مسلمو الإيغور.. أقلية تصارع مخططات محو الهوية وصمت العالم

مسلمو الإيغور.. أقلية تصارع مخططات محو الهوية وصمت العالم

منظمات حقوقية: السلطات الصينية تحاول التلاعب بالمجتمع الدولي وتضليله بشأن ملف حقوق الإنسان

تقارير دولية: السلطات الصينية تتخذ تدابير من شأنها القضاء على الهوية الثقافية للإيغور 

رئيس جمعية تركستان الشرقية للصحافة: نحو 8 ملايين من الإيغور محبوسون في معسكرات أمنية

 

بسجن امتد لثلاث سنوات، لم يخطر على ذهن فتاة من الإيغور (18 عاما) أنها ستقبع خلف أسوار السجون الصينية بتهمة تعليم القرآن لآخرين في إقليم شينغيانغ (غرب).

وفي السنوات الأخيرة، عاقبت السلطات الصينية أعدادًا كبيرة من الإيغور في شينغيانغ بسبب أنشطة دينية، بما في ذلك تعليم القرآن للأطفال، وفقًا لتقارير حقوقية مسربة من جماعات حقوق الإيغور.

والإيغور هم أحد أقدم الشعوب الناطقة بالتركية ومن أكثرها تمدنا، وتعد آسيا الوسطى موطنهم الأصلي، ويدين الغالبية العظمى منهم بالإسلام. 

ويُقدر تعداد سكان الإيغور بنحو 20 مليون نسمة حول العالم، منهم حوالي 12 مليونا يعيشون في تركستان الشرقية (إقليم شنغيانغ المتمتعة بالحكم الذاتي)، بنسبة تبلغ حوالي 46 بالمئة من إجمالي السكان.

حرب على الهوية

ووفق تقارير دولية، تمارس السلطات الصينية تدابير من شأنها القضاء على الهوية الثقافية للإيغور في إقليم "شنغيانغ"، وتضع قيودا صارمة على ممارسة الشعائر الدينية والتقاليد واللغة، وتهدم المساجد والمواقع المقدسة، فضلا عن الاعتقالات والاختفاء القسري.

قبل نحو شهرين، أفادت التقارير ذاتها بأن السلطات الصينية قامت بتغيير أسماء نحو 630 قرية من قرى الإيغور بين عامي 2009 و2023 كجزء من جهد حكومي أوسع لمحو الهوية الثقافية في شينغيانغ. 

بدورها، قالت منظمة "مساعدة الإيغور" التي تتخذ من النرويج مقراً لها، إن "السلطات الصينية في شينغيانغ كانت تغير بشكل منهجي مئات أسماء القرى ذات المعاني الدينية أو التاريخية أو الثقافية للإيغور إلى أسماء تعكس أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني الحديثة".

وتسرد المنظمة واقعة أن إحدى الفتيات القرويات واجهت صعوبات في العودة إلى منزلها بعد إطلاق سراحها من معسكر إعادة التأهيل لأن نظام تذاكر المواصلات لم يعد يتضمن اسم قريتها بعد تغييره، كما واجهت لاحقاً المزيد من الصعوبات في التسجيل للحصول على الخدمات الحكومية بسبب هذا التغيير.

وتنص المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقعت عليه الصين لكنها لم تصادق عليه، على أنه "في الدول التي توجد فيها أقليات عرقية أو دينية أو لغوية، لا يجوز حرمان الأشخاص المنتمين إلى هذه الأقليات من الحق، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في مجموعتهم، في التمتع بثقافتهم الخاصة، أو اعتناق دينهم وممارسة شعائره، أو استخدام لغتهم الخاصة".

وفي مايو 2014، أطلقت الحكومة الصينية حملة عسكرية ضد ما اسمته آنذاك بـ"الإرهاب العنيف" في إقليم شينغيانغ الأويغوري المتمتع بالحكم الذاتي، كما نفذت منذ عام 2017 هجومًا واسع النطاق وممنهجا ضد الإيغور وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينغيانغ. 

وشملت هذه الحملات الاحتجاز التعسفي الجماعي والتعذيب والاختفاء القسري والمراقبة الجماعية والاضطهاد الثقافي والديني وفصل الأسر والعمل القسري والعنف الجنسي وغيرها، بحسب تقارير دولية.

وفي عام 2023، أصدرت 51 دولة عضوة في الأمم المتحدة إعلانا مشتركا يدين الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها الحكومة الصينية ضد الإيغور، ويدعو بكين إلى إنهاء انتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان في إقليم شينغيانغ.

محاكاة للقضية الفلسطينية

وبشأن الأوضاع الحالية في شينغيانغ، الذي لا تزوره شمس الإعلام بسبب القيود الصينية، قال رئيس جمعية تركستان الشرقية للصحافة ومدير وكالة أنباء تركستان الشرقية، الدكتور عبدالوارث عبدالخالق، إنها تزداد صعوبة منذ عام 2013، حيث شهد تعامل الصين مع الشعب الإيغوري تغييرا جذريا سلبيا وتنامت الانتهاكات بصورة كبيرة.

وأوضح عبدالخالق في تصريح لـ"جسور بوست" أن نحو 8 ملايين من الإيغور محبوسون في معسكرات أمنية تابعة للصين، لإجبارهم على التخلي عن دينهم وأكل لحوم محرمة، بخلاف معسكر خاص بالأطفال يضم مئات الآلاف من سن عامين إلى 10 أعوام، جمعتهم الصين قسرا لتنشئتهم بمعزل عن معتقداتهم وثقافتهم ولغتهم وأسرهم، بخلاف هدم آلاف المساجد. 

وأضاف: "يأتي ذلك بخلاف الاعتقالات التعسفية بناء على الهوية والإعدامات دون محاكمات، ومنع تسمية الأطفال بأسماء إسلامية، والعمل القسري بأجور متدنية، ما يجعل وضع الإيغوريين أشبه بوضع الفلسطينيين من حيث المعاناة والظلم والاضطهاد".

وعن أسباب اتجاه الصين لتلك المواجهات الخشنة مع الإيغور، قال عبدالخالق: "يعود ذلك إلى هوية تركستان الشرقية الإسلامية التي ترفضها بكين رفضا قاطعا، وتنعتها بالإرهاب والتخلف، بخلاف أنها ذات مساحة كبيرة وموقع استراتيجي، يجعلها سدس مساحة الصين، ولها حدود مع 9 دول.

وتابع: "هذا الموقع الاستراتيجي تستولى عليه الصين، بعدما جعلت تركستان الشرقية مركزا للطاقة، وسعت لتأمينها في ظل كونها ممرا هاما في مشروع طريق الحرير الصيني، إلى جانب فرض تعتيم إعلامي كبير على القضية الإيغورية".

وفي عام 2021 أصدرت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) تقريرا بعنوان: "كأننا أعداء في حرب" تنتقد حملة الاحتجاز الجماعي والتعذيب والاضطهاد التي تمارسها الصين ضد المسلمين في شينغيانغ. 

وأفاد التقرير بأنه "منذ عام 2017 عمدت الحكومة الصينية إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة وممنهجة بحق المسلمين الذين يعيشون في إقليم شينغيانغ، وارتكبت الحكومة الصينية جرائم ضد الإنسانية، مثل السجن والتعذيب والاضطهاد".

ووفق منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية فقد شهد عام 2023 تصعيدا غير مسبوق من الصين ضد الإيغور عبر عمليات الاعتقالات والمحاكمات غير العادلة، وبالعام ذاته أصدرت 51 دولة عضو في الأمم المتحدة إعلانا مشتركا يدين الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها الحكومة الصينية ضد الإيغور، ويدعو بكين إلى إنهاء انتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان في منطقة شينغيانغ.

انتقادات دولية وأممية

وفي يناير 2024، اتهمت منظمة العفو الدولية، في بيان، السلطات الصينية بأنها تحاول التلاعب بالمجتمع الدولي وتضليله أثناء استعراض الأمم المتحدة لسجل حقوق الإنسان.

وقالت المديرة المعنية بالصين في منظمة العفو الدولية سارة بروكس: "كان ينبغي لاستعراض سجل الحقوق اليوم أن يكون بمثابة حساب حقيقي للسلطات الصينية: فهو حيز نادر للحكومات الأخرى لإبراز الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يواجهها الضحايا في جميع أنحاء الصين وخارجها".

وأضافت بروكس: "رأينا الصين تسعى إلى التلاعب بالمجتمع العالمي وتضليله، ناكرة نطاق وحجم انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في تقارير للأمم المتحدة، في حين قدمت نهجها المناهض لحقوق الإنسان كنموذج للدول الأخرى".

ورفضت السلطات الصينية، وفق بروكس، "الاعتراف بحقائق أساسية: حيث قدمت قمعها للإيغور باعتباره وسيلة فعالة لمكافحة الإرهاب، وقمعها للفضاء المدني في هونغ كونغ على أنه يوفر الاستقرار في المدينة".

ورفضت الصين في 2018، عدة توصيات بشأن السماح بوصول خبراء مستقلين من الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، وهو إجراء رئيسي للتعاون مع منظومة الأمم المتحدة، على أساس أنه يشكل تدخلًا في سيادة الصين وشؤونها الداخلية.

ولم تمنح الحكومة حتى الآن حق الوصول الكامل وغير المقيد للأمم المتحدة، وغيرها من مراقبي حقوق الإنسان المستقلين، حيث لم تتم سوى زيارة شخص واحد مكلف بولاية في إطار الإجراءات الخاصة خلال فترة الاستعراض، بينما تم تجاهل 13 طلبًا للزيارة وتذكيرًا بالطلبات.

في عام 2022، وجدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنه على خلفية القوانين والسياسة والممارسات التقييدية والتمييزية، أن تصرفات الصين التي تستهدف الإيغور وغيرهم من أفراد الجماعات ذات الأغلبية المسلمة، قد تشكل جرائم دولية، وبصورة خاصة جرائم ضد الإنسانية.

تلك البيانات الحقوقية، إضافة لتأكيدات الدول والمنفيين خارج تركستان الشرقية، تضع الإيغور تحت مقصلة محو الهوية الممنهج من الصين التي تتسلح بالنفي في مواجهة حقائق.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية