بين «قمع الحجاب» و «صرخة الحرية».. كيف تصاعد النضال النسوي في مواجهة القوانين القسرية بإيران؟

بين «قمع الحجاب» و «صرخة الحرية».. كيف تصاعد النضال النسوي في مواجهة القوانين القسرية بإيران؟
احتجاجات مطالبة بحقوق المرأة الإيرانية

شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في الاحتجاجات النسائية للمطالبة بالحقوق الأساسية، ما صعّد التوترات بين النساء والدولة، التي ما زالت تُجبرهن على الالتزام بقوانين الحجاب الإلزامي منذ الثورة الإسلامية في 1979، وتتعدى القضية مسألة اللباس، حيث أصبحت رمزاً للحقوق والحريات، فيما تتعرض النساء للعقوبات والمضايقات إذا خالفن قوانين اللباس التي تُعتبر ركناً أساسياً للسلطات الإيرانية.

في حادثة جديدة، أوقفت السلطات الأمنية طالبة أمام جامعة آزاد في طهران، بعد خلعها ملابسها علناً احتجاجاً على مضايقات وحدة "الباسيج"، وانتشر فيديو يُوثق الحادثة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أظهر عناصر أمن يجبرون الطالبة على دخول سيارة، فيما أثارت الواقعة استياءً محلياً ودولياً، ودعت منظمات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، إلى الإفراج الفوري عنها.

تعد إيران واحدة من أكثر الدول انتهاكًا لحقوق المرأة في العالم، وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، حيث تتصدر قوائم الدول التي تفتقر إلى المساواة بين الجنسين وتضع قيودًا شديدة على حرية النساء، واعتبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن هذه السياسات تتناقض مع التزامات إيران الدولية تجاه حقوق الإنسان.

من رمز ديني إلى أداة قمع 

يعتبر الحجاب الإلزامي في إيران أداة سياسية لإحكام السيطرة على النساء، فقد أشار تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 إلى أن إيران جاءت في المرتبة 143 من أصل 146 دولة في مؤشر الفجوة بين الجنسين، ما يُظهر التمييز الذي تواجهه النساء، وتشير بيانات محلية إلى تصاعد الاحتجاجات بعد وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بسبب ارتداء الحجاب "غير اللائق"، حيث أشعلت وفاتها موجة تظاهرات كبرى واجهتها السلطات بعنف.

عقوبات صارمة وقيود قانونية جديدة

رغم الانتقادات المحلية والدولية، تُشدّد السلطات الإيرانية العقوبات على المخالفات المرتبطة بالحجاب؛ ففي سبتمبر 2023، صدر قانون يرفع عقوبة مخالفة قوانين الحجاب إلى السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات وغرامات باهظة، وتُظهر هذه العقوبات تصميماً حكومياً على كبح أي تحرك يطالب بالحرية الشخصية، ويكشف عن استراتيجية واضحة لسحق إرادة النساء الإيرانيات.

ضغوط محلية ودولية 

دعا المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، الحكومة الإيرانية إلى رفع القيود المفروضة على النساء، مشيراً إلى أن هذه القوانين تتناقض مع التزامات إيران تجاه حقوق الإنسان، ويؤكد خبراء حقوقيون أن الحجاب الإلزامي يُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، وأنه يعكس سياسات تهدف إلى قمع حرية المرأة والتحكم بمصيرها.

ورغم العوائق والتهديدات، لا تزال النساء الإيرانيات يقاومن بشجاعة، ما يجعل قضية الحجاب الإلزامي رمزاً أعمق للنضال من أجل الحقوق الأساسية والكرامة.

انتهاك صارخ لحقوق الإنسان

أكد الخبير الحقوقي البحريني عبدالله زويده أن فرض الحجاب والزي الإلزامي على الفتيات والنساء في إيران يُعد انتهاكًا واضحًا لمبادئ حقوق الإنسان التي تدعو إلى حرية الأفراد في اختيار ملابسهم وتقرير مصيرهم بعيدًا عن الإكراه، وأوضح أن هذه الإجراءات تنتهك المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن حرية الفكر والوجدان والدين، ما يشمل حرية التعبير عن الهوية الشخصية، مشيرًا إلى أن فرض الحجاب يمثل أداة قمعية تستهدف النساء، حيث يُستخدم كوسيلة للسيطرة على أجسادهن وعقولهن، مما ينافي مبادئ الكرامة الإنسانية.

تداعيات العنف والقمع 

وأوضح زويده في تصريحاته لـ"جسور بوست" أن الانتهاكات لا تتوقف عند فرض اللباس، بل تمتد لتشمل العنف الجسدي والنفسي ضد النساء اللاتي يقاومن هذه الإجراءات، حيث تتعرض النساء في إيران للمضايقات والاعتقال، بل وحتى للتعذيب، وأشار إلى أن حادثة توقيف الطالبة التي خلعت ملابسها احتجاجًا على مضايقات الباسيج، تعكس مدى القمع الذي تتعرض له النساء هناك. 

وأضاف أن السلطات تبرر هذه الإجراءات بأنها تهدف للحفاظ على "قيم المجتمع"، إلا أنها في الواقع تفرض نموذجًا قسريًا للسيطرة على الحريات الشخصية، مما يتناقض مع المادة 19 التي تضمن حرية التعبير، ومع المادة الثانية من الإعلان العالمي التي تمنع التمييز على أساس الجنس.

دعوة لتحرك دولي 

ودعا زويده المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى مراجعة جادة لهذه الانتهاكات، مؤكدًا ضرورة التضامن مع النساء في إيران والضغط على النظام الإيراني لاحترام التزاماته الدولية ووقف الممارسات القمعية بحقهن، مشددًا على أن تحقيق العدالة والمساواة هو السبيل الوحيد لتمتع النساء الإيرانيات بحقوقهن الطبيعية، بما يحقق الكرامة الإنسانية.

مخالفة الالتزامات الدولية

وفي السياق ذاته، قال خبير القانون الدولي فهمي قناوي إن فرض الزي الإلزامي في إيران، بما في ذلك الحجاب، يُعتبر انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، إذ يحرم المرأة من حرية اتخاذ قراراتها ويقيد استقلالها الشخصي، موضحا أن هذا الفرض يتعارض مع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تكفل حرية الفكر والدين، ويناقض التزامات إيران وفق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه، والذي يضمن الحق في الحرية والأمان الشخصي، ويرفض الاعتقالات التعسفية التي تتعرض لها النساء بسبب عدم الالتزام بالزي المحدد.

انتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب

وأوضح قناوي أن تعذيب النساء وسوء معاملتهن بسبب عدم الالتزام بالزي الإلزامي يُعد انتهاكًا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها إيران، ما يلزمها قانونيًا بحماية الأفراد من المعاملة القاسية، مؤكدا أن توقيف النساء وتعرضهن للعنف الجسدي والنفسي يتناقض مع المادة 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تمنع إخضاع الأفراد لمعاملة مهينة.

التناقض مع المبادئ الدولية

وأكد قناوي أن تجاهل إيران المستمر لحقوق المرأة وعدم التزامها بالاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية سيداو، رغم عدم المصادقة الرسمية عليها، يمثل انتهاكًا صريحًا لمبادئ المساواة وعدم التمييز، مشددًا على أن التمييز المستمر ضد النساء الإيرانيات يعمق معاناتهن اليومية ويحول حياتهن إلى صراع مستمر من أجل حقوقهن الأساسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية