عاملات الموقف في المغرب.. بحث عن لقمة عيش مغمسة بالمعاناة والإهانة
عاملات الموقف في المغرب.. بحث عن لقمة عيش مغمسة بالمعاناة والإهانة
عاملة موقف: الزبائن يخلفون الاتفاقات وأعاني من المعاملة السيئة والتحرش
عاملة أخرى: قضيت 10 أعوام في المواقف وأعيل 3 أبناء بعدما تخلى عنهم طليقي
عاملة منزلية: هناك من أعمل عندها اليوم كاملاً وتدفع لي 5 أو 6 دولارات فقط وأشعر بالاحتقار
مديرة جمعية مغربية: يجب أن يكون هناك قانون تنظيمي خاص بعاملات الموقف ومركز قانونيّ لحمايتهن
خبيرة قانونية: لابد من قانون يحدد الأجر اليومي لعاملة الموقف ويجب حمايتها من حوادث الشغل
المغرب- سامي جولال
"المواقف"، أماكن تنتشر في مدن مغربية، تتجمع فيها نساء عاملات بشكل حر وغير نظامي منذ الصباح الباكر، كل منهن وتخصصها؛ التنظيف، الطبخ، الاعتناء بالأطفال، الاعتناء بكبار السن، ينتظرن قدوم زبائن يطلبون خدماتهن، يجلسن في مجموعات صغيرة على الرصيف، أو يقفن هنا وهناك، يتبادلن حكايات آلامهن وكفاحهن، وفي الوقت نفسه يرصدن بأعينهن السيارات المارة من الشارع، وما إن تقف سيارة زبون أو زبونة بجانبهن، حتى يتسابقن نحوها، كل واحدة منهن تريد أن يقع عليها الاختيار، ويدخلن في مشادات كلامية من أجل لقمة عيش مغمسة بالمعاناة والإهانة.
أسماء.. اختارت "الموقف" من أجل توأمها
"كنت أعمل في شركة خاصة لصناعة الملابس، بشكل يومي؛ من الثامنة صباحاً إلى منتصف النهار، ثم من الثانية بعد الزوال إلى السابعة مساءً، إلى جانب النصف الأول من يوم السبت، بينما عطلتي الأسبوعية بقية يوم السبت ويوم الأحد، وهذا لم يكن يسمح لي بالاعتناء بشكل جيد بابنيَّ التوأم، اللذين كانا رضيعين في ذلك الوقت، وأحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكنت أذهب به إلى الترويض وإلى أكثر من طبيب، وأمي لم تستطع الاعتناء بهما معاً كما يجب خلال غيابي، فاضطررت لتقديم استقالتي من الشركة بعد 12 عاماً من العمل فيها، واخترت بعد ذلك الذهاب إلى الموقف للعمل عاملة تنظيف في المنازل، حتى أكون حرة في اختيار متى أعمل ومتى لا أعمل، وأستطيع الاعتناء بابنيّ بشكل جيد"، تقول أسماء (اسم مستعار)، 40 عاماً، واحدة من مجموعة من النساء يتجمعن في موقف يقع وسط مدينة الدار البيضاء.
أسماء، التي طلبت عدم ذكر اسمها الحقيقي، أوضحت لـ"جسور بوست" أن زوجها تخلى عنها وعن ابنيه، لأنه لم يتقبل أن أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، واشتكى من كثرة المصاريف، التي يحتاج إليها، وذهب للعيش مع والديه في مدينة أخرى، ولا يرسل إليها المصاريف، ولا يسأل حتى عن أحوال ابنيه البالغين من العمر اليوم 11 عاماً.
وفي اليوم الذي تقرر فيه أسماء الذهاب إلى الموقف، تكون هناك في الـ9 أو الـ10 صباحاً، وعندما يختارها زبون، تتفق معه على طبيعة العمل والأجر قبل الذهاب إلى المنزل الذي ستعمل فيه، وتتراوح مدة العمل، بحسبها، ما بين 6 و11 ساعة، وتنهي عملها أحياناً في الـ10 أو الـ11 مساءً، وعندما تعمل عند أسرة تنظم حفلاً، يمكن أن يستمر العمل إلى غاية الـ2 أو الـ3 صباحاً، وفي هذه الحالة يعيدها الزبون إلى منزلها بسيارته، وفي بعض الأيام تذهب أسماء إلى الموقف، وتنتظر هناك بالساعات، دون أن يختارها أي زبون، قبل أن تعود إلى منزلها خاوية الوفاض.
معاملة سيئة وتحرش
أسماء، التي غادرت مقاعد الدراسة في السنة الأولى من التعليم الإعدادي، تشتكي من مجموعة من المشاكل، التي تواجهها داخل المنازل حيث تعمل، من بينها أن بعض أصحاب المنازل يخلفون الاتفاقات، وتفاجأ بأن العمل المطلوب منها القيام به أكثر من المتفق عليه في الموقف، وأيضاً يدفعون لها أجراً أقل من المتفق عليه، إلى جانب المعاملة السيئة، والمشاكل الصحية بسبب مواد التنظيف، كما أن هناك نساءً من صاحبات البيوت يعطينها ألبسة واسعة، ويطلبن منها ارتداءها أثناء العمل، خوفاً من أن يعجب أزواجهن بها، إضافة إلى التحرش من طرف أشخاص يمرون من أمام الموقف.
وتضيف أسماء “في مرة، طلبت مني زبونة كنت أعمل في منزلها أن أحضِّر لها الشاي، وأصبت بحريق في يدي أثناء القيام بذلك، وعَلِمَت بالأمر، لكنني اضطررت إلى مواصلة العمل بذلك الوضع إلى غاية الثامنة مساءً، حتى لا تخصم من أجري، وفي النهاية دفعت لي 150 درهما (15 دولاراً أمريكيّاً)، صرفت أكثر منها على الأدوية لعلاج الحريق”.
عائشة.. 10 أعوام في المواقف
عائشة (اسم مستعار)، خمسينية قضت 10 أعوام من حياتها بين 3 مواقف مختلفة في مدينة الدار البيضاء، قبل أن تُكَوِّن شبكة وتقرر التوقف عن الذهاب إلى المواقف، وتنتظر اتصالات زبائنها وهي في منزلها.
عائشة، وهي مطلقة وأم لـ3 أبناء ذكور، أعمارهم ما بين 8 و21 عاماً، تعيلهم بعدما تخلى طليقها عنهم ورفض الإنفاق عليهم، قالت لـ"جسور بوست" إنها اختارت الذهاب إلى مواقف الخادمات، لأنها غير متمدرسة، وأنها حاولت قبل ذلك العمل في شركات الخياطة، لكن أخبروها بأن قبولها للعمل هناك يتطلب دبلوماً وخبرة في المجال.
"كنت أذهب إلى الموقف كل يوم، وعندما كنت أشعر بالتعب لم أكن أذهب، وكنت أبدأ العمل في منازل الزبائن في الـ8 والنصف أو الـ9 صباحاً، وأنهيه في الـ8 مساءً، لأن الأشغال تكون كثيرة، وهناك أيام كنت أذهب فيها إلى الموقف ولا أتوفق في الذهاب مع أي زبون، وأعود إلى منزلي"، تصرح عائشة، التي طلبت عدم ذكر اسمها الحقيقي.
أعمال غير المتفق عليها
قالت عائشة لـ"جسور بوست" إنها كانت تتفاجأ بعد وصولها إلى منازل الزبائن بأن الأعمال المطلوبة منها غير تلك المتفق عليها في الموقف، موضحة أنهم كانوا يتفقون معها على التنظيف فقط، لكن يطلبون منها أعمالاً أخرى، من بينها تقشير الخضر، وتحضير عجينة الخبز، ويرسلونها لجلب طلبات المنزل.
بقايا أكل ونزع ثياب وتفتيش
وتحكي عائشة “في مرة، اشتغلت أنا وخادمة أخرى لمدة أسبوع في منزل سيدة، أنا كنت أقوم بأعمال التنظيف وزميلتي كانت تطبخ، صاحبة المنزل كانت تقدم لنا بقايا الأكل، وخصمت من أجري ثمن قنينة قهوة كسرتها دون قصد، وعندما انتهت فترة العمل، طلبت منا نزع ثيابنا، وفتشتنا قبل أن نغادر، ولم تدفع لنا أجرنا كاملاً”.
تقول عائشة إنها أصيبت بسرطان في الغدة الدرقية، وأجرت عملية لاستئصالها، وتراجعت صحتها، وتوقفت منذ سنوات عن الذهاب إلى الموقف، بعدما كونت شبكة زبائن، أصبحوا يتصلون بها هاتفيّاً وهي في منزلها، ويطلبونها للعمل في منازلهم.
حنان.. بعدٌ عن "المواقف" لم يبعد عنها المعاناة
أما حنان (اسم مستعار)، ثلاثينية مطلقة، وأم لـ3 أبناء؛ بنتين وولد، أعمارهم ما بين 6 و11 عاماً، تتحمل كافة مصاريفهم، بعدما تخلى طليقها عنهم واختفى، فقد اختارت ألا تذهب إلى المواقف، لأنها تخاف العمل في منازل زبائن لا تعرفهم بشكل مسبق، وفضلت أن تبقى في منزلها في مدينة الدار البيضاء، وتنتظر اتصالات الزبائن، الذين يعرفونها، وسبق وتعاملوا معها.
رغم ذلك لم تسلم حنان، التي طلبت عدم ذكر اسمها الحقيقي، من المشاكل والمعاناة، إذ تقول: "لا أتفق على الأجر مسبقاً، والزبونة تقول لي اشتغلي وسنكرمك، وعندما أنهي عملي تدفع لي مبلغاً صغيراً، وتخبرني أن ذلك المبلغ هو المتوفر عندها، وعندها أشعر بالْحُكَْرَة (الظلم أو الاحتقار)"، متابعة في حديثها مع "جسور بوست": "الزبونة تتفق معي على العمل في منزلها إلى غاية الساعة الثالثة عصرا، ثم تطلب مني أثناء العمل البقاء إلى غاية الرابعة، وهناك من أعمل عندها اليوم كاملاً، وتدفع لي 50 أو 60 درهما (5 أو 6 دولارات) فقط".
حنان، التي لم يسبق لها الذهاب إلى المدرسة، تعاني أيضاً من عنصرية من طرف بعض أفراد المجتمع، إذ قالت لـ"جسور بوست" إنها عندما تنتظر أبناءها أمام مدرستهم، تكون هناك نساء أخريات ينتظرن أبناءهن، وعندما يعلمن أنها مطلقة يرفضن الجلوس بجانبها، ويمنعن أبناءهن من اللعب مع أبنائها.
الإطار القانوني
قالت مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشرى عبدو، إن المرأة، التي تذهب إلى الموقف للبحث عن عمل، يمكن أن تتعرض لمخاطر الاغتصاب، والتحرش، والسب والشتم، والإهانة، والضرب، بدون أن يدفع لها صاحب أو صاحبة المنزل الذي تعمل فيه، الأجر الذي تم الاتفاق عليه".
وأضافت عبدو، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن القانون 19.12 الخاص بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين في المغرب لا يتحدث عن عاملات الموقف للأسف، ويخص العاملات المنزليات، اللاتي يشتغلن بشكل مستقر ومستمر عند الأسر، وأنهم (المجتمع المدني) يطالبون بأن يشمل القانون الكل، لأنهن جميعهن يشتغلن في المنازل، ويجب أن يتمتعن كلهن بحقوق.
بشرى عبدو
كما أفادت “عبدو” بأن نساء الموقف يعشن الويلات أكثر من العاملات داخل المنازل، وأنه يجب أن يكون هناك قانون تنظيمي خاص بنساء الموقف، ومصلحة أو مركز قانونيّ للتشغيل، من أجل حمايتهن.
وتابعت “عبدو” أنه يجب وضع حد للفوضى المتمثلة في أنه كلما أردنا عاملة، نذهب للبحث عنها في الموقف، ونطلب منها القيام بعمل مضنٍ وشاق، وندفع لها مبلغاً زهيداً ما بين 5 و15 يورو فقط لا غير.
الحاجة إلى قانون للعاملات العرضيات
من جانبها، قالت رئيسة اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، والعضوة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة، زهور الحر، إنه يوجد في المغرب حاليّاً قانون تنظيم عاملات المنازل (تقصد القانون رقم 19.12 الخاص بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين)، لكنه يخص العاملات، اللاتي يعملن في المنازل بصفة مستقرة، بينما تعمل نساء الموقف بصفة عرضية، ويخضع عملهن للاتفاق بين الطرفين، موضحة أن عاملة الموقف تنتظر حتى يأتي زبون يريدها أن تعمل عنده، وتطلب منه أجراً معيناً، والزبون الذي يريد الخدمة يقترح أجراً معيناً، ويتفقان فيما بينهما.
وأضافت الحر، وهي أول رئيسة لأول محكمة أسرة تم إنشاؤها في المغرب، وعضوة في اللجنة الملكية الاستشارية، التي أعدت مشروع مدونة الأسرة المغربية (2004)، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الملاحَظ هو أنه لا يوجد إطار قانوني ينظم هؤلاء الخادمات العرضيات، وأن الأمر يخضع للعرض والطلب.
ورداً على سؤال "هل المغرب في حاجة اليوم إلى قانون خاص بعاملات الموقف؟"، أفادت “الحر”، وهي أيضاً قاضية -رئيسة غرفة سابقاً في محكمة النقض بالعاصمة المغربية الرباط، ومحامية حاليّاً- بأن القانون دائماً مطلوب، لأنه حماية للطرف الضعيف (عاملات الموقف)، وحماية أيضاً للطرف الآخر (الزبون)، وأنه لا بد أن يكون هناك تنظيم وقانون يحدد مثلاً الأجر، الذي يجب أن يمنح لعاملة الموقف مقابل يوم عمل، مردفة أن القانون الموجود ينص على الحد الأدنى للأجر الشهري، لكن بالنسبة للعمال والعاملات العرضيين، فلا بد من تحديد أجر يومي للعمل.
وتابعت أن الأعمال تختلف، إذ هناك عمل غير شاق، وهناك بعض الأعمال الشاقة، ولذلك تعتقد أن القانون يجب أن يتدخل، ويحدد الأجر اليومي لهؤلاء العاملات العرضيات.
وقالت “الحر”، إنه لا بد من حماية عاملة الموقف إذا تعرضت لحادثة شغل، وإنه لا بد أن يكون لديها الحق في الاستفادة من قانون الشغل، والاستفادة من تعويض يومي محدد حده الأدنى.