الأردن.. دعوات لتعزيز آليات الرصد والمساءلة لحماية حقوق الإنسان

الأردن.. دعوات لتعزيز آليات الرصد والمساءلة لحماية حقوق الإنسان

الأردن يمثل نموذجاً فريداً في المنطقة العربية لاهتمامه الكبير بقضايا حقوق الإنسان

المنظمات الحقوقية تؤكد ضرورة تعزيز الجهود الرامية للتصدي للتمييز ضد المرأة في جميع المجالات

خبير حقوقي: المملكة اتخذت خطوات كبيرة لتعزيز مشاركة المرأة ولكن ما زال هناك بعض الفجوات 

برلمانية سابقة: الاتجاهات الاجتماعية المحافظة تحد من مشاركة المرأة.. والمهاجرون عرضة للاستغلال والتمييز

 

يُمثل الأردن نموذجًا فريدًا في المنطقة العربية، حيثُ يُولي اهتمامًا كبيرًا بقضايا حقوق الإنسان، ويُبذل جهودًا حثيثةً لتعزيزها وتوسيع نطاقها. 

ففي تقرير نُشر لـ"جسور بوست"، عن الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل للأردن، والذي عُرض أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ56، يسلَّط الضوء على الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة في سبيل تعزيز حقوق الإنسان، ويُكشَف عن إنجازاتٍ عظيمةٍ حققها الأردن في مجال حقوق العمال المهاجرين وتمكين المرأة، باعثا رسالةً قويةً تُؤكّد التزامه الراسخ بالقيم الإنسانية.

ويضم الأردن نحو 1.3 مليون عامل مهاجر، يشكلون حوالي 30% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، ويأتي معظم هؤلاء العمال من جنوب آسيا وشرق إفريقيا، ويعملون بشكل رئيسي في قطاعات البناء والزراعة والخدمات المنزلية. ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة الأردنية لتحسين أوضاع هؤلاء العمال، فإن هناك تحديات متبقية تتمثل في عدم كفاية الحماية القانونية، وانتشار الاستغلال الاقتصادي والاعتداءات الجسدية والنفسية. 

وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 20% من العمال المهاجرين يتعرضون لانتهاكات حقوقية مختلفة، بما في ذلك حرمانهم من الأجور المستحقة أو تعرضهم للعنف من قبل أصحاب العمل. 

ويواجه العمال المهاجرون تحديات في الحصول على الرعاية الصحية والسكن اللائق، فضلاً عن قيود على حرية التنقل والتعبير.

وعلى الرغم من وجود قوانين وسياسات للحماية، فإن الإنفاذ الفعال لهذه التشريعات يمثل تحدياً مستمراً، وتؤكد المنظمات الحقوقية ضرورة تعزيز آليات الرصد والمساءلة لضمان حماية حقوق هؤلاء العمال بشكل أكثر فاعلية. 

وتشكل المرأة نصف سكان الأردن، إلا أن مشاركتها في الحياة العامة والاقتصادية لا تزال محدودة مقارنة بالرجال، فعلى الرغم من التقدم المحرز في مجال التعليم -إذ تشكل النساء 51% من إجمالي الملتحقين بالجامعات- فإن معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل لا تتجاوز 15%. 

وتواجه المرأة الأردنية تحديات في المشاركة السياسية، حيث لا تتجاوز نسبة تمثيلها في مجلس النواب 15%. 

وتسعى الحكومة الأردنية إلى تعزيز مشاركة المرأة من خلال العديد من المبادرات والتشريعات، بما في ذلك قانون الانتخابات الذي يكفل الحصول على نسبة لا تقل عن 15% من المقاعد النيابية للنساء. 

وتم إنشاء المجلس الوطني لشؤون المرأة لرسم السياسات وتنسيق الجهود الوطنية لتمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً, غير أن تحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين ما زال يواجه تحديات ثقافية واجتماعية وتشريعية. 

وتؤكد المنظمات الحقوقية ضرورة تعزيز الجهود الرامية إلى التصدي للتمييز ضد المرأة في جميع المجالات، وضمان مشاركتها الفاعلة في صنع القرار على جميع المستويات. 

وتدعو إلى مراجعة التشريعات ذات الصلة لضمان المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة.

ويرى محللون أن الأردن قطع شوطاً مهماً في مجال حماية حقوق الإنسان، إلا أن هناك تحديات متبقية تتطلب جهوداً معززة على مستوى التشريعات والسياسات وآليات الرصد والمساءلة. 

ويتعين على الحكومة والمجتمع المدني التعاون بشكل وثيق لضمان تمتع جميع المواطنين والعمال المهاجرين بحقوقهم الأساسية وتحقيق المساواة بين الجنسين.

جهود حثيثة

في ضوء التقرير الأخير للفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل للأردن، والذي عُرض أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ56، تم تسلّيط الضوء على الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة في سبيل تعزيز حقوق الإنسان، مُؤكّدةً التزامها بالقيم الإنسانية ومبادئ العدالة والمساواة.

تشهد المملكة الأردنية الهاشمية تطورات هامة في مجال حقوق الإنسان، حيث يتناول تقرير الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل جهود الأردن المكثفة لتعزيز حقوق الإنسان، مؤكداً التزام المملكة بقيم العدالة والمساواة الإنسانية. 

وفي إطار تحديث القطاعين الاقتصادي والعام، أطلقت المملكة مبادرات واسعة تهدف لتحسين نوعية الحياة وتوفير الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية، ومعالجة مشكلة البطالة بشكل فعال. 

وتعكس التعديلات الدستورية لعام 2022 هذا الالتزام من خلال إدراج كلمة "الأردنيات" في عنوان الفصل الثاني من الدستور، وإدراج أحكام تحمي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز تمكين المرأة ومشاركة الشباب، فضلاً عن تعزيز قيم المواطنة والتسامح وسيادة القانون. 

وفي مجال حماية الأطفال، جاء قانون حقوق الطفل لعام 2022 ليتماشى مع اتفاقية حقوق الطفل، مؤكداً حقوق الأطفال في الصحة والتعليم والنماء. 

كما عدل الأردن قانون منع الاتجار بالبشر في عام 2021 لتعزيز حماية الضحايا وتشديد العقوبات على الجناة، بالإضافة إلى تعديل قانون إيواء ضحايا الاتجار بالبشر في عام 2023 لتوسيع نطاق نظام دور الإيواء وضمان سلامة وإدماج الضحايا في المجتمع. 

ومن أجل تمكين المرأة في مكان العمل، عدل الأردن قانون العمل في عام 2023، معرفاً التحرش الجنسي وتغليظ العقوبة عليه، وذلك لتوفير بيئة عمل أكثر أماناً للنساء ومع ذلك، يواجه الأردن تحديات مستمرة مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ونقص المياه. 

وبذلت المملكة جهوداً لتكييف قوانين العمل مع احتياجات السوق الأردنية ومعايير العمل الدولية، مع التركيز على تمكين المرأة وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. 

وعلى الصعيد التعليمي، أظهر التقرير انخفاضاً في نسب الأمية وإطلاق استراتيجية عشرية للتعليم (2019-2020)، وتنفيذ تدابير لتسهيل الالتحاق بالمدارس للجميع. 

وأوصى التقرير بأن يستجيب الأردن لطلبات زيارة المقررين الخاصين، ويضمن امتثال التشريعات المحلية للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ومواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وضمان حصول العمال، بمن فيهم العمال المهاجرون، على جميع حقوقهم العمالية. 

بهذه الجهود والإصلاحات، يؤكد الأردن عزمه على مواصلة تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، مما يعكس التزاماً مستمراً بقيم العدالة والمساواة والتطور الاجتماعي.

إنجازات ولكن

وقال الحقوقي البارز مصطفى عبدالكبير، إنه وفي إطار التزام الحكومة الأردنية بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، فقد اتخذت العديد من الخطوات الملموسة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية على مدار السنوات الماضية ولكن هل فعلا حققت هدفها منفذة إياه بشكل كامل؟.. أعتقد أن ذلك يحتاج إلى مزيد من التقصي، ولكن أيضًا لا يمكننا أن نقلل من مجهودها، فعلى صعيد المشاركة السياسية، تم تعديل قانون الانتخابات النيابية لزيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء في مجلس النواب من 15 إلى 20 مقعدًا، وهو ما يُعد خطوة هامة نحو ضمان تمثيل أكبر للمرأة في المجالس التشريعية، كما تم إنشاء لجنة وطنية لشؤون المرأة برئاسة إحدى الوزيرات لمتابعة قضايا المرأة والنهوض بمشاركتها السياسية. 

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، وفقًا للمعلن تم تخصيص نسبة 25% من مناصب الوزارات والمؤسسات الحكومية للنساء، وشهدت السنوات الأخيرة بعض التطورات الإيجابية، حيث تم إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات التي كانت تسمح بإسقاط العقوبة عن مرتكبي جرائم الاغتصاب في حال تزوجوا ضحاياهم، كما تم تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية لتحسين وضع المرأة في الزواج والطلاق والميراث.

مصطفى عبد الكبير

وشدد على أن هناك بعض الفجوات القانونية ما زالت قائمة بين الجنسين، وهو ما يتطلب مزيدًا من الجهود التشريعية والسياسات الداعمة للمساواة، وعلى صعيد المهاجرين بلا عنوان، لا يزال هناك تحديات كبيرة تواجههم في الحصول على الوثائق القانونية وإمكانية الحصول على الخدمات الأساسية، وقد أصدرت الحكومة بعض التشريعات لحماية حقوق العمال المهاجرين، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى تفعيل تلك التشريعات وتطبيقها بشكل فعال على أرض الواقع. 

وأوضح أن السنوات الأخيرة شهدت بعض الجهود في مكافحة التعذيب والاحتجاز التعسفي، بما في ذلك إنشاء آليات وطنية للوقاية من التعذيب ومع ذلك، ما زالت هناك تقارير موثوقة عن استمرار ممارسات التعذيب في بعض مراكز الاحتجاز والسجون. 

وأكد أنه في مجمل الأمر، فإن الحكومة الأردنية قد أحرزت بعض التقدم في تنفيذ توصيات لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلا أن هناك المزيد من الجهود المطلوبة لضمان الامتثال الكامل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. 

وأتم، يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية مدعومة بخطط عمل واضحة وموارد كافية لتطبيق التشريعات الحقوقية على أرض الواقع.

تحديات تعيق المساواة والعدالة

وعلقت البرلمانية التونسية السابقة والحقوقية ليلى حداد قائلة، على الرغم من التقدم الذي أحرزه الأردن في مجال حقوق الإنسان على مر السنوات، لا تزال هناك تحديات كبيرة ما زالت تعيق تحقيق المساواة والعدالة الكاملة، فعلى صعيد المرأة الأردنية، ما زالت هناك بعض القوانين التي تميز ضدها، كقانون الأحوال الشخصية الذي لا يعطي المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل في الزواج والطلاق والميراث.

وتابعت في تصريحاتها لـ"جسور بوست"، كما لا تزال هناك اتجاهات اجتماعية محافظة تحد من مشاركة المرأة في المناصب القيادية والسياسية، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة بين النساء مقارنة بالرجال، كما يُعد العنف الأسري ضد المرأة ظاهرة مقلقة ما زالت منتشرة في بعض المناطق، حيث يواجه العديد من النساء المعنفات صعوبات في الحصول على الحماية والعدالة اللازمتين. 

ليلى حداد

واستكملت ليلى، أما بالنسبة للمهاجرين في الأردن، فيواجهون تحديات أخرى لا تقل حدة، فكثير منهم لا يملكون أي وثائق قانونية تثبت وجودهم في البلاد، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والتمييز. كما يواجهون صعوبات جمة في الحصول على الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والإسكان، ويعيشون في ظروف معيشية سيئة وغير آمنة، وفي ظل هذه الانتهاكات والتحديات المتنوعة، فإنني أدعو الحكومة الأردنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لتعزيز حقوق المرأة والمهاجرين بلا عنوان، وضمان المساواة والعدالة للجميع دون تمييز.

وأتمت، الأردن مطالب بالوفاء بالتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتحقيق المعايير العالمية في هذا الصدد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية