إيمان خليف.. هل تنتصر الملاكمة على "التنمر" والتحرش الإلكتروني بالضربة القاضية؟
إيمان خليف.. هل تنتصر الملاكمة على "التنمر" والتحرش الإلكتروني بالضربة القاضية؟
بعد كفاح مرير، ليس في حلبة الملاكمة فحسب، بل في مواجهة الأحكام النمطية والمسبقة، غربا وشرقا، ضد المرأة بشكل عام، وضدّ من لا يندرجن في سياق الصورة المكرسة عن الذكورة والأنوثة، جاء انتصار إيمان خليف بميدالية ذهبية في أولمبياد باريس 2024، ليتوج مسيرة نضال فتاة عانت من الاضطهاد والتنمر ومحاولات القضاء عليها منذ نشأتها.
إيمان التي جسدت نموذجا حيا لأحلام الفقراء والشعوب الضعيفة، وللمرأة المطالبة بأن تحارب ثقافة ذكورية استباحت وعي المجتمعات، عانت بعد انتصارها في الدور الأول من أولمبياد باريس 2024، والذي جمعها مع الإيطالية أنجيلا كاريني، واستمر لمدة 46 ثانية فقط، من حرب ثقافية تتسم بالتحيز والمعلومات المضللة، لتجتر إيمان ألمها وتحنو على حلمها في الوقت نفسه، حيث اندلع سجال ساخن في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية بعد مباراتها هذه، ولكنه لم يكن عادلا كما يفترض بمجال كهذا، مطالبا باستبعاد إيمان للتشكيك في جنسها.
إيمان خليف، ابنة الريف الجزائري، والحياة الفقيرة والطفولة المحرومة والأحلام العظيمة التي دفعت أثمانها مسبقا، والتي اختيرت لتكون سفيرة صندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف الجزائر" واجهت تحديات كبيرة داخل وخارج الحلبة، وإن كان التحدي الأكبر لها هو حملة الانتقادات والتشكيك في هويتها الجنسية، خصوصاً من اليمين المتطرف حول العالم، خلال المراحل الأولى من المنافسات، لكنّها نجحت في مواصلة المشوار واقتنصت الذهبية.
ولأن سلسلة التحديات بدأت منذ نعومة أظافرها، نشأت إيمان خليف -التي ولدت في عام 1999 في قرية صغيرة بولاية تيارت الجزائرية- في أسرة فقيرة لأب يعمل لحامًا للمعادن في الصحراء، وكانت إيمان تبيع الخردة والطعام الذي تصنعه والدتها من أجل توفير المال اللازم للتدريب، وكانت تضطر للسفر مسافة 10 كيلومترات بالحافلة للوصول إلى أقرب صالة رياضية.
ورغم هذه الصعوبات، سرعان ما لفتت إيمان انتباه الاتحاد الجزائري للملاكمة، وشاركت في بطولة العالم للسيدات 2018 لكنها احتلت المركز الـ17 ثم استمرت سلسلة الخسائر لتصل إلى 5 في أول 6 نزالات.
ورغم الهزائم، لم تستسلم إيمان، بل واصلت التدريب والتطوير، وكانت واحدة من أول 3 ملاكمات جزائريات تم إرسالهن إلى طوكيو في الألعاب الأولمبية 2020، واحتلت المركز الثاني في بطولة العالم للسيدات عام 2022 بعد خسارة النهائي أمام الأيرلندية إيمي برودهرست.
في عام 2023، واجهت إيمان تحديًا جديدًا، حيث تم استبعادها من نزال الميدالية الذهبية في بطولة العالم في نيودلهي بسبب عدم استيفائها معايير الأهلية التي يفرضها الاتحاد الدولي للملاكمة، وهي معايير وصفت بأنها مثيرة للجدل، سرعان ما عدلتها اللجنة الأولمبية الدولية.
ودافعت اللجنة الأولمبية الدولية عن إيمان خليف حينها، وقالت إنها "ولدت امرأة ونشأت كامرأة، وهي امرأة في وثيقة السفر"، كما توعدت اللجنة الأولمبية الجزائرية بالملاحقة القضائية لكل من يتجاوز بحق الملاكِمة.
ومع بداية أولمبياد باريس 2024، كانت إيمان خليف تحمل على عاتقها أعباء تلك التجربة المريرة، لكنها أيضًا كانت تحمل في قلبها أملًا كبيرًا.. لقد رأت في هذا الحدث فرصة ليس فقط للفوز بميدالية ذهبية، بل لإثبات أن هويتها ليست موضوعًا للنقاش أو الشك.
وفي لحظة الانتصار، عندما رفعت قبضتها بعد فوزها بالميدالية الذهبية، كان ذلك الفوز أكثر من مجرد إنجاز رياضي، لقد كان انتصارًا على كل الأصوات التي حاولت أن تسلبها حقها في التعريف بنفسها.. وإعلانًا صريحًا بأن إيمان ليست مجرد رياضية، بل رمزاً لكل من كافح من أجل تحقيق حلمه، دون أن يخضع لأحكام الآخرين.. وبعد أن رفعت يدها معلنة انتصارها بالذهب، قررت أن ترفع قضية ضد كل من أساء إليها، وفتحت النيابة العامة الفرنسية تحقيقاً رسمياً إثر شكوى تقدمت بها إيمان خليف ضد كل من تهجم عليها بتُهمة التحرش الإلكتروني.