انتكاسة وبائية.. شبح «متحور كورونا» يخيم على بؤر الصراع بالمنطقة العربية

في ظل انهيار الأنظمة الصحية

انتكاسة وبائية.. شبح «متحور كورونا» يخيم على بؤر الصراع بالمنطقة العربية

بتفشي المتحور الجديد من فيروس كورونا في 29 دولة على الأقل حول العالم، ويخيم الخطر واحتمالات حدوث انتكاسة وبائية بمناطق الصراعات والحروب في العديد من الدول، لا سيما فلسطين ولبنان واليمن والسودان، في ظل تدهور البنية الصحية وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة. 

وجراء تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية، سجلت الدول العربية التي تشهد حروبا وصراعات معدلات مرتفعة في الوفيات والإصابات بالنسخة الأولى من فيروس كورونا عام 2020، وشهدت انتشارا لبعض الأوبئة مثل الكوليرا، وشلل الأطفال، والملاريا، والحصبة، والتهاب الكبد الوبائي وغيرها.

وفي أغسطس 2024، تم اكتشاف المتحور (إكس إي سي) لأول مرة في ألمانيا، إذ قال الخبراء آنذاك إن التقديرات الأولية تشير إلى أنه يتسم بسرعة النمو مقارنة بالمتغيرات الأخرى المتداولة، لكنه ليس متحوراً جذرياً مختلفاً عن سابقيه.

وبشكل عام فإن متحور كورونا الجديد (إكس إي سي) مجرد عائلة فرعية من نفس سلالة أوميكرون، إذ يقول الخبراء إنّ مواكبة اللقاحات والجرعات المعززة من شأنها أن يوفر حماية كافية ضد الأمراض الشديدة والاستشفاء، غير أن صعوبة وصول اللقاحات لبعض مناطق الصراع يظل هاجسا مقلقا يخيم على السكان.

وبحسب الخبراء والمراقبين، فإن تفشي المتحور الجديد في الدول الأوروبية والولايات المتحدة يستدعي تحركا دوليا مبكرا لتفادي وقوع انتكاسة وبائية في الدول العربية التي تشهد توترات سياسية وصراعات وحروب في ظل البيئة الصحية المتهالكة لديها. 

ويقول مديرو معاهد البحوث في الولايات المتحدة وأوروبا، إن متحور (إكس إي سي) هو الأكثر عدوى وانتشارا، غير أن أعراضه تتشابه مع سابقيه في ارتفاع درجة الحرارة، والسعال المستمر، وفقدان أو تغير في حاسة الشم أو التذوق، وضيق في التنفس، والشعور بالتعب أو الإرهاق، وآلام في الجسم، والصداع، والتهاب الحلق، وانسداد أو سيلان الأنف.

مخاطر محتملة

وأعرب مدير مكافحة العدوى في غزة ونائب مدير عام الرعاية لوزارة الصحة الفلسطينية، الدكتور رامي العبادلة، عن مخاوفه من تفشي متحور (إكس إي سي) مع قدوم الشتاء بالأراضي المحتلة، قائلا: "مناطق الحروب هي بيئة مناسبة لتفشي الأوبئة والفيروسات نظرا لتوافر جميع عوامل الانتشار". 

وأوضح العبادلة في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "قطاع غزة يشهد تدميرا شبه كامل للمنظومة الصحية والعلاجية، جراء قصف المستشفيات والمراكز الصحية ونقص المستلزمات الطبية والأدوية بسبب الحصار الإسرائيلي، وبلغت ذروة الخطورة في تدمير المختبر المركزي، وبالتالي لا يمكن إجراء فحوصات كورونا أو أي فحوصات متقدمة في مجال البكتيريا والفيروسات".

وأضاف: "متحور فيروس كورونا سيمثل تهديدا خطيرا مع قدوم فصل الشتاء، حيث تزداد الفيروسات سرعة وانتشارا، خاصة مع ندرة المياه وأدوات النظافة والمطهرات وغياب الرعاية الطبية، الأمر الذي يهدد سكان القطاع بمخاطر صحية كبيرة".

ودعا العبادلة المجتمع الدولي إلى تعزيز النظام الصحي بشكل عام في غزة لمواجهة الأمراض المعدية وتقديم الخدمات الصحية، معددا احتياجات القطاع في المجال الصحي من نقص الدواء والمستلزمات الطبية، والمحاليل الخاصة بالفحوصات، والأجهزة المخبرية ذات القدرات العالية للتشخيص فضلا عن نقص أجهزة التنفس الاصطناعي وغرف الرعاية المركزة. 

واختتم حديثه، قائلا: "قطاع غزة في أشد الاحتياج لقائمة من الخدمات الصحية والعلاجية لها بداية وليس لها نهاية، جراء تداعيات الانهيار الكامل في المنظومة الصحية، ورغم علم وإدراك منظمة الصحة العالمية، غير أن المساعدات الصحية لم تأتِ ولم تتوفر حتى الآن". 

صمت دولي

وأوضح أستاذ القانون الدولي والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أمجد شهاب، أن قدرة المجتمع الدولي على دعم دول النزاع والصراعات لمواجهة المخاطر والكوارث الصحية أصبحت شبه معدومة وتنحاز إلى إرادة إسرائيل والدول العظمى دون غيرها. 

ورجح شهاب في تصريح لـ"جسور بوست"، عدم سماح المجتمع الدولي بوقوع كارثة صحية في الضفة الغربية لأن تفشي الإصابة بالمتحور الجديد لفيروس كورونا ستطول أعداد كبيرة من الإسرائيليين وتصبح مهددة لكيان الاحتلال، لكن من الممكن أن يكون قطاع غزة هو الأكثر تضررا بسبب استمرار الحرب.

وأشار إلى أن الجرائم الإسرائيلية ترتكب يوميا ولا أحد من المجتمع الدولي تحرك منذ سنوات ببلدان النزاعات ومنذ أكثر من عام بغزة، وذلك رغم القصف واستخدام سلاح التجويع والتدمير وعدم التدخل لإنقاذ الوضع الصحي الكارثي ببلدان النزاعات والحروب. 

تصدير الأوبئة

وفي السودان يستمر الصراع بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع لأكثر من عام، وسط انهيار بجميع المرافق الطبية، إذ قالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي إن النظام الصحي في السودان "منهار ومعقد في عدد من المناطق".

وحذر نقيب الصحفيين والمتخصص في قضايا النزاعات والحروب بالسودان، عبد المنعم أبو إدريس، من تداعيات عدم التحرك المبكر لاحتواء تفشي الإصابة بالمتحور الجديد من فيروس كورونا في الدول التي تشهد حروبا وصراعات خاصة مع قدوم فصل الشتاء.

وأوضح أبو إدريس في تصريح لـ"جسور بوست" أن "الأنظمة الصحية في هذه الدول تشهد انهيارا كاملا، الأمر الذي بدا في انتشار العديد من الأوبئة مثل الكوليرا وشلل الأطفال والملاريا، بسبب توافر مناخ مناسب لانتشار الوبائيات".

وأضاف: "تدخلات المنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي ضعيفة للغاية بحجة الأوضاع الأمنية المتوترة، لذلك هناك ضرورة كبيرة لإطلاق وتبني حملة دولية لإنقاذ قطاع الصحة في البلدان التي تشهد الصراعات والحروب، وإلا ستصبح مع الوقت بؤرة لتصدير الأوبئة والأمراض إلى العالم".

ومضى أبو إدريس، قائلا: "الكرة الآن في ملعب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة لإنقاذ سكان الدول والمناطق المنكوبة من الموت بالأمراض والأوبئة وتفادي وقوع أوبئة صحية قد تطال جميع دول العالم".

وفي سبتمبر الماضي، قال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، إن النظام الصحي المتداعي في السودان وصل إلى مرحلة الانهيار، موضحاً أن ما بين 70 و80 بالمئة من المؤسسات والمرافق الصحية توقفت عن العمل تماماً.

وأضاف في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، أن المعلومات المتوفرة عن قتلى الحرب في السودان، تفيد بأن الرقم تجاوز الـ20 ألفاً، قائلا: "السودان يشهد وضعاً صحياً وإنسانياً طارئاً جداً، والتجاوب ليس بحجم المشكلة الكبيرة".

اليمن الجريح

وفي يوليو الماضي، أعلنت الحكومة اليمنية انخفاض التمويلات الدولية للقطاع الصحي لديها بنحو 70 بالمئة، إذ تشهد البلد حربا منذ 10 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية وقوات جماعة الحوثي المسيطرة على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء (شمال).

وبحسب تقديرات البنك الدولي، ألحقت سنوات الصراع في اليمن أضراراً بالغة بالنظام الصحي المتداعي، ما أدى إلى توقف نحو نصف المنشآت الصحية العامة في البلاد عن تقديم خدماتها، كما تشير إلى أن النصف الآخر يعاني من نقص المستلزمات الأساسية، بما في ذلك إمدادات المياه والوقود والأكسجين.

ويعاني ملايين اليمنيين بصفة يومية من النقص الكبير في خدمات الرعاية الصحية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 20 مليون شخص (نحو 80 بالمئة من السكان في اليمن) يعتمدون في عام 2021 اعتماداً كاملاً على المعونات للبقاء على قيد الحياة والحصول على الخدمات الطبية الأساسية، كما يعاني أكثر من مليوني طفل من سوء التغذية الحاد.

ومنذ عام 2020، فاقمت جائحة كورونا من هذا الوضع السيئ، حيث فرضت قيوداً إضافية على الفئات غير القادرة وحرمتها من الوصول إلى مرافق تقديم خدمات الرعاية الصحية. 

وفي منتصف أكتوبر الجاري، قالت جويس مسويا، القائمة بأعمال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، خلال جلسة بمجلس الأمن: "نحن قلقون للغاية بشأن التأثيرات المترتبة على الأزمة الإنسانية في اليمن، بسبب الوضع المتدهور بسرعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط". 

وأوضحت أن "الكوليرا يواصل الانتشار في اليمن، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 203 آلاف حالة مشتبه في إصابتها بالمرض منذ مارس الماضي"، لافتة إلى "فقد أكثر من 720 شخصا حياتهم بسبب الكوليرا، وتشكل النساء والفتيات 53 بالمئة من الحالات".

أوضاع لبنان 

وبحسب التقديرات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية، أُغلقت نحو نصف مراكز الرعاية الصحية الأولية بمناطق الصراع في لبنان حتى الآن وسط تصاعد العنف، حيث أغلق 100 مركز من أصل 207 مراكز، كما أغلقت خمسة مستشفيات بعد الأضرار الهيكلية الناجمة عن الهجمات.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم: "يجب أن تتوقف الهجمات على العاملين الصحيين والمرافق الصحية، والتي تسببت في وفاة ما يقرب من 100 شخص في لبنان، إن النظام الصحي يكافح للتكيف بسبب محدودية القدرة البشرية والموارد".

وتأثر نحو 1.2 مليون شخص بشكل مباشر بالنزاع الذي امتدّ تأثيره إلى المجتمعات الهشة، إذ يقيم حاليا نحو 190 ألف نازح في مراكز الإيواء، في حين يبحث مئات الآلاف عن الأمان بين العائلة والأصدقاء، وفق تقرير لليونيسف في أكتوبر الجاري. 

وتجدد القصف المتبادل عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعد أن بدأ حزب الله ما سماه بـ"حرب إسناد"، في اليوم التالي لهجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، غير أن إسرائيل أعلنت في 30 سبتمبر الماضي تصعيدا دراماتيكيا ببدء عملية برية لتدمير أسلحة وبنية حزب الله التحتية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية