"فايننشيال تايمز": الولايات المتحدة ستكون "الخاسر الأكبر" في الانتخابات الرئاسية القادمة
"فايننشيال تايمز": الولايات المتحدة ستكون "الخاسر الأكبر" في الانتخابات الرئاسية القادمة
حتى اللحظة التي اخترقت فيها الرصاصة أذن دونالد ترامب، بدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية كأنها صراع مأساوي بين "المدانين" و"الضعفاء"، وغذت كارثة أداء جو بايدن المسن في المناظرة الأخيرة مع سلفه المسن تقريبا، شعورا متزايدا بالفعل بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر، بغض النظر عمن سيفوز في نوفمبر المقبل، وفقا لصحيفة "فايننشيال تايمز".
وأدت محاولة الاغتيال إلى تفاقم هذا الشعور بالأزمة بشكل كبير، كما أن اندلاع العنف بشكل رهيب في الحملة الانتخابية جلب معه شبح تحول الديمقراطية إلى حرب أهلية.
ويقول محرر "فايننشيال تايمز"، ورئيس مركز الاستراتيجيات الليبرالية في صوفيا، إيفان كراستيف: “كنا نحن الذين نعيش خارج أمريكا نرغب في التصويت في الانتخابات الأمريكية.. كانت دائمًا تبدو مسرحية أكثر درامية، وغير متوقعة، وذات عواقب أكثر من أي شيء يمكن أن تقدمه ديمقراطياتنا، ناهيك عن تعاقب القادة المسنين في الاتحاد السوفيتي القديم، والانتخابات المزيفة في روسيا اليوم أو المؤتمرات المملة للحزب الشيوعي الصيني”.
في عام 2008، على سبيل المثال، كان الكثيرون في جميع أنحاء العالم سيغتنمون الفرصة للتصويت لصالح باراك أوباما وفي عام 2020، كان عدد غير قليل من الأجانب حريصين على تقرير مصير حملة إعادة انتخاب ترامب.
ولكن هذا العام قد يكون العام الذي تفقد فيه الانتخابات الأمريكية سحرها، وربما تكون انتخابات نوفمبر هي الأكثر أهمية منذ أجيال حيث يؤكد النقاد في مختلف أنحاء العالم، أن أمريكا تواجه خياراً دراماتيكياً، ولكن شيئا ما تغير، إذا نظرنا من بعيد، فإن التناقض بين بايدن وترامب لا يبدو صارخًا كما كان من قبل، يرى الناس فقط رجلين عجوزين كانا رئيسين لا يحظيان بشعبية.
في مقال نشر مؤخراً ونوقش كثيراً، زعم المؤرخ نيال فيرجسون أن المقارنات بين سياسات الشيخوخة الحاكمة في أمريكا اليوم والسنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفيتي، رغم أنها مضللة، فإنها تكشف أيضاً عن الكثير، وهو على حق فالمقارنات ليست تنبؤات بل تحذيرات.
وترى "فايننشيال تايمز"، أنه من المؤكد أن واشنطن في عام 2024 ليست هي موسكو في أواخر الثمانينيات.. إن الاقتصاد الأمريكي قوي، والجيش الأمريكي هائل، وما زال الناس يخاطرون بحياتهم للقدوم إلى أمريكا، ومع ذلك، هناك إجماع ناشئ على أن المجتمع الأمريكي، كما حدث قرب نهاية الاتحاد السوفيتي يمر بأزمة، وأن القوة الأمريكية في انحدار.
وفي غياب بعض التغيير الدراماتيكي، فقد تكون الولايات المتحدة ونفوذها العالمي الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، وكلما بدت أمريكا مبتلاة بالأزمات وخطيرة -وحادث إطلاق النار في ولاية بنسلفانيا لن يؤدي إلا إلى المساهمة في ذلك- زادت حاجة البلاد إلى رئيس قادر على الحديث عن المستقبل وتمثيله.
وفي عام 1982، توفي الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي ليونيد بريجنيف، عن عمر ناهز 75 عاماً، ومثل العديد من زملائه في المكتب السياسي، كان مسناً ومريضاً، وحل محله رئيس الكي جي بي يوري أندروبوف، كان "أندروبوف" يطمح إلى تجديد النظام السوفيتي، أو على الأقل تحسينه، لكنه كان أيضًا مسنًا وعاجزًا، وتوفي بعد 15 شهرًا فقط من توليه منصبه.
وخلف "أندروبوف"، كونستانتين تشيرنينكو البالغ من العمر 73 عامًا، وما سعى "تشيرنينكو" إلى فعله غير معروف لأنه توفي أيضًا بعد عام واحد فقط من صعوده، وعندما وصل ميخائيل جورباتشوف، أصغر أعضاء المكتب السياسي، إلى السلطة في عام 1985، أصبحت مهمة تجديد النظام مهمة مستحيلة.
شكل تعاقب الجنازات النظر للنظام الشيوعي ومستقبله أكثر من أي شيء آخر، ربما يقال إن الاتحاد السوفيتي مات من شدة الإرهاق الناتج عن الوقوف في طوابير لتوديع قادته!
يقول "كراستيف"، محرر "فايننشيال تايمز": "إن سحر الديمقراطية يكمن في قدرتها على التجديد والتصحيح الذاتي، وفي هذا الصدد، لا يبدو فوز بايدن ولا فوز ترامب وكأنه موعد مع المستقبل".
وأضاف: "يجب على معسكر بايدن أن يدرك أنه في بعض الأوقات مثل الوقت الحالي، فإن المخاطرة الأكبر تكمن في عدم المخاطرة.. وإذا لم يعد الناس يتوقعون أن الديمقراطية قادرة على تغيير نفسها في لحظة الأزمة، فإنها بهذا تكون قد فقدت الميزة الأكثر أهمية التي تتمتع بها مقارنة بالأنظمة غير الديمقراطية".