالقانون الذي تم سنه في التسعينيات، يهدف بشكل واضح إلى منع وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكية من تقديم مساعدات عسكرية لأي قوات أجنبية تتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، تنص بنود القانون على ضرورة إجراء تحقيقات دقيقة في أي تقارير موثوقة عن انتهاكات حقوق الإنسان، ووقف المساعدات لأي وحدة عسكرية تثبت مسؤوليتها عن مثل هذه الانتهاكات، لكن عندما ننظر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، نجد أن هناك فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي، فإسرائيل تتلقى مليارات الدولارات سنويًا كمساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، وهو رقم ضخم يعكس الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، هذا الدعم يأتي في ظل تقارير حقوقية متعددة تشير إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وتابع، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية فإن القوات الإسرائيلية قامت بعدة عمليات عسكرية أسفرت عن مقتل وجرح العديد من المدنيين الفلسطينيين، وتدمير ممتلكات مدنية، وتهجير الآلاف من منازلهم. هذه العمليات غالبًا ما تتضمن استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ووصفت الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية قبل الحرب الأخيرة بأنها ترتقي إلى جرائم الفصل العنصري والاضطهاد، مما يشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، هذه التقارير تضع الولايات المتحدة في موقف محرج، حيث يظهر الدعم العسكري المستمر لإسرائيل كتناقض واضح مع قانون ليهي.
واسترسل الحنفي: على الرغم من أن القانون يهدف إلى منع استخدام المساعدات الأمريكية في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل يستمر بلا انقطاع، هذا الدعم يُفسر غالبًا بأنه نتيجة للعلاقات الاستراتيجية والسياسية القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تتجاوز في كثير من الأحيان الاعتبارات الحقوقية، إضافة إلى ذلك، يؤثر الدعم الأمريكي لإسرائيل سلبًا على المنطقة العربية بأسرها، فهو يعزز من حالة عدم الاستقرار، ويؤدي إلى تصاعد التوترات والعنف في المنطقة، وترى البلدان العربية في هذا الدعم انحيازًا واضحًا ضد حقوق الفلسطينيين، مما يساهم في تأجيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المنطقة.
محمود الحنفي
وأتم، يتضح أن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في كيفية تطبيق قانون ليهي، خاصة في ما يتعلق بالدعم العسكري لإسرائيل.
تأثير قانون ليهي على العرب والعلاقات بينهم وبين إسرائيل
قالت الحقوقية الكويتية، مها برجس، إن قانون ليهي، ترك أثراً سلبياً ملحوظاً على العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وكذلك على الشراكات مع الدول الغربية، حيث تنص أحكام هذا القانون على إيقاف المساعدات العسكرية الأمريكية لأي قوات تتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ومع ذلك، فإن تطبيق هذا القانون بشكل انتقائي، خاصة مع استمرار الدعم العسكري لإسرائيل، أثار العديد من التساؤلات حول نزاهة وحيادية السياسات الأمريكية في المنطقة.
وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، بالنسبة للدول العربية، فقد أدى قانون ليهي إلى تعقيد العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، مما أدى إلى إضعاف الروابط التجارية والاقتصادية بين الطرفين، هذا القانون، في نظر الدول العربية، يعزز من الشعور بالظلم والتمييز، حيث ترى هذه الدول أن الولايات المتحدة تتبنى معايير مزدوجة بانحيازها لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين.
وأضافت، من الناحية السياسية، استفادت إسرائيل من هذا القانون لتعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بفضل الدعم الأمريكي المستمر، واصلت إسرائيل سياسات الاستيطان والتهويد، مما أدى إلى زيادة التوتر والصراع في المنطقة، ويشير العديد من المراقبين إلى أن الدعم غير المشروط لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة يعزز من موقف إسرائيل التفاوضي ويجعل من الصعب تحقيق حل عادل ودائم للنزاع، واقتصادياً، أدى قانون ليهي إلى تقييد فرص التعاون بين الدول العربية وإسرائيل، مما يعرقل إمكانية تطوير شراكات اقتصادية يمكن أن تسهم في استقرار المنطقة وازدهارها، علاوة على ذلك، فإن هذا القانون يضع الدول العربية في موقف حرج عند محاولتها الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة مع السعي لحماية حقوق الإنسان في الوقت ذاته.
واسترسلت مها برجس، اجتماعياً، أدى هذا القانون إلى زيادة الشعور بالإحباط والاستياء بين الشعوب العربية، التي ترى في السياسة الأمريكية دعماً لاحتلال الأراضي الفلسطينية وانتهاكا لحقوق الإنسان، هذا الشعور يزيد من العداء تجاه الولايات المتحدة ويضعف جهودها في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.
مها برجس
وأتمت، في المجمل فإن قانون ليهي له تأثير سلبي على الدول العربية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنه يساهم في تعميق الانقسام والصراع في المنطقة، بدلاً من تحقيق السلام والاستقرار، وهناك حاجة ماسة لمراجعة هذا القانون والعمل على تحقيق المساواة والعدالة في التعامل مع جميع الأطراف في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ويتطلب ذلك التزاماً جاداً من الولايات المتحدة لإعادة تقييم سياساتها في المنطقة وضمان تطبيق مبادئ حقوق الإنسان بشكل عادل وغير متحيز، مما يعزز من فرص السلام والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط.
تعديلات تشريعية مهمة
وبدوره علق خبير القانون الدولي كمال يونس بقوله، إن قانون "ليهي" يعتبر واحدًا من الآليات الهامة في القانون الدولي الإنساني، حيث يهدف إلى حماية المدنيين في الحروب والصراعات المسلحة، ومع ذلك، فإن هذا القانون قد يحتاج إلى بعض التعديلات والتحسينات لتعزيز فعاليته ومواكبته للتطورات الدولية والتحديات الجديدة التي تواجه المدنيين في المناطق المتضررة من النزاعات، وينبغي تعزيز حماية المدنيين في القانون الدولي الإنساني، وذلك من خلال توسيع نطاق التعريف للمدنيين وتحديد الممارسات التي يجب حمايتها بشكل أكبر خلال النزاعات المسلحة، أيضا الدول التي لا تطبق القانون وعلى رأسها أمريكا بسبب دعمها الدائم لإسرائيل، ومن الضروري توسيع نطاق تطبيق قانون "ليهي" ليشمل جميع الصراعات المسلحة بما في ذلك النزاعات غير الدولية والصراعات الداخلية، لضمان حماية أوسع للمدنيين في جميع الظروف.
وأضاف يونس في تصريحات لـ"جسور بوست"، يجب تعزيز المسؤولية الجنائية لأولئك الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية خلال النزاعات المسلحة، بما في ذلك توفير إجراءات قانونية فعالة لملاحقة المتورطين وتقديمهم للعدالة، وفي مجال تنفيذ وتطبيق قانون "ليهي"، بما في ذلك تبادل المعلومات والخبرات والتعاون في التحقيقات الجنائية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، أيضًا يجب تحسين آليات المراقبة والتقييم لتقييم تنفيذ قانون "دلهي" ومدى فعاليته في حماية المدنيين، بما في ذلك إنشاء آليات مستقلة لمراقبة الالتزام بالقانون وتقديم التقارير المنتظمة حول الحالة في المناطق المتضررة.
كمال يونس
وأتم، تعتبر التعديلات القانونية والتشريعية المقترحة لقانون "ليهي" خطوة هامة نحو تعزيز حماية المدنيين في النزاعات المسلحة وتعزيز الالتزام بقواعد القانون الإنساني الدولي، ويتطلب تحقيق هذه التعديلات التعاون الدولي والتزام الدول بتعزيز حماية حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم.