«جفف بحيرات الشمال».. الاحترار المناخي يثير المخاوف في اليونان
«جفف بحيرات الشمال».. الاحترار المناخي يثير المخاوف في اليونان
تواجه مناطق شمال اليونان أزمة بيئية متفاقمة نتيجة الاحترار المناخي، حيث تحولت مساحات واسعة من البحيرات إلى أراضٍ جافة، ما أثار قلق السكان والخبراء على حد سواء.
في بحيرة كورونيا، القريبة من مدينة سالونيكي، ثاني أكبر مدن البلاد، بات من الممكن الآن السير على أرضها المتشققة أو تتبع آثار إطارات الدراجات النارية، بعد أن جفّت مياهها بفعل درجات الحرارة القياسية هذا الصيف.
بحيرات متضررة وأسماك نافقة
تتشارك بحيرة كورونيا في معاناتها مع ثلاث بحيرات طبيعية أخرى في المنطقة هي بيكروليمني، وفولفي، ودوراني، التي تأثرت أيضًا بارتفاع درجات الحرارة، ويلاحظ السكان المحليون يوميًا انخفاض منسوب المياه، فيما تملأ روائح كريهة الهواء بفعل تكدس الأسماك النافقة على الشواطئ -بحسب وكالة فرانس برس- فيما وجدت طيور الفلامنغو ملاذًا في بعض المناطق الضحلة من البحيرة، لكنها مجرد استثناء ضمن مشهد مقلق.
كوستاس هادزيفولغاريديس، أحد المسؤولين المحليين، يحذر من أن “الرائحة الكريهة المنبعثة من البحيرة أصبحت لا تُحتمل”، ويعرب عن قلقه الشديد من أن يؤدي شتاء ضعيف الأمطار إلى كارثة بيئية أكبر في العام المقبل، داعيًا المنظمات المعنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية البحيرة.
السياحة في خطر
تبعد بحيرة بيكروليمني، وهي الوحيدة المالحة في البر الرئيسي لليونان، نحو 50 كيلومترًا عن كورونيا. كانت هذه البحيرة مصدر جذب سياحي بفضل الصخور البركانية المحيطة بها، لكنها تعاني اليوم من جفاف حاد، ولم يبق منها سوى أشكال هندسية بفعل تبخر المياه.
يقول أرغيريس فيرغيس، وهو رجل في الثمانينيات من عمره نشأ في المنطقة: "كانت البحيرة تعج بالسياح، أما اليوم فنرى مقاطع فيديو لسائقي دراجات نارية يتسابقون على قاعها الجاف. إنه أمر محزن للغاية". فيرغيس يصف هذا الصيف بأنه الأسوأ على الإطلاق، حيث جفت البحيرة بالكامل ولم تشهد أمطارًا تُذكر.
الاحتباس الحراري يفاقم الأزمة
وفقًا للمركز اليوناني لحماية البيئة الحيوية، فإن مستويات المياه في البحيرات الأربع في مقدونيا الوسطى كانت في أدنى معدلاتها منذ عام 2013. وعلى مدى العامين الماضيين، كانت كمية الأمطار أقل من المعتاد، بينما سجلت درجات الحرارة في عام 2024 أعلى معدلاتها منذ عقد، وفقًا لعالمة الهيدرولوجيا إيريني فارسامي، التي تشير إلى أن هذه الظروف أدت إلى زيادة معدلات التبخر وارتفاع احتياجات الري في السهل المقدوني المحيط.
تعمل السلطات المحلية والبيئية على دراسة تأثير هذه الأزمة على التنوع البيولوجي. تقول أنثي فافيادو، رئيسة قسم الحماية في المنطقة: "ما زال من المبكر استخلاص استنتاجات حول تأثير الجفاف على الحياة البرية، لكننا بحاجة إلى متابعة وضع الحيوانات خلال الشتاء".
تحديات مستقبلية وخطط حكومية
شهدت اليونان شتاءً معتدلًا تبعته موجات حر شديدة منذ يونيو الماضي، مسجلة درجات حرارة غير مسبوقة.
مرصد أثينا الوطني أفاد بأن يوليو وأغسطس 2024 كانا الأكثر حرارة منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1960، فيما جاء أغسطس كثاني أكثر الأشهر حرارة بعد أغسطس 2021.
في أثينا، تزايدت التحذيرات بشأن انخفاض مستوى المياه في بحيرة سد مورنوس، الخزان الرئيسي للعاصمة، حيث عاودت الظهور مبانٍ مهجورة في قاع البحيرة.
رغم ذلك، لم تُفرض حتى الآن أي قيود على استهلاك المياه، لكن السكان تلقوا دعوات لمراقبة استخدامهم الشخصي.
في مواجهة هذا الوضع، أعلن وزير البيئة والطاقة، ثيودوروس سكيلاكاكيس، مؤخرًا عن خطة استثمارية بمليارات اليوروهات تهدف إلى تحديث شبكة المياه وتحسين جودتها، إضافة إلى تقليل نسبة الفاقد من المياه.
التغيرات المناخية
شهدت الأرض مؤخرا مجموعة من الظواهر المناخية الشديدة التطرف، مثل الطقس القارس والفيضانات وموجات الحر والجفاف الشديد وارتفاع نسبة التصحر، والأعاصير، وحرائق الغابات، كل هذا بسبب ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ بداية عصر الصناعة، ويتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تعمل الحكومات على مستوى العالم من أجل خفض شديد للانبعاثات والملوثات.
وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض وكذلك على الحياة البرية وحركة الهجرة والأنشطة البشرية.
وأكد خبراء في مجال البيئة خطورة حرائق الغابات والتي يترتب عليها فقدان أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين بالعالم مقابل ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، ما ينذر بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري.
تحذير أممي
وفي السياق، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن "نصف البشرية يقع في منطقة الخطر، من جراء الفيضانات والجفاف الشديد والعواصف وحرائق الغابات"، مؤكداً أنه "لا يوجد بلد محصن".
ويؤكد التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضرورة الملحة لمعالجة الآثار المكثفة لتغير المناخ وضمان التكيف والمرونة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.
ووفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، فإن عدد الكوارث قد تضاعف تقريبًا منذ عام 2000، بينما تضاعفت الخسائر الاقتصادية الناتجة بمعدل ثلاثة أضعاف، ويرجع ذلك أساسًا إلى تغير المناخ، وإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والملوثات الصناعية، فقد تكون هناك زيادة بنسبة 40% في عدد الكوارث بحلول عام 2030.
في نهاية يوليو 2023، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من الوضع الذي يمر به كوكب الأرض، قائلا: "تغير المناخ هنا مرعب، وهذه فقط البداية.. لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري وحان عصر (الغليان العالمي)".