جامعة الأمم المتحدة: «التأمين ضد الجفاف» يحمي الحقوق الاقتصادية للرعاة الأفارقة
جامعة الأمم المتحدة: «التأمين ضد الجفاف» يحمي الحقوق الاقتصادية للرعاة الأفارقة
كشفت دراسة حديثة أعدتها جامعة الأمم المتحدة، عن أن موجات الجفاف المستمرة في شرق إفريقيا تسببت في استمرار الأزمات الإنسانية وتفاقم مستويات الفقر بين المجتمعات الرعوية، التي تعاني من هشاشة الأوضاع الاقتصادية بفعل ظروف المناخ القاسية.
وسلطت الدراسة التي نشرت، اليوم السبت، الضوء على أهمية تطوير نظام التأمين القائم على مؤشرات الماشية (IBLI) باعتباره أحد الابتكارات المميزة التي تهدف لتوفير حماية تأمينية شاملة ضد الجفاف، مما يتيح للمجتمعات الرعوية في المنطقة فرصة لدرء الفقر والحد من آثار الكوارث المناخية.
ويقدم هذا النظام تغطية تأمينية نظامية ضد الجفاف الكارثي، حيث يربط بين الفقر وإدارة المخاطر في الأراضي الجافة، مسلطاً الضوء على أسس تطوير البرامج التنموية.
العلاقة بين الجفاف والفقر
جاء نظام IBLI نتيجة لدراسات أكدت أن الجفاف يشكل عاملًا رئيسيًا في تأجيج الفقر بالمناطق الجافة، حيث يعتمد الرعاة بشكل كبير على الماشية كمصدر رئيسي للرزق.
وأدت التغيرات المناخية المتسارعة إلى جعل المجتمعات الرعوية في مواجهة تحديات كبيرة مع انعدام وجود تأمين يحميهم من الخسائر الناتجة عن موجات الجفاف، كما أن صعوبة تجميع البيانات الميدانية اللازمة لتوفير تأمينات تقليدية كانت عائقاً أمام إطلاق منتجات تأمينية في تلك المناطق.
واستندت فكرة IBLI إلى مؤشر يعتمد على بيانات النباتات التي ترصدها الأقمار الصناعية والتي تعكس نسب الوفاة في القطعان، بحيث يتم تعويض العملاء عند انخفاض هذه المؤشرات عن المستويات الطبيعية بشكل ملحوظ، وهي حالة تحدث عادةً خلال فترات الجفاف.
مواجهة المخاطر المناخية
أطلق IBLI للمرة الأولى عام 2010 بواسطة شركة تأمين كينية، حيث تم دعم هذا المشروع من قبل شركات إعادة التأمين العالمية التي تولت نقل المخاطر المناخية من المستوى المحلي إلى الأسواق المالية العالمية.
ولم تقتصر جهود دعم المشروع على توفير الحماية التأمينية فحسب، بل تضمنت أيضًا تصاميم دقيقة للسياسات ومعدلات الأقساط ومبالغ التعويضات التي تستند إلى قيم المؤشرات التاريخية والآنية بدلًا من الخسائر الميدانية الفعلية.
ومع تزايد الاهتمام بالمشروع، شرعت جهات وطنية ودولية في دمج IBLI ضمن سياساتها، مما عزز دور هذا التأمين في توفير أدوات حماية شاملة ضد الجفاف، حيث ارتفع نطاق التغطية من نحو 60 ألف كيلومتر مربع عام 2010 إلى أكثر من 400 ألف كيلومتر مربع بحلول عام 2020، ليشمل ما يزيد على 6 ملايين نسمة.
ومع ظهور نتائج إيجابية للتأمين على أرض الواقع، ساهمت التحسينات التقنية في رفع كفاءة IBLI، حيث أتاح التطور في تقنيات الاستشعار عن بعد تسريع عملية التعويضات بواقع عدة أشهر، ما سمح لأصحاب الوثائق باستخدام الأموال في التصدي لتأثيرات الجفاف الحادة قبل فقدان قطعانهم بشكل كامل، كما ساعدت هذه الخطوة الرعاة على حماية مصدر رزقهم بدلاً من انتظار تعويضات متأخرة تعالج فقط الأضرار بعد وقوعها.
توسيع نطاق التأمين
رغم التوسع الملحوظ، ظهرت تحديات عدة، أهمها ارتفاع التكاليف المتعلقة بتطوير السوق المحلي الجديد للتأمين، وشمل هذا التحدي توفير التدريب اللازم للوكلاء المحليين وتوعية المجتمعات بآليات عمل هذا التأمين الجديد.
وخلال مرحلة IBLI التجريبية، اضطلع الباحثون بتكاليف الأنشطة التوعوية، إلا أن التوسع التجاري فرض على شركات التأمين المحلية تحمل هذه التكاليف، التي واجهت بدورها تفاوتًا في مستوى النجاح من خلال استراتيجيات سوقية متنوعة.
وظهرت تحديات تتعلق بتنوع الأطراف المشاركة، حيث اختلفت أهداف الجهات المتدخلة في المشروع، مما أدى إلى تضارب المعلومات وظهور حالات سوء فهم في المجتمع الرعوي، على سبيل المثال، بعض الشركات قدمت منتجات متشابهة تحت أسماء مختلفة، مما زاد من تعقيد فهم المنتج، لا سيما بين المجتمعات التي تفتقر إلى المعرفة بأنظمة التمويل الرسمية.
توفير بيئة تكاملية
لم تكن الحماية التي يوفرها IBLI كافية لمواجهة آثار الجفاف وحدها، إذ إن استخدام التأمين كوسيلة لمواجهة الفقر يستلزم أن يكون الرعاة قادرين على تبني استراتيجيات اقتصادية أكثر إنتاجية في المواسم غير الجافة، والتي تتطلب وصولاً لأسواق قوية وسلع أساسية.
ويشترط تحقيق الفعالية القصوى لـ IBLI أن يتوفر له بيئة داعمة تمكن المستفيدين من استثمار التعويضات في شراء المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية قبل الأزمات، بدلاً من الاقتصار على التخفيف المؤقت للخسائر المالية الناتجة عن الكوارث المناخية.
تتطلب استدامة IBLI مواصلة الجهود لتجاوز العقبات التي واجهها، بهدف ضمان تقديم تأمين فعال يسهم فعليًا في مساعدة الرعاة على مواجهة الفقر والجفاف في ظل التغيرات المناخية.