«جراح الطبيعة».. الحرب الإسرائيلية تدمر البيئة والموارد في غزة

«جراح الطبيعة».. الحرب الإسرائيلية تدمر البيئة والموارد في غزة

في خضم النزاع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس منذ 7 أكتوبر الماضي، تتجه الأنظار إلى الخسائر البشرية والمآسي الإنسانية، لكن قضية أخرى مهملة تتفاقم بشكل ملحوظ وهي الأضرار البيئية الناجمة عن العمليات العسكرية. 

هذه الأضرار تتراوح بين تلوث الهواء وتدمير المحميات الطبيعية، ما يزيد من تعقيد الأزمات الإنسانية القائمة ويخلق تحديات إضافية للعيش الكريم.

تهديد مباشر للصحة

تمثل جودة الهواء إحدى أهم المشكلات البيئية التي برزت نتيجة النزاع، وتؤكد تقارير أكاديمية، مثل تلك الصادرة عن جامعة الأزهر في غزة، أن السكان المحليين يتعرضون لمستويات خطيرة من التلوث الهوائي الناتج عن الانفجارات والعمليات العسكرية. 

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 70% من الأطفال في غزة يعانون مشكلات تنفسية نتيجة هذا التدهور في جودة الهواء.

وتؤثر العوامل الملوثة، التي تشمل الغازات السامة والجسيمات الدقيقة الناتجة عن الانفجارات وعمليات القصف، بشكل مباشر على الصحة العامة، وتزداد معدلات الأمراض التنفسية، مما يضع عبئًا إضافيًا على النظام الصحي في غزة، الذي يعاني بالفعل من نقص الموارد.

شريان الحياة في خطر

وتتعرض إمدادات المياه في غزة لضربة أخرى جراء النزاع حيث توضح تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن 97% من المياه المتاحة في غزة أصبحت غير صالحة للشرب، بسبب تدمير البنية التحتية لمحطات معالجة المياه وتلوث مصادر المياه الجوفية والسطحية. 

ويضطر السكان للاعتماد على مصادر مياه غير آمنة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والإسهال الحاد.

وتفيد الإحصائيات بأن نحو 1.5 مليون شخص في غزة يفتقرون إلى المياه النظيفة، ما يعرض حياتهم للخطر ويؤدي إلى تدهور الوضع الصحي والبيئي بشكل مستمر. 

وتزيد الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة من تعقيد الوضع، وتجعل من الصعب على السكان الحصول على المياه النظيفة التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة.

فقدان التنوع البيولوجي

في الجانب الآخر، تتعرض المحميات الطبيعية في غزة لتدمير كبير جراء القصف العسكري المستمر، حيث يشير المركز الفلسطيني للبحوث البيئية إلى أن 30% من المساحات الخضراء قد دُمرت في السنوات الأخيرة. 

كانت هذه المحميات تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتُعتبر موطنًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية.

ومع تدمير هذه البيئات، يواجه العديد من الأنواع البرية المحلية خطر الانقراض حيث تشير التقديرات إلى أن 20% من الأنواع المحلية مهددة بالانقراض، ما يؤثر بشكل مباشر على النظم البيئية الهشة في المنطقة. 

ولا يقتصر الضرر على الحياة البرية فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمعات المحلية التي تعتمد على هذه الموارد الطبيعية في كسب العيش.

ضرورة حماية البيئة في النزاعات

في ظل هذا الواقع البيئي المتدهور، يثار تساؤل حول دور القانون الدولي الإنساني في حماية البيئة خلال النزاعات المسلحة. 

ووفقًا للبروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف، فإن حماية البيئة تُعد جزءًا أساسيًا من القانون الدولي، ولكن التطبيق العملي لهذا القانون لا يزال محدودًا. 

وتشير تقارير حقوقية إلى أن الأطراف المتنازعة لا تُحاسب بشكل فعال عن الانتهاكات البيئية التي ترتكبها، ما يزيد من تفاقم الأوضاع في المنطقة.

ومع ذلك، فإن تفعيل القانون الدولي لحماية البيئة في النزاعات يتطلب تعاونًا جماعيًا من المجتمع الدولي. 

ويرى مراقبون أن المنظمات الدولية والدول المتقدمة يجب أن تلعب دورًا أساسيًا في الضغط على الأطراف المتنازعة للامتثال للمعايير البيئية الدولية. 

ويمكن أن تلعب المنظمات غير الحكومية دورًا محوريًا في تعزيز جهود الرصد والتوثيق للانتهاكات البيئية، ما يساعد على رفع الوعي وإيجاد قضايا قانونية تدعو إلى المساءلة.

البيئة كضحية للنزاعات المسلحة

تاريخ غزة مليء بالتحديات، حيث تأثرت المنطقة بشكل كبير من الناحية البيئية نتيجة النزاعات المستمرة، وخاصة الاعتداءات الإسرائيلية، وتتجلى الأضرار البيئية في تدهور جودة الهواء والماء، ما أثر على الحياة اليومية للسكان.

من الناحية الجغرافية، تقع غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتتميز بتنوعها البيئي، بما في ذلك الشواطئ، والأراضي الزراعية، والمحميات الطبيعية، ومع ذلك، أدى التصعيد العسكري إلى تدمير العديد من هذه البيئات، فالقصف والتدمير المباشر للبنية التحتية، بما في ذلك محطات المياه والصرف الصحي، أدى إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن 90% من مياه غزة غير صالحة للشرب، ما يعني أن السكان يعتمدون بشكل متزايد على مصادر مياه غير آمنة.

تلوث الهواء هو مسألة أخرى خطيرة نتيجة للاحتلال والاعتداءات، حيث يزداد عدد المركبات والأسلحة العسكرية، ما يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الضارة، وعلاوة على ذلك فإن الحرائق الناتجة عن القصف تؤدي إلى تصاعد الدخان الذي يحمل مواد سامة، ما يزيد من المخاطر الصحية للسكان. 

ويعاني العديد من سكان غزة من مشكلات تنفسية نتيجة تدهور جودة الهواء، حيث تشير الدراسات إلى زيادة حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي.

إن تدمير المحميات الطبيعية هو جانب آخر من التأثيرات البيئية، حيث كانت غزة تضم مناطق غنية بالتنوع البيولوجي، لكن النزاعات المتكررة أدت إلى تدمير العديد من هذه المواطن، وأسهم القصف وتوسع المناطق العمرانية على حساب المساحات الخضراء في فقدان التنوع البيولوجي، ووفقًا لتقارير البيئة، فقدت غزة نحو 50% من مساحتها الخضراء خلال العقدين الماضيين.

كذلك فإن النزاعات تؤدي إلى تغييرات في استخدام الأراضي، حيث يتم تحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية أو عسكرية. 

وهذا التغيير يهدد الأمن الغذائي في المنطقة، فالفلاحون الذين يعتمدون على الزراعة كسبيل للعيش يواجهون صعوبات متزايدة نتيجة للوضع الراهن.

انتهاكات لحقوق الإنسان

وقال البرلماني البحريني السابق وخبير حقوق الإنسان، حسن بوخماس، إن الأضرار البيئية الناجمة عن النزاع بين إسرائيل وغزة تمثل مجموعة من القضايا الحقوقية المهمة التي تستدعي الانتباه والتحليل، فالتأثيرات السلبية على البيئة خلال النزاعات المسلحة تمثل انتهاكًا واضحًا للعديد من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، فالصحة والحق في الماء، والحق في بيئة نظيفة، كلها حقوق تتأثر بشكل كبير بالعمليات العسكرية، وهو ما يثير تساؤلات حول المسؤولية القانونية والأخلاقية لإسرائيل التي دمرت غزة تدميرًا قاسيًا.

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست": وفقًا للحق في الصحة الذي ينص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يجب على الدول أن تضمن لجميع الأفراد إمكانية الوصول إلى مستوى معيشي ملائم، إن تلوث الهواء والماء الناتج عن النزاع يؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية، ما يتعارض مع هذا الحق خاصة في غزة، حيث إن نسبة كبيرة جدا من الأطفال يعانون من مشكلات تنفسية نتيجة التلوث، وإن ذلك يشكل خرقًا لالتزامات الدول بحماية صحة سكانها.

واسترسل: إن الحق في المياه النظيفة يعد من الحقوق الأساسية التي ينبغي حمايتها، فالمياه في غزة غير صالحة للشرب، ما يهدد حياة المواطنين ويزيد من احتمالية انتشار الأمراض، وهذا الوضع يستدعي تدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي لضمان حق السكان في الوصول إلى موارد مياه آمنة وصحية، وتتجاوز الأضرار البيئية نطاق الأثر المباشر على الصحة، لتشمل أيضًا تدهور البيئة الطبيعية والمحيطات، فتدمير المحميات الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي يشكل تهديدًا مستمرًا للموارد التي يعتمد عليها السكان، ووفقًا للاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية التنوع البيولوجي، يتعين على الدول حماية التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية، لكن النزاعات المسلحة غالبًا ما تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لهذه الالتزامات.

وأوضح أن هناك أيضًا بعداً حقوقياً يتعلق بمسؤولية الأطراف المتنازعة عن حماية البيئة، حيث تنص القوانين الدولية، بما في ذلك البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف، على ضرورة حماية البيئة خلال النزاعات، وإن فشل الأطراف في الالتزام بهذه المبادئ القانونية يضع حقوق الإنسان في خطر، ويعزز من حالة انعدام الأمن والتهجير القسري.

وأكد خبير حقوق الإنسان أن تعزيز حقوق الإنسان في ظل النزاعات المسلحة يتطلب وجود آليات فعالة لرصد الانتهاكات وتطبيق القوانين الدولية، فالمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي يجب أن يلعبا دورًا فعالًا في توثيق هذه الانتهاكات والضغط على الأطراف المتنازعة لتحقيق المساءلة، والتوثيق الدقيق للأضرار البيئية والحقوقية يمكن أن يسهم في بناء قضايا قانونية تدعو للعدالة.

وأتم: إن الأضرار البيئية الناجمة عن النزاع في غزة ليست مجرد مسألة بيئية، بل هي قضية حقوقية تمس حياة الملايين، ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته لحماية حقوق الإنسان وحماية البيئة، ما يسهم في بناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة للأجيال القادمة، وإن العمل على تفعيل القانون الدولي وتطبيقه بشكل فعال يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على تعزيز العدالة وحماية حقوق الأفراد في سياقات النزاع.

تأثيرات صحية مثيرة للقلق

وبدوره، قال أستاذ الصحة العامة بمستشفيات جامعة الأزهر، الدكتور أحمد سليم، إن الوضع الصحي في غزة نتيجة للتلوثات البيئية الناجمة عن النزاع مسألة تستدعي القلق العميق، حيث تؤثر هذه التغيرات بشكل مباشر على صحة السكان، فغزة تعاني من تلوث الهواء والماء بشكل متزايد، ما يزيد من معدلات الأمراض ويعقد المشكلات الصحية الموجودة مسبقًا، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني نحو 70% من الأطفال في غزة من مشكلات تنفسية، مثل الربو، نتيجة تدهور جودة الهواء، وهو ما يضع عبئًا إضافيًا على النظام الصحي الهش بالفعل.

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن مصادر تلوث الهواء تشمل الدخان الناتج عن الانفجارات وعمليات الهدم، بالإضافة إلى العوادم الصناعية من المصانع المتضررة، وتتزايد أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية نتيجة هذه الملوثات، ما يؤدي إلى تفاقم الضغط على المستشفيات، التي تعاني أصلاً من نقص حاد في الموارد، وفي غزة يفتقرون إلى مياه نظيفة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل الكوليرا والإسهال.

وأضاف: تمثل المياه عنصرًا حيويًا للصحة العامة، وبدون توفر مياه نقية، تتزايد المخاطر الصحية، كما أن تدمير البنية التحتية لمحطات معالجة المياه يعقد الوضع، حيث يُضطر السكان إلى استخدام مصادر غير آمنة، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية، إضافةً إلى ذلك، تؤثر الأضرار البيئية بشكل غير متناسب على الفئات الضعيفة في المجتمع، مثل النساء والأطفال وكبار السن، هؤلاء الأفراد غالبًا ما يكونون أكثر عرضة للآثار السلبية الناتجة عن تلوث الهواء والماء، ما يعيق قدرتهم على الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة.

وشدد على أن الدراسات تشير إلى أن النساء الحوامل في غزة يواجهن مخاطر صحية متزايدة، بما في ذلك مضاعفات أثناء الحمل نتيجة التعرض للملوثات، وهناك علاقة بين تدهور الصحة النفسية والبيئة الملوثة في ظل النزاع المستمر، حيث يعاني الكثير من السكان من مستويات عالية من التوتر والقلق، ما يزيد من تفاقم مشكلات الصحة النفسية، وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 40% من سكان غزة يعانون من اضطرابات نفسية، وهي حالة تتفاقم بفعل الظروف البيئية السيئة.

وقال إن تحسين الوضع الصحي في غزة يتطلب استجابة متعددة الأبعاد تشمل معالجة القضايا البيئية، ويجب على السلطات المحلية والدولية العمل معًا لضمان توفير مياه نظيفة وتحسين جودة الهواء، ويتطلب ذلك استثمارات في البنية التحتية وإعادة بناء القدرات الصحية، كما أن تعزيز الوعي العام حول أهمية الحفاظ على البيئة يمكن أن يسهم في تغيير السلوكيات وتحسين الصحة العامة.

وأتم: إن تلوث البيئة في غزة يؤثر بشكل عميق على صحة السكان ويزيد من معاناتهم في ظل ظروف حياتية صعبة، ومن الضروري أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لتقديم الدعم اللازم لتحسين الظروف الصحية وتوفير بيئة صحية وآمنة، ومعالجة التحديات الصحية المرتبطة بالتلوث ليست مجرد مسألة رفاهية، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان يجب حمايته.


موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية