مؤرخ إسرائيلي: "إسرائيل" متورطة في جرائم حرب وأعمال إبادة جماعية
مؤرخ إسرائيلي: "إسرائيل" متورطة في جرائم حرب وأعمال إبادة جماعية
أكد المؤرخ الإسرائيلي والمتخصص بشؤون الإبادة الجماعية عمير بارتوف، أنّ "إسرائيل" متورطة في جرائم حرب وأعمال إبادة جماعية في غزة وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقال في مقال له وفق الصحيفة البريطانية: "باعتباري جندياً سابقاً في "جيش" الدفاع الإسرائيلي ومؤرّخاً للإبادة الجماعية، انتابني قلق عميق خلال زيارتي الأخيرة لـ"إسرائيل". لم أقم بزيارة "إسرائيل" منذ يونيو 2023، وخلال هذه الزيارة الأخيرة وجدت "دولة" مختلفة عن تلك التي كنت أعرفها. ومن خلال معرفتي الجيدة بالبلد من الداخل، ومتابعتي للأحداث عن كثب أكثر من المعتاد منذ السابع من أكتوبر، لم أتفاجأ بتاتاً بما واجهته عند عودتي، وهو مقلق للغاية".
وتابع قائلا "خلال مناقشة هذه القضايا، لا يسعني إلا أن أعتمد على خلفيّتي الشخصية والمهنية. فقد خدمت في "جيش" الدفاع الإسرائيلي مدة 4 سنوات، وهي الفترة التي شملت حرب يوم الغفران عام 1973 وكانت لي مشاركات في الضفة الغربية وشمال سيناء وغزة، وأنهيت خدمتي كقائد سرية مشاة. وخلال فترة إقامتي في غزة، شاهدت بأم عيني الفقر واليأس الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون الذين يكدحون لكسب رزقهم في الأحياء المزدحمة والمتهالكة. وأذكر جيداً قيامي بدوريات في شوارع مدينة العريش المصرية المشمسة والهادئة، التي كانت ترزح آنذاك تحت الاحتلال الإسرائيلي، التي تخترقها نظرات السكان الخائفين والممتعضين الذين يراقبوننا عبر نوافذ بيوتهم المغلقة. وللمرة الأولى أدركت ما يعنيه احتلال شعب آخر".
وأضاف هذه التجارب الشخصية جعلتني مهتماً أكثر بسؤال لطالما حيّرني: ما الذي يحفّز الجنود على القتال؟ خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، قال عدد من علماء الاجتماع الأميركيين إن الجنود يقاتلون أولاً وقبل كل شيء من أجل بعضهم البعض، وليس من أجل هدف أيديولوجي أكبر. إلّا أنّ ذلك لم يتناسب تماماً مع ما خبرته كجندي؛ فقد كنّا نعتقد بأننا نخوض الحروب من أجل قضية أكبر تتجاوز مجموعتنا من الرفاق. وفي الوقت الذي أنهيت فيه دراستي الجامعية، كنت قد بدأت أيضاً في التساؤل عما إذا كان من الممكن إرغام الجنود على التصرّف بطرق قد يجدونها مشينة بذريعة هذه القضية.
وأردف قائلا: عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر عام 1987، كنت أقوم بالتدريس في جامعة "تل أبيب". وهالتني التعليمات التي أصدرها وزير الدفاع آنذاك إسحق رابين لـ"الجيش" الإسرائيلي بـ"كسر أذرع وأرجل" الشباب الفلسطينيين الذين كانوا يرشقون القوات المدججة بالسلاح بالحجارة. وكتبت له رسالة أحذّر فيها من أنني، استناداً إلى بحثي في مجال التلقين العقائدي للقوات المسلحة في ألمانيا النازية، أخشى أن يكون "الجيش" الإسرائيلي تحت قيادته يسير في طريق زلق مماثل.
وأوضح المؤرخ في مقاله أنه بعد أيام قليلة من توجيه رسالتي، تلقّيت رداً مفاجئاً من رابين من سطر واحد يوبّخني فيه لجرأتي على مقارنة "الجيش" الإسرائيلي بالجيش الألماني. وأعطاني هذا الأمر الفرصة لأكتب له رسالة أكثر تفصيلاً، أشرح فيها بحثي وقلقي بشأن استخدام "الجيش" الإسرائيلي كأداة لقمع المدنيين المحتلّين العُزّل. فردّ رابين مرة أخرى بالعبارة نفسها قائلاً: "كيف تجرؤ على مقارنة الجيش الإسرائيلي بالفيرماخت (الجيش الألماني)؟". وبالنظر إلى الماضي، أدركت أنّ تبادل الرسائل قد كشف بعضاً من مساره الفكري اللاحق. فمن واقع معرفتنا بمشاركته في عملية أوسلو للسلام، أدرك في نهاية المطاف أنّ "إسرائيل" لن تتمكّن على المدى الطويل من تحمّل الأثمان العسكرية والسياسية والأخلاقية للاحتلال.
وأكد الكاتب أن هجوم حماس في السابع من أكتوبر وقد شكّل صدمة هائلة للمجتمع الإسرائيلي، وهي صدمة لم يبدأ بعد بالتعافي منها. فكانت هذه المرة الأولى التي تفقد فيها "إسرائيل" السيطرة على جزء من "أراضيها" لفترة طويلة، مع عجز "الجيش" الإسرائيلي عن منع مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، واحتجاز أكثر من 200 رهينة، بمن في ذلك عشرات الأطفال. وبالتالي، فإنّ الشعور بتخلّي "الدولة" واستمرار انعدام الأمن، مع استمرار نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم الواقعة على طول قطاع غزة والحدود اللبنانية، عميق للغاية.
وذكر أنه يخيّم حاليا على مجموعات كبيرة من الشعب الإسرائيلي، بما في ذلك المجموعات المعارضة للحكومة، نوعان من المشاعر، الشعور الأول السائد، هو مزيج من الغضب والخوف والرغبة في إعادة إرساء الأمن بأيّ ثمن، وانعدام الثقة التام في الحلول السياسية والمفاوضات والمصالحة، وأما الشعور الثاني السائد، أو بالأحرى الافتقار إلى الشعور، فهو الجانب الآخر من الشعور الأول. وهو العجز المطلق للمجتمع الإسرائيلي اليوم عن الشعور بأيّ تعاطف مع سكان غزة. ويبدو أنّ الأغلبية لا تريد حتى أن تعرف ما يحدث في غزة، وهذه الرغبة تنعكس في التغطية التلفزيونية. إذ تبدأ أخبار التلفزيون الإسرائيلي هذه الأيام عادة بتقارير حول جنازات الجنود، الذين يوصفون دائماً بالأبطال والذين سقطوا خلال المعارك في غزة، تليها تقديرات لعدد مقاتلي حماس الذين "تمّت تصفيتهم". أمّا الأخبار التي تتطرّق إلى مقتل مدنيين فلسطينيين فهي نادرة ويتمّ تقديمها عادة كجزء من دعاية العدو أو كسبب لضغوط دولية غير مرحّب بها. وفي مواجهة هذا الكمّ الهائل من الموت، يبدو هذا الصمت المطبق اليوم وكأنه شكل من أشكال الانتقام.
وأكد المؤرخ أنه لا شكّ في أنّ الشعب الإسرائيلي بات معتاداً منذ فترة طويلة على الاحتلال الوحشي الذي ميّزه طيلة وجوده. إلّا أنّ حجم الفظائع التي يرتكبها "الجيش" الإسرائيلي في غزة الآن، لم يسبق له مثيل تماماً مثل اللامبالاة التامة لمعظم الإسرائيليين تجاه ما يجري باسمهم. والطريقة التي تلمع بها أعين هذا الشعب كلما ذكر أحدهم معاناة المدنيين الفلسطينيين، ومقتل الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن، تُعدّ أمراً مقلقاً للغاية.
ونوه الكاتب إلى المنشورات الكثيرة التي تستعرضها قوات "الجيش" الإسرائيلي في غزة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تدعو إلى "قتل العرب"، و"إحراق أمهاتهم"، و"تسوية" غزة بالأرض. ومع ذلك، لم يصدر أي إجراء تأديبي محدّد من قبل قادتهم، مشددا على أنه لا شيء يشجّع على العنف أكثر من تأدية دور الضحية كما هو قائم في إسرائيل حاليا.
وجدد الكاتب تأكيده بقوله أصبحت مقتنعاً بأنه على الأقل منذ الهجوم الذي شنه "الجيش" الإسرائيلي على رفح في 6 مايو 2024، لم يعد من الممكن إنكار تورّط "إسرائيل" في جرائم حرب ممنهجة وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية.