شبح التنمر الإلكتروني.. كيف تؤثر الهجمات الرقمية على صحة الأطفال النفسية؟
شبح التنمر الإلكتروني.. كيف تؤثر الهجمات الرقمية على صحة الأطفال النفسية؟
أدى تزايد استخدام الأطفال للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى جعلهم عرضة لأشكال جديدة من العنف والإيذاء النفسي، حيث باتت المساحات الرقمية ساحة مفتوحة للصراعات والتنمر الذي يتخذ أشكالاً متنوعة، تبدأ من السخرية والمضايقات اللفظية، وصولاً إلى التهديدات والإهانة العلنية.
ووفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن "اليونيسف"، فإن التنمر الإلكتروني أصبح يشكل ظاهرة عالمية خطيرة، تؤثر على نحو 30% من الأطفال في العالم، ما يستدعي اتخاذ تدابير فورية لحمايتهم.
تشير الإحصائيات الصادرة عن "الاتحاد الدولي للاتصالات" لعام 2023 إلى أن نحو 80% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، وهو ما يعني أن ملايين الأطفال يتعرضون لمخاطر التنمر الإلكتروني.
وأشارت الدراسة إلى أن 22% من الأطفال في العالم تعرضوا لشكل من أشكال التنمر الإلكتروني مرة واحدة على الأقل خلال العام الماضي، وهي زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة، وفي دراسة أخرى أجرتها "منظمة الصحة العالمية"، تبين أن التنمر الإلكتروني يتسبب في أضرار نفسية طويلة الأمد للأطفال، حيث يعاني 60% من ضحاياه من مشكلات تتعلق بالثقة بالنفس، واضطرابات النوم، والقلق المزمن، بينما يتعرض 25% منهم للاكتئاب الحاد.
ويأتي هذا الارتفاع الكبير في نسبة التنمر الإلكتروني نتيجة عوامل متعددة، أبرزها سهولة الوصول إلى الإنترنت، وانخفاض الرقابة الأبوية في الكثير من الأحيان، كما أن زيادة عدد منصات التواصل الاجتماعي وعدم وجود رقابة كافية عليها يساهم في تفاقم الظاهرة. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجراها "مركز أبحاث التنمر الرقمي" أن 70% من الأطفال الذين تعرضوا للتنمر الإلكتروني لم يقوموا بالإبلاغ عن الحادثة، إما بسبب الخوف من الانتقام أو الشعور بالخجل.
الآثار النفسية للتنمر
تشير البيانات الصادرة عن "الجمعية الأمريكية لعلم النفس" إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لـ التنمر الإلكتروني يعانون من مشكلات نفسية تفوق تلك التي يواجهها الأطفال الذين يتعرضون للتنمر التقليدي.
وبينما يمكن أن يكون التنمر التقليدي محدوداً بزمان ومكان معينين، فإن التنمر الإلكتروني يتواصل على مدار الساعة، ويظل محتواه متاحاً للجميع. وهذا يعني أن الطفل قد يتعرض للسخرية والإهانة على نطاق واسع، ما يجعله يشعر بالعزلة والضعف بشكل مستمر.
وفي دراسة أجرتها "منظمة "Save the Children" في عام 2022، تبين أن 30% من الأطفال الذين تعرضوا للتنمر الإلكتروني توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة بسبب الخوف من مواجهة زملائهم، بينما يعاني 20% منهم من اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، حيث يفضلون العزلة والبقاء في المنزل خوفاً من التعرض لمزيد من التنمر، كما أشارت نفس الدراسة إلى أن 15% من الأطفال حاولوا إيذاء أنفسهم أو الانتحار بعد تعرضهم للتنمر الإلكتروني.
ويعكس هذا الواقع المرير حجم الضرر النفسي الذي قد يسببه التنمر الإلكتروني، فعلى الرغم من أن الأطفال غالبًا ما يكونون قادرين على التعامل مع الضغوطات اليومية، فإن التنمر الإلكتروني يمكن أن يؤدي إلى انهيار تلك القدرة، ويجعل الطفل يشعر بعدم الأمان والراحة في البيئة الرقمية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية.
التشريعات الدولية
أمام تصاعد هذه الظاهرة، سعت العديد من الحكومات والمنظمات الدولية إلى وضع تشريعات وقوانين لحماية الأطفال من التنمر الإلكتروني. ففي تقرير صادر عن "الاتحاد الأوروبي" لعام 2023، تمت الإشارة إلى أن 18 دولة أوروبية قد قامت بتعديل قوانين الجرائم الإلكترونية لتشمل التنمر الإلكتروني كجريمة يعاقب عليها القانون، كما أن العديد من هذه الدول، مثل ألمانيا والسويد، قد بدأت في فرض غرامات كبيرة على الأفراد الذين يثبت تورطهم في قضايا تنمر إلكتروني ضد الأطفال.
وفي هذا السياق، أشارت "اليونيسف" في تقريرها السنوي لعام 2023 إلى أن هناك فجوة كبيرة في التشريعات المتعلقة بالتنمر الإلكتروني في العديد من الدول النامية، حيث لا تزال القوانين تركز على الجرائم التقليدية وتغفل عن الجرائم الرقمية.
ودعت المنظمة إلى ضرورة تطوير استراتيجيات شاملة للتعامل مع التنمر الإلكتروني، تتضمن تعزيز الوعي لدى الأطفال وأولياء الأمور، وتدريب المعلمين على اكتشاف حالات التنمر الإلكتروني والتعامل معها، فضلاً عن فرض رقابة أكبر على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي إطار تعزيز التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة، تم تنظيم "المؤتمر العالمي لحقوق الطفل في العصر الرقمي" في جنيف عام 2023، والذي شاركت فيه أكثر من 50 دولة ومنظمة دولية. وتمت خلال المؤتمر مناقشة كيفية وضع آليات قانونية وتكنولوجية لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، بما في ذلك التنمر الإلكتروني، وأوصى المؤتمر بضرورة تشجيع شركات التكنولوجيا على تحسين أدوات الإبلاغ عن التنمر الإلكتروني وتعزيز خصوصية الأطفال على منصاتهم.
مكافحة التنمر الإلكتروني
على الرغم من الجهود الحكومية والتشريعات، يبقى دور الأسرة والمدرسة محورياً في حماية الأطفال من التنمر الإلكتروني.
وتظهر الأبحاث الصادرة عن "مركز الأبحاث الأسرية"، في جامعة هارفارد أن الأطفال الذين يتلقون دعمًا نفسيًا واجتماعيًا من أسرهم يتمتعون بقدرة أكبر على مواجهة التنمر الإلكتروني. وفي دراسة حديثة أجرتها "جامعة ستانفورد" في عام 2023، تبين أن 40% من الأطفال الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني يعانون من ضعف التواصل مع والديهم، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 60% عندما يكون الوالدان غير مدركين لما يواجهه أطفالهم في الفضاء الرقمي.
وتنصح "الجمعية الوطنية للوقاية من القسوة ضد الأطفال" أولياء الأمور بضرورة فتح حوار مستمر مع أبنائهم حول تجاربهم على الإنترنت، وتشجيعهم على التحدث عن أي مضايقات يتعرضون لها.
وأشارت الجمعية إلى ضرورة تحديد وقت معين لاستخدام الإنترنت ومتابعة أنشطة الأطفال عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وعلى صعيد المدرسة، فقد أكدت "منظمة اليونسكو" في تقريرها لعام 2023 أهمية دمج برامج التوعية الرقمية ضمن المناهج الدراسية، حيث أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يتم تعليمهم كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن يكونون أقل عرضة للتنمر الإلكتروني. كما أشار التقرير إلى ضرورة تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع حالات التنمر الإلكتروني، وتوفير الدعم النفسي للطلاب المتضررين.
التكنولوجيا كجزء من الحل
في ظل هذا الواقع الرقمي المتطور، لا يمكن تجاهل دور التكنولوجيا نفسها في مكافحة التنمر الإلكتروني، فقد قامت العديد من الشركات التكنولوجية بتطوير أدوات تقنية لمكافحة هذه الظاهرة، على سبيل المثال، أطلقت "شركة فيسبوك" أدوات جديدة تتيح للمستخدمين حظر المتنمرين والإبلاغ عن المضايقات بشكل أسرع وأكثر فاعلية، كما أن "شركة تيك توك" قامت بتعزيز سياسات الخصوصية والأمان الخاصة بها للأطفال، حيث يمكن للوالدين الآن التحكم في المحتوى الذي يشاهده أبناؤهم والحد من التفاعل مع الغرباء.
وفي دراسة صادرة عن "مركز أبحاث الإنترنت الآمن"، تبين أن الأطفال الذين يستخدمون أدوات الحماية الرقمية يكونون أقل عرضة للتنمر الإلكتروني بنسبة 35% مقارنةً بالأطفال الذين لا يستخدمونها. ورغم هذه الجهود التقنية، فإن التقرير أشار إلى أن الحلول التكنولوجية وحدها غير كافية، ما لم ترافقها جهود تربوية وقانونية واجتماعية.
التنمر الإلكتروني ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو جزء من أزمة اجتماعية أوسع تتعلق بكيفية تفاعل المجتمعات مع التكنولوجيا الحديثة. ومع تزايد الارتباط بين العالمين الواقعي والافتراضي، يصبح من الضروري تعزيز الوعي الجماعي بأهمية الحفاظ على سلامة الأطفال في الفضاء الرقمي.
ويشير تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" لعام 2023 إلى أن التنمر الإلكتروني يمثل تهديدًا مباشرًا للصحة النفسية والاجتماعية للأطفال، ما يتطلب تضافر جهود الحكومات والمؤسسات التربوية والمنظمات الدولية لمواجهته. ومع تزايد أهمية الفضاء الرقمي في حياتنا اليومية، يجب أن نبقى على يقظة لضمان أن هذا الفضاء يظل مكانًا آمنًا ومحترمًا لجميع المستخدمين، وخاصةً الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل الأطفال.
ولا تأتي الحلول الفعّالة لمكافحة التنمر الإلكتروني من طرف واحد، بل تتطلب جهدًا مشتركًا يبدأ من الأسرة ويمر بالمدرسة والمجتمع، وصولاً إلى الشركات التكنولوجية وصناع القرار. في النهاية، حماية الأطفال في العصر الرقمي هي مسؤولية جماعية، تتطلب أن نبني جدراناً من الدعم والمساندة حولهم، وليس مجرد شاشات تصفح تحجب عنهم الأذى.
التنمر الإلكتروني وحقوق الطفل
وقال أستاذ الإعلام الرقمي الأردني، مروان شحادة، إن التنمر الإلكتروني يعتبر انتهاكًا خطيرًا لحقوق الطفل في العصر الرقمي، خاصة عندما يتعلق الأمر بخرق خصوصية الأفراد، سواء كانوا كبارًا أو صغارًا، كثيرًا ما نغفل عند تحميل التطبيقات أو الألعاب عن قراءة شروط الخصوصية، حيث نوافق على تلك الشروط دون تفكير، فعندما نقوم بذلك، نعطي الضوء الأخضر قانونيًا وأخلاقيًا للمطورين ومقدمي الخدمات، ما يضعهم في موقع المسؤولية عن معلوماتنا.
وأضاف شحادة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، عندما نتحدث عن الأطفال، يتضح أن اعتمادهم المتزايد على التطبيقات والتكنولوجيا، بالإضافة إلى الانغماس في عالم الذكاء الاصطناعي، ينقلهم من مرحلة الإنسانية إلى مرحلة الأتمتة. هذا التحول يُحتمل أن يؤثر سلبًا على تنمية عقولهم، ما قد يؤدي إلى كارثة تهدد هويتهم الثقافية وقدراتهم العقلية، قد يُصاب الأطفال بالتوحد إذا استمروا في إدمان استخدام المواقع الإلكترونية والتطبيقات، سواء كانت لأغراض الترفيه أو التعليم.
وأتم، أرى أن التنمر الإلكتروني ظاهرة خطيرة تستدعي اتخاذ إجراءات جادة لمواجهتها. يجب أن تشمل هذه الجهود توعية الأطفال في المدارس ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى دور الأسر في تعزيز الوعي، كما يجب أن نواجه هذه المشكلة من خلال تحديد أوقات الاستخدام المناسبة للتقنيات التي تصلنا بالإنترنت، لضمان عدم تعرض أطفالنا للأذى النفسي أو الاجتماعي.
التأثيرات النفسية على الأطفال
وقال خبير علم النفس الأكاديمي، جمال فرويز، إن التنمر، سواء كان لفظيًا أو ماديًا أو إلكترونيًا، يُعد من أخطر الظواهر التي تهدد الصحة النفسية للأطفال والمراهقين. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في حالات التأثر النفسي السلبي نتيجة هذا النوع من التنمر، الذي لم يعد يقتصر على الفضاء الواقعي، بل امتد ليشمل العالم الرقمي. هذه الظاهرة أصبحت تؤدي إلى عواقب مأساوية، حيث بات الأطفال والمراهقون الذين يتعرضون لها يواجهون مشكلات نفسية قد تصل إلى الانتحار أو محاولات الانتحار، إلى جانب اضطرابات أخرى مثل العزلة الاجتماعية والاكتئاب.
وتابع فرويز، في تصريحات لـ"جسور بوست"، بحسب ما تم رصده في عدد من الحالات الواقعية، تعرضت فتيات صغيرات للتنمر الإلكتروني، سواء من خلال الابتزاز أو السخرية أو الهجوم الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي. وفي كثير من الحالات، كانت النتائج كارثية. بعض الفتيات أقدمن على الانتحار، بينما حاولت أخريات إيذاء أنفسهن في محاولات انتحارية لم تكتمل، وهناك من لجأن إلى الهروب من منازلهن أو مدارسهن، خوفاً من مواجهة الأوضاع النفسية الضاغطة التي يواجهنها يومياً.
واسترسل خبير علم النفس، الأثر النفسي للتنمر الإلكتروني يتجاوز بكثير مجرد الشعور بالحزن أو الإحباط؛ فهو يؤدي إلى عزلة اجتماعية وانطواء عميق. الأطفال والمراهقون الذين يتعرضون لهذه الضغوط يتجنبون الاختلاط بالآخرين، ويعيشون حالة من الاكتئاب الشديد، وتؤكد الدراسات النفسية أن هذه الحالات قد تتحول إلى اضطرابات نفسية أكثر خطورة إذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب لتقديم الدعم النفسي المناسب.
وأشار إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض الأطفال والمراهقين قد يلجؤون إلى آليات دفاعية غير صحية كرد فعل على التنمر. ففي بعض الحالات، يتحول التنمر إلى دافع للبحث عن "عملية تعويضية"، حيث يحاول الضحية تعويض الألم النفسي بطرق سلبية، مثل الانغماس في سلوكيات خطرة أو محاولات التأقلم مع الوضع عبر الانغلاق على الذات بشكل أكبر.
وتابع، أن هذا النوع من السلوكيات يؤدي في النهاية إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلها، من هنا، يصبح من الضروري تهيئة الأطفال والمراهقين نفسيًا لمواجهة هذه الظاهرة، وتوفير الدعم اللازم لهم، سواء عبر توجيههم نحو الاستخدام الآمن لمنصات التواصل الاجتماعي أو تعليمهم كيفية التعامل مع المواقف التي قد تشكل خطرًا على صحتهم النفسية. يجب على الآباء والمعلمين والقائمين على رعاية الأطفال تعزيز الحوار المفتوح معهم حول مخاطر التنمر الإلكتروني، وكيفية طلب المساعدة عند الضرورة.
وشدد فرويز على أنه لا يكفي أن نعلم الأطفال كيفية استخدام التكنولوجيا بأمان فقط، بل يجب أن نجهزهم نفسيًا لتحمل الضغوط التي قد يواجهونها في العالم الرقمي. التوجيه النفسي هنا يتطلب أكثر من مجرد مراقبة المحتوى الذي يستهلكونه، بل يجب أن يتضمن تعليمهم كيفية التفاعل الصحي مع الآخرين عبر الإنترنت، وكيفية التمييز بين النقد البناء والتنمّر، وأهمية بناء علاقات إيجابية وداعمة، ويتوجب على الأطفال أن يتعلموا متى وكيف يطلبون المساعدة، سواء من الأهل أو المعلمين أو حتى الأصدقاء الموثوقين. يجب أن يشعروا بالأمان الكافي للحديث عن مشاعرهم، والتعبير عن الألم الذي قد يسبب لهم التنمر الإلكتروني. هذه البيئة الآمنة قد تكون العامل الفارق في إنقاذ طفل من الوقوع في هاوية الانتحار أو الانطواء المزمن.
ولفت إلى أن المسؤولية تأتي على عاتق المجتمع بأسره في مواجهة هذه الظاهرة، يجب أن تتعاون الحكومات والمدارس والمنظمات الأهلية في تنظيم حملات توعية تستهدف الأطفال وأولياء الأمور والمعلمين على حد سواء، ومن الضروري تعزيز القوانين التي تجرم التنمر الإلكتروني، وتطبيقها بشكل صارم لحماية الأطفال والمراهقين من الأذى النفسي، كما أن منصات التواصل الاجتماعي يجب أن تتحمل مسؤوليتها في توفير أدوات فعالة للإبلاغ عن التنمر واتخاذ إجراءات سريعة لوقفه.
وأتم، يمثل التنمر الإلكتروني تهديدًا حقيقيًا على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، وللتعامل معه بفاعلية، لا بد من تضافر جهود الجميع. على كل فرد في المجتمع أن يدرك خطورة هذه الظاهرة، ويسعى إلى توفير بيئة آمنة وداعمة لأبنائنا، سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي.
انتهاك حقوق الطفل
وقالت المتخصصة في الاتصال الرقمي والسياسي، نجلاء الأنصاري، إن ظاهرة التنمر الإلكتروني من أخطر التحديات التي تواجه الأطفال في العصر الرقمي، فهي ليست مجرد مضايقات سطحية، بل تمثل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الطفل الأساسية، مثل الحق في الكرامة الشخصية، والخصوصية، والأمان، هذا النوع من التنمر يؤثر بشكل عميق وطويل الأمد على نفسية الأطفال، حيث يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية خطيرة، مثل القلق، والاكتئاب، وتدني الثقة بالنفس، وقد يصل الأمر إلى التفكير في إيذاء النفس أو الانتحار.
وأضافت الأنصاري، في تصريحات لـ"جسور بوست"، الأطفال يعدون من الفئات الأكثر عرضة لهذه التجارب المؤلمة، ولهذا فإن حمايتهم من التنمر الإلكتروني أصبحت ضرورة ملحة، يتطلب ذلك اتخاذ إجراءات حازمة على مستوى الحكومات والمؤسسات التعليمية والأسر، يجب أن تتضافر الجهود لوضع سياسات وبرامج توعوية تهدف إلى مكافحة التنمر الإلكتروني، من خلال تعليم الأطفال كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول، وتشجيعهم على التحدث بصراحة عن أي مضايقات يتعرضون لها، إضافة إلى ذلك، ينبغي توفير قنوات آمنة وسرية للإبلاغ عن حالات التنمر.
وتابعت الأنصاري، منصات التواصل الاجتماعي تتحمل كذلك مسؤولية كبيرة في هذا السياق. يجب عليها تطوير أدوات تقنية أكثر فاعلية لرصد وإزالة المحتوى المسيء، فضلاً عن تعزيز خيارات الأمان والخصوصية لحماية المستخدمين الصغار، هذه الإجراءات تساهم في خلق بيئة رقمية آمنة، تحترم حقوق الأطفال وتجنبهم الوقوع ضحية لهذه التجاوزات.
وأتمت، التنمر الإلكتروني ليس مجرد تحدٍ تقني، بل هو قضية حقوقية واجتماعية تتطلب تعاونًا جماعيًا لضمان سلامة الأطفال في الفضاء الرقمي، وتوفير بيئة تحترم حقوقهم وتحميهم من الأذى النفسي والجسدي.