"الإيكونوميست": لماذا تبدو أمريكا محصنة ضد مشكلات الاقتصاد العالمي؟
"الإيكونوميست": لماذا تبدو أمريكا محصنة ضد مشكلات الاقتصاد العالمي؟
تُعد السياسة النقدية إحدى الطرق التي يبرز بها الاقتصاد الأمريكي، فقد قام بنك الاحتياطي الفيدرالي في 12 يونيو بتأجيل خططه للتخفيف النقدي مرة أخرى، وعلى الرغم من أن أسعار الفائدة في أمريكا ارتفعت أعلى من نظيراتها في الدول الغنية الكبرى الأخرى وأن التضخم آخذ في الانخفاض، فإن مؤشر متوسط أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي يتوقع خفضاً بمقدار ربع نقطة مئوية فقط هذا العام.
ووفقا لمجلة "الإيكونوميست"، يُعَد بعض التباعد النقدي نتيجة طبيعية للنمو الأقوى في أمريكا، ولكن الأمر اللافت للنظر على نحو متزايد بشأن النشاط النسبي الذي تتمتع به أمريكا هو مدى حصانتها التي تبدو في مواجهة التهديد المتمثل في الخلل السياسي والضعف المالي، وهي العوامل التي تؤثر بشكل كبير على بقية العالم.
وفقا لأحدث توقعات البنك المركزي الأوروبي، سوف ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.9% في عام 2024، وتشير التقديرات اللحظية الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى أن الاقتصاد الأمريكي ينمو حاليا بأكثر من ثلاثة أضعاف هذه الوتيرة، فيما تواجه الصين أزمة عقارية وتهديداً بالانكماش، وكانت اليابان تدافع عن عملتها الضعيفة، وأصبحت بريطانيا مرادفا للإنتاجية المروعة.
ويعني مزيجاً من النمو القوي والدولار القوي أن حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأسعار صرف السوق، والتي ينبغي أن تنخفض مع اللحاق بأكبر اقتصاد في العالم، آخذة في النمو بدلاً من ذلك.
وفي أماكن أخرى، يشعر المستثمرون بالخوف إزاء نتائج الانتخابات، وخاصة عندما تكون الحكومات ضعيفة ماليا، وبعد أن أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون إجراء انتخابات برلمانية مفاجئة في 9 يونيو، بيعت السندات الفرنسية، ما أدى إلى اتساع الفارق بين عائداتها وعائدات السندات الألمانية الآمنة.
ويعتقد صندوق النقد الدولي أن فرنسا بحاجة إلى تشديد مالي بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق الاستقرار في ديونها بحلول عام 2029. ومع ذلك، خاض حزب التجمع الوطني الصاعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة على مقترحات ضريبية وإنفاق جديدة بقيمة ربما تصل إلى 100 مليار يورو (3.6% من الناتج المحلي الإجمالي) سنويا.
وفي المكسيك انخفض البيزو بنحو 10% في مقابل الدولار منذ الفوز الساحق الذي حققته كلوديا شينباوم، المرشحة الرئاسية اليسارية، في الانتخابات، وهوت أسواق الهند بعد أن بدا أن قدرة ناريندرا مودي على تفعيل الإصلاحات قد ضعفت، رغم أنها تعافت إلى حد كبير منذ ذلك الحين.
تبدو أمريكا وحدها قادرة على التخلص من عدم اليقين السياسي والهشاشة المالية، ويعني عجزها الأساسي الذي يبلغ 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي أن التشديد المالي اللازم لتثبيت استقرار ديونها أكبر من نظيره في فرنسا، حتى بعد احتساب النمو الأسرع.
وتخلق العودة المحتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض خطر اتساع نطاق العجز، والتدهور المؤسسي، وربما حتى تسييس السياسة النقدية، ومع ذلك، لا توجد علاوة مخاطر على ديون الحكومة الأمريكية، وكأن التضخم قد هُزِم إلى الأبد، وأن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف تسير وفقاً للتوقعات تماماً (على الرغم من حقيقة أنها لم تكن كذلك في الماضي).
في معظم البلدان يشكل العجز الكبير تهديدا، وفي أمريكا يتم التعامل معها ببساطة على أنها تدعم النمو وأسعار الفائدة، ما يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار، وتزدهر سوق الأسهم مرة أخرى، يغذيها التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي.
وتختتم "الإيكونوميست" تحليلها قائلة، إن الرهان ضد أمريكا يبدو وسيلة مؤكدة لخسارة المال، ومع ذلك، فإن المكانة الفريدة للعم سام ذات حدين، وكلما زاد اعتماد العالم على الديناميكية الأمريكية والثقة في الدولار، تعاظمت الأضرار التي قد يلحقها الخلل السياسي والسياسة المالية المتهورة في واشنطن في النهاية.
وإذا استسلمت أمريكا للشعبوية، وأزمة الميزانية، والتضخم، فسوف يجد العالم أنه لا يوجد اقتصاد آخر قادر على توفير أصول آمنة يدعمها اقتصاد ضخم، وأسواق رأسمالية عميقة، وحساب رأسمالي مفتوح، وسيادة القانون، فأمريكا هي الحصن الوحيد للاقتصاد العالمي، ومن الغريب أن هذا يشكل ثغرة أمنية خطيرة.