انتشار الملاريا يثير الرعب في إيران.. وتحذيرات أممية من كارثة صحية
انتشار الملاريا يثير الرعب في إيران.. وتحذيرات أممية من كارثة صحية
تواجه إيران تحديًا كبيرًا في مجال الصحة العامة بسبب عودة ظهور الملاريا، وهو مرض قد يكون له عواقب وخيمة على السكان، خاصة في المناطق الحدودية التي تتصل بكل من أفغانستان وباكستان.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرات بشأن تفشي المرض في إيران، مشيرة إلى أن الظروف الحالية تشكل تهديدًا مباشرًا للصحة العامة وحق السكان في العيش في بيئة صحية
وشهدت إيران خلال السنوات الأخيرة، زيادة ملحوظة في حالات الملاريا، مع تسجيل 1894 حالة في عام 2022، وهو رقم يتجاوز ما تم تسجيله في السنوات السابقة.
ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن معظم هذه الحالات كانت في المحافظات الجنوبية الشرقية مثل سيستان وبلوشستان وهرمزغان، حيث ينشط البعوض الناقل للملاريا، والجدير بالذكر أن حوالي 93% من حالات الملاريا المسجلة في إيران هي من نوع الملاريا المُتصوِّرة المِنْجَلِيَّة، التي تعد الأكثر خطورة.
والعلاقة بين تفشي الملاريا وزيادة الحركة الحدودية بين إيران وأفغانستان وباكستان تتطلب تدقيقًا أكبر، وفقًا لتقرير حديث صادر عن المركز الوطني لمكافحة الأمراض المعدية في إيران، فإن حوالي 2.5 مليون شخص يعبرون الحدود الإيرانية مع أفغانستان وباكستان سنويًا، ما يزيد من خطر انتشار العدوى.
تتزايد حالات الإصابة بالملاريا في المناطق الحدودية بسبب الظروف المعيشية السيئة، والافتقار إلى الرعاية الصحية، والنقص في الوعي بالوقاية من الأمراض.
تأثير المناخ على انتشار الملاريا
في عام 2023، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا يعرض تأثيرات المناخ على انتشار الملاريا، مشيرة إلى أن التغيرات المناخية تؤدي إلى زيادة حالات الإصابة بالملاريا، كما أظهرت الدراسات أن 62% من المناطق المتأثرة بعودة سريان الملاريا تتداخل مع مناطق الفقر، ما يعني أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في انتشار هذا المرض.
بالمجمل، تعتبر هذه الظواهر الصحية نتيجة لتراكم مشكلات عديدة، بما في ذلك الحرب المستمرة في أفغانستان، والتي تؤدي إلى تدفق اللاجئين، مما يزيد من صعوبة السيطرة على الأمراض المعدية.
تعمل الصحة العالمية بالتعاون مع الحكومة الإيرانية على وضع استراتيجيات فعالة لمكافحة الملاريا، تم تقديم مساعدات فنية تتضمن اختبارات تشخيصية سريعة، وتوزيع ناموسيات معالجة بمبيدات حشرية، ومبيدات حشرية للتقليل من تكاثر البعوض، كما تتضمن هذه الاستراتيجيات تنسيق الجهود عبر الحدود مع باكستان وأفغانستان للحد من انتقال العدوى، حيث بدأت عدة برامج صحية مستدامة تستهدف المجتمعات المتضررة.
ومع ذلك، يتعين على السلطات الصحية في إيران أن تتجاوز مجرد الاستجابة للأوبئة الحالية، لتبني استراتيجيات شاملة لتعزيز النظام الصحي وتحسين الممارسات الوقائية، هذه الاستراتيجيات يجب أن تشمل زيادة الوعي العام حول طرق الوقاية من الملاريا وتوفير الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية للجميع، خاصة في المناطق النائية.
وأصبحت الحماية من الأمراض المعدية ضرورة ملحة في ظل الظروف الحالية. يجب أن يتم تبني مبادرات تتعلق بالنظافة العامة والصحة المجتمعية، بالإضافة إلى تطوير برامج تدريبية للعاملين في المجال الصحي في المناطق الحدودية. إن هذه الجهود لن تقتصر على محاربة الملاريا، بل ستشمل أيضًا مكافحة الأمراض المعدية الأخرى، مما يعزز قدرة المجتمعات على مواجهة الأوبئة في المستقبل.
ويرى حقوقيون أن قضية الملاريا في إيران تبرز كحالة طوارئ صحية عامة تحتاج إلى استجابة فورية ومتكاملة، وتتطلب الظروف الراهنة جهودًا جماعية من الدول المعنية، والمجتمع الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، لضمان حماية حقوق السكان في الحياة الصحية، ومنع انتشار الأمراض المعدية في المناطق الحدودية.
تعتبر الشراكة بين الدول المجاورة أساسية لمكافحة هذا التهديد، حيث إن انتشار الأمراض لا يعرف حدودًا، لذا فإن التعاون والتنسيق على المستوى الإقليمي هو السبيل الوحيد لتحقيق النجاح في هذا المجال.
تاريخ المرض وتحدياته المستمرة
تاريخ الملاريا في إيران طويل ومعقد، حيث يعود إلى آلاف السنين، تعتبر الملاريا مرضًا شائعًا في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وقد وجدت أدلة على وجوده في إيران منذ العصر القديم.
في العصور الإسلامية، كانت المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد، مثل سيستان وبلوشستان، تُعاني بشكل خاص من انتشار الملاريا، مما أدى إلى تسجيل العديد من الوفيات.
خلال القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بمكافحة الملاريا يتزايد في إيران في عام 1889، أطلق مشروع مكافحة الملاريا الأول الذي تم تمويله من قبل الحكومة الإيرانية وبمساعدة من الخبراء الأجانب، وخاصة من بريطانيا كانت التوعية بأهمية مكافحة الملاريا تزداد، وبدأت حملات الرش بالمبيدات الحشرية وتحسين ظروف المعيشة.
مع بداية القرن العشرين، وبالتحديد في عام 1926، تم إنشاء أول هيئة حكومية رسمية لمكافحة الملاريا في إيران، هذه الهيئة كانت تهدف إلى مراقبة وتسجيل حالات الإصابة وتقديم العلاج المناسب للمرضى.
في الثلاثينيات من القرن الماضي، ساهمت الجهود الدولية في مكافحة الملاريا، وخاصة من قبل منظمة الصحة العالمية، حيث بدأت إيران في تنفيذ برامج خاصة لمكافحة الأمراض المعدية.
على الرغم من الجهود المبذولة، فإن الملاريا ظلت تهديدًا مستمرًا حتى منتصف القرن العشرين، في الخمسينيات، بدأت برامج مكافحة الملاريا تأخذ بُعدًا أكبر، حيث تم إدخال أدوية جديدة واستراتيجيات الرش الجوية لمكافحة البعوض الناقل، في هذا الوقت، حققت إيران تقدمًا كبيرًا، حيث انخفض عدد حالات الملاريا بشكل ملحوظ.
ولم تستمر هذه الانتصارات على الملاريا، حيث شهدت البلاد موجات جديدة من المرض في الثمانينيات والتسعينيات بسبب عدم الاستقرار السياسي والحروب، في عام 1999، أعلنت إيران نجاحها في القضاء على الملاريا في معظم المناطق الحضرية، ولكن المناطق الريفية والحدودية، خاصةً في الجنوب الشرقي، ظلت تعاني من حالات الإصابة.
خلال السنوات الأخيرة، ومع تزايد التغيرات المناخية والنزاعات الإقليمية، عادت الملاريا لتصبح تهديدًا صحيًا كبيرًا في إيران. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تم تسجيل 1894 حالة من الملاريا في إيران في عام 2022، مما يشير إلى ضرورة تعزيز جهود مكافحة هذا المرض. تركز الحكومة الإيرانية حاليًا على استراتيجيات جديدة للكشف المبكر والعلاج السريع، بالإضافة إلى التعاون مع الدول المجاورة مثل باكستان وأفغانستان للحد من انتشار العدوى عبر الحدود
ويعكس تاريخ الملاريا في إيران تداخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات شاملة لمواجهة هذا المرض واستعادة الإنجازات الصحية التي حققتها البلاد في العقود الماضية.
أزمة صحية بآثار اجتماعية واقتصادية
قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي، رشاد عبده، إن مرض الملاريا في إيران يظهر كقضية صحية لها تبعات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، خصوصًا في المناطق الحدودية مع باكستان وأفغانستان، هذه المناطق تتميز بوجود ظروف اقتصادية صعبة وبنى تحتية صحية محدودة تجعل من التعامل مع هذا المرض تحديًا يوميًا من الناحية الاقتصادية، يمثّل تفشي الملاريا عبئًا ماليًا كبيرًا على الأفراد المصابين وعائلاتهم، حيث إن تكاليف العلاج يمكن أن تكون مرهقة في مجتمعات تعاني من الفقر المدقع. فعلى سبيل المثال، العديد من الأسر في هذه المناطق تعتمد على العمل البدني اليومي كمصدر وحيد للدخل، وعندما يُصاب أحد أفراد الأسرة بمرض خطير كالملاريا، فإنهم يفقدون مصدر دخلهم وقد يجدون صعوبة في توفير الطعام والأدوية الأساسية.
وتابع عبده، في تصريحات لـ"جسور بوست"، يمتد الأثر الاقتصادي للملاريا ليشمل المجتمع المحلي بأكمله، فبزيادة عدد المصابين، تتراجع الإنتاجية الاقتصادية بشكل عام؛ فالعمال المصابون يعجزون عن مواصلة أعمالهم، ويؤدي غيابهم إلى نقص اليد العاملة وبالنسبة للمزارعين، يؤدي تكرار غيابهم إلى خسائر في المحاصيل، ما يؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسر الغذائية وأحيانًا على الأمن الغذائي للمنطقة ككل، من ناحية أخرى، تزداد تكاليف العلاج المرتفعة للأسر، ما يجعل من الصعب على العائلات تحمل النفقات المعيشية الأساسية، ويدفعها إلى اتخاذ قرارات مؤلمة قد تشمل بيع الأصول أو الاقتراض من أجل توفير الرعاية الصحية الضرورية.
واسترسل، من الزاوية الطبية، يعود جزء من صعوبة القضاء على الملاريا إلى جهل بعض السكان بطرق الوقاية، إلى جانب قلة إمكانات الحصول على الرعاية الصحية العديد من سكان المناطق المتضررة لا يستطيعون الوصول بسهولة إلى العيادات أو المستشفيات، وهو ما يؤدي إلى تأخر التشخيص وارتفاع احتمالات الوفاة أو الانتكاسات، كما هو الحال مع المرضى الذين لا يلتزمون بالجرعات العلاجية كاملة. إضافةً إلى ذلك، يعاني بعض الأفراد من مفاهيم خاطئة حول العلاج، ما يزيد من انتشار العدوى، ويفسح المجال أمام ظهور سلالات مقاومة للأدوية.
وتابع، تتمثل الحلول الفعّالة هنا في تعزيز البنية التحتية الصحية وزيادة الوعي المجتمعي، فتعزيز الوعي بالملاريا وطرق الوقاية منها قد يسهم بشكل ملحوظ في تقليل الإصابات الجديدة، تحتاج هذه المجتمعات إلى حملات صحية تثقيفية تُشرف عليها فرق طبية مختصة، حيث يُمكن لهذه الفرق تقديم تعليمات شاملة حول أهمية استخدام الناموسيات ومكافحة البعوض وتجنب المياه الراكدة التي تعد بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات الناقلة، ويحتاج القطاع الصحي إلى دعم مادي لمواجهة الطلب المتزايد على العلاج والتشخيص المبكر. ويمكن لجهود التعاون الإقليمي والدولي، مثل الدعم من منظمة الصحة العالمية والمنظمات غير الحكومية، أن تسهم في تقديم المساعدة المادية والتقنية للمناطق المتضررة، بما يشمل تدريب الكوادر الصحية المحلية وتزويد المراكز الطبية بالمستلزمات اللازمة مثل الأدوية، الناموسيات المعالجة بالمبيدات، وأدوات التشخيص السريع
وأتم، في المحصلة، فإن مشكلة الملاريا في إيران ليست مجرد قضية طبية بل هي تحدٍ اقتصادي اجتماعي يعوق تقدم المجتمعات المتضررة ويعرض الأجيال المستقبلية لمخاطر متزايدة.
الحق في الصحة
وقال الخبير الاجتماعي الأكاديمي، طه أبو الحسن، إن أزمة الملاريا في إيران تعد تحديًا بارزًا لا يمس الصحة العامة فحسب، بل يمتد إلى حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الصحة والحياة الآمنة والتنقل الآمن، يمثل انتشار الملاريا في بعض المناطق الإيرانية، خاصةً القريبة من الحدود مع باكستان وأفغانستان، انتهاكًا ضمنيًا للحق في الحياة والصحة، حيث يواجه السكان خطورة الإصابة بهذا المرض المهدد للحياة نتيجة للظروف البيئية والصحية غير المأمونة، إضافةً إلى ضعف نظم الرعاية الصحية في المناطق الأكثر تضررًا، وإلا كانت هناك عواقب صحية واجتماعية خطيرة.
وأكد أبو الحسن، في تصريحات لـ"جسور بوست"، يعد حق الفرد في الحصول على الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية حقًا غير قابل للتصرف، وجزءًا أساسيًا من التزامات الدول التي يجب أن تضمن توفير سبل الحماية الصحية لسكانها، وعندما يعجز السكان في المناطق الموبوءة عن الوصول إلى العلاج أو الوقاية، يتعرض حقهم في الصحة لانتهاك جسيم، وفي ضوء إعلان منظمة الصحة العالمية عن الملاريا كخطر وشيك في بعض مناطق إيران، يُصبح من الضروري التأكيد على ضرورة الالتزام بتوفير خدمات الرعاية الصحية المجانية، والناموسيات المعالجة بالمبيدات، وسبل التوعية الصحية، كجزء من حق الأفراد في الحماية من الأمراض.
وتابع، تمثل حركة التنقل المتكررة بين الحدود الإيرانية والأفغانية والباكستانية تحديًا إضافيًا، إذ تسهل انتقال المرض عبر الحدود، ما يزيد من العبء على النظام الصحي الإيراني، وينتقص من حق السكان المحليين في بيئة صحية آمنة، لذا، فإن المعالجة الجذرية لهذه الأزمة تتطلب تعاونًا إقليميًا، يتضمن تفعيل سياسات صحية وتوعوية مشتركة بين الدول الثلاث، وتكثيف حملات التطعيم والوقاية، لضمان عدم انتهاك الحق في الصحة لمواطني الدول الثلاث على حد سواء.
وأوضح أبو الحسن، أن التركيز على حق الأفراد في الحصول على المعلومات المتعلقة بالملاريا وتداعياتها، وحقهم في الحماية من الأمراض المتنقلة، هو أمر بالغ الأهمية أيضًا إذ يجب أن تتضافر الجهود لضمان توعية مجتمعات المناطق الحدودية بحقوقهم الصحية وإرشادهم للوقاية، سواء عبر برامج تدريبية تقدمها الدولة أو من خلال منظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين.
واختتم حديثه قائلا، إن هذه الأزمة الصحية تسلط الضوء على الحاجة إلى سياسات حقوقية تأخذ بعين الاعتبار البعد الصحي كأحد أركان حقوق الإنسان الأساسية، لذا، من الضروري إعمال مبادئ العدالة الصحية وتوفير سبل الوقاية والعلاج، بما يتماشى مع التزامات إيران الدولية وحقوق الأفراد، ليصبح الحق في الصحة متاحًا للجميع بلا تمييز، وهو ما يتطلب استجابة شاملة ومستدامة تتجاوز الحلول المؤقتة لمعالجة هذه الأزمة الصحية الطارئة.