«طوال عام على الحرب».. منظمات الإغاثة الإنسانية الملجأ الأخير لإعانة سكان غزة على الصمود

«طوال عام على الحرب».. منظمات الإغاثة الإنسانية الملجأ الأخير لإعانة سكان غزة على الصمود

بدور إنساني ساهم بشكل رئيسي في صمود سكان غزة على حرب طاحنة لمدة عام، دفعت المنظمات الأممية والدولية الإغاثية ضريبة كبرى من أرواح أعضائها وتدمير مقراتها بلغت حد تصنيفها بـ"الإرهابية".

ومنذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب في 7 أكتوبر 2023، لم تتوان جهود المنظمات الدولية في التعاون مع نظيرتها المحلية في القطاع، لدرء احتمالات حدوث مجاعة أو تدمير هائل في القطاع الصحي، وسط قيود إسرائيلية غير مسبوقة، غير أن الواقع لا يزال يشهد تراجعا كبيرا وينذر بكارثة إنسانية في القطاع المنكوب.

وتجسدت هذه المعاناة في تصريح وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في سبتمبر الماضي، بأن "الفلسطينيين في غزة لا يستطيعون تناول سوى وجبة واحدة كل يومين بسبب الحصار الإسرائيلي".

وتأكيدا على ذلك، قال المجلس النرويجي للاجئين (منظمة إنسانية غير حكومية) إن سكان القطاع يتناولون في المتوسط وجبة واحدة كل يومين، لأن حوالي 83 بالمئة من المساعدات الغذائية المطلوبة لا يمكن إيصالها إلى غزة، ولذلك يتم توزيع البسكويت عالي الطاقة على الأطفال للحد من آثار سوء التغذية بين الأطفال.

تفاقم الأزمة

وتتعاظم الاحتياجات الغذائية للفلسطينيين في غزة بسبب عرقلة السلطات الإسرائيلية مرور شاحنات المساعدات الإنسانية في ظل ارتفاع في عدد النازحين إلى مليوني شخص جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.

ومنذ بدء الحرب على غزة تعرض 85 بالمئة من المباني المدرسية في غزة للقصف أو التدمير، بما في ذلك مباني ومدارس ومقار منظمة "الأونروا" حيث تعرض حوالي 70 بالمئة منها للاستهداف والقصف أيضا.

المنظمات الإغاثية

وتقف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في صدارة المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في قطاع غزة، إذ تأسست عام 1949، لتقديم المساعدات والحماية للاجئين الفلسطينيين بمناطق عملياتها الخمس في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.

وتدعم الوكالة الأممية حوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين في الـ5 مناطق، ويتم تمويلها بالكامل تقريبا، من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، حيث بلغت أحدث ميزانية لها 1.74 مليار دولار.

وفي ظل غياب حل القضية الفلسطينية ومسألة اللاجئين الفلسطينيين، عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبشكل متكرر ودوري على تجديد ولاية "الأونروا"، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا حتى 30 يونيو 2026.

وبدورها، لعبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) دورا في مساعدة الأطفال واللاجئين بقطاع غزة، إذ أعلنت عن التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية بالقطاع لتسجيل وتدقيق وتحديث بيانات النازحين جراء العدوان على غزة، بهدف إنقاذ اللاجئين وتحسين ظروف مراكز الإيواء.

وفي مارس الماضي، أعلنت يونيسف عن إطلاق برنامج التحويلات النقدية الإنسانية والحماية الاجتماعية، لتقديم المساعدات النقدية لـ546 ألف شخص و81 ألف أسرة و28 ألفا و500 طفل، لتوفير القدرة على شراء السلع الأساسية لسكان قطاع غزة.

ويسعى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة  (أوتشا) إلى إدخال المساعدات الإنسانية ومستلزمات مراكز الإيواء، إلى جانب ضخ فرق طوارئ طبية في المستشفيات بغزة لإسعاف المصابين وتقديم الاستشارات الصحية، غير أنه أعلن مؤخرا أن ثمة 760 ألف شخص لن يحصلوا على المساعدات في جنوب القطاع.

ويقدم برنامج الأغذية العالمي، السلع الغذائية والمياه والأدوية ومستلزمات النظافة الصحية إلى المناطق المنكوبة والتي تعتبر ضرورية لبقاء المجتمعات المحلية على قيد الحياة بقطاع غزة.

حاجة ماسة إلى المساعدات

وفي سبتمبر الماضي، كشف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن مليونين و200 ألف شخص في قطاع غزة لا يزالون في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية والمعيشية بعد 11 شهرا من العدوان الإسرائيلي المدمر على القطاع.

وأكدت 16 منظمة إغاثة إنسانية تابعة للأمم المتحدة، في بيان مشترك، أن إسرائيل منعت دخول 83 بالمئة من المساعدات الغذائية إلى غزة بعد مرور عام تقريبا على الحرب بالقطاع، ما أدى إلى تقليص وجبات السكان من وجبتين إلى وجبة واحدة في اليوم.

وأشار البيان إلى أن حوالي 50 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 سنوات بحاجة ملحة للعلاج من سوء التغذية بحلول نهاية العام الجاري.

ورغم جهود المنظمات الإغاثية الأممية والدولية، يزداد الوضع الإنساني في غزة سوءًا، حيث ارتفع عدد النازحين إلى 1.9 مليون شخص، بينما انخفض عدد شاحنات المساعدات من 100 شاحنة يوميًا في أغسطس الماضي، إلى 15 شاحنة فقط في سبتمبر 2024، ما يفاقم معاناة الفلسطينيين. 

وعادة ما تشكو المنظمات الأممية والدولية أنها تواجه التأخير والرفض في السماح بدخول الإمدادات الإنسانية الحيوية مثل المساعدات الغذائية وأدوات ومستلزمات النظافة الصحية والأجهزة الطبية وغيرها.

ضريبة فادحة

وعانت المنظمات الأممية والدولية من مقتل وإصابة ممثليها، إلى جانب فرض قيود مشددة حالت دون تقديم مساعداتها للمتضررين من الحرب، فيما واجهت منظمات أخرى تهديدات بالتنصيف كمنظمة إرهابية.

وفي نوفمبر 2023، أعلنت منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" مصرع أكثر من 100 من موظفيها في شهر واحد.

وفي أبريل 2024، أعلنت منظمة "المطبخ المركزي العالمي" مقتل 7 من موظفيها في ضربة إسرائيلية على قطاع غزة رغم التنسيق مع سلطات الاحتلال، ما دفعها لإعلان توقف عملياتها مؤقتا في المنطقة.

وفي أبريل 2024، أفاد راميش راجاسينغهام، المسؤول بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في جلسة بمجلس الأمن، بمقتل أكثر من 220 من العاملين في المجال الإنساني، بينهم 179 من موظفي الأمم المتحدة.

وفي مايو 2024، قتل سائق وموظفة يعملان بمنظمة الصحة العالمية، في استهداف الجيش الإسرائيلي لسيارة تابعة للمنظمة الأممية شرق مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.

التضييق على المنظمات

في يوليو 2023، قرر الكنيست الإسرائيلي، تصنيف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) "منظمة إرهابية"، وبحسب القانون الإسرائيلي ينتظر القرار قراءتين أخريين ليصبح قانونا.

ووفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، ينص القرار على منع الوكالة من العمل في الأراضي الإسرائيلية (الفلسطينية المحتلة) وتجريد موظفيها من الحصانات والامتيازات القانونية، الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة في إسرائيل.

ويؤدي هذا القرار حال تحويله إلى قانون لتفاقم المأساة الإنسانية الكارثية في غزة، إذ يواجه 96 بالمئة من سكان القطاع مستويات شديدة من الجوع، وانعدام الأمن الغذائي الحاد.

ومنذ يناير 2024، علقت 18 دولة والاتحاد الأوروبي تمويلها لـ"الأونروا" على خلفية مزاعم إسرائيلية بأن عددا من موظفيها شاركوا في هجوم 7 أكتوبر، فيما تراجعت بعض الدول عن هذا القرار في مارس الماضي، وقالت المفوضية الأوروبية إنها ستفرج عن 50 مليون يورو من تمويل الوكالة الأممية. 

وفي سبتمبر 2024، أوقفت السلطات الإسرائيلية فريقا يضم 12 موظفا أمميا، وهم في طريقهم إلى شمال غزة لدعم المرحلة الثالثة من حملة التطعيم ضد مرض شلل الأطفال، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وفي سبتمبر 2024، أعلنت منظمة "الأونروا" مقتل أحد موظفيها وهو فلسطيني في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية، كان يعمل في مجال الصحة البيئية وهو متزوج ويعول خمسة أطفال.

وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن عام 2023 هو الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للمجتمع الإنساني العالمي، حيث شهد مقتل 280 عاملاً من عمال الإغاثة في 33 دولة بالعالم.

وأوضح المكتب الأممي أن عام 2024 يتجه إلى نحو مسار أسوأ، حيث أفادت التقديرات بمقتل 230 عاملا في الإغاثة حتى 7 أغسطس الماضي.

وأد أعمال الإنقاذ

بدورها، قالت رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، الدكتورة آمال الأغا، إن استهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي للمنظمات الإنسانية والإغاثية في قطاع غزة ليس غريبا، لا سيما وأن سجلها في تاريخ انتهاكات القوانين والاتفاقيات الدولية ممتد منذ عام 1948.

وأوضحت الأغا في تصريح لـ"جسور بوست" أن إسرائيل تقوم باستهداف العاملين في الطواقم الطبية الفلسطينية والدولية العاملة في قطاع غزة والضفة الغربية، بهدف ترهيبهم وإخافتهم ودفعهم لترك العمل الإنساني والإغاثي حرصاً على حياتهم.

وأضافت: "دولة الاحتلال تنتهك بهذه الممارسات الوحشية على الأراضي الفلسطينية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، خاصة أنها تمنع المنظمات الأممية والدولية من الوصول إلى المناطق المنكوبة، كما تستهدف طواقم الإغاثة بالصواريخ والقناصة رغم تمتعهم بالحماية الدولية التي توفرها لهم المنظمات الإنسانية التابعين لها".

وأشارت إلى تركيز قوات الاحتلال على استهداف العاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وذلك في إطار محاولات دؤوبة لإنهاء وجودها ومنعها من القيام بدورها في تقديم المساعدات لملايين اللاجئين داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومضت آمال الأغا، قائلة: "نحن في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية نعمل مع الأمم المتحدة لإصدار قرار لاحق بجانب قرار 1325 الدولي لتوفير الحماية للمرأة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بحيث يشمل المساءلة والمشاركة وتأمين الحماية والوقاية من وحشية الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك العمل على إنفاذ قرارات الأمم المتحدة ومعاقبة دولة الاحتلال على إجرامها ووحشيتها".

استهداف متعمد

ومن جانبه، قال الباحث الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي، خلدون البرغوثي، إن قوات الاحتلال تستهدف بشكل أساسي المنظمات الإنسانية والإغاثية، وتتعمد قتل موظفيها والعاملين بها، إمعانا في حصار وإذلال وتجويع الشعب الفلسطيني.

وأوضح البرغوثي في تصريح لـ"جسور بوست" أن جميع الوكالات والمنظمات الأممية والدولية تعرضت لتدمير هائل، وخاصة "الأونروا" التي تم تدمير نحو 70 بالمئة من مقارها ومدارسها ومخازنها، وذلك بهدف القضاء على القضية الفلسطينية وتعميق معاناة اللاجئين، لا سيما أن المنظمة الأممية تعد شريان حياة للفلسطينيين الذين يعتمدون بشكل رئيسي على خدماتها ومساعداتها الغذائية والنقدية، سواء داخل الأراضي الفلسطينية، أو في مناطق العمليات في الأردن وسوريا ولبنان.

وأضاف: "جميع المنظمات الإنسانية تعرضت لهجمات شرسة منذ بدء العدوان الإسرائيلي لمنع إنقاذ الفلسطينيين كجزء أساس من مخطط حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني طوال عام كامل دون هدنة أو هوادة".

وأشار المحلل الفلسطيني إلى أن استهداف إسرائيل هذه المنظمات الإغاثية نابعا من قناعاتها العسكرية والسياسية بضرورة تدمير كافة الملاذات الآمنة للاجئين الفلسطينيين، وبقاء الشعب تحت نيران القصف والحصار والجوع والاحتياج والتكوم في المخيمات وانتشار الأمراض والأوبئة ليكونوا عبرة للعالم.


موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية