أثار جدلاً بمصر.. خبراء يطالبون بمزيد من التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية

أثار جدلاً بمصر.. خبراء يطالبون بمزيد من التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية

بموجة جدل، يواجه مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، مأزقا كبيرا في مصر، لا سيما عقب الانتقادات التي حاصرته من نقابتي المحامين والصحفيين. 

ومؤخرا أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إحالة توصيات "الحوار الوطني" حول تعديلات قوانين الحبس الاحتياطي بمشروع قانون "الإجراءات الجنائية" إلى الحكومة لاتخاذ ما يلزم نحوه، ما أسهم في التعجيل بإعداد تعديلاته داخل البرلمان.

وقبل أيام، أدخلت اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) تعديلا على قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، ووافقت على 102 مادة من المشروع الذي يتضمن 540 مادة، وسط موجة حادة من الاعتراضات والانتقادات المجتمعية.

وتطرقت إحدى مواد القانون إلى تقديم المساعدة للفئات المستضعفة كالمسنين وذوي الهمم، فيما ركز الجزء الأغلب منه على تدابير الحبس الاحتياطي، ومحددات النشر الإعلامي في جلسات المحاكم، وضمانات تتعلق بحقوق الدفاع والمتهمين.

ونص الجانب المتعلق بحقوق المسنين وذوي الهمم من التعديل على أنه "يجب على عضو النيابة العامة عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق أن يدون جميع البيانات الخاصة بإثبات شخصيته، ويحيطه بحقوقه كتابة وبالتهمة المنسوبة إليه، ويثبت في المحضر ما قد يبديه في شأنها من أقوال، وأن يمكنه من الاتصال بذويه ومحاميه وذلك بعد تنبيهه إلى أن من حقه الصمت، وذلك كله مع مراعاة توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة والمسنين وفقاً للإجراءات المقررة قانونا".

وقال أعضاء في اللجنة البرلمانية إن مجلس النواب حرص على أن تعديل مشروع القانون استهدف مراعاة بعض الفئات الضعيفة من خلال تقديم المساعدة للمسنين وذوي الهمم، من منطلق كونهم ضمن الفئات الأولى بالرعاية والاهتمام بالمجتمع.

يهمش دور الدفاع

وعلى صعيد ضمانات نزاهة سير العدالة، أوضح المحامي الحقوقي وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني نجاد البرعي، أن مشروع القانون الجديد يسعى إلى إضفاء شرعية على أمور غير شرعية، من خلال تهميش دور الدفاع لترسيخ إجراءات غير قانونية تمارسها جهات الضبط والتحقيق ضد المتهمين ودفاعهم، مقابل التوسع المعيب في صلاحيات وكلاء النيابة.

وأضاف البرعي، خلال ندوة عقدتها نقابة الصحفيين لمناقشة مشروع القانون، أن توصيات الحوار الوطني لم يؤخذ بها في إعداد القانون سوى ما يتعلق بتخفيض مدد الحبس الاحتياطي في الجنح والجنايات، مشيرا إلى ضرورة عقد جلسات استماع لأصحاب المصلحة داخل البرلمان المصري لخروج القانون بشكل متوازن يضمن تحقيق العدالة.

واتفق مع الرأي السابق، المحامي الحقوقي ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة (غير حكومي، مقره القاهرة) إذ عاب على مشروع القانون الجديد الافتئات على حقوق المحامين أثناء سير التحقيقات، مؤكدا أن إقرار التشريع بهذه الجوانب المعيبة لن يوفر ضمانات لعدالة التقاضي بمصر.

وقال أمين: "الوضع الحالي لقانون الإجراءات الجنائية أفضل من التعديلات الجديدة التي تمثل كوارث وتجهض حق المتهمين في ضمانات سير العدالة"، موضحا أن الاعتراضات على مشروع القانون تتعلق بالتهديدات التي يتضمنها بشأن حقوق المواطنين جميعا وليس المحامين والصحفيين وحدهم.   

ومن جانبه، أشار المحامي جمال سويد إلى أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يحوي 53 قنبلة موقوتة بشأن الإضرار بمرفق العدالة، مؤكدا أن تمرير هذا التشريع يمثل اغتيال وتقويض للعدالة بمصر.

اعتراضات مشروعة

وتصدرت قائمة المعترضين على تعديل مشروع القانون كلاً من نقابتي المحامين والصحفيين، إضافة إلى العديد من النشطاء والسياسيين والمنظمات الحقوقية.

وعقدت نقابة المحامين اجتماعا عاجلا لبحث مشروع قانون الإجراءات الجنائية، إذ أعلن نقيب المحامين عبدالحليم علام، إن النقابة لديها اعتراضات وتعتبر أن "المشروع المطروح لم يحظَ بالدراسة الكافية".

وأوضحت النقابة في بيان أن بعض نصوص المشروع أثارت لغط وجدل كبيرين في الأوساط القانونية بسبب ما تضمنته بعض تلك النصوص من توسع في سلطات الضبط والتحقيق والمحاكمة على حساب حق الدفاع، والمساس بحقوق جوهرية للدفاع مقررة ومستقرة بموجب الدساتير والقوانين المتعاقبة والمواثيق الدولية.

وأعلنت النقابة إعداد مذكرة تفصيلية عاجلة بالنصوص المعترض عليها مقارنة بنصوص القانون الحالي، وما شابها من مخالفات دستورية، والمقترحات البديلة بشأن التعديل والحذف والإضافة، على أن تسلم المذكرة رسميًا إلى رئيس مجلس النواب، ورئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية.

وطالبت مجلس النواب بعرض مشروع القانون على مجلس الشيوخ لمزيد من المناقشة وفقًا لما أجازه له الدستور والقانون في هذا الشأن، إضافة إلى فتح كل قنوات التواصل مع جميع الجهات المعنية لعمل اللازم نحو إعادة مشروع القانون لاستكمال دراسته الواقعية والتشريعية والحوار القانوني المجتمعي بشأنها.

دعوة لإعادة طرح مشروع القانون

ومن جانبها أعلنت نقابة الصحفيين تضامنها مع نقابة المحامين، وترحيبها باستجابة اللجنة التشريعية بمجلس النواب بحذف المادة "267" من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والتي اعتبرتها النقابة من قبل "تقويضًا للعمل الصحفي وتقييدًا لرسالة الصحفيين في تنوير المجتمع ونقل الحقائق".

وتنص المادة على أنه "لا يجوز نشر أخبار أو معلومات أو إدارة حوارات، أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حسن سير العدالة، ويحظر تناول أي بيانات، أو معلومات تتعلق بالقضاة، أو أعضاء النيابة العامة أو الشهود أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم (94) لسنة 2015، ويعاقب كل مَن يخالف أحكام هذه المادة بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (186) مكرر من قانون العقوبات".

ويعاقب القانون بغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمئة ألف جنيه مصري كل من صور أو سجل كلمات أو مقاطع أو بث أو نشر أو عرض بأي طريق من طرق العلانية لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية بدون تصريح من رئيس المحكمة المختصة، وبعد أخذ رأي النيابة العامة، ويُحكم فضلاً عن ذلك بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محو محتواها، أو إعدامه، بحسب الأحوال، وتُضاعف الغرامة في حالة العود.

ودعت نقابة الصحفيين إلى "إعادة طرح مشروع القانون للنقاش والعمل الجماعي لخروج القانون بشكل يصون حقوق المجتمع، ويكفل الضمانات اللازمة لحقوق المواطنين بإجراءات قضائية عادلة وفق نصوص مجردة وواضحة غير قابلة للتأويل"، محذرة من "خطورة تمرير القانون دون نقاش عام، وهو ما سيمثل انعكاساً لخلل كبير، وآثاره ستكون وخيمة على الجميع".

الدستور الثاني

ومن جانبها، أعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (غير حكومية، مقرها القاهرة) عن رفضها لمشروع قانون الإجراءات الجنائية لما يحتويه من نصوص قالت إنها أبقت على عيوب قانون الإجراءات الجنائية الحالي من تكديس لسلطات التحقيق والاتهام والإحالة في يد النيابة العامة، وحماية مأموري الضبط القضائي من المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان مثل التعذيب والاختفاء القسري.

وقالت المنظمة في بيان لها، إن "مشروع القانون يكرس ممارسات غير قانونية تخل بالحق في محاكمة عادلة وحقوق الدفاع مثل حظر قيام المحامي بالكلام، في غير إبداء الدفوع والطلبات، إلا بإذن من عضو النيابة، وحق عضو النيابة في منع اطلاع محامي المتهم على التحقيق".

وأوضحت أن "التعديلات المتعلقة بالحبس الاحتياطي، على الرغم من تقليص مدته، لا تزال تسمح للنيابة العامة بتمديد احتجاز الأفراد لفترات طويلة دون محاكمة ولا تضمن توقف ممارسات (تدوير المتهمين) التي تسمح بالتحايل على مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليهاً قانونا، وهذه الإجراءات تمثل تهديدًا خطيرًا لحرية الأفراد وتزيد من احتمالية إساءة استخدام السلطة".

ويلقي مشروع قانون الإجراءات الجنائية اهتماما لافتا بين مختلف الأوساط القانونية والسياسية والإعلامية، إذ يصفه البعض بـ"الدستور الثاني" في البلاد، نظرا لارتباطه الوثيق بضمانات تحقيق العدالة وتكريس حقوق وحريات الأفراد في المجتمع، إضافة إلى التعويل عليه في تحقيق التوازن بين الصالح العام وحماية الحريات الفردية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية