انحياز "غوغل" بين ادعاء ترامب واستفادة هاريس
انحياز "غوغل" بين ادعاء ترامب واستفادة هاريس
مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية بعد شهر واحد، تتزايد حدة الاتهامات وتتفجر مفاجآت، ومن بين أحدثها اتهام الرئيس السابق دونالد ترامب، عملاق التكنولوجيا شركة "غوغل" بأنها تتدخل في الانتخابات من خلال انحيازها لمصلحة منافسته كامالا هاريس، وتعهد بمقاضاة الشركة جنائياً لأن محرك البحث الخاص بها يعرض قصصاً سيئة عنه وجيدة عن هاريس، فما أسباب هذا الادعاء وحقيقته؟ وهل يرتكز إلى دلائل؟ وماذا تقول الدراسات العلمية السابقة؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر "غوغل" في آراء الناخبين؟
تدخل انتخابي
اتهامات التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية يبدو أنها لم تعد مقصورة على الدول الأجنبية المعادية للولايات المتحدة مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، بل امتدت إلى الداخل الأميركي، حيث دعا الرئيس السابق ترامب وزارة العدل الأميركية إلى مقاضاة "غوغل" جنائياً بسبب ما سماه تحيز الشركة تجاه منافسته في الانتخابات نائبة الرئيس كامالا هاريس في نتائج البحث عبر الإنترنت، بعدما كشفت دراسة جديدة أجراها مركز أبحاث وسائل الإعلام اليميني، أن نتائج محرك البحث "غوغل" تميل إلى إظهار مقالات إخبارية من المفترض أنها إيجابية تجاه هاريس وسلبية تجاه ترامب.
ويشتكي المحافظون الأميركيون منذ أعوام من أن خوارزميات "غوغل" تفضل الديمقراطيين استناداً إلى دراسات تشير إلى أن محرك البحث يساعد الديمقراطيين، وهي دراسات يصدرها مركز أبحاث وسائل الإعلام، الذي يعمل على مواجهة ما يسميه التحيز اليساري لوسائل الإعلام الإخبارية الأميركية على مستوى الولايات المتحدة.
لكن شركة "غوغل" تنفي هذه التقارير التي زعمت أن محرك بحثها ساعد مرشحاً أو حزباً واحداً، ويقول المتحدث باسم الشركة إن موقعي الحملتين الانتخابيتين لكل من ترامب وهاريس، يظهران باستمرار في أعلى نتائج البحث عند الاستعلام بالكلمات الشائعة ذات الصلة، في حين استند مركز أبحاث وسائل الإعلام على مصطلح بحث نادر واحد وغير شائع في يوم واحد قبل بضعة أسابيع، وحتى بالنسبة إلى هذا البحث، احتل موقعا المرشحين المرتبة الأولى في النتائج على "غوغل"، لذا فإن استنتاجات التقرير خاطئة بحسب المتحدث باسم "غوغل".
بالنسبة إلى شركة "غوغل" يظهر الاستعلام حول الانتخابات الرئاسية أو المرشحين عموماً روابط لمقالات إخبارية متغيرة باستمرار تعكس ما هو موجود على الويب، لذلك تتغير طوال الوقت، مما يشير إلى أن الشركة لا تتلاعب بنتائج البحث على الإطلاق لمصلحة أي مرشح، وبخاصة أن موقع حملة ترامب يظهر أعلى في نتائج "غوغل"، مقارنة بنتائج محركات البحث الأخرى.
تأثير خطر
غير أن مركز بحوث وسائل الإعلام المعروف اختصاراً باسم (أم آر سي) الذي تأسس عام 1987 بهدف فضح ما يصفه بالتحيز اليساري في وسائل الإعلام الوطنية الأميركية ومواجهته، اعتبر أن ما تدعيه "غوغل" ليس إلا محاولة تضليل أخرى تريد إخفاء الحقيقة، محذراً من التلاعب بالعملية الانتخابية، وإسكات الأصوات المعارضة على الإنترنت، وتقويض القيم الأميركية.
وتعود مخاوف المحافظين والجمهوريين إلى التأثير الخطر والسيطرة شبه الكاملة اللذين تمثلهما الشركة العملاقة التكنولوجية "غوغل" من خلال محركها البحثي، إذ استحوذ في مارس (آذار) الماضي بحسب موقع "ستاتيستا" على ما يقارب 87 في المئة من سوق البحث على الإنترنت في الولايات المتحدة عبر جميع الأجهزة، وتبعه محرك "بينغ" التابع لشركة "مايكروسوفت" كثاني أكبر مزود للبحث في الولايات المتحدة بحصة بلغت نحو ثمانية في المئة، ثم محرك بحث "ياهو" بنسبة لم تتجاوز 2.5 في المئة، ثم "داك داك غو" بنسبة 1.9 في المئة.
ومما يزيد قلق اليمين الأميركي بصورة خاصة ما يظهره مسح أجرته مؤسسة "بيو" للبحوث في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أن 15 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يفضلون الحصول على أخبارهم من محركات البحث، وهو ما ارتفع من 13 في المئة عام 2022 ونحو 11 في المئة عام 2021، وهذا كله يعني أن الأميركيين وشريحة الشباب على وجه الخصوص يمكن أن تتأثر في نتائج البحث لشركة "غوغل" التي تميل إلى إبراز قصص وسائل الإعلام الليبرالية التي تنتقد دونالد ترامب والجمهوريين بصورة مستمرة مما يضر بحرية التعبير.
أحدث مثال
لعل أحدث مثال يُظهر تحيز محرك البحث "غوغل" لوسائل الإعلام ذات الميول اليسارية هو المناظرة الأخيرة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس، الجمهوري جي دي فانس، والديمقراطي تيم وولز، إذ أظهرت دراسة أجراها مركز أبحاث وسائل الإعلام أن أولوية "غوغل" هي الترويج لأخبار يسارية بنسبة 100 في المئة، وليس الحفاظ على الحريات الأميركية، إذ تشير الدراسة إلى أن نتائج "غوغل نيوز" عندما تبحث عن تيم وولز، تُظهر مقالات من الغارديان، "بي بي سي" و"سي أن أن" و"واشنطن بوست"، وكذلك "فوكس نيوز" و"يو أس أيه توداي" و"إن بي آر"، إضافة إلى "سي بي أس نيوز"، و"سليت"، و"نيويورك تايمز".
وفي حين كان مقال "إن بي آر " عن فانس، واعترف مقال "نيويورك تايمز"، بأن وولز لم يكن في هونغ كونغ أثناء مذبحة ميدان السلام السماوي، اتبعت غالبية وسائل الإعلام نهجاً مجزأ، وسألت من فاز في المناظرة وتجاهلت ما أعلنته تقارير يسارية عدة على أنه انتصار واضح لـجي دي فانس، حتى أن موقع "سليت" ذهب إلى الحديث عن الألم عند صياغة مقال حول سبب خسارة وولز بدلاً من كيفية فوز فانس في مقال بعنوان "الخطأ التكتيكي الوحشي لتيم وولز الذي كلفه المناظرة".
وعندما أجرى باحثو مركز أبحاث وسائل الإعلام عمليات البحث في "غوغل نيوز" نفسها قبل ساعات من المناظرة، أنتجت "غوغل" نتائج متحيزة مماثلة، إذ كشف تحليل مركز أبحاث وسائل الإعلام أن 90 في المئة من النتائج في كلا البحثين، كانت من منافذ إخبارية ذات ميول يسارية، بينما تضمنت كل مجموعة من النتائج مقالاً واحداً فقط من فوكس نيوز ديجيتال
وعلى رغم ظهور مقالات فوكس نيوز في المرتبة الأولى والرابعة في نتائج "غوغل نيوز"، فإنها كانت منفذ الأخبار الوحيد الذي أنتجته المنصة ولا يُظهر باستمرار تحيزاً سياسياً يسارياً.
سياسة منهجية
ولم تكن المناظرة الأخيرة حادثة معزولة، إذ كانت هذه هي الدراسة الـ21 المتعلقة بالانتخابات التي أجراها مركز أبحاث حرية التعبير في أميركا، وأسفرت كل دراسة عن نتائج مماثلة، وعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أنه عندما بحث باحثو مركز أبحاث حرية التعبير في أميركا عبر محرك بحث "غوغل" عن "سباق كامالا هاريس الرئاسي 2024"، لم تظهر في النتائج أية وسيلة إخبارية مقرها الولايات المتحدة مصنفة على أنها يمينية أو محافظة من قبل شركة تصنيفات وسائل الإعلام (أوول سايدز)، بل إن قناة "فوكس نيوز" لم تظهر سوى كنتيجة خامسة في الصفحة الـ13 من النتائج.
* نقلا عن صحيفة “إندبندنت عربية”