"الإيكونوميست": هل تنجح الخطة الأمريكية البنمية لإغلاق فجوة "دارين"؟
للسيطرة على الهجرة المتزايدة
ارتفع عدد المهاجرين الذين يعبرون فجوة دارين -وهي مساحة من الغابة بين كولومبيا وبنما- في طريقهم إلى الولايات المتحدة، وفشلت إدارة الرئيس جو بايدن في وقف التدفق، بعدما اعتقدت أنها وجدت حلا في رئيس بنما الجديد، خوسيه راؤول مولينو، الذي خاض حملته الانتخابية متعهدًا بـ"إغلاق" الحدود.
وفي يوليو وقعت الدولتين مذكرة تفاهم حددت نية البلدين إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم، ولكن بعد أسابيع قليلة، يبدو أن "مولينو" يتراجع، وهو ما زاد من تفاقم الفوضى في الغابة.
لطالما اعتُبرت فجوة دارين خطيرة للغاية بحيث لا يمكن عبورها، وكان على أولئك الذين تجرؤوا على ذلك أن يتعاملوا مع الثعابين السامة والأنهار السريعة وقطاع الطرق الذين يغتصبون المسافرين ويسرقونهم، ولكن العنف المتزايد والاستبداد والصعوبات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية وخارجها تدفع أعدادًا متزايدة من الناس إلى القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
ففي عام 2014، عبر أقل من 10 آلاف مهاجر الفجوة، وفي العام الماضي، عبرها أكثر من 500 ألف مهاجر، ومن المتوقع حدوث موجة أخرى من الهجرة نتيجة للانتخابات الرئاسية الفنزويلية في 28 يوليو.
وبموجب الاتفاق الذي وقعته حكومتا السادة مولينو وبايدن، سيتم إرسال المهاجرين الذين ليس لديهم الحق في التواجد في بنما إلى ديارهم على متن رحلات تدفعها الولايات المتحدة، وقد تلقت بنما مبلغًا أوليًا قدره 6 ملايين دولار لتجهيز وتدريب عملاء سينافرونت ودفع تكاليف رحلات العودة.
وفي 14 أغسطس، أجرى رئيسا الدولتين مكالمة هاتفية أكدا فيها أن الرحلات الجوية ستبدأ في نهاية الشهر، وأرسل مولينو المزيد من العملاء لدوريات الحدود وأغلق عدة طرق عبر الغابة بالأسلاك الشائكة.
على الورق، الخطة واضحة، ولكن في الممارسة العملية، من المستحيل تحقيقها، يحتاج الجميع تقريبًا إلى جواز سفر ساري المفعول لدخول بنما بشكل قانوني، ويحتاج العديد من الأشخاص إلى تأشيرة، ولكن وفقًا للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 7% فقط من المهاجرين الفنزويليين، الذين يشكلون ثلثي أولئك الذين يعبرون الفجوة، لديهم جوازات سفر سارية المفعول.. إن التأشيرات نادرة للغاية أيضاً.
وهذا يعني أن جميع المهاجرين من منطقة دارين تقريباً قد يعتبرون مؤهلين للترحيل، ومن أجل إعادتهم إلى ديارهم، يتعين على بنما أن تبرم اتفاقيات مع البلدان المستقبلة، وقد بدأت المناقشات مع كولومبيا والإكوادور، وفي أعقاب تزوير مادورو للانتخابات، علقت حكومة بنما العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا.
وفي مواجهة هذه العقبات اللوجستية وغيرها، يبدو أن "مولينو" تخلى عن الخطة الأصلية، ففي 18يوليو، قال إن رحلات الترحيل ستكون طوعية، وقال إنه إذا لم يرغب المهاجرون في العودة إلى ديارهم، "فسوف يذهبون إلى الولايات المتحدة، لا يمكنني اعتقالهم، ولا يمكننا إعادتهم قسراً"، ولن يتم طرد سوى المجرمين المطلوبين.
ومع ذلك، لن يختار أي شخص تقريباً العودة إلى وطنه، ففنزويلا في حالة سقوط اقتصادي حر، مما دفع ما يقرب من 8 ملايين شخص إلى الفرار من البلاد، ومنذ الانتخابات، تم اعتقال أكثر من 2400 متظاهر.
وتواجه هايتي والإكوادور، المصدران لأكبر مجموعات المهاجرين التالية، عنفاً شديداً من جانب العصابات. ومع تجاوزهم أسوأ مراحل رحلتهم، فإن الغالبية العظمى من المهاجرين سيواصلون طريقهم.
وبدلاً من إغلاق الحدود، تتحدث حكومة بنما الآن عن إنشاء "ممر إنساني"، ويقول خورخي جوبيا، رئيس منظمة سينافرونت، إن الأسلاك الشائكة ووكلاء الحدود الإضافيين يهدفون إلى "توجيه تدفق المهاجرين عبر طريق واحد" يمكن إدارته.
والآن يتم أخذ بيانات العديد من المهاجرين البيومترية والخضوع لفحوصات السجل الجنائي في كاناس بلانكاس، ثم يمشون إلى لاجاس بلانكاس، حيث يوزع عمال الإغاثة الطعام والمأوى.
ويبدو أن الولايات المتحدة مندهشة من هذا التحول، ففي المكالمة الهاتفية في 14 أغسطس، شكر "بايدن"، "مولينو" على دعمه "للهجرة المنظمة والإنسانية"، ويبدو أنه لم يتم ذكر ما إذا كانت رحلات الترحيل ستكون طوعية أم لا.
ويبدو أن جوهر القضية هو أن البلدين لديهما مصالح مختلفة، فالناخبون البنميون لا يهتمون كثيرا بالمهاجرين، الذين يستقلون الحافلات المتجهة شمالا بعد خروجهم من الغابة، وبدلا من ذلك، يشعر الناخبون بالقلق إزاء انعدام القانون المتزايد على الحدود، كما تنصب العصابات البنمية الجديدة كمائن للمهاجرين، كما يزدهر المجرمون الكولومبيون.
ووفقا لمجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية، فإن عصابة كلان ديل جولفو، وهي عصابة تسيطر على مدخل الغابة على الجانب الكولومبي، تجني أكثر من 4 مليارات دولار سنويا، ويعتقد أن الكثير من هذا المبلغ يأتي من الاتجار بالبشر.
وفي الولايات المتحدة، قد تؤثر المخاوف بشأن الهجرة على الانتخابات الرئاسية المقبلة، تاريخيا، جاء معظم المهاجرين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة من المكسيك وأمريكا الوسطى، ولكن منذ ديسمبر 2023، جاء أكثر من نصفهم من أماكن أبعد، وخاصة فنزويلا وهايتي والإكوادور، وكل هؤلاء تقريبا عبروا فجوة دارين أولا.
يقول وزير الأمن العام في بنما، فرانك أبريجو، إن مكتبه يدرس تشغيل عبارات لنقل ما يصل إلى 2000 شخص في المرة الواحدة من كولومبيا إلى بنما، ويقول إنه طالما أن المهاجرين ليسوا مجرمين مطلوبين، فسوف يُسمح لهم "بالاستمرار في البحث عن حلمهم الأمريكي"، وهذا من شأنه أن يثير الدهشة في واشنطن، بينما تتشاجر الحكومات، تستمر معاناة المهاجرين.