"الموت البطيء".. سكان غزة يعانون رائحة القمامة المتحللة والأمراض والقوارض وسط الحرب
"الموت البطيء".. سكان غزة يعانون رائحة القمامة المتحللة والأمراض والقوارض وسط الحرب
تطرأ تغيرات جديدة على مشاهد الحياة في مختلف أنحاء قطاع غزة بسبب الحرب، حيث تشكل جبال القمامة النتنة مخاطر شديدة على الصحة والبيئة.
وتقول أسمهان المصري، وهي امرأة نازحة من بيت حانون في الشمال، والتي أصبح منزلها الآن أرض خراب في خان يونس: "لم نعش بجوار القمامة من قبل".
وتستدرك في حديثها: “إنني أبكي مثل أي جدة أخرى بسبب مرض أحفادها وإصابتهم بالجرب. هذا أشبه بالموت البطيء.. نحن لا نعيش بكرامة”.
وتشير التقديرات إلى أنه، وفي غضون ثمانية أشهر، تراكم أكثر من 330,400 طن من النفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية، حسب ما تقول الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية العاملة في مجال الصرف الصحي وفقا لشبكة" بي بي سي".
ويعيش 16 فرداً من عائلة المصري في خيمة في مخيم قريب من جامعة الأقصى، وتحيط بالخيمة سحب من الذباب وبعض الأحيان الثعابين، ويمكن للكلاب الضالة أن تتجول في مكان قريب، ما يشكل تهديداً على السكان، الذي يشكي جميعهم من الرائحة الكريهة المستمرة.
وتقول أسمهان: "الرائحة مزعجة للغاية. أبقي باب خيمتي مفتوحاً حتى أتمكن من الحصول على بعض الهواء، لكن لا يوجد هواء. توجد فقط رائحة القمامة".
وقد اضطر بعض الأشخاص الذين فروا مؤخراً من الهجوم العسكري الإسرائيلي على مدينة رفح الجنوبية، والذين يزيد عددهم على مليون شخص، إلى العيش في مناطق مفتوحة تحولت بالفعل إلى مكبات نفايات مؤقتة.
ويقول علي ناصر، الذي انتقل مؤخراً من منزله في مدينة رفح إلى مخيم جامعة الأقصى: "لقد بحثنا في كل مكان عن سكن مناسب، لكن نحن عددنا 18 شخصاً ويتضمن هذا العدد أطفالنا وأحفادنا، ولم نجد أي مكان آخر يمكننا أن نعيش فيه معاً".
ويستدرك في حديثه: "لقد كلفتنا الرحلة إلى هنا أكثر من 1000 شيكل (268 دولاراً أمريكياً) والآن تم تدمير مواردنا المالية. ليس لدينا وظائف ولا دخل، ولذلك نحن مجبرون على العيش في هذا الوضع المُزري. نعاني من القيء والإسهال والحكة المستمرة في الجلد".
وقبل الحرب، أدى الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، إلى فرض ضغط شديد على الخدمات الأساسية، مثل التخلص من النفايات.
كما أن القيود المشددة التي فرضتها إسرائيل على كل ما يمكن أن يدخل إلى القطاع، والتي قالت إنها أسباب أمنية، تعني عدم وجود عدد كافٍ من شاحنات القمامة، ونقص المعدات اللازمة لفرز وإعادة تدوير النفايات المنزلية والتخلص منها بشكل صحيح.
ومنذ هجوم حماس المميت في السابع من أكتوبر، منع الجيش الإسرائيلي الوصول إلى المنطقة الحدودية، حيث يقع موقعا دفن النفايات الرئيسيان في غزة. ويقع أحدهما في جحر الديك وكان يخدم منطقة شمال القطاع سابقاً، بينما يقع الآخر في الفُخاري وكان يخدم المنطقتين الوسطى والجنوبية.
ويقول مدير التخطيط في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا سام روز: "إننا نشهد أزمة في إدارة النفايات في غزة، وهي أزمة تفاقمت كثيراً خلال الأشهر القليلة الماضية".
وقد أظهرت فيديوهات بُثت على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي تزايد مدافن النفايات المؤقتة تزامنناً مع موجات فرار إلى بلدات ومدن مختلفة.
وكان تحليل صور الأقمار الصناعية الذي أجراه فريق وحدة التحقق في بي بي سي، قد سلط الضوء في وقت سابق على جانب آخر من مشكلات الصرف الصحي، حيث أظهر أن نصف مواقع معالجة المياه والصرف الصحي في قطاع غزة قد تضررت أو دُمرت منذ بدء إسرائيل عمليتها العسكرية ضد حماس.
ويقول سام روز: "رأينا بركاً من الرواسب ذات اللونين الرمادي والبني، ويعيش حولها الناس لأنه ليس لديهم خيار، وقد رأينا أكواماً كبيرة من القمامة. وتترك هذه الرواسب خارج منازل السكان أو في داخل بعض الأماكن. كما يُضطر الناس إلى التحرك بالقرب من مدافن النفايات المؤقتة التي أُنشئت".
ويضيف سام روز: "الناس تعيش حرفيا وسط النفايات"
ولقد أثقل النزوح الجماعي كاهل السلطات المحلية، التي عادة ما تتعامل مع مرافق مُدمرة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر. وتشكو السلطات المحلية من نقص العمالة والأدوات وعربات جمع القُمامة وكذلك نقص الوقود لتشغيل تلك السيارات.
ويعرب المسؤول في بلدية خان يونس عمر مطر، عن أسفه بسبب الأوضاع الإنسانية المروعة لأولئك الذين يعيشون الآن بجوار جامعة الأقصى.
ويضيف عمر: "لا تلبي مكبات النفايات العشوائية هذه المعايير الصحية والبيئية. فهي لا تمنع انتشار الروائح والحشرات والقوارض".
ويوضح قائلاً: "لقد أُنشئت سابقاً كإجراء طارئ بسبب إغلاق مكب صوفا في منطقة الفُخاري، لحين إيجاد حل بالتعاون مع المؤسسات الدولية، لنقل النفايات هناك".
ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه شارك مؤخراً في جمع 47 ألف طن من النفايات من وسط وجنوب غزة، ووزع 80 ألف لتر من الوقود لدعم جهود التنظيف.. ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به.
ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، ظهرت تحذيرات جديدة من وكالات الإغاثة، بشأن المخاطر الصحية التي تشكلها القمامة الكثيرة المتراكمة.
ومع ذلك، يدفع اليأس العديد من سكان غزة إلى تحمل مخاطر إضافية كالبحث عن شيء للأكل أو الاستخدام أو البيع.
ويقول محمد، وهو واحد من مجموعة من الصبية الذين يجمعون القمامة بالقرب من منطقة دير البلح التي تمتلئ بنفايات علب وجبات المساعدات: "نأتي كل يوم إلى هنا معاً للبحث عن صناديق من الورق المقوى وأشياء أخرى يمكن حرقها لإشعال النيران".
وتُبذل كذلك جهود بدائية في المنطقة ذاتها لتنظيف المواقع التي ضربتها الغارات الجوية الإسرائيلية.
ويقول مازاد أبو ميلة، وهو نازح من بيت لاهيا، إنه يبحث عن خردة معدنية يمكنه استخدامها لبناء فرن.
ويضيف: "لقد تركنا كل أموالنا وراءنا، متاجرنا وسياراتنا ومواشينا ومنازلنا. تركنا كل شيء. وهذا هو الخطر الذي يهدد صحتنا. لم أكن لأذهب إلى مكب النفايات من قبل، لكن الجميع يأتون الآن إلى هنا".