76 عاماً على تأسيس "الخوذ الزرقاء".. سؤال الفاعلية والتحديات

76 عاماً على تأسيس "الخوذ الزرقاء".. سؤال الفاعلية والتحديات

بينما نحيي الذكرى السنوية السادسة والسبعين لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، فإننا نطالع صفحات مشرفة من تاريخ طويل، حفر سطورها أكثر من مليون من حفظة السلام الذين خدموا تحت علم الأمم المتحدة في أكثر من 70 عملية لحفظ السلام في 4 قارات، منذ نشأة عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام عام 1948. وعمل أصحاب الخوذات الزرقاء على مدى العقود السبعة الماضية من دون كلل، من أجل تخفيف حدة النزاعات وحماية المدنيين وتوافر الضمانات الأمنية الأساسية، والاستجابة للأزمات وتسهيل الانتقال إلى السلام المستدام في بعض من أكثر البيئات صعوبة حول العالم. وهم بذلك ساهموا في مساعدة البلدان على طي صفحات الصراع وبدء مسار نحو التنمية المستدامة، حتى لو ظلت بعض التحديات الكبيرة ماثلة أمام جهود بناء السلام.

وكانت مصر داعماً أساسياً لجهود الأمم المتحدة في حفظ السلام، إذ ساهمت بقوات من الجيش والشرطة وأفراد مدنيين وخبراء في عدد من البعثات في أنحاء المعمورة. كما حفرت مصر سجلاً مبهراً على صعيد إنجازات عمليات حفظ السلام على مدى أكثر من 60 عاماً. وهي بذلك تعد واحدة من الدول الأساسية التي جعلت نجاح عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام ممكناً. فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة. وباعتبارها واحدة من كبريات الدول التي تساهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية.

وعلى قدر ذلك السجل الحافل من الإنجازات المصرية على مستوى عمليات حفظ السلام على مدى أكثر من 60 عاماً من وجودها، على قدر ما كانت تضحيات مصر عظيمة، إذ جاد 60 من أصحاب الخوذات الزرقاء الشجعان من مصر بأرواحهم في سبيل السلام.

إن هذه الخدمة والتضحية محل تقدير واعتراف العالم. وتجسد ذلك في إعادة انتخاب مصر كمقرر خاص للجنة الأمم المتحدة الخاصة لعمليات حفظ السلام، وانتخابها أخيراً كرئيس لمفوضية الأمم المتحدة لبناء السلام. وفضلاً عن هذا، فإن اعتماد خريطة طريق القاهرة المعنية بتعزيز عمليات حفظ السلام اتساقاً مع توجه الاتحاد الأفريقي، يظهر القيادة القوية لمصر في هذا المجال.

وفي ظل ما نشهده في عالمنا اليوم من تعقيدات وبيئة أمنية لا تنفك تتغير، فإننا أحوج ما نكون اليوم إلى إيجاد تعاون متعدد الأطراف يتسم بالفعالية. فالصراعات تنشأ بين الفينة والأخرى، مع عواقب إنسانية مدمرة في كثير من الأحيان. وكذلك، فإن بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام تواجه تهديداً متنامياً وغير مسبوق، جراء تسليح الأدوات الرقمية، وانتشار خطاب الكراهية، والمعلومات المضللة والتضليل، مما يقوض العمل الحيوي الذي يضطلع به حفظ السلام، ويتسبب في تغذية العنف ضد أفراد حفظ السلام والشركاء والمجتمعات.

ومن خلال مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام، أضافت مصر صوتاً قيادياً من الجنوب العالمي حول طيف واسع من الموضوعات، بما في ذلك منع وتسوية النزاعات وحفظ السلام وبناء السلام. وينفرد مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام بكونه مركز تميز للاتحاد الإفريقي، ومركز التدريب المدني الوحيد على قضايا السلم والأمن. ومن خلال شراكة فعالة مع أسرة الأمم المتحدة في مصر، بات المركز ركيزة لتعزيز الحوار وجهود التفاوض والوساطة، والإنذار المبكر والاستجابة وإدارة الأزمات في أفريقيا والعالم العربي.

ومع تطور عمليات حفظ السلام لتعكس احتياجات المجتمعات السكانية التي تخدم فيها، باتت النساء تضطلعن بدور متزايد في أسرة حفظ السلام، ومن ثم يسهمن في زيادة فعاليتها. وهو مجال لمصر فيه أيضاً دور فعال، إذ تعد حافظات السلام المصريات -حالياً، يخدم 102 منهن في 5 بعثات لحفظ السلام في أنحاء إفريقيا- نماذج تحتذى أينما شاركن في مهمات حفظ السلام.

اختارت الأمم المتحدة موضوعاً للاحتفال باليوم الدولي لحفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لهذا العام، "ملائمة متطلبات المستقبل، البناء معاً على نحو أفضل"، وهو موضوع يشير إلى أهمية أن تمتلك عمليات حفظ السلام القدرة على التكيف مع التغيرات التي طرأت على البيئات السياسية وطبيعة الصراعات، والتي باتت أكثر تعقيداً وتداخلاً.

وكما يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "لكي يتمكن حفظة السلام الأمميون من الاستجابة لتحديات اليوم والغد، فهم بحاجة إلى دعم العالم". وعلى هذا النحو، فلن يتسنى للدول معالجة مسألة منع الصراعات وحلها بطريقة شاملة ومستدامة من دون وضع رؤى الشباب في الاعتبار عند التخطيط وصناعة القرار. ويعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250، حول الشباب والسلام والأمن، علامة فارقة في اعترافه بأهمية دور الشباب في منع وحل الصراعات.

وفضلاً عن هذا، فإن أزمة المناخ تشكل تهديداً متنامياً للسلم والأمن الدوليين، مع ارتفاع مستويات سطح البحر وموجات الجفاف والفيضانات وغيرها من الأحداث المناخية، وتسلط الضوء على الحاجة إلى امتلاك عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام القدرة على التكيف وتخفيف خطر الصراعات الناشئة بفعل تغير المناخ. وعلى رغم الإسهامات التي لا تكاد تذكر لإفريقيا في الاحتباس الحراري العالمي، فإن القارة السمراء تواجه على نحو غير متناسب أسوأ آثار تغير المناخ.

وكان للمبادرة الرائدة لرئاسة الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ، في شرم الشيخ، بمصر COP27، والتي جاءت بعنوان "الاستجابات المناخية من أجل السلام المستدام" CRSP السبق في هذا السياق، إذ قادت النقاش حول إمكانية أن يفاقم تغير المناخ من أخطار العنف والصراع وغيرهما من أوجه الضعف الوطنية، وكذلك الحاجة إلى مقاربة شاملة متعددة الوجوه لتلك المسائل.

ونقلت مصر هذه المبادرة إلى آفاق أكثر رحابة عبر إطلاق منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين. هذا المنتدى السنوي المهم، الذي ينعقد هذا العام في الثاني والثالث من يوليو (تموز) في القاهرة، ويتيح منصة هي الأولى من نوعها في إفريقيا لمعالجة الروابط بين السلام والتنمية وتعزيز الحلول الأفريقية ومقاربة بناء السلام من منظور مناخي.

واليوم، وبينما نحيي اليوم الدولي لحفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لهذا العام، تذكرنا هذه المناسبة بأن حاجتنا إلى تجديد التزامنا المشترك بمزيد من العمل لتعزيز حلول سياسية للصراعات، لم تكن أكثر إلحاحاً مما هي عليه الآن. وبحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة، فإن "عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام هي مشروع لافت لتعددية الأطراف والتضامن الدولي".

وفي سبتمبر 2024، ستجتمع الدول الأعضاء في قمة المستقبل، وسيعملون على صياغة استجابتنا الجماعية للتهديدات العالمية الناشئة. وسيكون على عاتق الدول الأعضاء خلال هذا الاجتماع المهم مسؤولية تعزيز العمل متعدد الأطراف وتوحيد الجهود من أجل أن تكون عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام أكثر فعالية وخاضعة للمساءلة وشاملة، في ضوء ما ورد بـ"خطة جديدة للسلام"، وهي رؤية الأمين العام للأمم المتحدة عن كيفية تعزيز الجهود متعددة الأطراف من أجل السلام، استناداً إلى القانون الدولي، في لحظة انتقالية يعيشها العالم.


نقلاً عن صحيفة "إندبندنت عربية"


 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية