تقنين استخدام «السوشيال ميديا» بالمغرب.. إنهاء للفوضى أم تضييق على حرية التعبير؟
تقنين استخدام «السوشيال ميديا» بالمغرب.. إنهاء للفوضى أم تضييق على حرية التعبير؟
المغرب- سامي جولال
أثارت التصريحات الإعلامية لوزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، التي تحدث فيها قبل أيام عن "تنظيم استخدام تيك توك ويوتيوب، ووضع حد لفوضى مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، من خلال نصوص قانونية تنص على عقوبات سجنية"، جدلاً واسعاً مستمراً في مختلف الأوساط المغربية.
وانقسمت الآراء حول تصريحات وهبي؛ فعلى المستوى الشعبي وفي دائرة المدونين، هناك من يرى أن "هذا التحرك إيجابي، لأنه يهدف إلى إنهاء تجاوزات وفوضى وسائل التواصل الاجتماعي، ويحمي خصوصية المغاربة"، وفي المقابل هناك من اعتبر أنه "قد يؤدي إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب".
ولم يكتفِ فاعلون مغاربة بارزون في المجالين الحقوقي والحزبي-السياسي بهذا الجانب من النقاش، بل تعدوه ليناقشوا الصيغة القانونية، التي يمكن أن يتم من خلالها هذا التقنين؛ هل عبر الاكتفاء بإدخال تعديلات على القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر، أو بنص قانوني مستقل جديد خاص باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب، في الوقت الذي تتنوع فيه الآراء حول قانون الصحافة والنشر بين من يرى أنه "لا يخص الصحفيين فقط، بل النشر بشكل عام، وهذا يعني أنه يشمل مواقع التواصل الاجتماعي"، ومن يرى أنه "يخص الصحافة بشكل أكبر، ولا يوجد في مواده ما يثبت وما يشير إلى أنها تخص النشر على مواقع التواصل الاجتماعي".
في هذا الملف، تضع "جسور بوست" مختلف جوانب هذا الموضوع الجدلي بالمغرب تحت المجهر الصحفي، من خلال حوارات مع شخصيات مغربية بارزة؛ منها من تنتمي إلى المشهد الحزبي-السياسي، ومن تنتمي إلى المجال الحقوقي، ومن تتخصص في التدوين والمعلوميات، إلى جانب معطيات وأرقام تخص جوانب مختلفة ذات صلة بالموضوع.
مضامين خرجة وزير العدل
قال وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، إن الحل لتقنين "تيك توك"، ووضع حد للتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي، هو إدراج نصوص في القانون الجنائي تعاقب على هذه الأفعال، وإنهم أدرجوا النصوص بالفعل في مشروع القانون الجنائي، موضحاً أنها تنص على عقوبات سجنية مدتها سنوات، وأنه يجب إيقاف هذا.
وتحدث وهبي، في حوار مصور أجراه معه قبل أيام الموقع الإلكتروني الإخباري للقناة المغربية الثانية (2M.ma)، عن تيك توك والتصوير غير المشروع، قائلاً: "سيدة لديها حياتها الخاصة، وسيد لديه حياته الخاصة، من أنت لكي تصورها، أو تصور باب منزل؟!".
وأضاف وهبي أن كل هذه الأمور ستنظم من خلال القانون الجنائي، وأنهم ما زالوا يشتغلون عليها، وسيوسعون مجال التجريم في هذه الجرائم، مبرزاً أنه لا يوجد في الوقت الحالي نص قانوني، وهناك الفوضى.
وتابع وهبي: "اليوتيوب، الذي يقول فيه شخص ما يريد في حق وزير، أو مسؤول، هل لدى ذلك الوزير الوقت ليهتم بهم، أو ليشتغل؟، مردفاً: "لن ندع الأمور تمر هكذا بالنسبة له (من يقول ما يريد في حق وزير، أو مسؤول، على يوتيوب)، سنضع نصّاً خاصّاً حول ذلك الموضوع، ونجرمه".

“تفاعلٌ مع برلمانيين”
أرجعت النائبة البرلمانية المغربية عن حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي من يمين الوسط/يقود الحكومة المغربية الحالية)، والعضوة في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب المغربي، زينة شاهيم، أسباب إثارة وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، لقضية "تقنين استعمال منصات التواصل الاجتماعي في المغرب"، إلى أن برلمانيِّين في مجلسي النواب والمستشارين طرحوا العديد من الأسئلة، التي ترتبط بهذا الشأن، مبرزة أنه من بين أدوار البرلمانيين، الذين يمثلون المغاربة، تلقي شكاوى من المواطنين، الذين يقولون لهم (للبرلمانيين) "لا يعقل أن تسكتوا وأنتم ممثلون للأمة على هذا، وتسمحوا باستمرار هذا المستوى الموجود، ويجب وضع قوانين"، مؤكدة أن هناك مطالبة بهذا التقنين من قِبل المواطن المغربي.
وأفادت شاهيم، في تصريحات لـ"جسور بوست"، بأن الوزير أجاب عن تساؤلات النواب والمستشارين، الذين بدورهم طرحوا تلك الأسئلة بطلب من المواطنين، وأنه لو لم يكن المشكل موجوداً فعلاً، فإنها لا تظن أنه سيطرح على مستوى مجلس النواب أو مجلس المستشارين، ولكان كل شيء يسير بشكل جيد، ولا يوجد انفلات وتجاوز للحدود.
“شخصنةٌ للقضايا”
في هذا الجانب، قال رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنائب البرلماني المغربي السابق، عادل تشيكيطو، إن المنظمات الحقوقية تكون متفقة من الناحية المبدئية مع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في عدد من القضايا، التي يتناولها، لكن طريقة دفاعه تجعل القضية تتحول من قضية مبدئية، تستمد قوتها من مواثيق دولية في مجال حقوق الإنسان، ومبادئ حقوقية، إلى قضية فيها الكثير من الجدل السياسي، وبالتالي تصبح تلقائيّاً خاسرة جماهيريّاً.
وتابع تشيكيطو، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، موضحاً: "سأعطي أمثلة في هذا الاتجاه لو أن أحداً آخر تحدث عن هذه الظاهرة (السب، والقذف، والشتم، إلى غير ذلك) الموجودة في مواقع التواصل الاجتماعي، لاعتبرنا كلامه معقولاً، ولكن لأن عبد اللطيف وهبي هو الذي يتحدث في هذا الاتجاه، نعتبر أنه يشخصن هذه القضايا، لأنه ينطلق من منطلق أنه هو الذي تعرض للسب، أو الهجوم، أو الانتقاد، وبالتالي فحتى السلوك، الذي يريد القيام به في قانون معين، يكون عبارة عن ردة فعل ناتجة عن هجوم تعرض له هو، أو يمكن عن مزاعم سب أو شتم يعتقد أو يقول إنه تعرض لها، وبالتالي فدفاع عبد اللطيف وهبي عن أية قضية نعتبره -حتى ولو كانت تلك القضية مبدئية- دفاعاً فاشلاً، وسينتهي بالفشل، أو سينتهي بفقدان تلك القضية للبعد المبدئي".
80 % يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي
يبلغ عدد سكان المملكة المغربية 33 مليوناً و848 ألفاً و242 نسمة، بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، الذي أجري في البلاد أواخر عام 2014.
وكشفت دراسة حديثة لشركة "سونرجيا"، التي تتخصص في أبحاث السوق، أن 80% من سكان المغرب يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2024، وذلك بزيادة تبلغ 7% مقارنة بعام 2020.
وأوضحت الدراسة نفسها أن واتساب، وفيسبوك، وإنستغرام، هي التطبيقات الثلاثة الأكثر استعمالاً من قِبل المغاربة، بنسب 76%، و65%، و40% على التوالي، بينما يأتي تيك توك في المركز الرابع بـ19%، وسناب شات في المركز الخامس بـ8%، ثم لينكدإن في المرتبة السادسة بـ6%، وفي المركز السابع تويتر بـ4%.
وفي ما يخص يوتيوب، فقد كشف تقرير "Digital 2023 Global Overview Report"، الذي صدر في فبراير 2023، أن عدد مستعملي المنصة في المغرب قد بلغ بحلول عام 2023 21,30 مليون مستخدم.
فراغ قانوني وإساءة لصورة المغرب
قالت النائبة البرلمانية المغربية عن حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي من يمين الوسط/يقود الحكومة المغربية الحالية)، والعضوة في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب المغربي، زينة شاهيم، إن هناك فراغاً قانونيّاً سمح بظهور بعض المحتويات على منصات التواصل الاجتماعي تخل بالنظام العام، وأن أي شيء يخل بهذا النظام تجب المعاقبة عليه، وأنه يجب أن يكون هناك قانون واضح بالنسبة لأي منشور فيه إخلال بالاحترام اللازم، والحشمة، وغيرهما من الجوانب ذات الصلة.
وأضافت شاهيم أننا نرى هذه الأيام بعض الفيديوهات، التي يتم تداولها على واتساب، وعلى هذه المنصات، تسيء للأسف حتى لصورة المغرب، متابعة: "باعتبارنا مغاربة، ومسلمين، وبمختلف صفاتنا؛ مدنيين، وفاعلين في المجتمع المدني، وسياسيين، وغيرنا، كلنا ندين بشدة بعض الأعمال، ولا يمكن أن تظل لدى هؤلاء الناس حرية مطلقة في نشر محتويات مخلة بالحشمة، وتسيء لبلدنا ووطننا".

“لن تُكمَّم الأفواه”
في المقابل، لا يعني ذلك، بحسب شاهيم، أنه سيحدث تكميم للأفواه، أو أن الناس لن يعبروا عن آرائهم، وأنه من حق الجميع القيام بذلك، ولكن باحترام، موضحة أنها لا تظن أنه ستكون هناك قوانين صارمة تمنع الولوج إلى هذه المنصات، أو تحد منه، وإنما سيتم إدخال بعض التعديلات على القانون الجنائي، وعلى قانون الصحافة والنشر، يكون واضحاً فيها أن كل ما يخل بالحياء سيعاقَب عليه.
حماية الأطفال والمراهقين والشباب
من جهتها، قالت النائبة البرلمانية المغربية عن حزب جبهة القوى الديمقراطية (تقدمي يساري/ينتمي حاليّاً إلى المعارضة)، والعضوة في لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب المغربي، ريم شباط، إنها مع تقنين استخدام تيك توك ويوتيوب، من خلال وضع معايير صارمة للمحتوى، لتكون هناك حماية للأطفال، والمراهقين، والشباب بشكل عام، بحكم أنهم الأكثر عرضة للتأثر بمضمون هذا المحتوى، الذي ينشر، خاصة التافه، والمخل بالحياء، وغيره، مبرزة أن هناك في المقابل محتوىً هادفاً يجب أن يبقى، لكي لا يكون هناك تقييد لحرية التعبير.
وأضافت شباط، في تصريحات لـ"جسور بوست" أن هناك نقطة مهمة تتمثل في أن الحكومة المغربية مطالبة اليوم بتعزيز الثقافة الإعلامية، والتوعية الرقمية، لكي يكون هناك استخدام أمثل لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، بنوع من الوعي والمسؤولية.
ربط حرية التعبير بالمسؤولية
أوضح رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنائب البرلماني المغربي السابق، عادل تشيكيطو، أنهم (المنظمات الحقوقية) يعتبرون من الناحية المبدئية أن حرية التعبير لا يجب أن تكون مطلقة، وأنهم لا يقولون هذا بناءً على انطباعات شخصية، بل انطلاقاً من مرجعيتهم المتمثلة في المرجعية الكونية في مجال حقوق الإنسان، وتحديداً التي تستمد قوتها من المواثيق الدولية، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعتبر أن حرية التعبير لا يمكن أن تكون مطلقة، ويجب أن تكون مرتبطة بالمسؤولية.
وأردف تشيكيطو أننا عندما نقول حرية التعبير فهي أن تتحدث في أي شيء تريده، ما عدا أن تقذف الناس وتسبهم، وتشهر بهم، وتروج لأكاذيب، وتخلق الفتنة بإشاعة، إلى غير ذلك من التصرفات التي تعد غير مقبولة وغير قانونية، وهنا لا يمكن أن نتحدث، بحسبه، عن حرية التعبير، وإنما يمكن أن نتحدث عن سلوك الغاية منه الإساءة إلى الآخر، أو إلى المجتمع، أو توريط هذا الأخير في مشكلات، وبالتالي فإنهم يقولون (المنظمات الحقوقية) إن القانون يجب أن يتدخل.
وأفاد تشيكيطو بأنه إذا تقرر أن تكون هناك تعبيرات في القانون، من أجل الجزر والحد من التسيب الموجود على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، والذي أصبح واقعاً (التسيب)، فمرحباً بهذا الأمر، وأنهم (المنظمات الحقوقية) لا يمكن أن يكونوا مع بقاء التشهير، والسب والقذف، ولا يمكن أن يكونوا مع بعض السلوك الصادر عمّن يسمون أنفسهم بالتّيك توكيِّين، أو المؤثرين، أو الداعمين، وغيرها من المصطلحات الموجودة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن أن يتركوا لهم المجال ليفسدوا الأجيال المغربية وأخلاقها، والسلوك العام للمغاربة، وإلا فإنهم (المنظمات الحقوقية) سيسمحون لهم باستهداف الحقوق الجماعية، التي يفترض أن تحميها الدولة والقانون، متابعاً أنه في الوقت نفسه لا يمكن اعتبار هذا مدخلاً للتضييق على مجال حرية التعبير، ولارتكاب انتهاكات في المستقبل.
عدم استيعابٍ لمفهوم “الحرية”
من جانبه، قال المدون المغربي الشهير، أمين رغيب، إن الناس يجب أن يفرقوا بين حرية التعبير وبين قلة الأدب والحياء والمساس بحرية الآخرين، متابعاً أنه للأسف الشديد لا يزال الكثير من الناس في المغرب لا يستوعبون مفهوم الحرية، ويعتبرون أن لديهم الحق في القيام بما يريدون، ما داموا يعتقدون أنهم لا يؤذون الغير.
وأضاف رغيب، المتخصص في المعلوميات، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هناك فرقاً بين الحياة الواقعية والحياة الافتراضية، وأنه عندما تقوم بشيء داخل منزلك، ولم يرك أحد، فبطبيعة الحال أنت حر، ولن يحاسبك أحد، ولكن عندما تتحدث معي في العالم الافتراضي فهذا شيء آخر.
مسٌ بالحرية بسبب الخوارزميات
أبرز رغيب، الذي فاز في عام 2015 بجائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب عن فئة "التكنولوجيا للأفراد"، التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، أنه لا يتفق مع من ينشر فيديو يسب فيه، أو ينطق فيه بكلام سفيه، ثم يقول لمنتقديه "إذا لم يعجبك كلامي، فلا تتابعني، وهذه حريتي، ومن يريدون متابعتي هم من سيشاهدونني"، لأن الناس يصبحون، بحسب رغيب، مجبرين على رؤيته، بسبب خوارزميات فيسبوك ويوتيوب.
وتابع رغيب موضحاً: "عندما أكون أشاهد مثلاً فيديو على يوتيوب أو فيسبوك أو رِيلْ (Reel)، بشكل أو بآخر يظهر أمامي ذلك المحتوى، رغم أنني لا أتابعك، ويمكن أن يتفق معي الكثير من المغاربة في هذا الجانب، بخصوص أنهم مثلاً لا يتابعون مجموعة من المؤثرات، ولكن تقترح عليك المنصة خبراً أو فيديو، وتكون أنت موجوداً حينها في المطبخ، وتترك هاتفك يعمل بعيداً عنك ولا توقف ذلك الفيديو، فيعتقد فيسبوك أنك تشاهد تلك الفيديوهات، ويبدأ بعدها في إظهار تلك الكوارث لك، وبالتالي أنت هنا مسست بحريتي، لأنني لا أريد أن أتابع ذلك المحتوى العفن، الذي تقدمه أنت، وأقول (عَفِن) وأسطر عليها".
“أكباش فداء”
أردف رغيب أننا نحتاج إلى قوانين زجرية، وأن وضعها أمر محمود، ونطالب به، ليُزجَر هؤلاء الناس، وأنه يجب أن تكون هناك "أكباش فداء"، ليعرفوا أنهم في دولة محافظة ومبنية على التعاليم الإسلامية، وأنه إذا زجرنا 3 أو 4 أو 5 أشخاص من هذه "الشرذمة" ممن يعتبرون أنفسهم مؤثرين فسنستطيع حماية أطفالنا، وشبابنا، ومجتمعنا، الذي يعتبر مجتمعاً محافظاً.
خطر تحديات تيك توك
بيَّن رغيب أن الإشكال في هذا المحتوى، الذي نراه، ليس فقط الممارسات غير الأخلاقية، التي تتضمنها تلك الفيديوهات، وبشكل خاص في تيك توك، وإنما المشكلة الأكبر من ذلك هي تلك الألعاب، التي يلعبونها، أو ما يصطلح عليه بالتحديات، ليربحوا الأسد، والكبش، وهذه الهدايا (يقصد التحديات، التي يقوم بها مجموعة من الأشخاص في بثوث مباشرة على تيك توك، ويتلقون مبالغ مالية من طرف بعض مشاهديهم)، فيضرون بصحتهم وسلامتهم الجسدية، ويقدمون مثالاً سيئاً للشباب المقبل على الحياة، موضحاً: "عندما تشاهد إحداهن مثلاً تأتي بمنظف للزجاج، وتضعه على عينيها، فهنا أصبحنا نتحدث عن أنك تمسين بسلامتك الجسدية، وستراك مراهقات، وسيقمن أيضاً بذلك، ليربحن ذلك الأسد، لأنهن يعرفن أن قيمته المالية 1500 درهم مغربي (نحو 150 دولارا أمريكيا)".
تعديلات أم قانون جديد؟
في ما يخص الصيغة القانونية، التي يمكن أن يتم من خلالها تقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، قال رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنائب البرلماني المغربي السابق، عادل تشيكيطو، إن هذا نقاش آخر، وإن عبد اللطيف وهبي يريد القيام الآن بإصلاح يخص القضايا المرتبطة بحرية التعبير على مستوى القانون الجنائي، بينما المغرب يتوفر على قانون الصحافة والنشر، والبعض يروجون أن هذا الأخير خاص بالصحفيين فقط، وهذا، بحسب تشيكيطو، خطأ، لأنه عندما نقول "والنشر" فهذا يعني أي منشور، مبرزاً أن هذا الأمر تؤكده المادة 72 من القانون، التي تُعرِّف جميع الوسائل العلنية، وتتحدث عنها، وتشمل حتى الصياح، وأن الصياح لا يمارس في مواقع التواصل الاجتماعي، بل يمارس في الشارع العام، ولا يمارسه الصحفي فقط، ويمكن أن يمارسه أي مواطن، وأن هذا يؤكد أن قانون الصحافة والنشر هو قانون لكل المغاربة، وأن أي مغربي قام بنشر رأيه، أو بالتعبير عنه، في قضية معينة، وكان في ذلك التعبير انزلاقات، أو سوء تقدير، إلى غير ذلك، وتمت محاكمته، فإن المحاكمة يجب أن تتم وفق قانون الصحافة والنشر.
وبعد صدور القانون رقم 88.13 الخاص بالصحافة والنشر في عام 2016، لم تعد هناك عقوبات حبسية في قانون الصحافة والنشر بالمغرب.
“ضرب مكتسب مهم”
أوضح تشيكيطو أن عبد اللطيف وهبي سيضرب مكتسباً من المكتسبات، التي كان المغرب يتغنى بها أمام المنتديات الدولية، وكانت الحكومة المغربية السابقة تشيد به على مستوى لجنة حقوق الإنسان، وأن وهبي أيضاًً قال ذلك مؤخراً في دورة للجنة حقوق الإنسان، وعلى مستوى عدد من المنتديات الدولية، وأن المغرب عندما يبرز مجهوداته في مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن حرية التعبير، يقول إنه أحرز تقدماً كبيراً في مجال التشريع، خاصة في ما يتعلق بحماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمعبرات والمعبرين عن الرأي، وأنه أسمى قانوناً قانون الصحافة والنشر، وهو قانون شبه خالٍ، وفق تشيكيطو، من العقوبات السالبة للحرية، ويشمل كل وسائل التعبير، التي يمكن أن تكون متاحة أمام المواطنات والمواطنين، مردفاً: "ثم نضرب هذا المجهود كاملاً، الذي بذل خلال السنوات الأخيرة، في الصفر، ونعتبره كأنه لم يكن".
رداً على الرأي القائل إن "المغرب يمتلك قانونا للصحافة والنشر، الذي لا يخص الصحافة فقط، بل يخص النشر بشكل عام، ما يعني أنه يشمل منصات التواصل الاجتماعي، وبالتالي لا داعي إلى إعداد قانون جديد لتقنين استعمال هذه المنصات في المغرب"، بيَّنت النائبة البرلمانية المغربية عن حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي من يمين الوسط/يقود الحكومة المغربية الحالية)، والعضوة في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب المغربي، زينة شاهيم، أن هناك فراغاً قانونيّاً، وأنه رغم وجود قانون الصحافة والنشر، لا يوجد في المواد ما يثبت وما يشير إلى أنها تخص النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه عندما تُقدَّم الشكايات بخصوص منشورات على هذه المنصات، يكون هذا الفراغ القانوني مشْكِلاً.
وتابعت شاهيم موضحة أن هنا يأتي دور المُشَرِّع، الذي يمكن له أن يوضح، وأن التوضيح يمكن أن يتم من خلال إدخال تعديلات على قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي، مبيِّنة أنه إذا استطعنا بالتعديلات فقط أن نتوفق في الحد من ذلك النوع من المنشورات، وأن تكون هناك الصرامة والجزر تجاه كل ما يخالف القانون، فإنها تظن (شاهيم) أن الأمر سيتوقف عند هذا الحد (التعديلات)، بينما إذا لم يتحقق ذلك بواسطة التعديلات، وكان يجب وضع قانون خاص بمواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن أن يتم ذلك، لكن إلى حدود هذه الساعة لا توجد -وفقها- أية رؤية واضحة في ما يتعلق بكيفية العمل على هذا التقنين.
وفي هذا الجانب، أفادت النائبة البرلمانية المغربية عن حزب جبهة القوى الديمقراطية (تقدمي يساري/ينتمي حاليّاً إلى المعارضة)، والعضوة في لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب المغربي، ريم شباط، بأنه لكي يكون هناك تنظيم لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فهي مع إعداد قانون جديد خاص بهذا، ليبقى فقط المحتوى الهادف، الذي يحترم قيم المغاربة، معتبرة أن قانون الصحافة والنشر يخص الصحافة بشكل أكبر.
وقررت الحكومة المغربية الحالية، في أواخر عام 2021، سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من مجلس النواب، وذلك بعد إحالته إلى البرلمان في عام 2016، من قِبل حكومة عبد الإله ابن كيران (يناير 2012-أبريل 2017) بقيادة حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، إذ أثار مشروع القانون المذكور جدلاً داخل المؤسسة التشريعية، على مستوى مجموعة من النقط، من بينها الفصل 8-256 المتعلق بـ"الإثراء غير المشروع"، ما حال دون مناقشته خلال ولاية الحكومة المذكورة، وكذلك خلال ولاية حكومة سعد الدين العثماني (أبريل 2017-أكتوبر 2021)، التي كان يقودها أيضاً حزب العدالة والتنمية.
وقال الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بيتاس، إن "قرار سحب المشروع جاء من أجل إتاحة الفرصة للبرلمان لمناقشة المشروع بشكل شمولي وغير مجزّأ، ولصعوبة مناقشة مشروع القانون بشكل منفصل".