هل يهدد ترامب الهوية الأمريكية بإلغاء حق الجنسية بالولادة؟

معارك شديدة وطعون قانونية مرتقبة

هل يهدد ترامب الهوية الأمريكية بإلغاء حق الجنسية بالولادة؟

سلب حق المواطنة بالولادة يمثل تهديداً لهوية الولايات المتحدة وتنوعها 

حقوقية مصرية: إلغاء الجنسية بالولادة يهدد قيم المساواة والعدالة

خبير قانوني: معارك قانونية ودستورية قادمة إذا أُلغيت الجنسية بالولادة

حقوقية تونسية: إلغاء حق الجنسية بالولادة تهديد لحقوق الإنسان ويفاقم الانقسامات الاجتماعية

 

في مشهد يعيد إلى الأذهان معارك الحقوق المدنية في التاريخ الأمريكي، أثار إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن عزمه إلغاء الحق الدستوري في الجنسية الأمريكية بالولادة حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، موجة من الجدل والاستنكار.

في مايو الماضي، وفي لحظة أثارت الكثير من الجدل، نشر ترامب مقطع فيديو يجدد فيه دعوته لإنهاء الحق الدستوري في الحصول على الجنسية بالولادة على الأراضي الأمريكية، قال ترامب في هذا الفيديو: "الولايات المتحدة من بين الدول القليلة في العالم التي تقول إنه حتى لو لم يكن أي من الوالدين مواطنًا أو حتى موجودًا بشكل قانوني في البلاد، فإن أطفالهم في المستقبل هم مواطنون تلقائيًّا". 

التصريحات كُررت مؤخرًا لتُشكل موجة عاتية تحاول كسر صخرة التقاليد الدستورية الأمريكية الراسخة. 

تعود أصول هذا الحق إلى التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، الذي تم إقراره في عام 1868 في أعقاب الحرب الأهلية الأمريكية، هذا التعديل ينص على أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة". 

كان هذا التعديل بمثابة وعد للشعوب المضطهدة بأنهم، عند ولادتهم على أرض الحرية، سيصبحون جزءًا لا يتجزأ من هذه الأمة.

ولكن هل يمكن أن تمحى هذه الكلمات التاريخية بأمر تنفيذي من الرئيس؟

ترامب، المعروف بقدرته على استغلال سلطاته التنفيذية، أصدر سابقًا أمرًا تنفيذيًّا في عام 2017 يحظر السفر من بلدان ذات أغلبية مسلمة. 

ورغم أن هذا الحظر واجه معارك قانونية حادة وصلت إلى المحكمة العليا، التي أيدت في نهاية المطاف نسخة مخففة منه، فإن مسعاه الجديد لإلغاء حق المواطنة بالولادة قد يواجه تحديات مماثلة، إن لم تكن أشد. 

إن إصدار أمر تنفيذي ينص على عدم منح الجنسية للأطفال المولودين لآباء ليس لديهم وضع قانوني في الولايات المتحدة قد يبدو كخطوة جريئة وقاطعة، ولكنها ستكون على الأرجح بداية لمعركة قانونية معقدة وطويلة الأمد.

ومن المتوقع أنه ستكون هناك طعون قانونية فورية، وستتدافع هذه القضية عبر النظام القضائي حتى تصل إلى المحكمة العليا، التي تهيمن عليها الآن غالبية من القضاة المحافظين بفضل تعيينات ترامب الثلاثة خلال ولايته. 

تعديل الدستور الأمريكي عملية شاقة ومعقدة، فهو يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس وغالبية الهيئات التشريعية في الولايات، ويشير خبراء قانونيون إلى أن أي محاولة لتعديل التعديل الرابع عشر ستكون محفوفة بالعقبات، وفي ظل المناخ السياسي الحالي، تبدو هذه المهمة شبه مستحيلة، ومع ذلك، قد يلجأ ترامب إلى تقديم طعون قضائية لتغيير تفسير النص الدستوري، لكن هذا المسار أيضًا ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض. 

وإلى جانب الطعون القضائية، يمكن لترامب أن يحاول تمرير قانون في الكونغرس يلغي حق المواطنة بالولادة، لكن هذا القانون، إذا تم تمريره، سيواجه أيضًا طعونًا دستورية قد تصل إلى المحكمة العليا. 

في هذا السياق، يبرز دور السوابق القضائية الطويلة الأمد في النظام القانوني الأمريكي، والتي من الصعب تغييرها بين عشية وضحاها.

تصريحات ترامب تضع الولايات المتحدة أمام مفترق طرق، حيث تتصارع رؤيتان: الأولى ترى في حق المواطنة بالولادة تعبيرًا عن قيم الحرية والمساواة التي تأسست عليها البلاد، والأخرى ترى في هذا الحق بابًا مفتوحًا أمام الهجرة غير الشرعية والاستغلال. 

وفي ضوء هذه التصريحات، تتجه الأنظار إلى المحكمة العليا التي قد تجد نفسها مرة أخرى في قلب معركة دستورية حامية الوطيس.

القرارات الأخيرة للمحكمة العليا، مثل إلغاء "مبدأ شيفرون" الذي كان يقضي بالإذعان لتفسيرات الوكالات الفيدرالية للقوانين، تظهر أن المحكمة قد تتخذ قرارات جريئة وغير متوقعة. 

هذا السياق القانوني المتغير يجعل من الممكن حدوث تغييرات في تفسير التعديل الرابع عشر، ولكنه يبقى رهينًا بالمسار القضائي المعقد والتوازن السياسي في البلاد. 

ويرى محللون أن التاريخ يعلمنا أن الحقوق الأساسية ليست سهلة المنال، ولا يمكن تغييرها بقرار سياسي عابر، إنها رحلة طويلة ومعقدة تتطلب توافقًا واسعًا وإرادة سياسية وقانونية قوية.

وفي ظل التوترات الحالية، يبقى مستقبل هذه القضية معلقًا في الميزان، بانتظار ما ستأتي به الأيام من مفاجآت وتطورات. 

إلغاء حق الجنسية بالولادة تهديد لقيم الأمة وتنوعها

الجنسية الأمريكية بالولادة هي رمز للتنوع والفرص، وهي ميزة تجعل من الولايات المتحدة وجهة للملايين من الحالمين حول العالم.

هذه الجنسية تمنح الطفل حقوقًا وامتيازات فورية، بدءًا من حق الإقامة الدائمة في البلاد، مرورًا بالحصول على التعليم والخدمات الصحية، وصولاً إلى حق المشاركة في العملية الديمقراطية من خلال التصويت عند بلوغه السن القانوني. 

ووفقًا لتقارير متخصصة، فإن الحصول على الجنسية بالولادة يعني أن الطفل سيكون له حق العمل في أي مجال يختاره دون قيود، وسيكون محميًا بقوانين العمل التي تضمن له حقوقه كعامل. 

على مر العقود، شكلت هذه الميزة جزءًا من الهوية الأمريكية كبلد مفتوح للجميع بغض النظر عن أصولهم. 

وقد لعب هذا الدور في تعزيز الاقتصاد من خلال جلب عقول جديدة وطاقات شابة مستعدة للمساهمة في نمو البلاد. 

إن تاريخ الولايات المتحدة مليء بقصص نجاح المهاجرين وأبنائهم الذين ساهموا بشكل كبير في مجالات العلوم والتكنولوجيا والفنون والسياسة.. لكن كيف سيتقبل الأمريكيون فكرة سلب هذه الميزة؟

بالنظر إلى الوقائع التاريخية، يمكن القول إن هذا القرار سيواجه معارضة شديدة. في الماضي، عندما حاولت الحكومة تقييد حقوق الهجرة أو الجنسية، واجهت مقاومة كبيرة من المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان. 

ويفتخر الأمريكيون بتنوعهم، وحق المواطنة بالولادة يعتبر جزءًا أساسيًا من هذا الفخر. 

وقد يؤدي سلب هذه الميزة إلى احتجاجات واسعة وتحديات قانونية طويلة. الأمريكيون الذين يؤمنون بالمساواة والعدالة سيرون في هذا القرار تهديدًا لقيمهم الأساسية. 

كما أن الأطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة لأبوين غير مواطنين سيشعرون بأنهم محرومون من حقوقهم الطبيعية، ما قد يخلق جيلاً جديدًا من الأفراد الذين يشعرون بالتمييز وعدم الانتماء. 

بالمجمل، إلغاء حق الجنسية بالولادة لن يكون مجرد تعديل قانوني بسيط، بل سيكون له تأثير عميق على النسيج الاجتماعي والسياسي للولايات المتحدة. هو تحدٍ لقيم تأسست عليها الأمة، وقضية ستظل تثير الجدل والصراع لفترة طويلة.

سلب للحقوق وترسيخ للتمييز العنصري

بدورها، قالت الحقوقية المصرية البارزة، عزة سليمان: إذا نظرنا إلى الخلفية التاريخية لهذا الحق، فسنجد أنه كان جزءًا من الجهود المبذولة لضمان حقوق المواطنة الكاملة للأمريكيين من أصل إفريقي بعد الحرب الأهلية، كان الهدف من التعديل الرابع عشر هو التصدي للتمييز العنصري وضمان أن جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة يتمتعون بالحقوق والامتيازات نفسها، مضيفة أن هذا التعديل كان بمثابة طوق نجاة للأمة الأمريكية في مرحلة حرجة من تاريخها، لكن مع مرور الزمن أصبح حق المواطنة بالولادة جزءًا لا يتجزأ من الهوية الأمريكية، ورمزًا للفرص المتاحة لكل من يولد على هذه الأرض. 

وتابعت في تصريحاتها لـ"جسور بوست"، إن إلغاء هذا الحق يعني ليس فقط تغيير قوانين الهجرة، بل هو تغيير لطبيعة الأمة الأمريكية نفسها، وأيضا سلب للحقوق، إنه يقف في مواجهة القيم التي قامت عليها الولايات المتحدة والتي جعلت منها مقصدًا للمهاجرين من جميع أنحاء العالم. 

وعن تحديات هذا القرار قالت عزة سليمان، إنها ليست قانونية فقط، بل أيضًا إنسانية واجتماعية، الأطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة لآباء ليس لديهم وضع قانوني لا يعرفون وطنًا آخر غير الولايات المتحدة، فإلغاء حقهم في المواطنة يعني حرمانهم من الفرص التي توفرها لهم هذه البلاد، إنه قرار يحمل في طياته تداعيات إنسانية عميقة، قد تؤدي إلى تفكك الأسر وخلق جيل جديد من الأطفال بلا وطن. 

وأتمت: تصريحات ترامب حول إلغاء حق المواطنة بالولادة تعكس توجهات سياسية معينة، لكنها تفتح أيضًا بابًا واسعًا للنقاش حول هوية الولايات المتحدة ومستقبلها. هذه القضية ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي اختبار لقيم الأمة الأمريكية وقدرتها على الحفاظ على روحها الدستورية في مواجهة التحديات وبينما يتابع العالم هذه التطورات، ويبقى الأمل معلقًا على حكماء القانون والسياسة الذين يسعون للحفاظ على جوهر الديمقراطية الأمريكية وقيمها الإنسانية.

عزة سليمان

معارك قانونية ودستورية قادمة

وبدوره، قال خبير القانون الدولي مصطفى سعداوي، إن هذه الخطوة تعكس إذا ما تم تنفيذها، تغييرا جذريا في أحد المبادئ الأساسية التي قام عليها النظام القانوني والدستوري للولايات المتحدة وهو الحق في الجنسية بالولادة، المنصوص عليه في التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، والذي لا يزال حجر الزاوية في التزام الأمة بمبادئ المساواة والعدالة، وينص التعديل بوضوح على أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة" هذا النص، الذي جاء في أعقاب الحرب الأهلية، كان يهدف إلى ضمان أن جميع الأشخاص المولودين على الأراضي الأمريكية، بغض النظر عن أصلهم أو وضع والديهم، يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة ترامب، من خلال إعلانه، يفتح بابا لمعارك قانونية ودستورية عميقة. 

وتابع سعداوي، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن أي محاولة لإلغاء هذا الحق ستواجه تحديات هائلة، ليس فقط في المحاكم، ولكن أيضا في الكونغرس وفي ساحة الرأي العام، فالتعديل الدستوري يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس، وهي مهمة شبه مستحيلة في ظل الانقسامات السياسية العميقة القائمة، حتى إذا حاول ترامب تمرير هذا القرار من خلال أمر تنفيذي، فإنه سيواجه سلسلة من الطعون القضائية التي ستصل في النهاية إلى المحكمة العليا.

وشدد على أن القوانين والتفسيرات القضائية التي تعزز الحق في الجنسية بالولادة قامت على أسس متينة من المبادئ الدستورية والتاريخية، المحكمة العليا الأمريكية، في عدة مناسبات، أكدت أن التعديل الرابع عشر يشمل جميع الأشخاص المولودين على الأراضي الأمريكية، بغض النظر عن الوضع القانوني لوالديهم، هذا التفسير يعكس الروح التقدمية للدستور والتي تسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة للجميع. 

وتابع سعداوي، إذا نجح ترامب في إلغاء هذا الحق، فإن التداعيات ستكون عميقة وشاملة.. ستجد ملايين الأسر نفسها في مواجهة مستقبل غامض، حيث سيتم حرمان أطفالهم من الحقوق الأساسية التي كان من المفترض أن تكون مضمونة لهم بموجب الدستور، سيؤدي ذلك إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والعرقية، ويعزز الشعور بالظلم والتمييز بين فئات المجتمع المختلفة، علاوة على ذلك سيكون لهذا القرار تداعيات دولية خطيرة. 

مصطفى سعداوي

واختتم الخبير القانوني قائلا: ستتعرض الولايات المتحدة لانتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، مؤكدا أن تراجع أمريكا عن التزامها بمبادئ الحقوق المدنية والدستورية سيضر بسمعتها كداعم رئيسي للحرية والديمقراطية في العالم.

تداعيات حقوقية خطيرة

ومن جانبها، علّقت الحقوقية التونسية البارزة، نسرين زريقات، بقولها: إذا تم إلغاء الحق في الجنسية الأمريكية بالولادة، ستواجه الولايات المتحدة تداعيات حقوقية هائلة وعواقب اجتماعية وسياسية عميقة، فهذا الحق الذي يكفله التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي يُعتبر ركيزة أساسية في التزام البلاد بالمساواة والعدالة، وإلغاء هذا الحق سيؤدي إلى أزمة قانونية وحقوقية غير مسبوقة، حيث سيتعرض ملايين الأشخاص لخطر فقدان جنسيتهم والحقوق المرتبطة بها. 

وأكدت زريقات، في تصريحاتها لـ"جسور بوست" أن أحد أبرز التداعيات هو التحدي القانوني والدستوري الذي ستواجهه الولايات المتحدة، وأي محاولة لإلغاء هذا الحق ستقابل بسيل من الدعاوى القضائية التي ستصل حتماً إلى المحكمة العليا، القوانين والتفسيرات القضائية الحالية تؤكد بوضوح شمولية التعديل الرابع عشر للأطفال المولودين على الأراضي الأمريكية، بغض النظر عن وضع والديهم القانوني. 

وأشارت إلى أن تحدي هذا التفسير سيتطلب إعادة نظر في مبادئ قانونية مستقرة منذ عقود، ما سيؤدي إلى حالة من عدم اليقين القانوني، ومن الناحية الاجتماعية، سيؤدي هذا القرار إلى تفاقم الانقسامات العرقية والاجتماعية، فالأطفال المولودون في الولايات المتحدة سيجدون أنفسهم فجأة محرومين من حقوق المواطنة الأساسية؛ ما يخلق جيلاً جديداً من السكان عديمي الجنسية، وهذا الوضع سيزيد من التوترات الاجتماعية ويعزز الشعور بالظلم والتمييز بين الفئات المختلفة في المجتمع. 

وعن الصعيد الدولي قالت: ستتعرض الولايات المتحدة لانتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، فتراجع أمريكا عن التزامها بمبادئ الحقوق المدنية والدستورية سيضر بسمعتها كداعم رئيسي للحرية والديمقراطية، وستعتبر هذه الخطوة تراجعاً خطيراً عن المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات الدولية والتعاون مع الدول الأخرى.

نسرين زريقات

وأتمت: في المجمل، إلغاء الحق في الجنسية بالولادة سيجلب تحديات حقوقية جسيمة، ويهدد أسس العدالة والمساواة التي قام عليها النظام القانوني الأمريكي، وستكون هذه الخطوة بمثابة نكسة كبيرة للحقوق المدنية، وستؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد على النسيجين الاجتماعي والسياسي للبلاد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية