فضيحة تسريب البيانات تلتهم بقايا الأمان للاجئين السوريين في تركيا

فضيحة تسريب البيانات تلتهم بقايا الأمان للاجئين السوريين في تركيا

جرح جديد.. كيف يفتقد اللاجئون السوريون في تركيا الأمان بعد تسريب بياناتهم الشخصية؟

تحت المجهر.. كيف تضررت الخصوصية والأمان للاجئين السوريين بعد تسريب بياناتهم في تركيا؟

تحذيرات حقوقية: تسريب بيانات اللاجئين السوريين يكشف عن نقص في حماية الخصوصية في تركيا

تسريب بيانات اللاجئين السوريين في تركيا.. ماذا يعني هذا لأمانهم ومستقبلهم في بلد اللجوء؟

 

في ليلة هادئة، لم يكن في حسبان ملايين اللاجئين السوريين في تركيا أن تتبدل حياتهم وتقف بعد كشف أسرارها أمام المجهول فجأة، كالصاعقة التي تضرب بلا إنذار، بعدما فوجئ هؤلاء اللاجئون بتسريب بياناتهم الرسمية عبر قناة على تطبيق تلغرام، في عملية تسريب تُعد الأكبر من نوعها في البلاد. 

هذا التسريب لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل كان كالحريق الذي يلتهم بقايا الأمان والخصوصية التي تمسك بها اللاجئون في رحلتهم الشاقة.

نشرت مجموعة مجهولة الهوية بيانات شملت حاملي بطاقات الحماية المؤقتة والإقامات السياحية، بالإضافة إلى السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، وتضمنت القوائم المسربة، التي صُنفت حسب توزع السوريين في مختلف المناطق التركية، معلومات حساسة مثل الأرقام الوطنية (TC)، وأسماء الأب والأم، ومكان وتاريخ الولادة، ومنطقة السكن لكل فرد. هذه المعلومات، كالسيف الذي يسلط على الرقاب، جعلت اللاجئين يشعرون بأنهم مكشوفون ومعرضون للخطر في كل لحظة. 

المجموعة المجهولة لم تكتفِ بنشر المعلومات، بل أرفقت القوائم بصور جوازات سفر سورية، إلا أنه تبين بعد فحصها وجود كثير من الأخطاء الإملائية فيها، ما يرجح كونها مزورة، لكن الأخطاء لم تقلل من حجم الكارثة، بل زادت من الشكوك والمخاوف حول استخدام هذه البيانات في عمليات احتيال أو أهداف خبيثة. 

في إطار الجهود التي تبذلها إدارة مكافحة الجرائم السيبرانية، رُصد منشور على حساب في وسائل التواصل الاجتماعي يحمل اسم المستخدم "انتفاضة تركيا" جاء فيه: "سنبدأ التمرد في سلطان بيلي بين الساعة 19:00 و20:00". 

أظهرت التحقيقات أن مدير الحساب هو طفل يبلغ من العمر 14 عامًا، يُعرف بـ E.P.، والذي تبين أنه المسؤول عن مشاركة معلومات الهوية الخاصة بالسوريين الخاضعين للحماية المؤقتة. 

واتخذت مديرية شرطة الأطفال في إسطنبول الإجراءات اللازمة بحق E.P.، لكن هذه الخطوة أشبه برقعة صغيرة على جرح غائر، إذ لم تهدئ من مخاوف اللاجئين الذين باتوا يرون في كل زاوية ظل تهديد جديد. 

في مخيمات اللجوء ومنازل الضيافة، حيث وجد اللاجئون السوريون ملاذًا آمنًا بعد فرارهم من ويلات الحرب، باتت الأجواء مشحونة بالقلق والخوف، انتشار البيانات المسربة أثار ضجة كبيرة واستياءً واسعًا بينهم، حيث يشعر الكثيرون بالخوف على خصوصيتهم وأمانهم الشخصي، كيف لا؟ وهم الذين هربوا من براثن الصراع ليجدوا أنفسهم في مواجهة تهديد جديد لا يقل خطورة. 

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد عانى اللاجئون عبر التاريخ من محاولات استغلال مأساتهم، ولكن في ظل التطور التكنولوجي الهائل، أصبح الخطر أكثر حدّة، إذ يمكن لمعلومة صغيرة أن تُستخدم في تدمير حياة كاملة.

السلطات التركية، التي طالما كانت موضع جدل في كيفية تعاملها مع ملف اللاجئين، تجد نفسها اليوم في موقف حرج. 

فبعد أن كان يُنظر إليها كملاذ آمن، باتت الآن متهمة بالإهمال في حماية هؤلاء الفارين من جحيم الحروب. 

فيما وجّه ناشطون سوريون اتهامات للحكومة التركية بحماية الجهة التي تقف خلف تسريب بيانات اللاجئين من خلال تحميل طفل قاصر المسؤولية، أشاروا إلى أن القانون التركي يمنع محاكمة القاصرين علناً، ما يعني أن عقوبة الطفل المتهم ستظل غير معروفة. 

وفي ظل توجيه الأنظار كلها نحو الطفل، ظهرت اتهامات لموظفين في دائرة الهجرة التركية ببيع هذه البيانات لشبكات معادية للاجئين. هذه الاتهامات الخطيرة أوردها ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يثير تساؤلات حول الدور الحقيقي للسلطات التركية في حماية بيانات اللاجئين وسلامتهم.

وعلق محللون بأن من حق اللاجئين الذين فروا من وطنهم بحثًا عن الأمان، أن يعيشوا بكرامة وأمان دون خوف من استغلال بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية، وإن كانت السلطات التركية جادة في موقفها، فعليها أن تضع حماية اللاجئين على رأس أولوياتها، ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال والإجراءات الصارمة. 

التاريخ لن يرحم، والأجيال القادمة ستنظر إلى هذه اللحظة لتقيّم مدى إنسانيتنا وتعاطفنا مع من هم في أمس الحاجة إلى العون.

مخاوف عبر السوشيال ميديا

بين غضب وقلق عبّر لاجئون سوريون عن مخاوفهم من تسريب بياناتهم، عبر السوشيال ميديا، خاصة أن العديد منهم لم يغيروا أماكن إقامتهم منذ سبتمبر 2022، ما يجعل البيانات المتداولة دقيقة وصحيحة. 

هذه البيانات يمكن استخدامها لأغراض جنائية، وفقًا لما دون به عدد من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.

وأعرب صحفيون وناشطون في مجال الأمن الرقمي من تركيا وسوريا عن استنكارهم الشديد لنشر بيانات اللاجئين على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وطالبوا السلطات التركية باتخاذ إجراءات لحماية البيانات الشخصية لملايين اللاجئين. 

جدير بالذكر أن البيانات المسربة تتضمن نسخًا من جوازات سفر وهويات اللاجئين السوريين، والتي يمكن الوصول إليها عبر رابط نُشر بدايةً على تطبيق "تليغرام". 

هذه البيانات يمكن أن تُستخدم في شراء خطوط اتصال وفتح عدادات مياه وكهرباء بأسمائهم، دون الرجوع إلى أصحابها، ما يثير مخاوف إضافية لدى اللاجئين السوريين في تركيا.

التسريب يهدد سلامة وأمان اللاجئين

قالت الأكاديمية وخبيرة حقوق الإنسان السورية، ترتيل درويش، إن تسريب بيانات اللاجئين السوريين في تركيا يشكل تهديدًا جسيمًا على سلامتهم وأمانهم، ويعكس تحديات هائلة تواجهها حقوق الإنسان، في المقام الأول، فإن تسريب البيانات الشخصية للاجئين السوريين يعرضهم لخطر مباشر ومتعدد الأبعاد، تلك المعلومات المسربة، والتي تتضمن تفاصيل حساسة مثل الأسماء والأرقام الوطنية وأماكن السكن، يمكن أن تُستخدم بطرق ضارة، فيمكن استغلال هذه البيانات في عمليات احتيال مالي، أو الاستيلاء على الهوية، أو حتى التعرض للعنف والاضطهاد من قبل جماعات معادية.

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، هذه المخاطر ليست مجرد احتمالات نظرية، بل هي تهديدات حقيقية تضع حياة اللاجئين على المحك، كذلك تسريب هذه البيانات يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية، وخاصة الحق في الخصوصية، فحماية البيانات الشخصية تعد جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، واللاجئون، الذين فروا من ويلات الحرب والاضطهاد في بلدهم الأم، يستحقون الأمان والخصوصية في بلد اللجوء. 

واسترسلت، هذا التسريب يعكس تقصيرًا كبيرًا من السلطات التركية في واجبها بحماية هذه الحقوق، الفشل في حماية بيانات اللاجئين يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحسين الإجراءات الأمنية وتطبيق القوانين بشكل أكثر فعالية، إضافة إلى ذلك، تأتي هذه الواقعة لتزيد من تعقيد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في تركيا. 

وأكدت الخبيرة الحقوقية أن اللاجئين السوريين في تركيا يواجهون بالفعل تحديات كبيرة تتعلق بالاندماج الاجتماعي والاقتصادي، والتسريب الأخير يزيد من تعقيد هذه التحديات، من الممكن أن يؤدي انتشار هذه البيانات إلى تصاعد الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين، ما يزيد من العزلة والتهميش الذي يعاني منه هؤلاء الأشخاص. بعبارة أخرى، التسريب يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي وتعزيز الانقسامات القائمة.

واستكملت، التسريب أيضًا يثير تساؤلات حول مدى شفافية ونزاهة المؤسسات الحكومية في تركيا، فتوجيه التهم لطفل قاصر كمذنب وحيد في هذه القضية قد يبدو كأنه محاولة للتغطية على المسألة وإبعاد الشبهات عن الجناة الحقيقيين، من الصعب تصور أن طفلًا في الرابعة عشرة من عمره قد تمكن بمفرده من الوصول إلى هذه البيانات الحساسة ونشرها على نطاق واسع، هذا يثير الشكوك حول ما إذا كانت هناك جهات أخرى، ربما داخل المؤسسات الحكومية نفسها، متورطة في هذا التسريب. 

ترتيل درويش

وعن الناحية القانونية قالت، إن القانون التركي الذي يمنع محاكمة القاصرين علنًا يضيف طبقة أخرى من الغموض إلى القضية، عدم الشفافية في معالجة قضية بهذا الحجم يجعل من الصعب على الجمهور التأكد من تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين، هذه النقطة تعزز الإحساس بالظلم بين اللاجئين والمجتمع الدولي، وتضعف الثقة في قدرة الحكومة التركية على حماية حقوق اللاجئين وضمان سلامتهم.

وأتمت، يجب أن يكون هناك تحقيق شفاف وشامل لتحديد الجناة الحقيقيين ومحاسبتهم. اللاجئون السوريون، الذين عانوا كثيرًا للوصول إلى بر الأمان، يستحقون أن يعيشوا في بيئة تحترم حقوقهم وتصون كرامتهم. هذه الحادثة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار يدفع جميع الأطراف المعنية للعمل بجدية أكبر لحماية حقوق اللاجئين وضمان أمنهم وسلامتهم.

فشل ذريع في الالتزام بالالتزامات الدولية التي تعهدت بها تركيا 

وقال خبير القانون الدولي الأكاديمي، رأفت فودة، إن تسريب البيانات الشخصية للاجئين يعد خرقًا واضحًا لحقوق الإنسان المكفولة بموجب القانون الدولي، والاتفاقيات الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تضمن حق الأفراد في الخصوصية وحماية بياناتهم الشخصية، المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص بوضوح على أن "لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته"، تسريب بيانات اللاجئين يشكل انتهاكًا صارخًا لهذه الحقوق، ما يعرض حياة هؤلاء الأفراد وأسرهم للخطر.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، بالإضافة إلى ذلك، تنص اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين على ضرورة توفير الحماية الكاملة للاجئين، بما في ذلك حماية بياناتهم الشخصية، تسريب هذه البيانات يضع اللاجئين في موقف ضعيف، ويجعلهم عرضة للاستغلال، والتمييز، وحتى العنف.

وأكد فودة، أن هذا الانتهاك يعكس فشلًا ذريعًا في الالتزام بالالتزامات الدولية التي تعهدت بها تركيا كدولة مضيفة للاجئين من الناحية القانونية، هذا التسريب يمكن أن يعتبر انتهاكًا لمبادئ الحماية الدولية للاجئين، وينص القانون الدولي الإنساني على حماية الأفراد الذين فروا من النزاعات المسلحة والاضطهاد، ويشمل ذلك حماية بياناتهم الشخصية من التسريب والاستخدام غير القانوني.

واسترسل، التسريب يعرض هؤلاء الأفراد لمخاطر متعددة، منها الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، والابتزاز، وحتى التهديدات الجسدية، إضافة إلى ذلك، يمكن أن تنظر المنظمات الدولية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، إلى هذا التسريب كخرق للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين. يمكن أن تدعو هذه المنظمات إلى تحقيق دولي ومساءلة قانونية ضد الجناة، ما يعزز الضغوط على السلطات التركية لتصحيح الوضع وضمان عدم تكراره. 

وعن العقوبات المحتملة لمثل هذه الانتهاكات، أشار إلى أنها يمكن أن تشمل مجموعة من التدابير القانونية والإدارية على المستوى الدولي، يمكن أن تواجه تركيا انتقادات حادة وضغوطا دبلوماسية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ويمكن أن تؤدي هذه الضغوط إلى فرض عقوبات سياسية، مثل تعليق بعض المساعدات الدولية أو فرض قيود على التعاون الدولي في مجالات معينة، وعلى المستوى الوطني، يجب أن تتخذ السلطات التركية إجراءات صارمة لمحاسبة المسؤولين عن هذا التسريب.

رأفت فودة

وشدد الخبير القانوني على ضرورة التحقيق بشكل شامل وشفاف، وتقديم الجناة إلى العدالة، والعقوبات القانونية قد تتراوح بين الغرامات المالية الكبيرة والسجن، وفقًا للقوانين التركية المعمول بها هذه الإجراءات ليست فقط ضرورة قانونية، بل هي أيضًا خطوة ضرورية لاستعادة ثقة اللاجئين والمجتمع الدولي في قدرة تركيا على حماية حقوق الإنسان. 

وأضاف، التسريب أيضًا يكشف عن الحاجة الملحة لتعزيز الإجراءات الأمنية المتعلقة بحماية البيانات الشخصية في تركيا. يجب على الحكومة التركية تنفيذ سياسات صارمة لحماية بيانات اللاجئين، بما في ذلك تدريب الموظفين الحكوميين على أفضل ممارسات حماية البيانات وتطبيق التكنولوجيا الحديثة لضمان أمان المعلومات الشخصية. 

وأتم، تسريب بيانات اللاجئين السوريين في تركيا يمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، هذا الحادث يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز حماية البيانات وضمان محاسبة الجناة، يجب على تركيا أن تلتزم بالتزاماتها الدولية وتوفير الحماية الكاملة للاجئين، لضمان أنهم يعيشون بأمان وكرامة. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية